lundi 28 mars 2016

الاتّجاهات الكبرى لإصلاح النظام التربويّ، جانفي 1988


تقدّم المُدونّةُ البيداغوجية، هذا الأسبوع، وثيقة نادرةً ومنْسيّة، بالرّغم من أهمّيتها في رسم المحاولات الإصلاحيّة في مجال التربية والتعليم، فهي لا تُذكر ضمن الوثائق اللاحقة التي اهتمّت بالإصلاح التربويّ، ولا يُحال إليها، حسب علمنا. وهي عبارة عن مشروع قانون مؤرَّخ في جانفي 1988، أنتجتْه لجنة للتفكير في النظام التربويّ، انطلقت أشغالها منذ 1987، ووُضع تحت عنوان "الاتّجاهات الكبرى لإصلاح النظام التربويّ." ولقد كانت هذه الوثيقة موضوعَ استشارة وطنيّة واسعة خلال شهري فيفري ومارس 1988، استعدادًا لإصدار قانون تربويّ جديد، يُعوّض قانون التّعليم لسنة 1958.




تتكوّن الوثيقة من ثلاثة عناصر:
-          المكوّن الأوّل: رسالة تَوَجَّهَ بها وزيرُ التربيّة التعليم والبحث العلميّ، السيّد تيجاني الشلّي، إلى العائلة التربويّة، يُعلن فيها عن " عزم الوزارة على إعداد قانون إطاريّ جديد للتعليم"، وعن انطلاق " حوار شامل في إطار استشارة واسعة النّطاق، لاستطلاع آراء مختلف الأطراف المعنيّة ومقترحاتها."
-         المكوّن الثاني: تقديم موجز للدَواعي التي دفعت إلى هذا العمل والاتّجاهات الكبرى للمشروع الإصلاحيّ المزمَعُ إنجازه، وفيه استعراضٌ للمبادئ الأساسيّة وسُبل إنجاز الإصلاح ووسائله.
-         المكوّن الثالث، والذي حُظيَ بأكبر جزء من الوثيقة، خُصّص لتقديم المحاور التي ستكون موضوع الحوار والاستشارة الوطنيّة، وهي سبعة محاور وردت حسب التسلسل التالي: هيكلة النظام التربويّ من الوجهة الإداريّة -المستوى الأوّل من التعليم والمدرسة الأساسيّة -المستوى الثاني من التعليم والباكالوريا -التعليم العالي والبحث العلميّ -إطار التدريس -التعليم الخاصّ –وآخر محور يتعلّق بتمويل النّظام المدرسيّ.

تنظيم الاستشارة
يوم 23 فيفري 1988، التأمت ندوة المديرين الجهويّين للتعليم الثانويّ والمندوبين الجهويّين للتعليم الابتدائيّ،[1] تحت إشراف وزير التربية والتعليم والبحث العلميّ، الأستاذ التّيجاني الشلّي، وبحضور كاتب الدّولة المكلّف بالتعليم الابتدائيّ والتعليم الثانويّ السيّد محمّد الهادي خليل،[2] وقد تناولت النّدوةُ موضوعَ الاستشارة الخاصّة بإصلاح النظام التربويّ، حيثُ:
-         ركّز الوزير على أهمّية الاستشارة، ملحّا على أبعادها ودورها في عملية الإصلاح التربويّ، ومشيرا بالخصوص إلى أنّه " لا يعقل أن تبقى بعضُ الرواسب السّلبيّة في نظامنا التربويّ، بعد مرور مرحلة زمنيّة هامّة من الاستقلال، وأنّه آن الأوانُ للتفكير بجدّ في مستقبل هذا القطاع الحسّاس، وإعادة النظر في نظامه، قصد إصلاحه وإكسابه مزيدا من الفاعليّة والنّجاعة، وتحقيق ثلاث غايات وهي: الحدُّ من عدد المنقطعين، وضمان التعليم لكلّ الأطفال حتّى سنّ 15 أو 16 سنة للقضاء على الأمّيّة. أمّا الغاية الثالثة فهي الرّفع من مستوى التعليم[3].
-         وأكّد ضرورةّ أن تشمل الاستشارة أكبر عدد من رجال التعليم والأولياء وكلّ الأطراف المعنيّة بقطاع التربية والتعليم، على أنّ بعض المنظّمات القوميّة تعتزم تنظيم الاستشارة في صلب هياكلها.
-         ثمّ استعرض المحاور التي وردت في الوثيقة، موضوع الدَّرس وإبداء الرأي، مشيرا إلى وجود مسائل أخرى لم تدرج في الوثيقة مثل " مسألة الانتقال من المرحلة الابتدائيّة إلى المرحلة الأخيرة من المدرسة الأساسيّة."
وأضاف كاتب الدّولة، الأستاذ محمّد الهادي خليل، أربع مسائل أخرى، وهي:
-         مسألة الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الأخيرة من المدرسة الأساسيّة -
-       و مسألة الانتقال من المدرسة الأساسيّة إلى المرحلة الثانويّة ، متسائلا هل يتمّ ذلك باعتماد آلية التوجيه فقط،
-         ومسألة كيفية إنجاز المدرسة الأساسيّة انطلاقا من المؤسّسات الموجودة [4].
-         ومسألة تصوّر برنامج متكامل للإصلاح و دعم المستوى التعليميّ.
واستقرّ الرأي في الجلسة على طريقة إنجاز الاستشارة ومواعيدها:
§        بالنّسبة إلى التعليم الابتدائيّ، تُنجز الاستشارة على ثلاثة مستويات تنطلق من المدرسة، فالدائرة، وصولا إلى المندوبيّة.
§        أمّا بالنّسبة إلى التعليم الثانويّ فتنجز الاستشارة على مستويين اثنين: تنطلق من المعاهد لتصل إلى الادارة الجهويّة.
§        ترسل التقارير التأليفيّة إلى الوزارة في موفّى شهر مارس، كي تتمكَّن لجنةُ التفكير في النّظام التربويّ من دراستها وإعداد التقرير الوطنيّ حول الإصلاح التربويّ.
وقد أنجزت الاستشارةُ حسَب التمشّي المبرمج، وطبقا للروزنامة المحدَّدة لها، ممّا مكّن الوزارة من إعداد وثيقة جامعة في شهر جويلية 1988 سُمّيت:" إصلاح النظام التربويّ: الاتّجاهات الكبرى والإطار التشريعيّ" التي سنخصّص لها ورقة قادمة.  
v     


مراسلة وزير التربية والتعليم والبحث العلميّ إلى الجهات المعنيّة بالاستشارة الوطنيّة
"وزارة التربية والتعليم والبحث العلميّ
لجنة التفكير في النظام التربويّ
الاتّجاهات الكبرى لإصلاح النظام التربويّ، جانفي 1988
"سيداتي، سادتي.

يشرّفني أن أرفع إلى علمكم عزمَ وزارة التربية والتّعليم والبحث العلميّ على إعداد نصّ قانون إطاريّ جديد للتعليم، تعويضا لقانون 1958 الذي ينظّم حاليّا التّعليم في تونس.
وتهدف هذه الوثيقة إلى إقامة حوار شامل في إطار استشارة واسعة النّطاق، لاستطلاع آراء ومقترحات كافة الأطراف المعنيّة.
وتتمحْور الاستشارة أساسا حول المواضيع التالية: إدخال نظام المدرسة الأساسيّة، وتراتيب الانتقال من المدرسة الأساسيّة إلى المرحلة الثانويّة، وإقرار نظام الجذع المشترك ومدّته قبل التوجيه عند انتهاء مرحلة المدرسة الأساسيّة، وتنويع شهادة الباكالوريا، وتنظيم سنة تحضيرية بعد الباكالوريا، وتراتيب الارتقاء إلى الجامعة (عن طريق المناظرة أو الاختبار أو دراسة الملفّ) وتشجيع التعليم الخاصّ، وتمويل النظام التربويّ.
فالرّجاء موافاتنا بآرائكم حول هذه المحاور، ومدّنا قبل شهر مارس 1988 بالمقترحات التي تروْنها صالحة في هذا المجال.
والسّلام.
وزير التربية والتعليم والبحث العلميّ
تيجاني الشلّي"

·     وثيقة في الاتّجاهات الكبرى لإصلاح النّظام التربويّ

"إنّ إصلاح النّظام التربويّ التونسيّ يُمثل إحدى الأولويات الكبرى في سياسة الحكومة، وإحدى المشاكل الأساسيّة التي تشغل الرأي العامّ القوميّ.[5] ذلك أنّه أصبح من المُتحتّم-وقد مضتْ ثلاثون سنة على التجربة المنبثقة من قانون 1958-وهو نصّ قد تجاوزه الواقع تجاوزا بعيدا-أن نستخلص العبرة من هذه التجربة، وأن نتناول سياستنا التربوية بمراجعة جذريّة، على ضوء وضع نظامنا التربويّ الراهن الذي أثقلته جملة من التراتيب المتنافرة، غير الملاءمة، وباعتبار التحدّيات الجديدة التي تجابهنا بها التحوُّلاتُ العلميّة والتكنولوجيّة والمقتضياتُ التي سيفرضها التطوُّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ، خلال العقود القادمة."

تعليق: كانت مراجعةُ السّياسة التربويّة مراجعةً جذريّة مكوّنا قارّا من مكوّنات السّياسة التنمويّة بالبلاد التونسيّة، منذ 1967:
فقد بُعثت اللجنة القوميّة للتعليم سنة 1967 لتقييم المنظومة التّعليميّة المترتّبة على قانون التعليم لسنة 1958 ورفعت توصياتها في جوان 1967، وبدأ تطبيقها منذ العودة المدرسيّة 1967/ 1968 مع الأستاذ محمود المسعدي، ثمّ مع الأستاذ أحمد بن صالح، لكنَّ الإصلاحَ توقّف بإقالة الوزير ومحاكمته، وتمّ التراجعُ عن كلّ القرارات والإجراءات التي أقرّها الوزير.
وبُعثت اللجانُ القارّة للتعليم سنة 1970 وعُهد إليها بسنّ سياسة تعليميّة جديدة، بعد تحوُّل البلاد إلى نمط تنمويّ ذي نزعة ليبراليّة، فأعدّت تقاريرَها القطاعيّة في أفريل وجوان 1972، وتولّى وزراءُ التربية تطبيقَ عدد من توصياتها، وخاصّة الوزيريْن محمّد مزالي وإدريس قيقة: تعريب التعليم الابتدائيّ ومدارس ترشيح المعلّمين، التمديد في المرحلة الابتدائيّة بإحداث السّابعة والثامنة بعد الابتدائيّ، إدخال التدريب على العمل اليدويّ، تعريب الموادّ الاجتماعيّة بالمرحلة الثانويّة: الجغرافيا، التاريخ، الفلسفة، العناية بالتعليم التقنيّ وبالتعليم المهنيّ، مراجعة نظام التقييم المدرسيّ وإقامة منظومة المراقبة المستمرّة، مراجعة منظومة الامتحانات المدرسيّة الوطنيّة بإلغاء امتحان التأهّل، وإلغاء الاختبارات الشفويّة، وإلغاء دورة سبتمبر، وإقامة دورة رئيسيّة متبوعة بدورة تدارك خلال شهر جوان...
وشُكّلت سنة 1982 لجان فنّيّة لإعداد تصوّر عن المدرسة الأساسيّة، بعد أن تمّ إدراجها بالمخطّط الخماسيّ التنمويّ السّادس، فرفعت تقريرَها في جوان 1984، وكان من المؤمّل إرساءُ المدرسة الأساسيّة سنتَها، لكنّ المشروع توقّف لأسباب ماليّة على ما يبدو، والبلاد تعرف أزمة اقتصاديّة وماليّة. وسيكون التعليم الأساسيّ مقوّما رئيسيّا في مشروع إصلاح التعليم لسنة 1988.

§          المبادئ الأساسيّة

"إنّ النّاظر في التجربة التربويّة التونسيّة التي قُمْنا بها خلال السّنوات الثلاثين الأخيرة، وفي النتائج التي أسْفرت عنها، والمشاكل الحاليّة التي أفرزتها، والمقارنة بين هذه التجربة ومثيلاتها في الخارج بما تكتسيه من مظاهر سلبيّة وإيجابيّة يفضيان إلى إجلاء بعض المبادئ الأساسيّة التي تمثل محلَّ إجماع الدّوائر القوميّة المعنيّة وأغلب الرأي العامّ.
ويمكن صَوْغْ هذه المبادئ الأساسيّة على النَّحو التالي:
1)    النّهوض بالإنسان التّونسيّ وبالثقافة القوميّة على أساس ما تقتضيه الأصالة والمعاصرة.
2)    تثبيت الصّيغة الدّيمقراطيّة التي يتّسم بها النظامُ التربويّ، إذ أنّ الديمقراطية تعتبر اختيارا قوميّا وقع إقرارُه واتّباعُه منذ الاستقلال، ويمثل تواصلُ تطبيقه شرطا ضروريّا للرّفع من المستوى الثقافيّ والتربويّ للأمّة كافة، ولتكوين النّخبة التي تحتاجها بلادُنا في شتّى المستويات.
3)    ضمان العدالة الاجتماعيّة بأن يوفّر النظام التربويّ لكافة المواطنين، كلٌّ حسب قدراته، فرصا متكافئة للتمكّن من الانتفاع بالخدمات التربويّة وبإمكانيات الترقية الاجتماعيّة. ولإدخال هذا المبدإ حيّز التطبيق يتعيّنُ، قبلَ كلّ شيء، أن نضمن مستوى تربويّا أساسيّا لكافة أبنائنا، وأن نفتح أبواب التعليم، بعد ذلك، أمام كلّ من تؤهّله قدراته ومواهبه لمواصلته.
4)    تيْسير التلاؤم الدائب بين السّياسة التربويّة والتكوين وحاجات البلاد الحاضرة والمتوقَّعة."

تعليق: تشترك المحاولاتُ الإصلاحيّة السّابقة لهذا المشروع في إقرارها بالمبادئ العامّة المنصوص عليها في هذه الفقرة من مشروع القانون، ما يعني أنّها محلُّ إجماع بين التونسيّين.
ولا يختلف إصلاحٌ عن آخر إلاّ بالتركيز على مظْهر من مظاهر هذه المبادئ، أو على تَجَلّ من تجلّياتها. ولعلّ ما تتميّز به إصلاحاتُ 1967 وإصلاحات 1972 وما بعدها هو سَعْيها إلى الرَّبْط بين مضامين التكوين المدرسيّ والنَّمط الاقتصاديّ، وحاجيات المجتمع في مختلف قطاعات الحياة، وجعل التعليم ملتفتا إلى المستقبل، لأنّ التربية إعدادٌ للغد، ما يفسّر العنايةَ بالتعليم المهنيّ، والتعليم التقنيّ الاقتصاديّ، والفنّيّ والتدريب على العمل اليدويّ، والأعمال الحقيقيّة في الورشات.
وفي المشروع المعروض، اتّخذت العدالةُ الاجتماعيّة مُجسّمةً في تكافُؤ الفرص بُعدا جديدا، إذ أكّد المشروع هذا المبدأ، لكنّه قيّده بقدرات المتعلّم ومدى استعداده لمواصلة التعلّم في الدرجات الأعلى. ولعلّ اضطراب المشروع يتمثّل في الرغبة في الجمع، في آن، بين إسداء تربية أساسيّة وتكوين النّخبة.

§     السُّبُل والوسائل

"إنّ تحقيق هذه الأغراض الشّاملة يستلزم استخدامَ بعض الوسائل التي يُمكن تقديمها كما يلي:
1)     التشاور مع الدّوائر القوميّة المعنيّة، فيما يتعلّق بتصوُّر مشروع تربويّ مناسب، وإشراكها بصفة فعليّة في إنجازه.
2)     تحميل كافة أفراد المجموعة القوميّة، وفي مقدّمتهم المعلّمون والمتعلّمون، مسؤولية تحقيق هذا المشروع التربويّ التكوينيّ.
3)     تحسين مردود المؤسّسة التربويّة القوميّة بتحسين المردود الداخليّ والخارجيّ للنشاط التربويّ وعقلنة استعمال الإمكانات البشريّة والماليّة والمادّيّة المتوفّرة.
4)     تطوير البرامج وما يقوم عليه تطبيقٌها من وسائل بيداغوجيّة تطويرا إيجابيّا، متّصلا، بجعلها دائمة التلاؤم والمعطيات العلميّة الجديدة وحاجات المحيط.
5)     تكوين المُكوّنين والنّهوض بالبحث العلميّ باعتباره أداة للنموّ القوميّ.
6)     إشراك المؤسَّسات العموميّة والخاصّة في تحقيق أهداف المشروع التربويّ مع الحرص-بالمراقبة التي يجب أن تتوّلاها الدّولة -على ضمان المستوى والجودة في التدريس التي تقوم به هذه المؤسّسات."

تعليق: تتعلّق هذه الفقرة بالمنهجية الواجب توخّيها في بلورة الإصلاح التربويّ وبالوسائل الموصلة إلى ذلك. أمّا السّبيل إلى تصوّر المشروع الإصلاحيّ فالتشاور والتشارك، وهو ما أقرّته مختلف الإصلاحات التربويّة، والعملُ على أن يتحمّل كلّ طرَف مسؤوليته بحسب موقعه ومكانته في المنظومة. أمّا الوسائل فهي دائما البرامجُ المطوّرة والمكوّنون المؤهّلون والباحثون المقتدرون وتظافر القطاعيْن العموميّ والخاصّ.

§     القانون التوجيهيّ

"إنّ الإطار القانونيّ الذي يسمح بتطبيق هذه السياسة يجب أن يرتكز، وفقا لدستور البلاد، على:
1)    قانون توجيهيّ ينصّ على المبادئ الأساسيّة القارّة للإصلاح.
2)    أوامر ونصوص ترتيبيّة أخرى تكون مخصَّصة لتجسيم هذه المبادئ ولتكييفها بصفة مستمرّة.
ويمكن حصر المبادئ الأساسيّة المعتمدة في إعادة هيكلة نظامنا التربويّ في الأبواب اللاحقة."
تعليق: ظهرت فكرة ما يسمّى القانون التوجيهيّ، وهو قانون إطاريّ يقتصر على ضبط المبادئ العامّة، أي ضبط الثوابت التي يُجمع عليها أغلبُ التونسيّين، والتي تظلّ قائمة لعقود. أمّا التنظيمات والوسائل المختلفة فتظلّ خاضعة لأوامر وقرارات من الضّروريّ أن تُكيّف بانتظام واستمرار، وفقا للتطوّر في المجال التعليميّ والتربويّ وغيره من المجالات.

الباب الأوّل: هيكلة النظام التربويّ من الوجهة الإداريّة
"المسؤولية الأساسيّة في هيكلة النظام التربويّ موكولة إلى وزارة التربية والتعليم والبحث العلميّ. وإليها ترجع مهمّة التصوّر ومهمّة التنسيق بين مختلف المؤسّسات المضطلعة بمسؤوليات التربية والبحث، وهي التي تراقب نشاط هذه المؤسّسات.
هذا، ويجدر العمل على أن يكون لدى وزير التربية مجلس قوميّ للتعليم والبحث العلمي يساعده، باعتباره جهازا استشاريّا، في الاضطلاع بمهامّه، وبخاصّة في مستوى التصوّر.
كما يتعيّن في المستوى الأوسط من التنظيم:
1)    إحكام تنظيم التعليم العالي في مستوى الجامعات يقع التفكير في توسيعها تدريجيّا على الصعيد القوميّ، بحسب ما تدعو إليه الاحتياجات.
وفي هذا الصّدد يكون المشكل المطروح متمثّلا في ضبط المقياس الذي يجب اعتمادُه في بعث الجامعات وتوزيعها، ضبطا دقيقا، إذ يمكن أن تكون هذه الجامعات الجهويّة متعدّدة الاختصاصات. كما يمكن أن تكون قوميّة تسود فيها الصيغة القطاعيّة.
2)    العمل، تدريجيّا، على إحداث وحدات إداريّة لامركزيّة خاصَّة بالمرحلتين الابتدائيّة والثانويّة تطلق عليها اسم الأكاديميات.
ويتمّ تنظيم الجامعات والأكاديميات على أساس الاستقلالية في التصرّف التي تكون فعليّة، واسعة المدى، والتي تضبط حدودها بقانون ملائم.
وتكون الجامعات والأكاديميات خاضعة لإشراف وزارة التربية والتعليم والبحث العلميّ طبقا لتراتيب جديدة تضمن مراعاة ما أدخل من تعديلات في توزيع أدوار كلّ من الإدارة المركزيّة والأكاديميات."
تعليق: يركّز البابُ الأوّل من المشروع على بنية النظام التربويّ من الناحية الإداريّة، أي إنّه الباب الذي يحدّد مشمولات الوزارة المكلّفة بالتربية والتعليم والبحث العلميّ، التي تستأنس برأي مجلس قوميّ ذي صبغة استشاريّة، تتعلّق مهامّه أساسا بالمشاركة في بناء التصوّرات الخاصّة بالمنظومة التعليميّة والبحثيّة. كما يعرض هذا الباب تصوّرا يجمع بين التعليم المدرسيّ والتعليم العالي، من الوجهة الإداريّة، فتركّز وحدات إداريّة جهويّة، ذات مشمولات موسّعة، أطلق عليها " أكاديميات" بالنّسبة إلى التعليم المدرسيّ، وجامعات بالنّسبة إلى التعليم الجامعيّ.
فلعلّ الجديد يهمّ التنظيم الإداريّ للتعليم العالي، لأنّ التعليم المدرسيّ كان، آنذاك، منظّما لا مركزيّا: إدارات جهويّة، ومندوبيات جهويّة، بعضُها للمرحلة الابتدائيّة وبعضُها للمرحلة الثانويّة، علما أنّ سنة 1988 ستكون سنةَ توحيد الهيكليْن الجهويّين للتعليم المدرسيّ في هيكل موحّد، هو الإدارة الجهويّة للتعليم.

الباب الثاني: المستوى الأوّل من التعليم والمدرسة الأساسيّة
"من المعلوم أنّ المستوى الأوّل من التعليم يهمّ السَّواد الأعظم من الدارسين. وإصلاح هذا المستوى يمكن أن يتحقق بتركيز مدرسة أساسيّة ذات تسع سنوات، تقابل التعليم الابتدائيّ والمرحلة الأولى من التعليم الثانويّ الموجوديْن في الوقت الراهن.
ومزيَّة هذا النظام التعليميّ الجديد أنّه سيضمن للطفل، في ذات الحين، مستوى تربويّا مناسبا وتكوينا يمَكّنه من التدرّب على التعامل مع ما في محيطه، بصفة عمليّة، وينمّي فيه روح المسؤولية. كما أنّ المدرسة الأساسيّة ستسمح بتحسين المردود الداخليّ للتعليم، وبتلافي نقائص النظام الحاليّ الذي لم يأت بحلّ يذكر لمشكلة التلاميذ الذين لا يتسنّى لهم النجاحُ في مناظرة الدّخول إلى السّنة الاولى من التعليم الثانويّ.
وفي نهاية سنوات المدرسة الأساسيّة التسع يخوَّل للتلميذ، حسب استحقاقه:
إمّا الانتقال إلى التعليم الثانويّ في تنظيمه الجديد الذي سيتلو بيانه.
وإمّا الانتقال إلى تعليم مهنيّ يكون محدَّدَ الغايات ومتيحا للمتفوّقين من التلاميذ المسجّلين به أن يندمجوا في التعليم الثانويّ.
أمّا التلاميذ الذين لا يتسنّى لهم إنهاء الدراسة الأساسيّة فإنّهم يوجَّهون إلى التدريب المهنيّ الذي يكون تنظيمه هو الآخر سامحا للمتفوّقين من تلامذته بالاندماج في التعليم المهنيّ.
وما تجدر الاشارة إليه هو أنّ تركيز هذا النظام سيتطلّب إدخال تحويرات جذريّة على الهياكل الماليّة للمؤسّسات التعليميّة الابتدائيّة منها والثانويّة، وسيستلزم إعادة توزيع الإمكانيات البشريّة والماليّة والمادّيّة المتوفّرة ودعمها دعما هامّا. لذا، واعتبارا للصّعوبات التي وقعت الاشارة إليها، ينبغي التفكير في تركيز المدرسة الأساسيّة بصفة تدريجيّة، وفي حدود الإمكانيات المتوفّرة."
تعليق: يتكلّم المشروعُ على المدرسة الأساسيّة، لا التعليم الأساسيّ، وهو المصْطلح الغالب على الاستعمال وعلى الأدبيّات التربويّة، آنذاك. ومعلومٌ أنّ إقرار المدرسة الأساسيّة ضُمّن بالمخطّط السّادس منذ 1982، وتمّت بلورة تصوّر متكامل عن إرسائها منذ 1984. ويبدو أنّ العودة إلى التعليم الأساسيّ وإرسائه بالقانون تمثّل اعترافا بفشل كلّ الحلول التي جُرّبت لتجاوز مشكلة التلامذة الذين لم ينجحوا في الارتقاء إلى السّنة الأولى من المرحلة الثانويّة. ولعلّ المهمّ هو التمديد في مدّة إجباريّة التعليم إلى سنّ السّادسة عشرة. ويتميّز المشروعُ المعروض بالتدرّج في إرساء التعليم الأساسيّ، وبوُضوح رؤياه في مصير التلامذة في نهاية السّنة التاسعة من التعليم الأساسيّ: إمّا الالتحاق بالتعليم الثانويّ الجديد، أو الالتحاق بالتعليم المهنيّ، أو الالتحاق بالتدريب المهنيّ، مع فتح معابر للمتفوّقين في كلّ مسلك للالتحاق بما هو أفضل. أمّا الانتقال من التعليم الأساسيّ إلى التعليم الثانويّ فآليته مسكوتٌ عليها في المشروع المعروض، لذلك طلبت الوزارة من المستشارين إبداء الرأي فيها.

الباب الثالث: المستوى الثاني من التعليم والباكالوريا

‌أ.         المستوى الثاني من التعليم

"بتركيز المدرسة الأساسيّة، سيكتسي المستوى الثاني من التعليم شكلا جديدا، إذ أنّه سيقابل المرحلة الثانية من التعليم الثانويّ.
وسيتَّجه هذا التعليم في صيغته الجديدة إلى تلاميذ سيكونون من حيث مستواهم الدّراسيّ وقدراتهم على الانسجام أفضل من ذلك الذي يوفّره النظام الحاليّ. ومن ثمَّ سيحصل لهذه المرحلة في مستوى المردود الداخليّ تحسُّن ملحوظ، وسيتفرّع هذا التعليم الثانويّ إلى شعبتين:
-         التعليم الثانويّ العامّ
-         والتعليم الثانويّ التقنيّ
هذا، ويجدر التفكير في إحداث مرحلة للتعليم المهنيّ.
1)    التعليم الثانويّ العامّ 
إن الحل الأنسب في تنظيم التعليم الثانوي العام يتمثل في تقسيمه إلى مرحلتين أولها تخصص لتكوين عام مشترك والثانية لتكوين خصوصيّ.
2)    التعليم الثانويّ التقنيّ
ينبغي أن يجْمع هذا النّوع من التعليم بين تكوين تقنيّ خصوصيّ وتكوين عامّ في الموادّ الإنسانيّة والأدبيّة.
كما ينبغي أن تكون برامجه مكيَّفة تسمح بتكوين أعوان تقنيين للتنفيذ وبتأهيل التلاميذ لمتابعة الدراسة التقنية العليا بمدارس المهندسين خاصة.
1)    التعليم المهنيّ
يتَّجه التعليم المهنيّ إلى التلاميذ الذين لا يقبلون بالتعليم الثانويّ العامّ، ويرمي إلى إكسابهم كفاءة مهنيّة مختصّة. ويجري هذا الصنف من التعليم في مدارس للمهن، ويكون متاحا للمتفوّقين من تلاميذه أن يرتقوا إلى التعليم الثانوي التقنيّ.
‌ب.   الباكالوريا
تختم مرحلة التعليم الثانويّ العامّ ومرحلة التعليم الثانويّ التقنيّ بشهادة الباكالوريا العامّة أو الباكالوريا التقنيّة، باعتبار خصوصيّة التكوين الذي يكون المترشّح قد تلقّاه خلال السّنوات الأخيرة في كلتا المرحلتيْن. وتمثل الباكالوريا شهادة انتهاء الدّراسة الثانويّة، وهي تخوّل لمَنْ أحرزها حقَّ الارتقاء إلى التّعليم العالي، وفقا للتراتيب التي سيقع تحديدُها في الباب الرابع.
ويكون بوسْع التلاميذ غير الناجحين في امتحان الباكالوريا أن يجتازوا هذا الامتحان من جديد، أو أن يتلقوا تكوينا مختصّا مناسبا ييسّر لهم الاندماج في سوق الشّغل."

تعليق: هذا الباب مخصّص للتعليم الثانويّ في صيغته الجديدة، علاوة على إرساء تعليم مهنيّ. ويذهب التصوّر الجديد إلى تقسيم الثانويّ إلى ثانويّ عامّ وثانويّ تقنيّ دون توضيح مضمونهما. أمّا التعليم المهنيّ فيمثّل فرصة ثانية لمن لم يقبلوا بالتعليم الثانويّ ويركّز على مهارات متخصّصة ويجري في فضاءات تسمّى مدارس المهن. ولعلّ الجديد يهمّ التصوّر المقترح لعلاقة البكالوريا بالتعليم العالي. فالبكالوريا في مُتصَوّر المشروع شهادة لختم التعليم الثانويّ، أي ذات وظيفة إشهاديّة أساسا، وهو مطلب قديم يعود إلى 1982، عبّر عنه وزارة التربية آنذاك، الأستاذ محمّد فرج الشاذلي، عند تقديمه لمشروع المدرسة الأساسيّة. أمّا الالتحاق بالتعليم العالي فيخضع علاوة على البكالوريا لتراتيب ستضبط لاحقا.

الباب الرابع: التعليم العالي والبحث العلميّ
‌أ.                      الإعداد للتعليم العالي

سعيا إلى توفير أوفر حظوظ النجاح في التعليم العالي بالنّسبة إلى المتحصّلين على شهادة الباكالوريا، وإلى التقليص من نسب الإخفاق التي تبعث على الانشغال في المرحلة الاولى من الدراسة الجامعيّة، يجدر العملُ على تأسيس تكوين تحضيريّ يدوم سنة يعهد بتنظيمه إمّا إلى الجامعات وإمّا إلى مجموعات من المعاهد المعنية بتدريس ما هو قريب من اختصاصاتها من الموادّ.
‌ب.   تنظيم التعليم العالي
1)    في نهاية السّنة التحضيريّة، يكون بوسْع الطالب، تبعا لاستعداداته، أن يرتقي إلى:
§        التعليم العالي الطويل المنظّم في شكل مراحل متتالية بحسب خصوصيّة كل مادّة من الموادّ المقرّرة من قبل الجامعات، ويمكن أن يفضي هذا المسلك إلى المرحلة الثالثة.
§        التعليم العالي القصير الذي يختتم بشهادة محدَّدة الغاية، وتكون به مجموعة من الجسور تسمح لمن هم أكثر كفاءة من الطلبة المسجَّلين في إطاره بالاندماج في مسالك التعليم العالي الطويل.
2)    وفي نهاية التعليم العالي الطويل، يمكن للطلبة الذين يتميَّزون بقدرتهم على ممارسة البحث العلميّ أن يرتقوا إلى المرحلة الثالثة.
واعتبارا لما تكتسيه هذه المرحلة من بالغ الأهمّية في تكوين إطارات المستقبل، من المستوى العالي، سواء أكانوا مدرّسين أم باحثين، فإنّه لا بدّ من إيلائها عناية خاصّة.
وأوّل ما ينبغي الحرص عليه إنّما هو تحقيق التناسق في تنظيم الدراسات بالمرحلة الثالثة في مستوى المؤسّسات الجامعيّة كافة. ولبلوغ هذه الغاية، يتعيَّن على الوزارة أن تفكّر في أرساء نظام تمنح بمقتضاه هذه المؤسّسات ما تكون بحاجة إليه من صلاحيات.
وينبغي أن تكتسي المرحلة الثالثة من التعليم العالي صبغتين اثنتين تكون إحداهما أكاديميّة، وتكون ثانيتهما متخصّصة.
§        المرحلة الثالثة الأكاديميّة
يجب أن تكون المرحلة الثالثة ذات الشكل الأكاديميّ مخصَّصة لمن أحرزوا أربع شهادات المرحلة الثانية من المادّة المعنيّة، وأبدوا ما يؤهّلهم للبحث العلميّ.
ويجب اختيار المدرّسين باعتبار كفاءتهم في مضمار الخلق وفي التأطير على صعيدي التدريس والبحث معا.
§        المرحلة الثالثة المتخصّصة
إنّه لمن المفيد أن يقع، ضمن إطار خاصّ، تنظيمُ حلقة ثالثة للتخصّص تكون مجعولة لتحسين ما يتحصّل عليه المترشّحون من تكوين محدّد الغايات بحسب مقتضيات الاختصاص من ناحية، وضروريّات التشغيل من ناحية ثانية.
وينبغي أن يتمّ تنظيمُ هذه الحلقة الثالثة المتخصّصة على أساس التعاون الوثيق مع الهياكل المهنيّة. ومن شأن مثل هذا التعاون أن يحقّق تفتح الجامعة على المحيط.
§        البحث العلميّ

إنّ التعليم العالي مرتبط شديد الارتباط بالبحث العلميّ بحيث لا يستقيم وجوده إلّا به. ويمثل البحثُ العلميّ كذلك شرطا لازما لإسهام الجامعة في إنماء البلاد إنماءً شاملا.
وليَتسنَّى للبحث العلميّ القيامُ بهذا الدّور ينبغي العمل على:
-         دعم مؤسّسات البحث القائمة حاليا
-         التفكير في إحداث مؤسّسات جديدة أو في توسيعها حسب الحاجات
-         رصد الوسائل اللازمة للقيام بهذه البحوث ولنشرها
§        التكوين المستمرّ.
حرصا على ضمان الانتفاع بإمكانات الترقية الاجتماعيّة، بالنّسبة إلى أعوان الإدارة وأعوان المؤسّسات العموميّة والخاصّة، على حدّ سواء، يجدر تطبيقُ الأحكام التشريعيّة والترتيبية الجارية تطبيقا فعليّا، قصْد القيام بتكوين هؤلاء الأعوان تكوينا متواصلا وبرسكلتهم.
وإنّه لَبوسْع الجامعات أن تتكفّل بأداء هذه المهمّة بما لها من إمكانات بشريّة ومادّيّة."

تعليق: هذا الباب ثريّ وطويل نسبيّا، تطرّق لعدّة قضايا منها الالتحاق بالتعليم العالي وتنظيمه وموقع البحث العلميّ:
-         فيما يخصّ الالتحاق بالتعليم العالي، كشف المشروع عن تصوّر يقضي بإرساء سنة تحضيريّة بالمؤسَّسات الجامعيّة،
-         فيما يهمّ التنظيم، يُوجّه الطلبةُ في نهايتها، بحسب قدراتهم، إمّا إلى التعليم العامّ الطويل المفضي إلى البحث العلميّ، وإمّا إلى التعليم العالي القصير المتخصّص والمفضي إلى شهادة متخصّصة، مع إقامة معابر من صنف إلى آخر بالنسبة إلى المتفوّقين من الطلبة. أمّا المرحلة الثالثة فهي على ضربين: مرحلة عامّة بحثيّة، وأخرى متخصّصة، بالتعاون مع المهنة.
-          فيما يتّصل بموقع البحث العلميّ فإنّ المشروع يعتبره شرطا لازما للتعليم العالي ويدعو إلى تعزيزه ودعم هياكله وموارده.

الباب الخامس
إطار التدريس
لتمكين إطار التدريس من الاضطلاع برسالته في تطبيق الاصلاح الجديد الخاص بالنظام التربويّ، ينبغي أن ينص القانون التوجيهي على جملة من الاجراءات التي تستهدف بالخصوص:
-         القيام برسكلة المدرّسين في كلّ المستويات وتكوينهم تكوينا مستمرّا.
-         وضع نظام تقييميّ على أساسه يتمّ تطوُّر حياة المدرّس المهنيّة وتحديد الوظائف التي يمكن أن تسند إليه.
-         مراجعة شروط الانتداب بغية استقطاب أفضل العناصر، وضمان إقبال مَنْ تتوفّر لديْهم أفضل المواهب على وظائف التدريس.
وينبغي أن يفضي العملُ بهذا المبدإ العامّ، في التعليم العالي على وجه الخصوص، إلى التنقيص من عدد الرتب الموجودة في الوقت الراهن، وإلى توفير المرونة في صيغ انتداب المدرّسين المبتدئين.
-         تحديد القواعد العامّة التي تقوم عليها الأخلاقيّة المهنيّة وضمان احترامها."

تعليق: لقد شَغلت مسألة انتداب المدرّسين ورسكلتهم القائمين على مختلف الإصلاحات التعليميّة من 1958 إلى اليوم. وقد حاول كلّ وزير إيجاد حلّ للحاجات الإضافيّة من المدرّسين ومعالجة مستواهم العلميّ والبيداغوجيّ، وتشهد على ذلك مختلف المؤسّسات التكوينيّة، من مدارس ترشيح المعلّمين والمعلّمات ومدرسة ترشيح الأساتذة المساعدين ودار المعلمين العليا ودار المعلّمين العليا للتعليم التقنيّ، علاوة عل التكوين الميدانيّ المسدى للمدرّسين بالتعليم المدرسيّ. ويدعو المشروع المعروض إلى تعميم التكوين المستمرّ، ومراجعة قواعد انتداب المدرّسين المبتدئين، والعمل على أن يقبل الأكثر كفاءة على وظيفة التدريس، ووضع نظام تقييميّ تتحقق عبره الترقيات في سلك التدريس.

الباب السادس: التعليم الخاصّ

" التعليم الخاصُّ موجود بالبلاد التونسيّة منذ سنة 1958، ولكنَّ ما شهده من عديد مظاهر الزيغ عن القصد، بحكم عدم توفر الضمانات الكافية في القانون الخاص بالتعليم والصَّادر في تلك السّنة، قد جعل منه، أحيانا مجرد هيكل لاستقبال التلاميذ المرفوتين من التعليم العمومي".
وإنّه لمن اللازم أن يعاد النظر في دور التعليم الخاصّ الذي عليه أن يسهم، مع المعاهد العموميّة، إسهاما فعليّا في تحقيق غائيات النظام التربويّ.
ولهذا، يجب أن يكون التعليم الخاصُّ مستجيبا للشروط التالية:
-         الشَّرط الأوّل يتعلّق بالمستوى العلميّ والبيداغوجيّ
فلضمان مستوى أفضل في الخدمات التربويّة، يجب أن يكون فتح معاهد التعليم الخاص رهن المصادقة على ذلك، وأن تكون برامج هذه المعاهد ونظم الدراسات الجارية في إطارها، ومشاركة التلاميذ أو الطلبة المسجّلين بها في الامتحانات القومية المنظّمة في مستوى التعليم العموميّ محدَّدة بواسطة اتفاقات تعقد بين الوزارة ومؤسّسات التعليم الخاصّ.
-         ويتعلّق الشَّرط الثاني بالإطار التدريسيّ الذي ينبغي أن يتمّ انتدابه على أساس يضمن المستوى والأهليّة المهنيّة الكافية.
-         أمّا الشّرط الثالث فهو مُتّصل بتمويل المؤسّسات الخاصّة الممارسة لنشاط التدريس والبحث. وفي هذا الصَّدد، يجدر سنُّ قانون خصوصيّ يسمح لأصحاب المبادرات الخاصّة بفتح معاهد للتعليم والبحث في كلّ المستويات، ويقرّ سلطة الدّولة في مراقبة مصادر التمويل.
-         ويكون هذا القانون ضامنا لانتفاع هذه المعاهد بالتشجيعات الماليّة والجبائيّة تبرُّرها مشاركتها في أداء الخدمات العامّة، في نطاق مراقبة الدولة. "

تعليق: التعليم الخاصّ مسلك دراسيّ قديم بالبلاد التونسيّة، وتعود بعضُ مؤسّساته إلى ما قبل انتصاب الحماية الفرنسيّة على البلاد التونسيّة. ومنذ الاستقلال، توجّهت العناية إلى النّهوض بالتعليم العموميّ وتطويره، فأضحى التعليم الخاصّ في المرحلة الثانويّة انتشاليّا لمَنْ لم يحققوا النجاح بالتعليم العموميّ. أمّا اليوم فالمطلوب من التعليم الخاصّ أن يسهم في تحقيق غائيات النظام التربويّ، وأن تربطه شراكة مع التعليم العموميّ شرط استجابته للشروط المنصوص عليها بمشروع القانون التوجيهيّ.

الباب السّابع: تمويل النظام التربويّ

  سيؤدي تطبيق الاصلاح إلى مراجعة المخطط الشامل بتمويل النظام التربوي.
 ومن شأن هذا الاصلاح أن يمكن من إضفاء أكبر قدر من العقلانيّة على التصرّف فيما هو متوفّر بعد من الموارد، ومن تحقيق مردود أهمّ بواسطة الوسائل الموضوعة على ذمّة المؤسّسات التربويّة العموميّة.
على أنّ ما تجدر ملاحظته، من جهة أخرى، هو أنّ الإصلاح يستدعي، بلا ريب، موارد ماليّة جديدة.
ولمّا كانت التربية رسالة قوميّة أساسيّة، فإنّ الإسهام الفعليّ من قبل الجميع، كلٌّ حسب قدراته، في تحمّل ما ينجرّ عنها من أعباء ماليّة قد أصبح ضروريّا.
ولئن كانت الدّراسة في مستوى المدرسة الأساسيّة مجانيّة، فإنّ ما يتطلّبه تطبيق الإصلاح التربويّ الجديد من موارد إضافيّة يقتضي العمل على إيجاد إطار قانون مناسب تحدّد فيه صيغ توزيع العبء الماليّ بين الدولة والمؤسّسات العموميّة والخاصّة وأعضاء المجموعة الوطنيّة، في كنف احترام مبدإ العدالة الاجتماعيّة."

تعليق: تمويل النظام التربويّ من أشدّ الملفات تعقدا، وأكثرها إثارةً للجدل. يكفي أن نذكّر بالجملة الشّهيرة التي تلفّظ بها أحدُ وزراء التربية، في أواسط التسعينات، بمجلس النوّاب، قائلا:" ما ضّرّ لوْ دفع كلّ وليّ دينارا واحدا". يقرّ مشروعُ القانون بمجانية التعليم الأساسيّ، ويسكت على التعليم الثانويّ، كما يقرّ بالحاجة إلى إيجاد مسالك غير مطروقة لتمويل النظام التربويّ، ويقترح المشروع تقاسم أعباء تمويل النظام التربويّ بين الدولة والمؤسَّسات العموميّة والخاصّة والمجموعة الوطنيّة.


هادي بوحوش و منجي عكروت متفقدان عامان للتربية
تونس ، مارس 2016





[1]  . في تلك الفترة كانت الإدارتان منفصلتين.
[2] . يعلم العارفون أنّ الأستاذ محمّد الهادي خليل نهض بدور رياديّ في بلورة التوجّهات الجديدة المدرجة بمشروع القانون الإطاريّ، منذ عيّن كاتب دولة للتربية إلى جانب وزير الدولة وزير التربية والتعليم والبحث العلميّ الأستاذ محمّد الصيّاح، وله فضل كبير في صياغة مسوّدته وتنظيم الاستشارة الوطنيّة المتعلّقة به.
[3] . هذه المعطيات مستخرجة  من محاضر جلسات  ديوان وزارة التربية و التعليم و البحث العلمي و بالخصوص محضر جلسة يوم الاثنين 23 فيفيري 1988 ( الوثيقة موجودة بمكتبة المركز الوطني للتجديد البيداغوجي و البحوث التربوية
Centre national d'innovation pédagogique et de recherches en éducation (CNIPRE)
[4] . وفي هذا السّياق، وردًّا على استفسار بعض المديرين والمندوبين الجهويّين حول إمكانية الاستعانة بالتقرير السّابق حول المدرسة الأساسيّة، أي تقرير الأستاذ محسن المزغنّي لسنة 1984، فقد أكّد أنّه من الصّعب استغلال بعض ما جاء في ذلك التقرير، لأنّ المعطيات قد تغيرت".

[5] . لاحظ أنّ الوزير يستعمل عبارة القوميّ للدّلالة على الوطنيّ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire