إنّ المتتبّع للكتابات التي تطرّقت إلى
مسألة الإصلاحات التربويّة في البلاد التونسيّة يلاحظ تركيزا على الإصلاحات الثلاثة
الكبرى منذ الاستقلال[1]، وتغييبا للإصلاحات
المرحليّة التي جاءت إمّا لتعديل تلك الإصلاحات أو للتمهيد لها. كما يلاحظ ضعفّ
اهتمام المنشغلين بالشّأن التربويّ الوطنيّ بإصلاحات التّعليم الزيتونيّ التي
عرفتها بلادنا في فترة ما قبل انتصاب الحماية الفرنسيّة، وبإصلاحات فترة الحماية
ذاتها[2]، وهي فترة شهدت إرساء نمط
جديد من التعليم لا يزال تأثيرُه واضحا إلى اليوم، وذلك بعد مرور ما يزيد على نصف
قرن على استقلال البلاد.
وفي الحقيقة، مثّلت التربية والتعليم، منذ القرن التاسع
عشر، محور اهتمام المصلحين، على مختلف مشاربهم وتوجّهاتهم، وقادة الأحزاب
السّياسيّة والمنظمات المهنيّة والحكومات. فقد تتالتْ التجاربُ والمشاريعُ
الإصلاحيّة، ولئن كان نجاحُها متفاوتا، فإنّها أسهمت جميعُها في إرساء نظام تربويّ
تونسيّ حقق للبلاد عديد المكاسب.
سنسعى في هذه الورقات إلى أن نعرّف، بإيجاز، بمختلف هذه
الإصلاحات التعليميّة التي يتنزّل جميعُها في إطار البحث عن سبل النّهوض الحضاريّ،
وسنركّز، ما أمكن، على إبراز الظرفيّة التي اكْتَنَفت كلّ إصلاح، وما ينفرد به من
خصائص، وأثره في الإصلاحات الموالية له، علما أنّ الإصلاحات التي شهدتها
البلاد التونسيّة تسير، على العموم، في اتّجاهيْن، أحدهما تحديثيّ يروم إرساء
أنماط جديدة من التعليم، والثاني تطويريّ يروم تهذيب ما هو قائم وتعديله.
تقديم لإصلاحات فترة
ما قبل الحماية الفرنسيّة
شهدت الفترة الممتدّة من ثلاثينات القرن التاسع عشر إلى
نهاية 1880، أي من حكم الأمير أحمد باشا باي إلى قُبيل انتصاب الحماية الفرنسيّة،
عدّة تجارب ومحاولات إصلاحيّة في مجال التعليم، تعلّق جلّها بالتعليم الدّينيّ،
سواء أكان يجري بالمدارس القرآنيّة والكتاتيب، أو بالجامع الأعظم وفروعه، بالمدن
والأقاليم. واهتمّ البعضُ الآخر بإرساء نظام تعليميّ عصريّ لتكوين ضُبّاط الجيش
وإعداد موظّفين لمباشرة العمل بمصالح الإدارة المدنيّة.
1.
الظرفيّة التي مهّدت للإصلاحات في مجال
التعليم
تندرج الإصلاحات التعليميّة الأولى التي حصلت في البلاد
التونسيّة، في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضمن الحركة الإصلاحيّة التي
عرفها العالم الإسلاميّ منذ نهاية القرن الثامن عشر، والتي عُرفت فيما بعدُ بحركة
النّهضة، وقد انطلقت مع الإصلاحات في الدّولة العثمانيّة
مع السّلطان محمّد عليّ باشا ( 1769-1849)،
ثمّ السّلطان سَليم الثالث ( 1789- 1807)، و السّلطان محمود الثاني، بإنشاء المدارس الحديثة على المنوال الغربيّ و
إرسال البعثات الطلابيّة إلى أوربا، و تطوّرت في مصر في حكم محمّد عليّ الذي وضع نظاما تربويّا عصريّا متفتّحا على الحداثة وعلى الغرب، فأنشأ المدارس الابتدائيّة والثانويّة والعليا، و أرسل الطلبة إلى أوربا، و استقدم أساتذة من
الخارج. وقد مهّدت هذه الإصلاحات الطريق أمام المصلحين في البلاد التونسيّة. وقد جدّتْ
الإصلاحاتُ في مجال التربية مع أحمد باشا باي (1837 -1855) ومحمّد باشا باي،
ومحمّد الصّادق باي (1859-1882) وتمثّلتْ في إصلاح التعليم الأصليّ (الكلاسيكيّ)
القائم آنذاك، وإحداث تعليم عصريّ مقتبَس من المثال الأوروبيّ.
2 . إصلاحات التعليم الأصليّ
للتعليم
الأصليّ في البلاد التونسيّة تاريخ عريق ومَجيد. وكان جامع الزيتونة يُشعّ على
كامل بلاد المغرب الإسلاميّ، غير أنّه لم يتجدّد فأصابه الجمودُ على امتداد أجيال،
في مستوى البرامج والطرائق. يقول محمد
لصرم[3] في
توصيفه للتعليم في بداية القرن:" ظلّت الفلسفة والبرامج تقريبا على حالها دون
تغيير". وكان التعليم يقوم بالأساس على تعليم القرآن والعلوم الشّرعيّة، ويؤمّنه
المؤدّبون بالنّسبة إلى الأطفال الصّغار بالكتاتيب (المدارس القرآنيّة)، ويضطلع به
الشيوخُ في جامع الزيتونة بالنّسبة إلى التعليم العالي. وكان تعليما اختياريّا وعلى
نفقة الأولياء[4]،
بالنّسبة إلى الكتاتيب، لكنّه يصير مجانيّا بجامع الزيتونة.
وفي
بداية القرن التاسع عشر، شرعتْ حكومة الباي في إصلاح التعليم الأصليّ بدْءًا بقمّة
هرم المنظومة التعليميّة: التعليم بالجامع الأعظم.
أ.
إصلاح التعليم بجامع الزيتونة
كان
الجامع الأعظمُ المؤسّسة التي يتخرّج فيها أصنافٌ من الموظّفين، منهُم موظّفُو
القضاء الشّرعيّ، وموظّفُو الإدارة ومختلف رُتب المدرّسين.
فيما بين 1840 و1880، شهد نظام التعليم بالجامع
الأعظم وفروعه، كما شهد نظامُ المدارس القرآنيّة والكتاتيب، عدّة محاولات إصلاحيّة
ترمي كلّها إلى تحديث هذا النّظام وتعصيره، أو، على الأقلّ، إلى تطويره، لعلّ
أبرزَها إصلاحات 1842 و1870 و1875. لكنّ أهمّها على الإطلاق يظلّ إصلاح خير الدين
لسنة 1875.
§ ركّز إصلاحُ 1842 المعروف بالمعلّقة[5] على
تنظيم عدد المُدَرّسين من المذهبيْن الحنفيّ والمالكيّ، وعدد الدّروس بالنّسبة إلى
كلّ مُدرّس، وضبط التعيينات والأجور، وتسمية أربعة نُظّار على التعليم بجامع
الزيتونة، وتكليفهم بمراقبة الدّروس وحضور المدرّسين، وحفظ المكتبة والمحاسبة على
مالية التعليم.[6]
§ ثمّ جاء إصلاح 1870 ليذكّر بتنظيمات 1842 التي تُنُوسيَتْ شيئا فشيئا، ممّا تسبّب في اختلالات
عديدة، منْ أبرزها غياباتُ المدرّسين وسوءُ تنظيم الدّروس وسيرُ العمل بالمكتبة.
لذلك ندرك ما دفع بالمشرّع إلى اتّخاذ إجراءات جديدة صدرت في مرسوم[7] قصد
مقاومة ظاهرة غياب المدرّسين (اقتطاع من المرتّب في حالات الغياب غير المبرّر)، وتحسين جودة التكوين، وذلك من خلال إرساء هيئة
من الشّيوخ المتفقّدين لمراقبة هيئة التدريس وسير التعليم، وضبط العلوم التي
يتعيّن على كلّ مدرّس تأمينُها، استنادا إلى اختصاصه، وحَضّ المدرّسين على ارتياد
المكتبة واعتماد ما فيها من تآليف تسهم في تحقيق أغراض التعليم. كما أرسى المرسوم آلية مراقبة ومتابعة على درجتيْن:
أُسندتْ المتابعة، في الدرجة الأولى، إلى هيئة الشّيوخ المتفقدين التي دُعيت إلى تقديم
تقرير شهريّ عن سير التعليم بالجامع إلى السّلطة. أمّا المتابعة في الدرجة الثانية
فقد تكفّل بها موظّف سام من الدّولة عُيّن خصيصا لمراقبة سير الدّروس، وإدارة
المكتبة، والحالة العامّة، وإعداد تقرير شهريّ مستقلّ عن تقرير المتفقّدين.
§ أمّا
إصلاح 1875 أو" الإصلاح الكبير
للتعليم العالي الإسلاميّ الذي ارتبط باسم الوزير خير الدين،[8] فقد تجسّم في مرسوم 26 ديسمبر 1875[9] الذي يتكوّن من خمسة أبواب و67
فصلا: لقد رتّب الدروس والتعليم بالجامع الكبير، ووضع له نظاما شاملا"[10]، وغيّر وجهَ التعليم
الزيتونيّ (نظريّا، على الأقلّ). ومن أبرز المستجدات التي جاء بها إصلاح 1875، نذكر:
-
إقرار هيكلة جديدة للتعليم الزيتونيّ الذي صار يتكوّن من
ثلاث مراحل تعليميّة، لكلّ منها برامجُها الخاصّة بها، هي الابتدائيّ والثانويّ
والعالي،
-
تنظيم جديد للتعليم والمعارف المقرّرة، إذ
صُنّفت العلومُ في ثلاثة أنواع: العلوم الشّرعيّة، والعلوم الصّحيحة، والفنون، ممّا مكّن
من إثراء تكوين الطلبة بموادّ دراسيّة جديدة إجباريّة، مثل الأدب
والتاريخ والعَروض والمنطق والحساب والهندسة والفلك. كما ضُبطتْ المؤلَّفات المقرّرة
لكلّ مستوى تعليميّ،
-
إحكام الإشراف الإداريّ والبيداغوجيّ ممّا
مكّن من فرض مراقبة إداريّة وبيداغوجيّة على الطلبة والمدرّسين، بعد إعادة
تنظيم النّظارة العلميّة وتحديد صلاحيتها،
-
تنظيم جديد للامتحانات وإسناد الشّهائد (تركيبة لجان الامتحانات،
الاختبارات، (
-
ضبط منهج في التدريس والتعامل مع المتعلّمين يقوم على احترام
الدّارسين وتوخّي طريقة بيداغوجيّة منظّمة المراحل، عمادُها التدرّج في الإفهام
وتجزئة الصّعوبات وضرب الأمثلة،
-
تسمية مستشار للمعارف ونائبيْن عنه لمراقبة أحوال التعليم
وإجراء التراتيب، ويمثّل هذا البعدُ البيداغوجيّ في إصلاح 1875 قفزة نوعيّة أرادت
أن تقطع مع التدريس الذي يقوم على التلقين والحفظ. غير أنّ هذا الاصلاح الجديد لم
ينجح بدوره، لا في تغيير ممارسات غالبية الشّيوخ، ولا في تطوير محتويات الدّروس، ولا
في تجويد تكوين الطلبة، إذ كانت قُوَى المحافظة أقوى من قوى الإصلاح والتجديد.
ملحق: ملخّص الترتيبات التي وردت في مرسوم
1875 كما أوردها محمد لصرم
الباب الأوّل: تناول تنظيم التعليم بالجامع الكبير الذي أصبح يتكوّن من ثلاث
مراحل.[11]
الباب الثاني: خُصّص لدور الأساتذة
البيداغوجيّ، وللطريقة الواجب اتّباعُها. كما يضبط مدّة الدروس، ويفرض المواظبة
على توقيت الدروس...
الباب الثالث: مخصّص لواجبات الطالب ...
المواظبة[12]
...والسلوك أثناء الدروس...
الباب الرابع: يحدّد مشمولات المتفقدين
الذين يكوّنون هيئة المراقبة ..." ينصّ الفصل 37 على أنّ المتفقد يجلس على
مقربة من الأساتذة لمتابعة مختلف الدروس وتقدير كفاءة وذكاء كلّ واحد منهم."
الباب الخامس: يحدّد النظام الداخليّ للمكتبة.
|
ب.
إصلاح المدارس القرآنيّة
بدأ اهتمام الدّولة بالتعليم في الكتاتيب
بصفة متأخرة، بعد ما أتمّت النظر في التدريس بجامع الزيتونة وصدور المراسيم المتعلّقة
به، وخاصّة مرسوم 1875، حين أصبحت الحاجة ملحّة قصد ضمان إعداد جيّد للطلبة الذين
سيوجّهون لجامع الزيتونة وفروعه. تمّ التّمهيد لإصلاح التعليم بالكتاتيب والمدارس
القرآنيّة بتشخيص وضعها في المدن والأقاليم. طلبت حكومة الباي، سنة 1875، من قوّاد
المناطق، تقريرا عن وضعية التعليم بجهاتهم، تشخيصا للوضع القائم، فتبيّن أنّ
14.000 تلميذ فقط ينخرطون في الكتاتيب[13]، بمعدّل 20 تلميذا في كلّ
مدرسة قرآنيّة، مع نقص فادح في مناطق الشّمال وغرب البلاد. كما أفضى التشخيصُ إلى أنّ
المؤدّبين القائمين بهذا التعليم لا يمتلكون المؤهّلات الضّروريّة لمهنة التدريس.
ومنذ جانفي 1876، اتّخذت الحكومة إجراءات
أوّليّة تتمثّل في ألاّ يتولّى التدريسَ بالكتاتيب إلاّ منْ كان"
مسجّلا"، أو منْ يُدلي بشهادة، من الأهالي أو من نقابة المؤدّبين، تنصّ على
الرّضى به مؤدّبا للصّبيان، دون أن تواصل عمليةَ الإصلاح، نتيجة التطوّرات السياسيّة
التي عرفتها البلاد، في تلك الفترة.
لم تكتف حكومة الباي بهذه الإصلاحات التي
ركّزت على التعليم بالجامع الكبير، وإنّما عمدت إلى تركيز هياكل لمرافقة تلك الإصلاحات،
منها إنشاء إدارة التعليم الزيتونيّ (عُيّن على رأسها المصلحُ بيرم الخامس)، ولجنةُ
الدراسات التي أوكلت لها مهمّة وضع البرامج الدراسيّة والعناية بالمسائل التربويّة،
وأخيرا بعث وزارة للتعليم أو المعارف. ويرى المؤرّخ البشير التليلي[14] أنّ" كلَّ هذه الإجراءات
كان جميعُها يستجيب لضرورة إرساء تعليم يقوم على نظام مركزيّ قويّ ومراقبة مُشدّدة
في إطار تحديث هذه المؤسّسة التقليديّة (يقصد جامع الزيتونة)."
نهاية الجزء الأول يتبع الجزء الثاني : اصلاحات فترة ما قبل الحماية الفرنسيّة
الهادي بوحوش والمنجي عكروت متفقدان عامّان
للتربية
تونس في 14 سبتمبر 2014
ورقات ذات علاقة منشورة بالمدونة
البيداغوجية
الهادي بوحوش و المنجيعكروت : ملامح الإصلاح التربويّ الجديد - المدونة البيداغوجية.
الهادي بوحوش و المنجي عكروت: تقرير اللجنة الفرعيّة للتعليم الثانويّ صدر بجريدة"لاكسيون " لسان الحزب الاشتراكي الدّستوريّ"،المدونة البيداغوجية.
الهادي بوحوش و المنجي عكروت : تاريخ الإصلاحات التّربويّة بالبلاد التّونسيّة منذ القرن التاسعَ عشرَ: توطئة عامّة
عمر بنور : في الاصلاح التربوي - المدونة البيداغوجية .
عمر بنور: في الإصلاح التربويُ:المرجعيــّات (الجزء الأول) المدونة البيداغوجية.
عمربنور: في الإصلاح التربويُ: المرجعيــّات (الجزء الثاني) المدونة البيداغوجية، المدونة البيداغوجية.
عمران البخاري : الحوكمة في النظام التربويالتونسي، المدونة البيداغوجية.
[3] محمد لصرم: التعليم العالي الإسلاميّ بجامع الزيتونة أو
الجامع الكبير بتونس - تقرير عُرض في
مؤتمر شمال إفريقيا بباريس من 6 إلى 10
أكتوبر 1908. (باللغة الفرنسية).
[4] " يتقاضى المؤدّب أجرته مباشرة من الأولياء وتتفاوت قيمتُها
حسب المستوى الاجتماعيّ والمادّيّ لعائلة الطفل، وتتراوح بين ستين سنتيما وثلاثة
فرنكات. وقد يتقاضى المؤدّب، مقابل أتعابه، في بعض المناطق، قمحا أو شعيرا أو زيتا
عوضا عن المال".
خير
الله بن مصطفى: التعليم الابتدائيّ الأهليّ في البلاد التونسيّة: تقرير عُرض في
مؤتمر شمال إفريقيا بباريس من 6 إلى 10 أكتوبر 1908. (باللغة الفرنسيّة)
[9] . في الواقع، تجسّم هذا الإصلاح في عدد كبير من المراسيم، صدر
أوّلهما في 18 ماي 1875 والثاني في 26 ديسمبر 1875.
[11] . حسَب ملاحظات شخصية
للسيد محمّد الطاهر بن عاشور، أستاذ درجة أولى بالجامع... تدوم الدراسة في الجامع،
بالنسبة إلى طالب متوسّط الذكاء، حوالي ثمانية سنوات: سنتان في المرحلة الأولى،
وثلاث سنوات في المرحلة الثانية، وسنتان في المرحلة الثالثة والأخيرة. أمّا السنة
الثامنة فتخصّص لإعداد الامتحانات". أورده محمد لصرم -المرجع السابق.
[12] " لحَثّ الشباب على
الدراسة وطلب العلم: نصّ الفصل 25 على أنّ" الطالب الذي يملك السجلَّ المشار
إليه في الفصل 24 يعفى طيلة فترة الدراسة بالجامع الكبير من الضريبة على الأشخاص و
من الخدمة العسكريّة. كما يعفى من جميع الضرائب التي يخضع لها منْ كانوا في سنّه
من عامّة السّكّان". محمّد لصرم
[13] حسب خير الله بن مصطفى: " كانت البلاد
التونسيّة تعدّ (سنة 1908) 1245 كُتّابا يشرف عليها 1245 مؤدّبا، ويؤمُّها 20254
طفلا تتراوح أعمارهم بين 5 و15 سنة". نفس المصدر المذكور سابقا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire