تصدير
بمناسبة انطلاق الحوار الوطني حول التعليم في تونس ،تفتح المدونة
البيداغوجية صفحاتها للزميل عمر بنّور، المتفقد العامّ للتربية ومديربالتفقدية العامّة
للتربية لأكثر من عقدين، ساهم فيهما مع ثلة من الزملاء في إرساء هذه الادارة التي
حضنت إطار التفقد البيداغوجي، ليقدّم جملة
من الخواطر حول قضية الاصلاح التربويّ .
نأمل
أن ينسج زملاؤنا على منوال الأستاذ عمر
بنّور لإثراء الساحة التربويّة بتجاربهم و خبراتهم و نذكّرهم بأنّ المدونة
البيداغوجية تفتح صفحاتها لهم.
الهادي
بوحوش و المنجي عكروت
إن كل هذه الاصلاحات التي تتلاحق دوريا ، فتتكامل و يصحح بعضها البعض و يناقض أحيانا
بعضها البعض ، تترجم صعوبات المسألة و تأكدها . و المسألة ليست مسألة خاصة ببلادنا
، فلا نجد دولة كبرى لا تطرح فيها المسألة
بطريقة متماثلة.
Les réformes au Québec, d’hier à aujourd’hui : une
symphonie inachevée
Jean
Denommé et Marc St-Pierre Collaboration à la rédaction, Guy Lusignan
سأحاول
أن أبدي بعض الملاحظات حول ما يتردد اليوم من ضرورة إصلاح المنظومة التربوية،وما
شرعت فيه الوزارة من فتح حوار في هذا الملف، ولإن بدا الأمر مشروعا فإن الإسراع في
إنجازه قد لا يحقق المطلوب ما لم يسبقه تشخيص دقيق لكل مكونات المنظومة يحدد مواطن
القوة والضعف وكيفية الإصلاح، وما لم يأخذ في الاعتبار مبادئ أساسية تقوم عليها اليوم الأنظمة التربوية ،التي
تروم الجودة والجدوى، أهمها:
-
أن التربية والتعليم يتأثران بما يحدث في العالم من متغيّرات وتطورات ،يجب
مراعاتها عند مباشرة الإصلاح ،لأن تجاهلها والانغلاق على الذات مهما كانت
مبرراتهما قد يؤديان كما حدث لبعض الدول إلى ارتدادها و خروجها من الحضارة الكونية.
- أن
قيما كونية أصبحت قاسما مشتركا بين كل الشعوب لا يجب أن يغفل عنها أي نظام تربوي
ينشد التميز والجودة.
- أن الدول التي تسعى إلى النماء والتطور مثل تونس عليها أن تتعاون مع جهات
إقليمية و منظمات وهيئات أممية "كاليونسكو" و"يونسيف" وغيرهما
التي تقدم لها الخبرة والدعم، وأن تنفتح على تجارب الآخر الناجحة، وأن تقتبس منها.
- أن المراجعة المتأنية
لمكونات المنظومة تقوم على البحوث التربوية والتقييمات العلمية. فالتسرع في أخذ
القرار، أو الحرص على التغيير باستمرار ، قد يؤديان إلى عكس المطلوب. وكذلك
الاستقرار الممتد على فترة طويلة لا يخدم صالح التربية ،فلا يجب أن نمجد فترة
اتسمت بالاستقرار في تاريخ التربية عندنا كما نسمعه اليوم، ولا يجب أن نوافق على
تغييرات متسارعة وغير مدروسة.
- أن رسالة المدرسة
رسالة متجددة تواكب ما يحدث في المجتمع وما يقع في العالم.
- أن المدرسة تبقى
الفضاء الرئيسي للتّعلّم والتّكوين لا غنى عنها .ومهما توفّرت من فضاءات أخرى فلن
ترقى إلى مقام المدرسة،لكن لا يجب تجاهلها لإن تأثيرها خطير على تكوين النشء وهو
ما يحدث في تونس اليوم .
- أن لا حنين في التربية
إلى الماضي مهما كان جميلا لأنّ لكل جيل مدرسته.ونستحضر في هذا المقام القول
المنسوب إلى علي بن أبي طالب " لا تقصروا تعليم أبنائكم على ما تعلمّتم فإنهم
خلقوا لزمان غير زمانكم ".فمقولة التعليم في الماضي أفضل من التعليم في الوقت
الراهن لا يمكن تعميمها، والمقارنة لا تصح لأن المجتمعات تتطور والأولويات تتغير
والأهداف تختلف .
- أن رقي الشعوب اليوم يقاس برقي مدرستها لا
بوفرة مواردها.
هذه ملاحظات أبديتها كمواطن خريج الإصلاح
التربوي الأول (1958) و من المساهمين في الإصلاحين الآخرين (1991) و ( 2002 ) حسب
ما اقتضاه موقعي آن ذاك. ولعل هذا ما
دعاني إلى تناول هذا الموضوع، علما وأن جل من يغادرون ميدان التربية يبتعدون
نهائيا أو يبعدون عن الحديث في شؤونها رغم
خبراتهم وكفاءاتهم التي تؤهلهم للدرس والتقييم من موقع غير الذي كانوا فيه. بينما
نرى في المقابل أناسا يتحدثون في التربية ويحكمون على المدرسة عن علم بواقعها حينا
وعن غير علم أحيانا كثيرة.
وإن كنّا لا ننكر أن التربية شأن وطني
، وأن من حق المواطن أن يعرف السياسة التربوية.وأن يساهم من موقعه في تحديد
خياراتها وغاياتها الكبرى التي هي سياسية بامتياز، وهنا يتنزل دور الأحزاب
والهيئات والمنظمات ذات العلاقة بعيدا عن المزايدات والاتهامات، لكن هل هي مهيأة
اليوم للتواضع على مشروع وطني مستقبلي واحد تتبناه المدرسة لإعداد الفرد والمجتمع
التونسي المنشود؟ في ظل ما نشهده من تجاذبات واختلافات نعتقد أن الأمر سوف لا يكون
هينا حتى وإن بدا للبعض أن الدستور قد حسم في الظاهر بعض المسائل الخلافية فهي في
الأصل مازالت قائمة ولكل
رأيه حول تصور ملامح مواطن المستقبل. لذا فليعلم الجميع أن الحوار حول المدرسة
وإشكالاتها ومشاغل المربين وقضاياهم ومستقبل التلاميذ وانتظاراتهم ليس ترفا أو
"عبثا سياسيا". فتقدم الشعوب اليوم لا يقاس بثرواتها الظاهرة أو الباطنة
بقدر ما يقاس بذكائها ومدى تطور التعليم فيها فتلك هي الثروة الناجعة وهذه حقيقة
لا تحتاج إلى دليل. فالاستثمار المربح بلغة الاقتصاد اليوم هو الاستثمار في
التربية أي في تكوين عقول مبدعة خلاقة تضيف إلى الحضارة الإنسانية وتساهم في
نمائها. فلا غرابة في أن نرى اليوم سباقا محموما بين الدول المتقدمة في تطوير المدرسة
واستقطاب الكفاءات واستجلاب الأدمغة والعقول، فالعلماء اليوم والمفكرون لا وطن لهم
سوى الوطن الذي يحتضنهم ويتبناهم. وفي الوقت الذي راهنت فيه الدول المتقدمة على
الموارد البشرية نجد دول العالم الثالث بعد الاستقلال ومنها الدول الإفريقية
تسعى إلى بناء جيوشها وتسليحها فدخلت في
دوامة من الانقلابات والحروب لم تجن منها سوى مزيد من التخلف والانحطاط، ومن حسن
الطالع أن تونس اتخذت من التربية خيارا استراتيجيا للتنمية. لذا لا ترضى المجموعة
الوطنية اليوم وبعد مرور ستين سنة على الاستقلال وعلى إرساء مدرسة تونسية عصرية أن
ترى شبابا أمّيا يتردد على مراكز تعليم الكبار. أو أن نسبة مئوية ضعيفة ممن يدخلون
المدرسة ينهون تعليمهم العالي بنجاح. فرغم كل ما بذلت المجموعة الوطنية ورغم كل ما
تحقق فإن الأمر مازال يحتاج إلى تفكير ومراجعة،فالمنقطعون عن التعليم والراسبون
يقاربون المائة ألف سنويا، ومن
شاء الدقة أكثر يمكنه الاطلاع على الإحصاءات التي تنشرها الوزارة كل سنة. حصيلة كل هذا أن أمرا ما في اشتغال المدرسة يحتاج إلى مراجعة وعناية وتعهد
مستمر. فمدرستنا اليوم لم تعد مطالبة بضمان تعليم للجميع بل بتأمين تعليم جيد
للجميع.أين المشكل أذن؟ في الاختيارات والتوجهات والغايات أم في الإدارة والتنظيم
أم في المناهج و الوسائل والتجهيزات والفضاءات أم في الموارد البشرية على اختلاف وظائفها أم في
المتعلمين وأوليائهم أم في جميعها؟ لذا فأي إصلاح لا يرتكز على الإجابات العلمية
عن الأسئلة المذكورة سوف لا يكتب له النجاح . وقد يسير إلى غير هدف مرسوم. والمثل
يقول " من لم يحدد أهدافا في الحياة فليكن متأكدا أنه لن يحققها " (celui qui dans la vie ne se fixe pas
d’objectifs ,est certain de ne pas les atteindre
ماي 2015
مقالات ذات علاقة
ملامح الإصلاح التربويّ الجديد
وزيرالتربية يعطي اشارة انطلاق الحوار المجتمعي حول التربية تحت شعار " و تستمر
المسيرة التربوية من أجل اصلاح المنظومة التربوية "
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire