تفتح المدونة البيداغوجية صفحاتها من جديد للزميل عمر بنور المتفقد العام
للتربية و مديرالتفقدية العامة للتربية لأكثر من عقدين ساهم فيها مع ثلة من
الزملاء في إرساء هذه الادارة التي حضنت إطار التفقد البيداغوجي ليواصل
عرض خواطر حول قضية الاصلاح
التربوي : في الاصلاح التربوي في ماي 2015 و لمحة حول المرجعيات القسم الأول في 29 سبتمبر 2015 ) و يُركز هذه المرة على مرجعيات البيداغوجية.
شكرا للزميل عمر بنور ونأمل أن ينسج زملائنا على منوال الأستاذ عمر بنور لإثراء
الساحة التربوية بتجاربهم و خبراتهم و نذكرهم بأن المدونة البيداغوجية تنتظر
لهم.
الهادي بوحوش و المنجي عكروت
مقدّمة
استعرضنا في المقال السّابق المرجعيّات القانونيّة
الضابطة للعمل التربويّ، وركّزنا على الإصلاحات التربويّة، وختمنا بأهمّ أهداف
المخطّط الحادي عشر للتربية الذي أتت عليه الثورة، فلم ينجز منه إلا القليل.وقبل
أن نواصل اليوم النظر في المرجعيّات البيداغوجية التي يستند إليها العمل التربويّ،
يحسن أن نشير إلى أنّ المبادئ التي ذكرنا هي مبادئ كونيّة لا يختصّ بها نظامُنا
فنحن نشترك فيها مع أنظمة تربويّة أخرى.
فمبدأ "التربية أولويّة وطنيّة مطلقة"
و " التلميذ محور العملية التربويّة " نجدهما في القانون التوجيهيّ
الفرنسيّ أو قانون جوسبان (Jospin) كما يطلق عليه
الفرنسيّون منذ سنة1989. فالجملة الأولى التي يفتتح
بها الفصل الأوّلُ من هذا القانون هي (L’éducation est la première priorité nationale ). كذلك الشّأن بالنّسبة إلى مكانة التلميذ
والطالب " يجب أن يكونا هما الفاعليْن الأساسيّين في اختيار توجّهاتهما".
أمّا القانون المغربيّ " الميثاق الوطنيّ للتربية
والتكوين " فقد ورد في فصله الواحد والعشرين "يعلن قطاع التربية
والتكوين أوّل أسبقية وطنيّة، بعد الوحدة الترابية"، وفي فصله السادس "
ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلّم بوجه عامّ، والطفل على الأخصّ،
في قلب الاهتمام والتفكير والفعل، خلال العملية التربويّة التكوينيّة..."
فهذه النماذج تدلّ على أنّ المبادئ المذكورة أصبحت مبادئ كونيّة تشترك فيها
الأنظمة التربويّة التي تروم الرقيّ والتطوّر وتستشرف المستقبل وتؤْمن بدور
المدرسة.
المرجعيات البيداغوجيّة
1 – برنامج البرامج.
صدرت هذه الوثيقة سنة 2003 عن الإدارة
العامّة للبرامج والتكوين المستمرّ، وهي وثيقة تعدّ لأوّل مرّة في تونس. إلا أنّها
معروفة في دول أخرى كفرنسا وبلجيكا وتسمّى قاعدة الكفايات (Socles de compétences)، وقد ركّز برنامج البرامج على تحديد ملامح المتخرّج ودرجات
تحقّقها في مختلف مراحل التعليم، ثمّ فصّل الأبعاد الشخصيّة والأبعاد المدنيّة
والأبعاد المعرفيّة والثقافيّة والأبعاد العلميّة. ثمّ استعرض الكفايات الأفقيّة
التي يجب أن يكتسبها المتخرجّ وعددها ثماني وهي:
-
يعبّر بالطرائق الملائمة من أجل التواصل.
-
يستثمر المعطيات.
-
يتوخّى منهجية عمل ناجعة.
-
يوظّف التكنولوجيات الحديثة.
-
ينجز مشروعا.
-
يحلّ المسائل.
-
يوظّف التواصل للعيش مع الآخرين والعمل
معهم.
-
يمارس الفكر النقديّ.
ثمّ وزعت هذه الكفايات حسب المجالات:
اللغات والعلوم والاجتماعيّات والتكنولوجيّات والفنون. والمتأمّل في كلّ هذا
يستنتج نبل الغايات التربويّة، والصورة التي سيكون عليها مواطن المستقبل خرّيج
مدرستنا وجامعتنا. لكن هل ترجمت برامجنا ووسائلنا هذه الغايات إلى واقع معيش بفضاء
المدرسة قبل الحديث عن محيطها؟ أو إنّ بين الطموحات والواقع مسافات؟ فإلى أيّ حدّ
تلميذ اليوم قادر على التواصل بلغة سليمة؟ وإلى أيّ مدى يمارس الفكر النقديّ؟ وأيّ
مشروع قادر على إنجازه؟ وفي أيّ مجال يوظّف التكنولوجيات الحديثة؟ وغيرها من
الأسئلة كثير. وإن لم يقيّم هذا المشروع تقييما علميّا، فإنّ الانطباع السائد، لدى
الخاصّ والعامّ، أنّ الفرق بين النظر والتطبيق شاسع، وأنّ خللا حدث في المسافة بين
المدخلات والمخرجات مردُّه، في غالب الأحيان، قرارات ارتجاليّة يتّخذها الوزراء
المتعاقبون لا تراعي البناء المنظوميّ فتطيح ببعض أركانه، ممّا يحدث ثغرات قد تتسبّب
في نتائج سلبيّة غير منتظرة.
2-البرامج.
استدعى الإصلاح التربويّ وضع برامج جديدة
لكلّ مراحل التعليم، من المفترض أن تحقّق الكفايات التي ذكرنا، وقد اجتهدت اللجان
في تحقيق هذه الغاية، وإن حدث تغيير في بناء برامج المرحلة الابتدائيّة حيث سعت
إلى أن تستجيب لخيار الكفايات، فإنّ التغيير كان محدودا في بقية مراحل التعليم،
فحافظ على المقاربة بالأهداف وما ترمي إليه من إكساب المتعلّم معارف ومهارات
وسلوكات. واقتصر التغيير على المعارف في أغلب الأحيان، فلا نشعر بوجود رابط متين
بين هذه البرامج وما ورد بوثيقة برنامج البرامج. ولولا اجتهاد مؤلّفي الكتب
المدرسيّة وتأثرّهم بمقاربات أخرى جعلت الكتب تتقدّم على البرامج، لاعتبرنا أنّ لا
تغيير ذا بال حدث.
3 – المدارس أو التيّارات العلميّة
والبيداغوجية، أو الأسس الإبستيمولجيّة التي استندت إليها البرامج.
تسرّبت في الثمانينات إلى ممارساتنا البيداغوجيّة ما
تعرف ببيداغوجية الأهداف. ولعلّ الفضل في ذلك يعود إلى برنامج التربية العمرانية
آنذاك الذي ساهم في تكوين المدرّسين ونشر وثائق ساعدتهم على الاستئناس بهذه
المقاربة، التي تستند إلى المدرسة السلوكيّة، وقد تبنّاها المدرّسون وإطار الإشراف
البيداغوجيّ دون تحفظّات تذكر، ومردّ ذلك في اعتقادي أنهّا لم تكن مسقطة بل كانت
نتيجة اجتهاد الأطراف التي ذكرنا، فاندفع إلى تطبيقها المجدّدون المتحمّسون وتردّد
الآخرون، لكن بعد التكّوين والتّأطير صارت من الممارسات العادية، ثمّ تبنّتها
برامجنا وتوجيهاتنا وكتبنا ومورست عن قناعة، ومازالت رسميّا هي المقاربة المطبّقة
بالنّسبة إلى مرحلتي الإعداديّ والثانويّ، وقد أثرتها الممارسات الميدانيّة عند
الكثير من المدرّسين والمتفقّدين الذين تكوّنوا في مقاربات أخرى جاءت بعدها.
ومواكبةً للبحث العلميّ والتّطور البيداغوجيّ والتّركيز
على ما يعرف اليوم بالتعلّميّة، تفتّحت المدرسة في تونس، وفي غيرها من البلدان،
على تيّارات جديدة تنهل مما اصطلح عليه "بالبنائيّة " وتُعنى اعتناء
شديدا بالمسارات الفكريّة والوجدانيّة والاجتماعيّة الملازمة لاكتساب المعارف
الجديدة، وما تقتضيه هذه المعارف من معالجة واسترجاع متواصل، وما تستدعيه من هيكلة
مستمرّة للمكتسبات السّابقة ". وعن هذه النظريات، برزت المقاربة بالكفايات
التي سنتحدّث عنها لاحقا. " العرفانية "وما تفرّع عنها، وهذه مقاربات
" تهتمّ اهتماما خاصّا بطبيعة المعرفة ودور المتعلّم في بنائها، وتعنى اعتناء
شديدا بالمسارات الفكريّة والوجدانيّة والاجتماعيّة الملازمة لاكتساب المعارف
الجديدة وما تقتضيه هذه المعارف من معالجة واسترجاع متواصل وما تستدعيه من هيكلة
مستمرة للمكتسبات السابقة ". وعن هذه النظريات برزت المقاربة بالكفايات التي
سنتحدّث عنها لاحقا. ( يتبع)؟
عمـــر بنــــور متفقــد عـــام للتربيـــة
bennour.amor@gmail.com
Cliquer ici pour
accéder à la version FR
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire