lundi 28 septembre 2015

فــــي الإصلاح التربويُ: المرجعيــّات ( الجزء الأول )

تفتح المدونة البيداغوجية صفحاتها   من جديد للزميل عمر بنور المتفقد العام للتربية و المديربالتفقدية العامّة للتربية لأكثر من عقدين ساهم فيهما مع ثلة من الزملاء في إرساء هذه الادارة التي حضنت إطار التفقد البيداغوجي  ليواصل  عرض خواطر حول  قضية الإصلاح التربويّ  ( راجع لمحة4 ماي 2015 )  و يُركّز هذه المرة على مرجعيات الإصلاح التربوي مُلحّا على مبدأين أساسيين أوّلهما  حتمية التواصل بين الاصلاحات وثاتنيها ضرورة التقييم العلميّ و الصارم للإصلاح السابق، قبل الشروع في تصوّر الإصلاح اللاحق.
نأمل أن ينسج  زملاؤُنا على منوال الأستاذ عمر بنور لإثراء الساحة التربوية بتجاربهم و خبراتهم و نذكّرهم بأنّ المدونة البيداغوجية  تنتظر إسهامهم.
الهادي بوحوش و المنجي عكروت


          المرجعيّات القانونيّة:
حاولنا في مقال سابق أن نضع مسألة التربية في إطارها العامّ، واستعرضنا جملة من المعطيات سمّيناها مبادئ أصبحت تؤخذ في الاعتبار عند كل إصلاح، وعند النّظر في منزلة التربية بالنّسبة إلينا أو إلى غيرنا، وقد رأينا أن نذكّر هنا بالمرجعيّات حتّى نتبيّن أكثر مواطن القوّة ومواطن الخلل في نظامنا التربويّ، بين النّظر والتطبيق. فالمتتبّع لما تشهده السّاحة السّياسيّة من مناقشات في التربية، ولما يقال في منابر متعدّدة، ولما ينشر في الصّحف، يلاحظ قلق المتدخّلين خاصّة والمجتمع عامّة على مصير الناشئة وتحميل المدرسة كلّ الانحرافات والأمراض المتفشية في المجتمع، وقلّة الرضا عن مردودها، والدّعوة إلى فتح هذا الملفّ من جديد وإعادة النظر في المسائل الأساسيّة. وقد رفع وزراء ما بعد الثورة شعار الإصلاح، وهم عارفون أنّهم لن يستطيعوا إنجازه في تلك المرحلة، ولعلّهم قد فعلوا خيرا عندما اكتفوا بالشّعار فقط. لذا رأينا من الأفضل، قبل أن نتحدّث عن واقع المدرسة وما يجري على الميدان، أن نذكّر بأهمّ مقوّمات الإصلاحات السّابقة والحالية، حتّى يسهل على القارئ المتتبّع إدراك واقع التربية عندنا ووضع مدرستنا الراهن، وأن يعلم أنّ كلّ إصلاح من الإصلاحات السّابقة قد دعّم ما قبله وأضاف إليه مكتسبات جديدة لا يستهان بها، وأنّ أيّ تغيير يحاول نسْفها أو النيل منها تحت أيّ مسمّى مرفوض ولن تكتب له الحياة.
الإطار القانونيّ للتربية في تونس
1 – الإصلاحات
شهدت تونس منذ الاستقلال ثلاثة قوانين تنظّم التربية والتعليم، كلّها حدّدت الغايات الكبرى للتربية، ونوعية المؤسّسات الحاضنة، ودرجات التعليم ومحتوياته.
أوّلها قانون 1958 ومن أهمّ ميزاته تونسة التعليم أي تأسيس تعليم وطنيّ موحَّد تتساوى فيه حظوظ الأطفال دون تمييز جنسيّ أو دينيّ أو اجتماعيّ، مع ضمان مجانيته في كلّ مراحله، وانتشاره وإجباريته في سن السّادسة.
 ثانيها إصلاح 1991 رسّخ المبادئ والقيم الإنسانيّة التي جاء بها القانون السّابق ودعم مشروع التعليم الأساسيّ وما تبعه من بناء برامج حسب الأهداف وغيرها من التجديدات المساندة لتنمية الحسّ المدنيّ والتفتّح على الحداثة والحضارة الإنسانيّة.
ثالثها القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ لسنة 2002 [1] ويحسن أن نتوقّف عنده، لأنّه المرجع الحاليّ الذي تشتغل بمقتضاه المدرسة. ولئن عزّز هذا القانون المفاهيم والمبادئ والقيم الإنسانيّة التي قام عليها النظام التربويّ منذ الاستقلال، فإنّه أضاف إليها مسائل تنظيميّة وبيداغوجيّة أساسيّة. وتكمن أهمّية هذا النظام في نظري في استناده إلى مشروع مدرسة الغد، هذه المرجعيّة الأساسيّة التي كانت ثمرة مجهود أهل الاختصاص في التربية ومن لهم صلة بها. وقد استغرق إعداد هذا المشروع مدّة طويلة كانت بمثابة الورشة المستمرّة للتفكير والتشاور، وتخلّلها تنظيم ندوة دولية شارك فيها خبراء من تونس ومن بلدان عديدة من العالم ممّنْ لها تجارب رائدة في مجال إصلاح الأنظمة التربويّة وتوّجت كلّ هذه الأعمال باستشارات جهويّة ومركزيّة فكانت محلّ إجماع آنذاك. وأهمّ ما جاء في هذه الوثيقة المرجع تحديد وظائف المدرسة في ثلاث هي التربية والتعليم والتأهيل، أي نتعلّم لنعرف ونتعلّم لنعمل ونتعلّم لنكون. فالتعلّم المعرفة وحدها لا معنى له إذا لم يرتبط بالتعلّم للعمل.والعلم الذي لا يُترجم إلى عمل لا ينفع المجتمع، وإن وجد فهو ليس من اختصاص المدرسة. بل قد يصبح وبالا عليها. وإنّ إكساب المعارف والإعداد للعمل تبقى غاية مبتورة ما لم تتكفَّل المدرسة بتربية المواطن وبتكوين شخصيته وبناء كيانه. وبناء على هذه المرجعية ركّز هذا النظام التربويّ الجديد على النقاط الأساسية التالية:
-         التأكيد على أنّ التربية أولوية وطنيّة مطلقة.  ( الفصل 1)[2]
-         أنّ التلميذ محور العملية التربويّة.( الفصل 2)
-   أنّ من رسالة المدرسة تنشئة المتعلّمين على القيم الإنسانيّة (حبّ الوطن، الانتماء الحضاريّ، العيش معا، التسامح، العمل إلخ...) وإعدادهم إلى الانخراط في المجتمع العالميّ الحديث.
-         أنّ المؤسسة التربوية هيكل بيداغوجيّ قائم بذاته.( الفصل 6)
-         أنّ التقييم عنصر أساسيّ، ويشمل كلّ مكوّنات التربية (مكتسبات التلاميذ، عمل المدرّسين، نشاط المؤسّسات، والمردود التربويّ).
-         أنّ البحث والتجديد محرّكان أساسيّان لتطوير المنظومة باستمرار.
وقد رافقت هذا القانون وثيقة وُسمت بالخطّة التنفيذيّة لمدرسة الغد[3] 2002 – 2007، أهمّ ما جاء فيها تحديد التوجّهات الكبرى للإصلاح التربوي الجديد، روزنامات تطبيق الإجراءات المقترحة، وهو عمل جيّد، كان بمثابة لوحة قيادة للأطراف المسؤولة عن الإصلاح. لكن من المؤسف أنّه لم يتمّ تقييم إنجاز هذه الخطّة، حتى نعرف ما فعلنا ونجحنا فيه، وما لم نوفَّق في إنجازه، أو ما لم ننجزه، ونبحث عن مواطن التعطيل ونسأل عن أسبابها ونسائل المكلّفين بالإنجاز، حتى نعدّل مسارنا. بل الأغرب من هذا أنّه لم توضع خطّة أخرى بعد هذا التاريخ للتدارك أو لمواصلة الإنجاز، ولولا المخطّط الذي هو مشروع الدولة لجازفنا بالقول إنّ التربية تسير إلى غير هدف واضح، منذ ذلك التاريخ.
2 – المخطّط الحادي عشر 2007 – 2011 في مجال التربية.
ونكتفي بذكر الأهداف وهي:
-         التصدّي للفشل المدرسيّ.
-         تعزيز دعائم الجودة.
-         تحسين ظروف الدراسة.
-         إرساء مدرسة مجتمع المعلومات ونشر الثقافة الرقميّة.
-         إرساء مدرسة متفاعلة مع محيطها.
-         تطوير الحياة المدرسيّة.
-         النهوض بالتعليم الخاصّ.
والكلّ يعلم أنّ هذا المخطّط قد أتت عليه الثورة قبل الانتهاء من تطبيقه وتوقّف العمل به، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ونحن نسير على غير هدى في التربية وفي كلّ القطاعات الأخرى. وفي غياب تقييمات علميّة ودقيقة، تؤكّد أو تفنّد المواقف المختلفة حول هذا الإصلاح، يبقى الانطباع الرائج سلبيا وأنّ المخرجات لم تكن في مستوى المدخلات، وأنّ ما لم ينجز هو أكثر بكثير ممّا تحقّق، وما تحقّق لا يرقى إلى انتظارات المجتمع من المدرسة. (يتبع)

عمـــر بنّــــور متفقّــد عـــامّ للتربيـــة







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire