الوزير الذي يتمنّى دخول التاريخ بمشروع تربويّ، كما
" دخله محمود المسعدي[1]،
ونسبيّا محمّد الشّرفي.[2]
قدّم وزيرُ التربية الجديد، الأستاذ ناجي جلول، بمناسبة
حضوره لقاء إذاعيّا يوم 25 فيفري 2015، تشخيصا لوضع التربية
في تونس، واستعرض برنامجَ عمل وزارة التربية ومشروعه التطويريّ. ونظرا إلى أهمّية
ما جاء في هذا الحوار، أردنا أن نقدّم لأوفياء المدوّنة البيداغوجيّة مقتطفات[3] منه، تكون مُرْفقة بقراءةً
أولية فيه.
تناول السيّد الوزير في محاورته التي قادتْها
الأسئلة التي كان يطرحها المنشّط الإذاعيّ عديد المسائل، يمكن اختصارُها في محورين
كبيريْن:
§
محور أوّل تعلّق بالبنية التّحتيّة والظروف الماديّة والتجهيزات والمعدّات،
§
ومحور ثان-حاز أكبر مساحة - وتعلّق بالمسائل التربويّة، مثل البرامج التّعليميّة، الزّمن
المدرسيّ، الحياة المدرسيّة، تكوين الإطار البشريّ: (التكوين الأساسيّ والتكوين
المستمرّ، الدّروس الخصوصيّة، الانقطاع المدرسيّ، التعليم الخاصّ، والعنف المدرسيّ.(
وجاء الحكم قاسيا: " المنظومة التربويّة تاعبة برشة وفيها برشة
مشاكل"
و التشخيصُ مفزعا: تداعي البنية التحتيّة والمعدّات،
فقدان المدرسة لدورها كمصْعد اجتماعيّ-وهو الدّور الذي نهضت به بالنّسبة إلى
جيله هو- تنامي العنف في
الوسط المدرسيّ، برامج دراسيّة كثيفة ومحتويات تتجاوز مستوى المتعلّمين، (مثال درس
التاريخ لابنته بالمدرسة الابتدائيّة)، نظام التقييم والتوجيه في حاجة إلى الإصلاح...و
يرى الوزير أنّ معالجة البنية التّحتيّة والتجهيزات أمرٌ يسير، لكنّه يقرّ بأنّ « المشكلة تكمُن في إصلاح المنظومة كاملة، وهذا هو الأصعب ". في خصوص خطّته
لمعالجة الوضعية، يقول:" أنا حدّدتُ محاورَ الإصلاح ... وهو يختلف عن الإصلاحات
السّابقة التي كانت إصلاحات فوقيّة وكلّفت البلاد أموالا كثيرة دون نتائج...
وسنعمل في تناغم وتنسيق مع وزارات التّعليم العالي والتكوين المهنيّ والمرأة
".
تعليق:
أشار السيّد الوزير إلى أن ّمكوّنات
من المنظومة التعليميّة تشهَد اليوم اختلالا، ذاكرا البنية التّحتيّة التّعليميّة،
ورسالةُ المدرسة، والبرامجُ الدّراسيّة، ونظام التقييم والارتقاء، ونظامُ التّوجيه
المدرسيّ، وظاهرة العنف اللفظيّ والمادّيّ. لا شكّ في أنّه أوردها على سبيل
الذّكر لا الحصر، لأنّ مكوّنات أخرى من المنظومة تحتاج معالجة من قبيل نظام
التأديب، ومناهج التدريس وأساليبه، والتّسيير الإداريّ مركزيّا وجهويّا ومحلّيّا،
والبحوث والدّراسات، والإعلام التربويّ... ومن جهة ثانية، أصدر السيّد الوزير
حكما على الإصلاحات السّابقة مفادُه أنّها مسقطة وباهظة الكلفة ولم تكن مفيدة.
وبالرّغم من أنّ السيّد الوزير لم يحدّد الإصلاحات التي يَعْنيها، لأنّ التربية
عرفت ثلاثة إصلاحات كبرى دون اعتبار الإصلاحات الصّغرى، فإنّ حُكمه عليها لا
يخلو من وجاهة عموما، وإنْ كان يحتاج تدقيقا: فقد حرص الوزراء، دون استثناء، على
إشراك المدرّسين في تقييم البرامج الجاري بها العمل وتقديم البدائل (ساهمت نقابة
في مراجعة البرامج الأخيرة للتعليم الثانويّ كما شاركت نقابة التعليم الابتدائيّ
في أشغال لجنة الجودة سنة 2010)، وأجريت تقييمات عديدة داخليّة وخارجيّة، واستشارات واسعة عديدة[4].
ويبدو لنا، في ضوء تجربتنا مع عديد
الوزراء، أنّ المشكلة الرّئيسيّة في مجال البرامج مثلا تكمُن في أنّ لكلّ وزير
سياستَه ونظرتَه الخاصّة إلى ما ينبغي أن تكون عليه البرامج، فبعضهم يحنّ إلى
المنوال الصّادقيّ، وبعضهم الآخر يريد منوال الأستاذ محمود المسعدي أو يدعو إلى
منوال الأهداف أو منوال الكفايات. إنّ ما نحتاجه اليوم ليس برنامج وزير، كثيرا ما يتخلّى عنه خليفتُه، وإنّما سياسة تعليميّة
وطنيّة، يتبنّاها المجتمعُ، وتسهر على تنفيذها الوزارة المكلّفة بالتربية.
|
المحور الأوّل: البنية التّحتيّة والتجهيزات والمعدّات
يري السيّد الوزير أنّ معالجة الإشكاليات
المتّصلة بهذه المسألة ليست بالأمر الصّعب، ويعزو ذلك إلى:
أ.
وجود تشخيص دقيق للوضع،
ب.
و "لدينا في الوزارة إدارة تجهيز متميّزة"
ج.
ولنا اعتمادات ضخمة (116 مليارا)".
وبحسب ما أعلنه السيّد الوزير، فقد انطلق
العمل على هذا المحور، وذلك:
§
بإعداد خريطة في المدارس الابتدائيّة التي
تحتاج تدخّلا.
§
"عملْنا اتّفاقيّة مع برنامج الغذاء
العالميّ منذ يومين (بارحة لُولًى)" لتحسين أداء المطاعم المدرسيّة (تجهيزات،
خدمات، وكفاءات).
أمّا البرامج التي سنعمل عليها في آجال
قريبة فهي:
أ.
تأمين نقل التلاميذ (في صورة تتجاوز المسافةُ
بين مسكن التلميذ والمدرسة 1 كلم (في السّنة الدّراسيّة المقبلة.
ب.
الصّحّة المدرسيّة، بما في ذلك
الصّحّة والرّعاية النّفسيّة والحيطة الاجتماعيّة ووضع برنامج عاجل مع وزارتي الصّحّة
والمرأة.
ج.
انطلاق البرنامج الوطنيّ لحماية المرفق المدرسيّ:
سجّلنا 15.000 حالة اعتداء على المرفق المدرسيّ (خلع، سرقات وتخريب... مدارس غير
مسيّجة ودون حراسة (
د.
ربط جميع المؤسّسات بالأنترانت.
تعليق:
صحيح إنّ
تشخيص وضع البنية التّحتيّة والتّجهيزات متوفّر منذ سنوات، وإنّ إدارة التّجهيز
محْمودةُ الأداء، وإنّ الموارد الماليّة مُؤَمَّنة، لكنّها لا تغطّي الحاجيات
كلّها. لكنْ صحيح أيضا إنّ الوضع المادّيّ بالمؤسّسات التّعليميّة لا يتحسّن
بالرّغم من هذه الجهود المبذولة[5]. المهمّ اليوم لا يكمُن في مواصلة
إصلاح البنية التّحتيّة وما تعلّق بها على المنوال السّابق، وإنْ كان ذلك واجبا
مفروضا في بعض الأحيان، وإنّما يكمُن في الإعداد لخطّة إصلاح ناجعة في هذا
المجال، بالإجابة عن الأسئلة التّالية: لماذا لم تنجز المشاريع المبرمجة؟ ما
أنواعُ المُعرقلات؟ ما مسؤولية مصالح البناء والتّجهيز الجهويّة في ذلك؟ ما
مسؤولية المقاولين؟
|
المحور الثاني: المسائل التّربويّة
1.
البرامج الدّراسيّة
يقول السيّد الوزير:" البرامج تشكو من الطول. لا بدّ
من إعادة صياغتها دون شعْبويّة. " يلزم نرجع العمل اليدويّ في المدرسة والمعاهد
(الحدادة والبسْتنة...إنّ تكويننا كلّه نظريّ وحشو للأدمغة. (Théorique et bourrage de crâne)
وأعلن السيّد الوزير عن نيته بعث مجلس للحكماء،
وتعيين شخصية وطنيّة لرئاسته، يعهد إليها بإعداد وثيقة عمل تقدّم للحوار الوطنيّ
حول التربية.
تعليق:
أصدر السيّد الوزير حُكما على نمط
التكوين الجاري به العمل، فعَدّه نظريّا يروم حشوَ الأدمغة، وحكما على البرامج
الدّراسيّة اعتبرها بمقتضاه طويلة، ودعا إلى إرجاع العمل اليدويّ.
نحسَب أنّ مثل هذه الأحكام لا يخلو من مبالغة، ولعلّها تقوم على الانطباع
أكثر من استنادها إلى نتائج دراسات وبحوث. ويكفي أن نُلمع إلى ما تضمّنته برامجُ
التّعليم المدرسيّ من جوانب تتعلّق بتدريب المتعلّمين على المنهجيّة عموما، ومن
طرائق في التدريس تقوم على اعتبار التلميذ عنصرا فعّالا في التعلّم، وتسعى
لتنمية التعلّم الذاتيّ والمبادرة، ومن مناهج في التكوين تستند إلى التجربة
والأعمال التطبيقيّة والأشغال الموجّهة بالورشات...لذلك لا نظنّ أنّ نمط التكوين
في بلادنا نمط نظريّ. أمّا حشوُ الأدمغة فلم يعُد هدفا من أهداف التّعليم.
وتذكّرنا الدّعوة إلى إرْجاع العمل اليدويّ بخطاب أوّل مدير للتّعليم
العموميّ في عهد الحماية[6]، إذ قال سنة 1904: "
لقد حرصنا على أن نعطي للتعليم طابعا عمليّا ومهنيّا، لأنّ من مصلحة البلاد أن
يتلقّى تلامذتنا تكوينا يمكن توظيفه آنيّا".
ومن جهة ثانية، نثمّن فكرته الدّاعية إلى
تكليف شخصية وطنيّة مشهود بكفاءتها ترأس مجلس الحكماء، وتتعهّد بعرض تصوّرها
للإصلاح، علما أنّ مشمولات هذا المجلس تندرج ضمن المهامّ المسندة إلى اللجنة
القارّة للتقييم والتي لم تفعّل منذ إحداثها.
|
2.
الزّمن المدرسيّ والحياة المدرسيّة
حسب السيّد الوزير " إنّ لظاهرة
العنف المدرسيّ علاقةً بغياب الحياة المدرسيّة والأنشطة الثقافيّة والنوادي. ويستشهد
الوزير بذكرياته المدرسيّة، فيتحدّث عن المسرح ونوادي السّنيما، ويقول "يلزم
أن ترجع" هذه الأنشطة" والاعتماد على المختصّين.
تعليق:
الرّبط بين ظاهرة العنف وغياب النّشاط الثقافيّ
والرّياضيّ لا يخلو من صحّة. وهنا يحسن أن نميّز بين أمرين: مكانة الحياة
المدرسيّة في المشروع التربويّ التونسيّ، وممارسة النّشاط الثقافيّ والمدنيّ
والرّياضيّ ضمن الزمن المدرسيّ. أمّا المكانة فحاضرة في الأذهان، ويكفي دليلا
على ذلك الأمرُ المنظّم للحياة المدرسيّة[7] الذي يقدّم تصوّرا تشاركيّا ما فتئ
يدعو إليه الجميع. أمّا التنظيمُ الفعليّ للحياة المدرسيّة وممارسة التلاميذ
لبرامجها وأنشطتها المتنوّعة فيحتاج مراجعة ودفعا، بالبحث في العوامل التي
تعرقله أو تحدّ منه. ولعلّ الأهمّ اليوم يتمثّل في البحث فيما أفشل مشاريع
الحياة المدرسيّة، كما وضّحها الأمر المنظّم لها؟ هل هو الزّمن المدرسيّ الذي لا
يترك مجالا للنّشاط؟ هل هي الدّروس الخصوصيّة التي تستغرق وقتا لا بأس به من
حياة التلميذ؟ هل هي الفضاءات غير المُهيّئة لاستقبال نوادي البيئة والعيش معا
والمسرح وورشات التصوير والرّسم؟ هل الأمر يحتاج إطارا متخصّصا؟ هل هي الإدارة
المدرسيّة التي لم تنخرط في مشروع المدرسة والمجلس البيداغوجيّ للمدرّسين؟
|
3.الموارد البشريّة
يقول السيّد الوزير إنّ الموارد البشريّة
هي " مشكلة كبيرة، وهي جزء من "الإصلاح متاعي" وتتمثّل في:
أ.
"غياب منظومة
تكوين أساسيّ: فقد كانت لدينا مدارس الترشيح ودار المعلّمين العليا. واليوم، يُنتدب
للتدريس خرّيجو الكلّيات دون إعداد في مجال التدريس. أصبح من الضّروريّ إمّا
العودة إلى مدارس التكوين وتفعيل معاهد مهن التربية الموجودة في قربة وسوسة وصفاقس،
أو بعث كلّيات للتربية، أو إرساء ماجستير متخصّص في التربية.
ب.
غياب التكوين المستمرّ، وهو الجانب الثاني
من المشكلة الذي «نسيناه منذ سنوات". لا بدّ من تعهّد المدرّسين، وتكوين إطار
الإشراف، كالمديرين الذين يتمّ انتدابُهم اليوم دون تكوينهم في التصرّف ...
تعليق:
إنّ اهتمام السيّد الوزير بهذه المسألة واعتباره
إيّاها من أوكد المسائل أمرٌ جيّد. فلا سبيل إلى النّهوض بالمدرسة والتّعليم دون
مدرّسين وإطار إشراف إداريّ وبيداغوجيّ مهَنيّين، أي متكوّنين تكوينا خصوصيّا.
ولكنْ وَجب، ههنا، تدقيقُ مسألتين تتعلّق الأولى بالتكوين الأساسيّ، إذْ
تجدر الإشارة إلى أنّ خرّيجي الكلّيات كانوا، دائما، يمثلون أكبر نسبة من
المنتدبين، حتّى مع وجود دار المعلّمين العليا. كما أنّ وجود مدارس ترشيح المعلّمين،
ثمّ المعاهد العليا لتكوين المعلّمين لم يمنع الوزارة من انتداب أعداد وفيرة من
المعلّمين من خارج هذه المؤسّسات. إذنْ المشكل الذي لا بدّ من معالجته يكمُن في توحيد
مسالك الانتداب. فهل رأينا يوما وزارة الصحّة تنتدب طبيبا لم يتخرّج من كلّيات
الطبّ؟ وهل رأينا شركة طيران تنتدب قائد طائرة لم يتخرّج من مدرسة الطيران؟ وفي
هذا المجال، توجد اليوم تصوّرات عديدة. ولوزارتنا مقترحات أعدّت ضمن لجان مشتركة
مع وزارة التعليم العالي، تبقى الموازنة بينها واختيار ما يلائم منها المرحلة.
وفي الجملة، فإنّ تكوين المدرّسين وانتدابهم يمثّل أولوية الأولويات اليوم.
أمّا المسألة الثانية، ومفادها حسب السيّد الوزير " أنّنا نسينا
التكوين المستمرّ،" فيبدو أنّ الحُكْم الصّادر في شأنها مُجانب للواقع:
فمنذ أكثر من عقديْن، بات التكوينُ المستمرّ من أوكد اهتمامات الوزارة،(ربّما
لتدارك نقص التكوين الأساسيّ)، فتعدّدت مراكزُ التكوين على المستوى الجهويّ والمركزيّ،
وضُبطت، بصفة منتظمة، برامجُ وطنيّة مكثّفة، استنادا إلى تشخيص واقع التدريس، وأخرى
جهويّة، (انظر مثلا المنشور السّنويّ المتعلّق ببرنامج التكوين المستمرّ، وانظر
كذلك آخر منشور[8]
صادر سنة 2015 الذي ضمّ أكثر من 40 صفحة)، واعتُبر التكوينُ المستمرّ واجبا من
واجبات الأسرة التربويّة في القانون التوجيهيّ لسنة [9]2002 و في القانون الأساسي
للمدرسين.
فالقضيّة ليست في غياب التكوين
المستمرّ، وإنّما هي في نجاعته، ومردوديته، ومدى انخراط المدرّسين فيه.[10] وعلى منْ يريد إصلاحه أن
يعالج هذه القضايا.
|
4. الانقطاع المدرسيّ
أثار المنشّط مسألة الانقطاع المدرسيّ، فكانت
المناسبة الوحيدة التي ذكّر فيها الوزير ببرنامج حزبه (حزب نداء تونس)،[11] مشيرا إلى أنّ
الانقطاع" وثيق الصّلة بنظام التقييم." هذا عْلاشْ أنا علّقت مناظرة
السّيزيام"[12]. لا بدّ من مراجعة نظام
التقييم والتّوجيه، وجعله في نهاية كلّ مرحلة، وربطه بمسالك توجيه جديدة وتدعيم
التعليم التقنيّ.
تعليق:
صحيح إنّ ظاهرة الانقطاع المدرسيّ ترتبط بنظام
التقييم، لكنّها ترتبط كذلك بعوامل مدرسيّة أخرى مثل نظام الارتقاء من مستوى
تعليميّ إلى آخر، وأسلوب التدريس المعتمد. وهي كذلك نتيجةُ التفاوت المترتّب على
غياب تكافؤ الفرص بين التلاميذ والمدارس والجهات في مجال التعلّم والاكتساب والوسائل
التعليميّة، على الرّغم ممّا بذلته المجموعة الوطنيّة من جهود للتّخفيف من
حدّته. ولعلّ بعضَ الحلّ يكمُن في إعادة النّظر في مرحلة التّعليم قبل المدرسيّ،
وإزالة الفوارق الناجمة عن التحاق بعض الأطفال برياض الأطفال والسّنة التّحضيريّة،
وحرمان الغالبيّة العظمى منهم من هذه الخدمات.
|
5.الدّروس
الخصوصيّة
أرجعها السيّد
الوزير إلى كثافة البرامج وضوارب الموادّ.
تعليق:
لئن كان لهذين العامليْن دورٌ في
الموضوع (في بعض المستويات التعليميّة)، فالمسألة أعقد من ذلك بكثير. وما انتشارُ
الدّروس الخصوصيّة في السّنوات الأولى من المدرسة الابتدائيّة إلّا دليلا على
ذلك، ففي هذه المستويات التّعليميّة، لا دخل للضّوارب ولا لكثافة البرامج في انتشار
الدّروس الخصوصيّة ودروس التدارك. أليست رغبةُ الأولياء في نجاح أبنائهم بتفوّق،
ضمانا لمستقبل دراسيّ طموح، من العوامل المفسّرة لظاهرة الدروس الخصوصيّة؟
|
6. التّعليم العموميّ والتّعليم الخاصّ
أثار المنشّط الإذاعيّ المسألة مشيرا إلى
وجود نظاميْن تعليميّين بسرعتيْن مختلفتين: التعليم الخاصّ والتعليم العموميّ.
يقول السيّد الوزير إنّه ينبغي أن يظلّ التعليمُ عموميّا والمدرسة عموميّة، أي تعليما جمهوريّا مجانيّا ومختلطا، يقوم بدور
المصعد الاجتماعيّ ويبْني المواطن. أمّا التعليم الخاصّ فهو مكمّل للتعليم
العموميّ.
أقرّ الوزير بوجود تعليم خاصّ ذي جودة في
مستوى التعليم الابتدائيّ، عكس واقع التعليم الخاصّ في المرحلة الثانويّة، وأرجع إقبال
الأولياء على التّعليم الخاصّ بالمدرسة الابتدائيّة إلى رداءة البنية التحتيّة
بالمدرسة العموميّة (الوزير يذكر في حواره مناطق لا توجد بها ظاهرة التعليم الخاصّ).
تعليق:
صحيح إنّ الفترة التي سبقت سنّ قانون 2002 للتربية والتعليم المدرسيّ
عرفت تساؤلات عن مآل التّعليم العموميّ، في ضوء ظواهر من قبيل إقبال بعض
الشّرائح الاجتماعيّة على تعليم أبنائها بمدارس البعثات الأجنبيّة، وترسيم بعض
العائلات أطفالها بالمدارس الخاصّة. لكنّ ردّ القانون[13] كان مُدوّيا، إذ نصّ
الفصلُ الأوّل من هذا القانون على أنّ" التربية أولوية وطنيّة مطلقة
والتعليم إجباريّ من سنّ السادسة إلى سنّ السّادسة عشرة"، ونصّ الفصل 16
على أنّ السّنة الأخيرة من التعليم قبل المدرسيّ... سنة تحضيريّة للمرحلة
الابتدائيّة، وأنّها جزء من التعليم الأساسيّ.
أمّا التعليم الخاصّ[14] فقد نمت مرحلته
الابتدائيّة وتطوّرت، لا لكفاءة معلّميه ولا لجودة تدريسه، وإنّما لما يُسديه من
خدمات للعائلات لا تقوى المدرسة العموميّة عليها. ونحسَب أنّ من الإجراءات التي
تعزّز التعليم العموميّ وتعيد الثقة بمدرسته تتمثّل في جعل السّنة التحضيريّة
إجباريّة ومجانيّة بالمؤسّسات العموميّة.
|
خلاصة
إنّ طموح السيّد الوزير إلى أن يكون كمحمود
المسعدي أو محمّد الشرفي طموحٌ مشروع نرجو أن يحقّقه. بيْد أنّ محمود المسعدي كان
يحمل مشروعا وطنيّا تجديديّا مطلعَ الاستقلال، مُستلْهما من
لوائح الاتّحاد العامّ التونسيّ للشّغل ونقابات التعليم، وقد استطاع أن ينشئ مدرسة
تونسيّة وطنيّة عصريّة ألّفت بين مختلف أصناف المدارس العموميّة والأهليّة القائمة
على عهد الحماية. وكان الأستاذ محمّد الشّرفي يحمل مشروعا مجتمعيّا وتربويّا
حديثا، يستلهم حقوقَ الإنسان ومفاهيمَ المواطنة والحسّ المدنيّ والمجتمع
المؤسّساتيّ القائم على التلازم الأساسيّ بين الحرّيّة والمسؤوليّة.
ومنذ أن قامت الثورة، ما فتئنا نسأل عن
المرجعيّة الجديدة التي ستعتمد في إصلاح المدرسة التونسيّة: ماذا تريد الثورة من
المدرسة؟ ما تنتظر المدرسة التونسيّة من الثورة؟ كيف ترى الثورةُ ملامحَ خريّجي
مدارسها؟ كيف ترى الثورة مُدرّس المستقبل؟ ما منوال التكوين المنشود؟ ما نصيبُ
اللغات والإنسانيّات فيه؟ ما نصيب البُعد الرّوحي فيه؟ ما نصيبُ العلوم
والتكنولوجيا فيه؟ ما صلة التكوين بمهن المستقبل؟ وما أكثرها! ما العلاقة بين المدرسة ومجتمع المعرفة؟
كلّها أسئلة تحتاج جوابا. إنّ الإصلاح المُؤمّل
اليوم إصلاحٌ لمنظومة القيم والمثل، قبل أن يكون إصلاحا تقنيّا أو بيداغوجيّا. إنّ
الإصلاح المرتقب وجهتُه المستقبل أو لا يكون. وليس الحنينُ إلى الماضي ووقائعه من
وجْهة المستقبل. إنّ الإصلاح المرتقب إصلاحٌ ينبغي أن يقوده ابتكارُ القائمين على
الشّأن التربويّ حلولا للقضايا المطروحة تكون مغايرة للحلول السّابقة.
الهادي بوحوش و المنجي عكروت متفقدان
عامان للتربية
تونس
فيفري 2015
[1] محمود المسعدي: ثالث وزير للتربية بعد
الاستقلال (ماي 1956-أكتوبر)1968، ارتبط اسمه بصدور أوّل قانون تربويّ أرسى
المدرسة التونسيّة الحديثة (القانون 118 -1958 المؤرّخ في 4 نوفمبر 1958 المتعلق
بالتعليم).
[2] محمد الشرفي: وزير التربية والعلوم السابع
عشر: (أفريل 1989 -ماي 1994). يعتبر مهندس القانون التربويّ الثاني في تاريخ
التعليم التونسيّ، منذ الاستقلال: (القانون 65-1991 المؤرّخ في 29 جويلية 1991
المتعلق بالنظام التربويّ.
[4] . الاستشارة الوطنية حول مدرسة الغد، الاستشارة حول الزّمن
المدرسيّ 2010 ، الاستشارة حول تقييم
تلاميذ المدرسة الابتدائية (2009)
[5] . ذكر وزيرُ
التربية، السيّد حاتم بن سالم، في ندوة صحفية انعقدت بمناسبة افتتاح السنة الدراسيّة
الجديدة، يوم 18 سبتمبر 2009، أنّه قد تمّ رصد اعتمادات تقدر بــ 57 مليار دينار
لأوّل مرّة لصيانة المؤسّسات التربوية وتهيئتها.
http://www.gnet.tn/revue-de-presse-nationale/rentree-scolaire-rehabilitation-de-la-note-et-du-carnet/id-menu-958.html
[6]
مقتطف من كلمة مدير التعليم العموميّ لويس ماشوال بمناسبة تدشين المجمع المدرسي
بمدينة صفاقس سنة 1904 - النشرة الرسمية للتعليم العموميّ - عدد 42 - فيفري 1904-
السنة 18 - ص 622
[8] منشور 18-10-2015 حول برنامج وزارة التربية في تنفيذ
الخطة الوطنية لتطوير كفاءات الموارد البشرية للسنة المالية .2015
[9]
الفصل 46: يتابع أعضاء الإطار التربويّ والإداريّ كافة، طوال حياتهم المهنيّة،
التكوين المستمرّ، باعتباره ضرورة تقتضيها التحوّلات المعرفية والاجتماعيّة ويحتّمها
تطوّر المهنة. وينظّم تكوين المكوّنين والتكوين
المستمرّ لفائدة أعضاء الإطار التربويّ والإداريّ، حسب ما يقتضيه تطوّر وسائل التدريس و مصلحة
التلاميذ و المدرسة و حاجيات الارتقاء المهني-القانون التوجيهي للتربية و التعليم المدرسيّ
-23 جويلية 2002
[10] République de Tunisie, Ministère de l’éducation
et de la formation - (PAQSET 2) Etude stratégique sur le développement du
système de formation continue des personnels
d’éducation – Rapport final – juillet 2008.
[12]على ذكر هذا
الامتحان، و على عكس ما ذهب إليه البعض من عدم استشارة المعلّمين في الموضوع، نورد
هنا ما صرّح به وزير التربية و التكوين، السيّد حاتم بن سالم، بمناسبة افتتاح
السنة الدراسيّة 2009 -2010 يوم 18 سبتمبر 2009 " سيكون امتحان السنة السادسة
إجباريّا بداية من السّنة الدراسية 2010 - 2011 و قد اتّخذ هذا القرار بعد استشارة
شملت أكثر من 60 ألف مدرّس ".
http://www.gnet.tn/revue-de-presse-nationale/rentree-scolaire-rehabilitation-de-la-note-et-du-carnet/id-menu-958.htm
[14] الهادي بوحوش والمنجي عكروت. تنامي الإقبال على
التعليم الخاصّ بالمرحلة الابتدائيّة في البلاد التونسيّة - المدوّنة البيداغوجية -
27 جانفي .2014
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2014/01/blog-post_27.html
dans un but d'adhérer au développement humain contemporain; instituer les écoles en santé, qui est programme érigé en Europe
RépondreSupprimeressentiellement, est meilleure introduction de l'individu écolier à une pédagogie, le situant dans un environnement sociale et psychosociale difficile . Une santé va de paire avec un niveau d'éducation.
المحور الأول بالبند العريض هو راتب الأستاذ المتدني اللي أكثر من شطر الشهرية تمشي كراء و ماء و ضوو الكل من بعد يجي يا سي ناجي
RépondreSupprimer