lundi 21 janvier 2019

الجزء التاسع - الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال: تعديلات على قانون 1991 واستعداد لمدرسة المستقبل:القسم الثاني


 
هادي بوحوش
مدخل
لمّا غادر الأستاذ محمّد الشّرفي وزارة التربية والعلوم في 20 ماي 1994 ترك من الناحية النّظريّة، على الأقلّ، منظومة تعليميّة مُجَدَّدَة على مختلف الأصعدة: جهاز قانونيّ يتكوّن من أوامر وقرارات ومناشير تنظّم التّعليم المدرسيّ، وهيكلة تعليميّة متطوّرة تضمن تعليما أساسيّا للناشئة وتهيّئهم لالتحاق بفرع من فروع المعرفة بالتعليم العالي، وبرامج تعليميّة تضمّنت من المستجدّات المعرفيّة والبيداغوجيّة ما فرض على الوزارة توجيه عناية خاصّة للتكوين المستمرّ، ووسائل تعليميّة موافقة للبرامج الجديدة من كتب مدرسيّة وكراسات تمارين وخرائط، ومنظومة تكوين أساسيّ للمعلّمين في مؤسّسات جامعيّة، ومنظومة في تقييم التلاميذ تقييما خارجيّا عمادُها امتحان نهائيّ في السّادسة، وامتحان شهادة ختم التّعليم الأساسيّ في التّاسعة، وامتحان شهادة البكالوريا بشعب جديدة وتراتيب مجدّدة.

لكنّ موسم الحصاد لم يَحنْ بعدُ لجَنْي ثمار الإصلاح، لأنّ تلامذة التّعليم الأساسيّ لم يصلوا بعدُ السّنةَ التاسعة ويجتازوا امتحان شهادة ختم التّعليم الأساسيّ، ولأنّ الفوج الأوّل من تلامذة التّعليم الثانويّ الجديد المنحدرين من منظومة التعليم الأساسيّ سيجتازون امتحان شهادة البكالوريا، في موفّى العام الدّراسيّ 1994/ 1995، فتكون نتائجُهم مؤشّرا على مدى نجاعة المنظومة الجديدة وجودة خريّجيها.
وفي الفترة الممتدّة من 1994 إلى 2001، تداول على الوزارة 5 وزراء  -الملحق رقم 1 -لمُدَد قصيرة أو متوسّطة. يُمكن تقسيم الفترة إلى ثلاث مراحل أو حقبات:
Ø    فترة أولى من ماي 1994 إلى أكتوبر 1997 وتوافق إشرافَ الأستاذ أحمد فريعة والأستاذ حاتم بن عثمان على الوزارة. تميّزت تلك الحقبة بإدخال تعديلات على جوانب من المنظومة الجديدة تحت شعار: " إصلاحُ الإصلاح".
Ø     ومرحلة ثانية من 1997 إلى جانفي 1999 انطلقت مع الوزير الأستاذ رضا فرشيو وتواصلت من الوزير عبد الرّحيم الزواري، وتميّزت بانطلاقة التفكير في مدرسة الغد ومحاولات تطوير أداء المنظومة،
Ø     وفترة ثالثة توافق إشراف الأستاذ عياض الودرني على الوزارة من 1999 إلى 2001، الفترة التي حُسم فيها مآلُ نظام الارتقاء في التّعليم الأساسيّ.

(للرجوع إلى القسم الأول - اضغط هنا)



III. المرحلة الثانية من 1997 إلى نوفمبر 1999: إجراءات أخرى لترسيخ الإصلاح ودعْمه
انطلقت المرحلة الثانية مع الوزير رضا فرشيو، وتواصلت مع الوزير عبد الرحمان الزواري وتميّزت بمحاولات تطوير أداء المنظومة وبالشّروع في التفكير في مدرسة الغد وإقرار مقاربة تربوية جديدة.
1. الوزير رضا فرشيو يتّخذ جملة من المبادرات الإصلاحيّة للرّفع من أداء المنظومة التربويّة.
‌أ.    إعادة إحياء مُخطّط تأهيل الوزارة:
 تنفيذا للمخطّط الوطنيّ لتأهيل الإدارة،[1] أعدّت وزارة التربية، منذ 1996، مخطّطا للتأهيل والتكوين يتعلّق بمجاليْ الإعلاميّة والتكوين الأساسيّ والتكوين المستمرّ لفائدة مختلف الأسلاك والوظائف، من متفقّدين ومديرين ومعلّمين وأساتذة وأعوان إداريّين وماليّين. كما تمّ ضبط ُمحاور التكوين وآجاله بالنّسبة إلى كلّ فئة مستهدفة. ففيما يتعلّق بسلكيْ التفقّد والتدريس مثلا، تدْعَم المحاورُ المقرّرة تملّكَ السّلكين للتجديدات البيداغوجيّة، وللمعرفة العلميّة في الاختصاص، وللمعرفة الصّناعيّة في المجال المهنيّ، وبصفة خاصّة مجال التقييم.[2] ولوْ طبّق هذا المخطّط في وجهيْه المتعلّقيْن بالإعلاميّة والتكوين الأساسيّ والمستمرّ لغنم منه الإصلاحُ التربويّ غُنما كبيرا. وبما أنّه لم ينفّذْ، نقّح الأمرُ في 7 ماي 1998 مع المحافظة على المحتوى الأصليّ وتعيين تواريخ جديدة للتنفيذ.
‌ب.    إحداث اللجنة القارّة للتقييم:
 تبيّن للوزير الأستاذ رضا فرْشيو، غيابَ دراسات شاملة وأبحاث معمّقة عن النّظام التربويّ، فقرّر بعث لجنة قارّة للتقييم مهمّتها تولّي التقييم العامّ للتّعليم الأساسيّ والتعليم الثانويّ، وذلك بتقدير المردوديّة المحقَّقة من قبل المؤسّسات التعليميّة بالنّظر إلى الوسائل الموضوعة على ذمّتها وأهداف السّياسة التربويّة... تتكوّن اللجنة الوطنيّة القارّة للتقييم من مختلف أسلاك التدريس والإدارة بالوزارة، ومن شخصيات من المجتمع المدنيّ وممثّلين عن الوزارات المعنيّة بالتعليم والتربية. وتتفرّع إلى ثلاث لجان مختصّة إحداها مكلفة بتقييم البرامج والكتب والوسائل، والأخرى بتقييم المدرّسين، والثالثة لتقييم التلاميذ والحياة المدرسيّة. غير أنّ هذه اللجنة لم تفعّل.[3]
‌ج.   إرساء آليّة جديدة لانتداب أساتذة التعليم الثانويّ
أحدثت مناظرة الكفاءة لأساتذة التعليم الثانويّ سنة 1998 بغرض ترشيد عملية انتداب المدرّسين التي كانت تعتمد الانتدابَ المباشر على قاعدة الملفّات، ولم تكنْ خاضعة لمقاييس موضوعيّة ومعلنة، وإيجاد حلّ عادل لمسألة العرض والطلب، ذلك أنّ عدد المترشّحين لمهنة التدريس بالتّعليم الثانويّ كان آنذاك يفوق بكثير عدد المراكز المعروضة للانتداب. وعلى هذا الأساس، أصبح الانتدابُ متوقّفا على النّجاح في مناظرة الكفاءة لأساتذة التعليم الثانويّ التي يشارك فيها حاملُو الأستاذيّة.[4]
‌د.     مراجعة نظام امتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ:
هذا الامتحان الذي تمّ إرساؤه بمقتضى قانون 1991، قد انتظمت دورته الأولى في جوان 1998، وهو امتحان يجري في دورة واحدة، ويجتاز فيه التلاميذُ اختبارات في الإنشاء العربيّ ودراسة النّصّ العربيّ ودراسة النّصّ الفرنسيّ ودراسة النصّ الإنقليزيّ والرّياضيات، إضافة إلى ثلاث موادّ تُختار شهرا قبل إجراء الامتحان، من بين الموادّ المتبقية، العلميّة والاجتماعيّة والجماليّة والتقنيّة.
لم تكن نتائج الدّورة الأولى مُطمئنة، فقد نجح قرابة 30% من المترشّحين، ممّا ولّد حيرة واضطرابا وتقرّر تنظيمُ دورة تدارك استثنائيّة في شهر سبتمبر 98 يشارك فيها منْ لم ينجح في دورة جوان[5].
وإثر الدورة الأولى، أدخلت تحويراتٌ على التراتيب المنظّمة لهذا الامتحان، بعد إلغاء العمل بالأمر عدد 1181 لسنة 1992 المنظّم لامتحان الشّهادة، وتعويضه بأمر جديد من أبرز تراتيبه:
-         إدراجُ مادة العلوم الطبيعيّة ضمن الموادّ القارّة في الامتحان، وبذلك ارتفع عددُها من 4 إلى 5 موادّ،
-         اعتماد الإسعاف بالنّجاح، فصار بالإمكان إسعاف التلاميذ بالنّجاح في صورة يتحصّلون في الامتحان على معدّل دون 10 من 20 ولا يقلّ عن 9 من 20، متى توفّرت الشّروط الآتي بيانها: معدّل حسابيّ بين المعدّل السّنويّ والمعدّل في الامتحان لا يقلّ عن 10 من 20/ حسنُ السلوك والمواظبة/ أنْ لا يكون المعنيّ بالإسعاف مترشّحا بصفة فرديّة،
-         إسناد الملاحظات من قبيل حسن جدّا وحسن وقريب من الحسن ومتوسّط، بحسب المعدّلات، وهو إجراء لم يكن معتمدا في الدّورة الأولى.[6]

2.                      ظهور المشاريع التّجديديّة الكبرى
علاوة على تعديل ما يحتاج تعديلا من قانون 91، وما تعلّق به من برامج، وترسيخه، وتبعا للدّعوة الرئاسيّة بمناسبة يوم العلم لسنة 1995، ونتيجة ما أفرزته التقييمات المختلفة، شهدت الفترة الممتدّة من 1997 إلى 1999 اهتمام وزارة التربية بمسألة مدرسة الغد، والتفاتا إلى المشاريع البيداغوجيّة الكبرى التي تروم تطويرَ جوانب من المنظومة التعليميّة، تدريسا وتسْييرا.
‌أ.        التقييمات المختلفة تكشف نقائص المنظومة
أكّدت مشاركةُ بلادنا في الدورة الثانية للتقييم العالميّ لمكتسبات تلاميذ السنتيْن الرابعة والثامنة من التعليم الأساسيّ TIMSS-R[7] لسنة 1999:
-         "عدمَ تعرّض برامجنا المدرسيّة إلى عدد من المفاهيم والموادّ الرّياضيّة التي تدرّس بمعظم البدان المشاركة في المسابقة"،
-         "عدمَ تدريب التلاميذ بالقدر الكافي على حلّ المسائل الرّياضيّة وتوظيف ما يتعلّمونه في وضعيات رياضيّة ذات دلالة"،
-         عدمَ تدريس مادّة العلوم الفيزيائيّة بالمرحلة الثانية من التّعليم الأساسيّ، خلافا لما هو معمول به في أغلب البلدان".
ومن جهة أخرى، أفضت بعض التقييمات الخارجيّة الأخرى إلى أنّ المنظومة التعليميّة التونسيّة تتّسم بــــجملة من النقائص منها:
-         " كثرة الموادّ وعدم إدماجها"،
-         " عدم التركيز على التطبيقات"،
-         "تواضع مستوى تملّك التلاميذ للغة مشافهة وتحريرا"،
-         " الغياب الكلّيّ للوظيفة التكوينيّة للتقييم"،
-         " غياب الجانب الصّناعيّ في التكوين الأساسيّ للمدرّسين"،
-      " اقتصار المدرسة على وظيفة التدريس."[8]
هذه التقييمات كانت دافعا لانطلاق التفكير في سبل النّهوض بالمدرسة التونسيّة. وفي ذلك نوع من الإقرار بفشل إصلاح 1991 قبل اكتماله. ومن نتائج هذا التفكير بروزُ مشروع مدرسة الغد وإقرار اعتماد مقاربة الكفايات الأساسيّة.
‌ب.    مدرسة الغد مشروع جامع
في سنة 1998، انطلق مع الوزير رضا فرشيو، ثمّ الوزير عبد الرّحيم الزواري التفكيرُ في مدرسة الغد من مختلف جوانبها، فتكوّنت للغرض لجانٌ ثلاثٌ يرأسها جامعيّون، وتضمّ مختصّين من قطاعات التربية والتعليم العالي والتكوين المهنيّ. عمّقت كلُّ لجنة منها النّظرَ في محور رئيسيّ، فتبلورت خطوط عريضة لما يمكن أن تكون عليه المدرسة التّونسيّة في المستقبل، من حيث أهدافها وبرامجُها وبنيتها التّعليميّة ودورُ التكنولوجيات الجديدة فيها ونوعية المدرّسين والإداريّين وهندسة فضاءاتها المعماريّة... وفي الأثناء، نظّمت الوزارة ندوة دوليّة في الغرض للتعرّف إلى تجارب البدان الأخرى، فيما يهمّ توجّهات مدرسة المستقبل في عصر العولمة وتكنولوجيات الإعلام والاتّصال.[9]
أمّا المرحلة الثانية فكانت تنظيم استشارة موسّعة، سنة 1999،[10] شارك فيها المربّون والمختصّون في الشّأن التربويّ من مختلف الجهات، للتعرّف إلى آرائهم في المحاور المقرّرة ومقترحاتهم. وضُمّنت المناقشات والاقتراحات النّاجمة عنها في تقرير رسميّ، عُرض على مصادقة السّلطة السّياسيّة والتربويّة، ليكون مدخلا لبلورة توجّهات جديدة للمنظومة التّربويّة. وستكون هذه التوجّهات التي سنتعرّض لأهمّها في الجزء المقبل سندا مفيدا عند الشّروع في بلورة قانون تربويّ جديد، سنة 2002.
‌ج.   المقاربة بالكفايات: تصوّر جديد لبناء البرامج ولوظائف تقييم التعلّم
في نطاق البحث عن حلول ناجعة لظاهرة الفشل المدرسيّ، وفي سياق ظهور مقاربات جديدة في بناء البرامج الدّراسيّة تعنى عناية كبيرة بالكفايات العريضة الواجب تملّكها وبمكوّن التقييم، انطلق،  منذ سنة 1994، مشروع تربويّ على وجه التّجريب، بالتعاون مع المنظّمة العالميّة للطفولة-يونيسف-، وفي امتداد مُطوّر لمقاربة التّعليم بالأهداف، أطلق عليه التّدريسُ وفق  "الكفايات الأساسيّة"، شمل، بالتدريج، عيّنة واسعة من مدارس المرحلة الأولى من التّعليم الأساسيّ ثمّ بعض المدارس الإعداديّة، على أساس الإبقاء على البرامج القائمة آنذاك، وطبق منهجيّة بنائها الأصليّة، أي بالأهداف، مع حرص على تزويد المدرّسين بأدوات تيسّر عملهم ضمن هذه البرامج، أعدّتها فرق عمل احتضنها المعهد القوميّ لعلوم التربية، وتركّز على مفاهيم الإدماج والتقييم التّشخيصيّ لصعوبات التعلّم وتقنيات العلاج.[11]
هكذا، اتّخذ هذا المشروع من تقييم مكتسبات التلاميذ ومفهوم الإدماج في التعلّم مدخلا له، بغاية التقليص من الفشل المدرسيّ غير الدّال، والتّخفيف من الفوارق بين المدارس والجهات، لقناعة بيداغوجيّة ملخّصُها أنّ التقييم الدّوسيمولوجيّ-اعتمادا على سلّم الأعداد والتّرتيب والمعدّلات - لم يعدْ ملائما لاختيارات المنظومة التربويّة، وخاصّة ذاك الّذي يروم مقاومة الفشل المدرسيّ المبكّر، والقضاء على تراكم الثّغرات في تكوين التلاميذ، لعدم تملّكهم لما يعتبر ضروريّا لمتابعة التعلّم الجديد.
كلّ هذا أفرز حاجيّات تكوينيّة ملحّة، وخاصّة في مجال التقييم ووظائفه وأنواعه، وبناء الاختبارات وكيفية تقييمها اعتمادا على معايير ومؤشّرات، وأكّد أهميّة وظيفة التكوين المستمرّ المؤسّسَاتيّة، وضرورة إعداد خطّة وطنيّة، تؤمّن انخراطَ المدرّسين في هذا التمشّي، وتضبط مستلزمات تنفيذ الإحاطة بالمستجدّات وسبل تجسيمها في الواقع التعليميّ الميدانيّ، ممّا أفضى إلى تخصيص النّصيب الأوفر من أنشطة التكوين المستمرّ، في المرحلة الابتدائيّة خاصّة، للمقاربة بالكفايات ونظام العلاج والدّعم والتقييم.
في سنة 1999، وبعد تقييم مرحلة التّجريب تقييما خارجيّا من قبل مختصّين في هذه المقاربة، تمّ إقرارُ تعميم المقاربة بالكفايات على أقسام المرحلة الأولى من التّعليم الأساسيّ.[12]
IV.المرحلة الثالثة 1999 / 2001: الحسم في مسألة الارتقاء من السّنة السادسة إلى السّنة السّابعة، ومن التعليم الأساسيّ إلى التعليم الثانويّ.
1.   إلغاء الامتحان الجهويّ لتلامذة السنة السّادسة:
تواصل العملُ بنظام الارتقاء من السّنة السّادسة إلى السّنة السّابعة بالصّيغة التي تجمع بين نتائج المراقبة المستمرّة ونتائج الاختبار الجهويّ، بالتناصُف، إلى دورة جوان 2000 حيث تقرّر في يوم العلم الإعلانُ عن إلغاء العمل بالاختبار الجهويّ، والاقتصار على نتائج التقييم الدّاخليّ للارتقاء من السّنة السّادسة إلى السّنة السّابعة،[13] علما أنّ نتائج التلاميذ تحتسب على قاعدة إسناد الضّارب 1 للثلاثيّ الأوّل والضّارب 2 للثاني والثالث وقسمة الحاصل على 5. وعلى هذا الأساس، يرتقي من السّادسة إلى السّابعة منْ يتحصّلُ على معدّل سنويّ يساوي 5 من 10، ويمكن لمجلس القسم أن يُسعف بالارتقاء منْ يكون معدّله السّنويّ لا يقلّ عن 4,5 من 10 بشرط أن يتحصّل في العربيّة والفرنسيّة والرّياضيات مَعًا على معدّل سنويّ حسابيّ لا يقلّ عن 5 من 10.
2.     تحويل امتحان شهادة ختم التّعليم الأساسيّ إلى امتحان اختياريّ
تواصل العمل بامتحان شهادة ختم التّعليم الأساسيّ الامتحان الذي كانت وظيفته الأساسيّة تكمن في تخويل الناجحين فيه الارتقاءَ إلى التعليم الثانويّ، أمّا وظيفته الثانية فتكمُن في انتخاب التلاميذ الذين سيلتحقون بالمعاهد النّموذجيّة، حتّى دورة 2001، حيث أدخل تحوير جوهريّ على الأمر المنظّم له يتمثّل في جعل هذا الامتحان امتحانا اختياريّا للرّاغبين في اجتيازه.[14] وبناءً على هذا القرار، تمّ تنقيحُ القرار الوزاريّ المتعلّق بنظام التقييم والارتقاء بالتّعليم الأساسيّ في اتّجاه الاستناد إلى نتائج المراقبة المستمرّة لوحدها للارتقاء من التاسعة أساسيّ إلى الأولى من التعليم الثانويّ. وبالتالي، يرتقي إلى السّنة الأولى من التعليم الثانويّ من يتحصّل على معدّل سنويّ عامّ يساوي على الأقلّ 10 من 20، ويمكن أن يرتقي بالإسعاف من يكون معدّله السّنويّ دون 10 من 20 ولا يقلّ عن 9 من 20، بشرط أن يكون حسنَ السلوك والمواظبة وأن يأنس فيه مجلسُ القسم القدرة على استيعاب البرامج في القسم الأعلى.[15]
نلاحظ إذنْ أنّ مسألة الانتقال من السّادسة إلى السّابعة أساسيّ والانتقال من التاسعة إلى الأولى من التعليم الثانويّ حُسمتْ، في نهاية المطاف، بتغليب دور التقييم الدّاخليّ على دور التقييم الخارجيّ في حلّ مسألة الارتقاء من سنة إلى أخرى، ومن درجة إلى أخرى، وذلك بإلغاء العمل بمفهوم المناظرة أو الامتحان الوطنيّ، سواء على صعيد السّنة السّادسة أو على صعيد السّنة التاسعة. ولولا مسألة الالتحاق بالمعاهد النموذجيّة لَمَا أُبْقيَ على امتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ امتحانا اختياريّا. ومعلوم أنّه ترتّبتْ على هذا الإجراء نتائجُ سلبيّة من أبرزها:
-         طغيانُ الكمّ على الكيْف، لا أدلّ على ذلك من نسبة الرّاسبين بالسّنة السّابعة من التعليم الأساسيّ والسّنة الأولى من التّعليم الثانويّ،
-         ارتقاء تلاميذ إلى التّعليم الثانويّ بملامح غير متماثلة وبتفاوت في المكتسبات،
-          والإخلالاتُ المصاحبة للتقييم الدّاخليّ، كتضخيم الأعداد والمعدّلات،
-         وفقدانُ الوزارة والمجموعة الوطنيّة المَصَافي التي تعدّل بها أدْفاقَ التلاميذ ومصدرا مهمّا من مصادر تقييم المنظومة التّعليميّة.
خاتمة
بالرّغم من أنّ الفترة الممتدّة من 1995 إلى2001 ليست بالطويلة، فقد شهدت حركيّة متميّزة على صعيدَيْ تعديل المنظومة القائمة والتفكير والبحث، سعت خلالها وزارةُ التربية للمشاركة في البرامج البحثيّة الّدوليّة، مثل " تيمس"، والانفتاح على الأنظمة التّربويّة في البلاد المتقدّمة، ما مكّنها من تسليط نظرة خارجيّة على المنظومة التّونسيّة أبانت عيوبَها ومجالات نقائصَها وما يجب أن يُفعل لها، حتّى تقترب شيئا فشيئا من المعايير الدّوليّة. ومن جهة أخرى، خاضت الوزارة في مسألة مستقبل المدرسة التّونسيّة في سياق العوْلمة، ومجتمع المعرفة، وسيطرة التكنولوجيات الجديدة التي فرضت نفسَها على المنظومات التّعليميّة، وصارت تطمح إلى أن تكون نمطا تعليميّا تفاعليّا بديلا يعوّض النّمط القائم على التلقين وسلبيّة التلميذ. ويبدو أنّ التغيّرات الجوهريّة التي شهدها العالمُ جعلت التنافسّ بين الأمم قائما على جودة الموارد البشريّة وذكائها، ما حدا بالبلاد التّونسيّة إلى أن تبادر بإعداد مخطّطات للتأهيل في مختلف القطاعات والمجالات، عساها تقوى على المنافسة من أجل البقاء.


الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقدان عامّان للتربية متقاعدان
تونس في 25 أكتوبر 2014.



ورقات ذات علاقة منشورة بالمدونة البيداغوجية


الهادي بوحوش و المنجي عكروت : ملامح الإصلاح التربويّ الجديد -  المدونةالبيداغوجية.

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/03/blog-post.html

الهادي بوحوش و المنجي عكروت: تقرير اللجنة الفرعيّة للتعليم الثانويّ صدر بجريدة "لاكسيون " لسان الحزب الاشتراكي الدّستوريّ"،المدونة البيداغوجية.

الهادي بوحوش و المنجي عكروت : تاريخ الإصلاحات التّربويّة بالبلاد التّونسيّة منذ القرن التاسعَ عشرَ: توطئة عامّة

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/11/blog-post.html#more

عمر بنور : في الاصلاح التربوي - المدونة البيداغوجية.

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/05/blog-post.html#more

عمر بنور: في الإصلاح التربويُ:المرجعيــّات  (الجزء الأول) المدونة البيداغوجية.

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/09/blog-post_28.html

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/11/2.html#more

عبد العزيز الجربي : خواطر حول السّياسة التربويّة أو أيّة سياسةتربويّة لأيّ إصلاح تربويّ؟ المدونة البيداغوجية.

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/10/blog-post.html

عمران البخاري : الحوكمة في النظام التربويالتونسي، المدونة البيداغوجية.

الهادي بوحوش و المنجي عكروت : تاريخ موجز للإصلاحات التربويّة في البلاد التونسيّة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم: اصلاحات فترة ما قبل الحماية الفرنسيّة : الجزء الأول

تاريخ الإصلاحات التربويّة بالبلاد التونسيّة: القسم الثاني: الإصلاحات زمن الحماية . الجزء الأول : محاولات وتجارب لتطوير المنظومة التعليميّة الزّيتونيّة

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/11/blog-post_30.html

تاريخ الإصلاحات التربويّة بالبلاد التونسيّة: القسم الثاني: الإصلاحات زمن الحماية .  الجزء الثاني :  ارساء التعليم العصري العمومي في أواخر القرن التاسع عشر

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/12/blog-post.html

تاريخ الإصلاحات التربويّة بالبلاد التونسيّة: القسم الثاني: الإصلاحات زمن الحماية . الجزء الثالث : الإصلاحات التّعليميّة بعد ماشويل وحتّى الاستقلال

الإصلاحات التعليميّة الكبرى بالبلاد التّونسيّة زمن الاستقلال : إصلاحات المرحلة الانتقاليّة: 1955/ 1958

الإصلاحات التعليميّة الكبرى بالبلاد التّونسيّة زمن الاستقلال: إصلاح سنة 1958 ج 1
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/01/1958_11.html#more
الإصلاحات التعليميّة الكبرى بالبلاد التّونسيّة زمن الاستقلال :إصلاح سنة 1958 ج 2
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/01/1958.html#more
الإصلاحات التعليميّة الكبرى بالبلاد التّونسيّة زمن ألاستقلال :إصلاح سنة 1958 ج3
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/01/1958_11.html
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال القسم الثالث : تقييم إصلاحات 1958
ومحاولات تطويع المنظومة التربويّة للواقع المتجدّد. ج 1
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/01/1958_18.html
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال القسم الثالث : تقييم إصلاحات 1958
ومحاولات تطويع المنظومة التربويّة للواقع المتجدّد. ج 2
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال القسم الثالث : تقييم إصلاحات 1958 ومحاولات تطويع المنظومة التربويّة للواقع المتجدّد الجزء الثالث.
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال القسم الثالث : تقييم إصلاحات 1958 ومحاولات تطويع المنظومة التربويّة للواقع المتجدّد الجزء الرابع.( الحصيلة)

الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال ، الّلجان القارّة للتّعليم : توجّهاتُها الإصلاحيّة ومقترحاتُها في مجال التّعليم المدرسيّ : الجزء 1


الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال ، الّلجان القارّة للتّعليم : توجّهاتُها الإصلاحيّة ومقترحاتُها في مجال التّعليم المدرسيّ : الجزء2

الاتّجاهات الكبرى لإصلاح النظام التربويّ، جانفي 1988

التّعليم التّونسيّ بين الحاضر والمستقبل"، بقلم الأستاذ أبي القاسم محمّد كرّو

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/04/blog-post.html#more
مدخل إلى مشاريع إصلاح النّظام التربويّ[1] : الجزء الأول
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/01/1972.html

مدخل إلى مشاريع إصلاح النّظام التربويّ[1] : الجزء الثاني

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/01/1.html
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال - الجزء السّادس: الإصلاح التربوي لسنة 1991"
 http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/01/1991.html
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/01/
لإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال الجزء السّادس: الإصلاح التربوي لسنة 1991" القسم 3
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/02/1991.html
الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال الجزء السّادس: الإصلاح التربوي لسنة 1991 القسم4
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2018/02/1991_12.html

الجزء التاسع - الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال: تعديلات على قانون 1991 واستعداد لمدرسة المستقبل( القسم الأول)

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2019/01/1991.html
















 [1] . الأمر عدد 49 لسنة 1996 المؤرّخ في 16 جانفي 1996 المتعلّق بضبط محتوى مخطّطات تأهيل الإدارة وطريقة إعدادها وتنفيذها
[2] . القرار المؤرّخ في 15 ماي 1996 المتعلق بضبط مخطّط تأهيل الوزارة الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 42 بتاريخ 24 ماي 1996.
[3] . القرار المؤرّخ في 6 نوفمبر 1998 المتعلّق بضبط تنظيم اللجنة القارّة للتقييم وتركيبتها وتسييرها والصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد92 بتاريخ 17 نوفمبر 1998.
[4] . الأمر عدد 2113 لسنة 1998 المؤرّخ في 28 أكتوبر 1998 المتعلّق بتنقيح القانون الأساسيّ لأساتذة التعليم الثانويّ لسنة 1973.
[5] . الأمر عدد 1521 المؤرّخ في 24 جويلية 1998.
[6] . الأمر عدد 2551 المؤرّخ في 28 ديسمبر 1998 المتعلق بضبط تراتيب امتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ، الصادر بالرّائد الرّسميّ عدد 1 بتاريخ غرة جانفي 1999.
[7]  The Trends in International Mathematics and Science Study (TIMSS) : Une évaluation internationale des acquis des élèves de 4ème année et 8ème année de l’enseignement de base en mathématiques et en sciences. , cette évaluation a démarré en 1995 et elle se fait tous les 4 ans.
[8] . المرجع نفسه ص 50.
[9] . أشرف على أعمالها الأستاذ رضا فرشيو، وزير التربية سنة 1998.
[10] . أشرف عليها الأستاذ عبد الرّحيم الزواري وزير التربية آنذاك، وهو يعتبرها من أبرز إنجازاته في قطاع التربية. ذكر ذلك عند ترشّحه لمنصب رئيس الجمهوريّة في الانتخابات الأخيرة.
[11] . انظر على سبيل المثال: الكفايات الأساسيّة والأهداف الاندماجيّة النّهائيّة بالتعليم الأساسيّ، منشورات المعهد القوميّ لعلوم التربية بالتعاون مع اليونيسف، تونس 1995، ودليل المعلّم في الكفايات الأساسيّة، مطبوعات وزارة التربية بالتعاون مع اليونيسف، تونس 1998.

[12] . تقرّر التعميم، بعد اجتماع مهمّ عرض خلاله تقرير تقييميّ من قبل الخبير البلجيكيّ جون ماري ديكتال، أشرف عليه الأستاذ عبد الرحيم الزواري الذي أعلن التعميم بعد إنصاته لملاحظات الحاضرين. انظر أيضا عبد الملك السلاّمي: برنامج الكفايات الأساسيّة بالبلاد التونسيّة، ضمن مؤلّف جماعيّ عنوانه: هل للكفايات من مستقبل؟ ص، ص 65-72، علما أنّ المرحوم عبد الملك السلاميّ المتفقد العامّ للتربية تولّى مهمّة منسّق عامّ لهذا المشروع التجديديّ. 

[13] . قرار وزير التربية المؤرّخ في 28 ماي 2001 المتعلّق بتنقيح قرار التقييم والارتقاء لسنة 1996 والصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 45 بتاريخ 5 جوان 2001.
[14] . الأمر عدد581 المؤرّخ في 12 مارس 2002 المتعلّق بتنقيح الأمر المنظّم لامتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ، الصّادر بالرائد الرسميّ عدد 24 بتاريخ 22 مارس 2002.
[15] . القرار المؤرّخ في 16 مارس 2002 المتعلّق بنظام التقييم والارتقاء بالتعليم الأساسيّ الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 24 بتاريخ 22 مارس 2002.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire