lundi 26 décembre 2016

في مجرى الأحداث: ما المشترك بين البلدان المتصدّرة للترتيب في مسابقة بيزا2015 ؟



منذ ما يزيد على الأسبوع، قرأنا أو سمعنا تعاليقَ تخُصّ نتائج التلامذة التونسيّين في الدورة الأخيرة للتقييم العالميّ المعروف" ببيزا".
وليس في نيّتنا اليوم أن نستأنف النظرَ في هذه التحاليل ومختلف التعاليق، ولا أن ندْلي بتعاليق وتحاليل أخرى، ذلك أنّ حصيلة النتائج بليغة، ولا يحتاج الأمر مزيدا من التحليل.
وفي المقابل، فإنّ المدوّنة البيداغوجيّة أرادت بالمناسبة أن تتقاسم مع قرّائها مقتطفات من مذكّرة أعدّها المركزُ الوطنيّ لتقييم النظام التربويّ بفرنسا[1]   CNESCO. وقد لفت اهتمامنا القسمُ الثاني من المذكّرة، وفيه سعى المركزُ لوصف السّياسات التعليميّة للبلدان التي تصدّرت الترتيب العالميّ، تلك السّياسات التي يبدو أنّها، على حسب المذكّرة، من العوامل المفسّرة  للنتائج الجيّدة التي حقّقتها البلدان التي ما فتئت تحتلّ صدارة الترتيب، منذ عدّة دورات .
 ولا شكّ في أنّ هذه العوامل ستدفع بالمسؤولين عن المدرسة التونسيّة إلى التساؤل خاصة أنّ بلادنا هي اليوم مقدمة على إصلاح نظامها التربويّ، فالمؤمّل أن يستلهم القائمون على هذا الإصلاح من تلك السياسات ما يصلح لبلادنا، عسانا نخْرج من مؤخرة الترتيب في دورة 2021 وخاصّة دورة 2024. 
ولكن قبل تقديم مقتطفات من المذكّرة، قد يكون من المفيد تقديم بيزا (Pisa) ونتائج التلاميذ التونسيّين في الدورة الأخيرة (دورة 2015) و لو كان ذلك بطريقة مختصرة.
 ما هي بيزا (Pisa
بيزا PISA هي كلمة متكوّنة من الأحرف الأولى من التسمية الإنقليزية للبرنامج. فالحرف الأوّل P يحيل إلى عبارة Program و الحرف الثاني i يعني International و الحرف الثالث S  يوافق Student والحرف الرابع A يعني Assessment  و هو ما يعطينا"  البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ"، و هو برنامج تسهر عليه منظّمة  التعاون و التنمية الاقتصاديّة  OCDE   و يهدف إلى قيس أداء الأنظمة التربويّة في البلدان الأعضاء و البلدان غير الأعضاء  و قد  انطلقت دورته الأولى سنة 2000.
تُعنى الاستمارة والتقييم بفئة عمريّة محدّدة، وهم التلاميذ الذين يتراوح سنُّهم بين 15 سنة و3 أشهر، و16 سنة وشهرين، مهما كان مستواهم الدراسيّ عند إجراء التقييم." ويركّز التقييم على الموادّ المفاتيح في البرامج التعليميّة وهي العلوم وفهم الكتابة والرياضيات وحلّ المشكلات (أدرجت هذه الكفاية في دورة 2015) بحيث لا يبحث البرنامج في تقييم قدرة التلميذ على استرجاع ما حفظه، وإنّما يبحث في تحديد مدى قدرته على التعميم، انطلاقا ممّا تعلّم، وعلى توظيف المعلومات التي اكتسبها في وضعيات غير مألوفة بالنسبة إليه، سواء كانت ذات علاقة بالمدرسة أو لا. إنّ هذا التمشّي يعكس واقع الاقتصاديات الحديثة التي تثمّن قدرات الأشخاص على توظيف معارفهم أكثر من المعارف في حدّ ذاتها...  إنّ هذه التقييمات تهدف بالأساس إلى إعلام أصحاب القرار في البلدان المشاركة وإلى مساعدتهم على توجيه سياساتهم التربوية.'[2].
دورة 2015
شارك في الدورة الأخيرة 540.000 تلميذ يمثلون 29 مليون تلميذ من 72 دولة، وركّزت الدورة على العلوم كمحور رئيسيّ، في حين كان فهم الكتابيّ والثقافة الرياضية محاور ثانويّة. إثر اصلاح الاستمارات أسند لكلّ دولة مجوع نقاط تمّ بمقتضاه ترتيبها في 6 مجموعات حسب المستوى في كلّ مجال من المجالات الثلاثة.
نستعرض على سبيل المثال تصنيف الدورة السابقة (دورة 2012) في مجال الثقافة العلميّة:
المستوى الأوّل، وهو أدنى مستوي: تلاميذ ذوُو معارف علميّة محدودة،  ولا يقدرون على استعمالها إلا في وضعيات معتادة محدودة العدد.
المستوى الثاني: تلاميذ ذوو معلومات علميّة تسمح لهم بتقديم تفسيرات متناسقة في وضعيات معتادة.
المستوى الثالث: تلاميذ ذوو القدرة على استعمال المفاهيم العلمية وتطبيقها وبدأوا في تملّك بعض مراحل التمشّي العلميّ، وهم قادرون على اختيار المعطيات لتفسير الظواهر.
المستوى الرابع: تلاميذ ذوو القدرة على القيام باستدلالات حول دور العلوم- انطلاقا من وضعيات واضحة - ، وهم قادرون على انتقاء المعلومات العلمية المناسبة وتطبيقها على وضعيات من الحياة اليوميّة.
المستوى الخامس: تلاميذ ذوو القدرة على تطبيق مفاهيم علميّة، وهم قادرون على القيام بتمشّ علميّ وتقديم تفسير أو استنتاجات مع تبريها ودعمها.
المستوى السادس و هو أرقي مستوي: تلاميذ ذوو القدرة على التعرّف إلى المعلومات العلميّة و تفسيرها و تطبيقها على وضعيات مختلفة و مركّبة مأخوذة من الحياة اليوميّة، كما أنّهم يتملكون التمشّي العلميّ  ويدركون كلّ مراحله.

نتائج التلامذة التونسيّين خلال دورة 2015 ومقارنتها  بمتوسّط بلدان منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة وأفضل مجموع.
الثقافة الرياضيّة
فهم المكتوب
الثقافة العلميّة

490
493
493
متوسّط بلدان منظمة OCDE 
564
536
556
أفضل مجموع (سنغافورة)
364
361
386
مجموع البلاد التونسية
زائد 4 نقاط
  نقطة 21 ناقص
استقرار
تطوّر مجموع البلاد التونسية مقارنة بدورة 2012

نسبة التلاميذ الأقل نجاحا
دون المستوى الثاني
نسبة التلاميذ الأكثر نجاحا
مستويا 5 و6

13 %
15.3%
متوسّط بلدان منظمة OCDE 
4.8%
39.1%
 سنغافورة 
57.3%
0.6%
البلاد التونسية
Source :http://www.oecd.org/pisa-fr/

نتائج التلاميذ التونسيين ومقارنتها  بنتائج سنغفورا

 


نسبة التلاميذ من ذوي الكفاءة العالية 


نسبة التلاميذ من ذوي الكفاءة الضعيفة 
http://www.oecd.org/pisa-fr/  : المصدر   

المقتطف: السّياسات التعليميّة للبلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ

تنبيه: لقد اعتمدنا في ترتيب العوامل الترتيب الذي ورد بالوثيقة الأصليّة[3]، مع إضافة عناوين للفقرات لا غير.

السّمَة الأولى: تشترك البلدان التي في صدارة الترتيب العالميّ في جملة عريضة من السّياسات التعليميّة.

لا تتّبعُ البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ جميعُها الأنماطَ الفلسفيّة التربوية ذاتها: فاستقلالية لدى البعض، وحوكمة أكثر توجيهيّة لدى البعض الآخر، تنافس بين المؤسّسات أو تعاون بينها، لكنّها تتقاسم جملة عريضة من السّياسات التعليميّة  
وتبرز من هذه السّياسات التعليميّة أربعة محاور رئيسيّة مشتركة
1. تواصل في السّياسات التعليميّة بفضل إجماع المتنازعين سياسيّا والسّياسات التعليميّة المستندة إلى البحث في مجال التعلّمات.
2. السّمة المنظوميّة والمتناسقة للسّياسات التعليميّة: برامج دراسيّة، تكوين أساسيّ، وبخاصّة التكوين المستمرّ، تنمية الموارد البيداغوجيّة، تطوير التقييم التشخيصيّ للتلامذة بصفة ملازمة للتعلّم وكثيفة بغاية التأثير تأثيرا حاسما في تعلّمات التلامذة بالفصول الدراسيّة.
3. مساندة عمل المدرّسين الذين لم يعودا معزولين بقاعات الدّراسة: تدخّل مدرّسين مختصّين في تعلّميّة عدد من الموادّ، كلّما وجد المدرّسون الأصليّون صعوبات مع بعض التلامذة، تناصُح وتراشُد بين مدرسيّ المؤسّسات التعليميّة لتنمية التفكير المشترك بين الأنداد، تقييم ذاتيّ في المؤسّسات يمكن أن يُمارَس بالتعاون مع الأعوان الموارد الخارجيّة عن المؤسّسات.
4. التركيز على إدارة الصّعوبات الدراسيّة والتمييز: إدراج هذه الأبعاد البيداغوجيّة في التكوين الأساسيّ والمستمرّ للمدرّسين، توفير أجهزة خصوصيّة لمساعدة المدرّسين على التعرّف، منذ البداية، إلى التلامذة المتعثّرين ومعالجة هذه الصّعوبات صلب الفصل الدراسيّ: مثال اعتماد معلّم إضافيّ.
السّمة الثانية: تشهد البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ تواصلا للسياسات التعليميّة يتجاوز التداول السياسيّ على الحكم.

إنّ النجاح التربويّ يبنى على الأمد البعيد، شأنه شأن تعلّمات التلامذة. وفي هذا المعنى، تتميّز البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ بتواصل للسّياسات التعليميّة يتعدّى التداول السّياسيّ على الحكم.

ففي فنلندا، أقيم التكوينُ الأساسيّ منذ 1979 واستمرّ تجويدُه منذ ذلك التاريخ. أمّا السّياسات الاستراتيجيّة المتعلّقة بالقراءة والحساب، بالمملكة المتّحدة، فقد طُوّرت بانتظام، منذ عقد التّسعينات، بدْءًا بالتعليم الابتدائيّ، ثمّ انتقالا إلى الدّرجة الثانويّة. وترمي هذه السّياسات إلى ضبط أهداف تربويّة في التعلمّات الرّئيسيّة ضبطا دقيقا، وإلى تزويد المدرّسين بوثائق بيداغوجيّة شديدة التفصيل، ترتبط وثيق الارتباط بنتائج البُحوث، وذلك كي يعدّوا دروسهم.

وفي المقابل، فإنّ السُّوَيْد التي قَطعت، منذ عقد التّسعينات، مع سياسة مقاومة الفوارق الاجتماعيّة، وذلك بإرسائها نمطا تربويّا موجّها إلى تفعيل التنافس بين المؤسّسات وخوْصَصَتها، شهدت تراجعَ نتائجها في مسابقة بيزا، خلال سنوات الألفيْن.
السّمة الثالثة: " تسُنّ البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ سياسات تُدْمَج نتائجَ البحث."
تتقاسم البلدانُ ذاتُ الأداء المدرسيّ الجيّد، في التحقيقات الدّوليّة، إدراجَها، في مختلف أطوار السّياسات التعليميّة، نتائجَ البحث في مجال تعلّمات التلامذة، وخاصّة في مجال بناء البرامج الدّراسيّة ومجال التكوين المستمرّ للمدرّسين.
لقد راهنت سنغافورا، المتصدّرة لمختلف نتائج بيزا وتيمس، على البحث لتحدث تقدّما في تعلّمات التلامذة، وذلك بإرساء مركز موحّد، هو المعهد الوطني للتربية، ومُهمّته تنمية البحث التربويّ وإعداد المدرّسين.
وإذ عُهد إلى هذا المركز بتكوين المدرّسين، فإنّ برامجه تأخذ بعين الاعتبار تضمّ النتائج التي أفضى إليها البحث العلميّ، علاوة على أنّ تفرّدَ هذه المؤسّسة يتيح تعاونا حقيقيّا بين عالم البحث والسّياسات العموميّة المقرّرة، وهو ما أدّى إلى حوار قويّ بين أصحاب القرار السّياسيّ والباحثين والممارسين التربويّين. وقد أفضى هذا الأمرُ، بصفة ملحوظة، إلى تحويل المنظومة السّنغافوريّة من نمط تعليميّ مؤسَّس بالأخَصّ على نقل المعلومات، إلى نمط تربويّ مركّز أكثر على الإبداعيّة والتعلُّم المستقلّ. كما أفضى إلى معاينة ممارسات تعليميّة فصْليّة وتقييمها، بغاية تكْييف السّياسات العموميّة، ما يعني أنّ السّلط العموميّة تُمكّن الممارسين للتعليم من الوسائل الكفيلة بتطبيق الإصلاحات المقرّرة، بحيث لا تنطلق أيّةُ سياسة عموميّة، دون أن يرافقها مخطّط يوضّح الطريقة التي سيتمّ وفْقها تنفيذُها. ومن جهة أخرى، على الحكومة أن تسهر، بصفة أخصّ، على تراصُف السّياسات العموميّة والممارسات التعليميّة، وذلك عبر تقييم مختلف أشكال التنفيذ خاصّة.
وفي فرنسا، سمَح إعدادُ البرامج التعليميّة، برعاية المجلس الأعلى للمناهج الدّراسيّة، بمزيد تشريك العلماء والأوساط العلميّة في بناء البرامج التعليميّة، جنْبَ المدرّسين الممارسين.
السّمَة الرابعة: البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ تعطي مكانة متميّزة للتكوين الأساسيّ للمدرّسين.
أرْست البلدانُ التي تحقّق أفضل النتائج تكوينا أساسيّا صلبا، قائما على البحث، وأيضا على الممارسة التطبيقيّة للتدريس، خاصّة بالمدارس النموذجيّة المرتبطة بالجامعات. كما أرست متابعةً شديدة اليقظة للمدرّسين الجُدد خلال سنواتهم الأولى في مهنة التعليم.

 

فدولة فنلندا تعرض تكوينا أساسيّا انتقائيّا لمهن التربية، أي تكوينا أساسيّا موجّها إلى خرّيجي المعاهد الحاصلين على أجود النتائج. يجري هذا التكوين بالجامعة ويدوم خمس سنوات، ويمكّن الطلبة من نيل دبلوم في التربية وفي مادة دراسيّة معيّنة يتابعون دراستها بالكليّات المتخصّصة. وأثناء مرحلة التكوين التطبيقيّ التي يقضيها الطلبة في مدارس مهنيّة نموذجيّة، على ارتباط بالجامعة، فإنّهم يتابعون تجارب مُوجّهة، بصفة أخصّ، إلى التميّز البيداغوجيّ. لقد آلت هذه السّياسة إلى اعتراف المجتمع بالمدرّسين، وشجّعت الطلبة على التوجّه إلى مهنة التدريس، ما أتاح انتقاءً أفضلَ للمترشّحين لهذه المهنة. واليوم، كثيرون هم المدرّسون الذي يحملون شهادة دكتوراه، وقد أبرزت منظّمة التعاون والتنمية بأروبا أنّ هؤلاء المدرّسين هم أكثر قدرة على التحلّي بممارسة تأمّليّة، وإنّهم لقادرون على تنمية طرائقهم ومناهجهم وكفاياتهم المهنيّة، لا باعتبارهم مدرّسين فحسب، وإنّما كذلك بصفتهم باحثين، كلُّ ذلك بفضل مسارهم التكوينيّ في مجال البحث.
وزيادةً على التكوين الأساسيّ، ينحُو عددٌ أكثر فأكثر من البلدان إلى تنمية برامج تراشُد وتناصُح بين المدرّسين، كما هو الحال بإسكتلندا، حيث لا يتعدّى توقيتُ الدروس، بالنّسبة إلى المنتدبين الجُدُد، نسبة 70% من التوقيت القانونيّ، بينما يُخصّصون 30% من هذ التوقيت الإلزاميّ لتنميتهم الشّخصيّة: تطوير المقاربات البيداغوجيّة، المشاركة في ملتقيات وندوات... ومن جهة أخرى، يتمتّع القائمون بالإرشاد والتوجيه بتخفيض من توقيتهم الأسبوعيّ بثلاث ساعات ونصف، حتّى يتفرّغوا لمساعدة المنتدبين الجدد على الاندماج في محيطهم المهنيّ.
وفي فرنسا، أتاح بعث المدارس العليا للأساتذة و التربية  البدءَ في إعادة تطوير تكوين أساسيّ للمدرّسين، على أن يُؤمّن، مع ذلك، في السَّنوات القادمة، مدخلٌ أفضل للمهنة.
السّمة الخامسة: النظُم التعليميّة الأرفع أداءً تؤمّن لمدرّسيها تكوينا مستمرّا شاملا.
" يتمتّع المدرّسون بسنغافورا، سنويّا، بمائة ساعة تخصّص للتكوين المستمرّ، تكون على صلة وثيقة بدنيا البحث. وعلى هذا الأساس، تضمّن تقريرُ مسابقة تيمس إشارة إلى أنّ 81% من مدرّسي السّنة الرابعة للتعليم الابتدائيّ تابعوا، خلال الفترة الممتدّة من 2013 إلى 2015، تكوينا في تعلّمية الرياضيات، مقابل 30 %فقط بفرنسا، وأنّ 62% منهم أفاد من تكوين في تقييم الرّياضيات، مقابل 3% بفرنسا."
السّمة السّادسة: البلدان الأفضل ترتيبا أقرّت متابعة ذات طابع إفراديّ بغاية أن تعالج في الإبّان التأخّر وصعوبات التعلّم.
" تمثّل متابعةُ كلّ تلميذ بالابتدائيّ وبالثانويّ الإلزاميّ، الموافق للمدرسة الإعداديّة الموحّدة، متابعة تتّسم بالنجاعة، أمرا مركزيّا يُمكن أن يتّخذ أشكالا متنوّعة. وهذه البيداغوجيات القائمة على التميّز التعليميّ تعلّم بانتظام في حصص التكوين الأساسيّ والتكوين المستمرّ.
ففي سنغافورا، تنصبُّ الجهودُ على التلامذة الذين قد يظهَرون، منذ بداية التعليم الابتدائيّ، صعوبات تعلّم في مادة الرياضيات، والذين يتمّ التعرّفُ إليهم عبر رائز خصوصيّ يُجرى عليهم في المستوى الموافق للصفّ التمهيديّ أو التحضيريّ. يتلقّى هؤلاء التلامذة دعما مخصوصا من قبل مدرّسين متخصّصين، تتراوح مدّته من أربع إلى ثماني دورات أسبوعيّا، وذلك على حسب صعوباتهم المدرسيّة. لقد عُيّن هؤلاء المدرّسون المختصّون للعمل بكلّ المدارس، بعدما تمتّعوا بتكوين مخصوص وأفادوا من موارد بيداغوجيّة موجّهة إلى التلامذة ذوي الصَعوبات. وفي سنة 2013، تمّ التوسّع في هذا البرنامج ليشمل، علاوة على الابتدائيّ، التعليم الإجباريّ بأكمله.
وفي هذا المجال، طوّرت اليابان مبدأً "بيْداغوجْيَا تعاونيّة" تحفز إلى التعلّم، في الفصول المُكتظّة، بين الأنْداد وعبرَهم.
وفي فرنسا، فإنّ الجهاز الهادف إلى توفير عدد من المعلّمين يكون أكبر من عدد الأقسام بالتعليم الابتدائيّ، وإحداثَ بعض الخطط التعليميّة الرّامية إلى إقامة أجهزة بيداغوجيّة أكثر تميّزا بالمدارس الإعداديّة، كلّ هذا يسير في اتّجاه إرساء متابعة أفضل للتلامذة. وكي تتّسم هذه المواردُ بنجاعة أكبر، لا بُدّ من تخصيص مزيد من أنشطة التكوين المستمرّ في مجال التعلّميّة والبيداغوجيا.

السّمة السّابعة: تزويد المدرّسين بالموادّ والتقنيات التي أثبت البحثُ جدواها.

يعرض اليابانُ على المدرّسين برامجَ دراسيّة ووثائق مرافقة شديدةُ التفصيل، طيلة المرحلة الابتدائيّة والإعداديّة.

وفي المملكة المتّحدة، يقوم برنامجُ "استراتيجيات الحساب والقراءة،" المُحدث منذ 1997، على نتائج البحث ونتائج التقييمات الوطنيّة والدوليّة، وخاصّة تيمس. فعلى سبيل المثال، يستند هذا البرنامج في مجال الرياضيات إلى أربعة مبادئ، هي حصص يوميّة للرّياضيات، تعليم مباشر، تميّز بيداغوجيّ وحساب ذهنيّ. وهكذا، تمّت مرافقةُ المدرّسين في عملهم، بتوجيههم في دروسهم التي يُهيكلها إطارٌ وطنيّ شديد الدقّة يشتمل على تخطيط متدرّج للتدريس. كما يعرض هذا البرنامجُ أشكالا من التطبيق والتعزيز تتضمّن، بصفة أخصّ، تذكيرا بما دُرس في مطلع كلّ حصّة ومساعدات أو رهانات صغيرة للتلامذة. وقد عيّن البرنامجُ مواردَ مرجعيّة في الرياضيات صلب كلّ مدرسة أو منطقة أو ناحية. كما شارك المدرّسون في دروس تتضمّن "ممارسات جيّدة" وأفادوا من عديد الموارد الموضوعة على ذمّتهم.

السّمة الثامنة: للأنظمة التعليميّة الأكثر أداءً سياسة مرافقة تخصّ المؤسّسات.

يستفيد المدرّسون بخدمات فريق بحث قريب منهم، خارجيّ أو داخليّ بالنّظر إلى المؤسّسة، يساعدهم على تحليل نقاط القوّة في مؤسّساتهم والنقاط الواجب تحسينها. وتمثّل التقييمات الذاتيّة السَّندَ الأساسيّ لمخطّطات التكوين. وهذه التقييمات المُنْصَبّة على المؤسّسات تنشر أحيانا، ولا تنشر أخرى.
ويعتبر مبدأُ حصّة الملاحظة جهازا لتكوين المدرّسين عبر زملائهم، ومنشؤه اليابانُ. في مرحلة أولى، وكي يُجابه المدرّسون صعوبة مّا يلقاها التلامذةُ بمؤسّستهم، يعدّون جماعيّا حصّة تعليميّة، انطلاقا من نتائج البحث. وفي مرحلة ثانية، يتولّى أحدُ المدرّسين تنفيذَ الحصّة المعَدَّة جماعيّا في فصل من فصوله. ثمّ يجتمع المدرّسون مجدّدا، عقب ملاحظة الحصّة وتحليلها: فيبادر المدرّس القائم بالحصّة بالكلام، ثمّ يتداول زملاؤه من المدرّسين على الإدلاء برأيهم وعرض تحاليلهم. ثمّ يتولّى فريق المدرّسن استخلاصَ العبرة من التحاليل المعروضة، بغاية تجويد الحصّة التعليميّة عبر مسار جماعيّ جديد، أو الاكتفاء بتطبيق العبرة المستخلصة تطبيقا فرديّا.
ويتيح هذا النّمطُ من التكوين بين الأنداد، أوّلا، تقاسم المعارف والأهداف البيداغوجيّة، وثانيا، تصوّر التنوّع في السّيناريوهات البيداغوجيّة، أي كيف نعدّ حصّة؟ وثالثا، التحكّم في إدارة الحصّة، أي كيف تجري الحصّة فعليّا؟ وذلك باستباق ردود أفعال التلامذة أو صعوباتهم. كما يتيح هذا النّمط نشرَ الممارسات الجيّدة بالمدارس والمؤسّسات المتجاورة.
وفي فرنسا، يهدف المشروع الجديد لسنة 2016 الموسوم "بالمسالك المهنيّة والمسارات الوظيفيّة والتأجير،" إلى إرساء فريق صلب المؤسّسات، بدعم من سلك المتفقدين.

السّمة التاسعة: البلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ تلجئ بانتظام إلى التقييمات التشخيصيّة.

 

يتلقّى المدرّسون، في الوقت نفسه، مراجعَ دقيقة في صيغة نتائج ينبغي تحقيقها من قبل تلامذتهم، سنويّا أو بحسب الدرجات التعليميّة، وأدوات يستطيعون استخدامها للتثبّت من التقدّم المحرز من قبل تلامذتهم، تكون في علاقة بالمنتظرات الوطنيّة المضبوطة بدقّة.تلقّى

في اسكتلندا، وضعت الوزارة على ذمّة المدرّسين قواعد بيانات في الاختبارات مقنّنة لإجراء تقييمات تشخيصيّة في مجال مكتسبات التلامذة. والمدرّس هو الذي يقرّر في ضوء تقدّمه في التدريس زمان إجراء الرائز التقييميّ.
 وتوفّرُ مجموعةُ السكّان الفلامنديّة، الناطقةُ بالهولنديّة، ببلجيكا، تغذيةً راجعة تتعلّق بأداء كافّة المدارس المنخرطة في عيّنات التقييمات الوطنيّة والدّوليّة. ومن جهة أخرى، تُتيح هذه المجموعةُ السكّانيّة للمدارس غير المنخرطة في عيّنات التقييمات المذكورة إمكانيةَ المشاركة في التقييمات. وفي مثل هذا المسار للتقييم الذاتيّ، يمكن لكلّ مدرسة أن توازن نتائجَها بمتوسّط النتائج التي حقّقها مجموعة السكّان الفلامنديّة، وبنتائج المدارس ذات السّمات المُماثلة."
تعليق في شكل خلاصة
لو وازنّا هذه السّياسات المعتمدة بالبلدان المتصدّرة للترتيب العالميّ لمسابقة بيزا بالسّياسات التعليميّة المعتمدة ببلادنا لوقفنا على فوارق عديدة:
·               فسياستنا التربويّة تشهد تغييرات متواترة على صعيد الاختيارات الكبرى، منذ 1969، والسّمة المشتركة بينها تكمُن في تنكّر كلّ إصلاح تعليميّ لسابقه،
·               وانتداب المدرّسين عشوائيّ على العموم لا يخضع لخطط مسبقة ولا لمرجعيات مهنيّة مضبوطة، ما يفضي إلى انتداب مدرّسين غير مؤهّلين للاضطلاع بمهمّتهم، يُوكل إليهم برسالة إعداد الناشئة،
·               والإصلاحات تركّز على ضرورة تنمية الكفايات والتقييم التشخيصيّ والتعليم الإفراديّ، بينما يسري في الواقع تيّار معاكس لذلك، وممارسات أخرى: أولوية في التعليم الأساسيّ تقوم على الاحتفال بالمعارف والاسترجاع والاستظهار، تقييم جزائيّ انتقائيّ، تدريس بسرعات مختلفة.
وإزاء هذا الوضع، فإنّ النتائج المسجلّة من قبل تلامذتنا في الدّورة الأخيرة لمسابقة بيزا لا تفاجئنا البتّة، وكلّ ما نأمله أن تساعد هذه النتائج  "أصحاب القرار ببلادنا في توجيه سياساتهم التعليميّة"[4].
تعريب المقتطف والتعليق عليه: الهادي بوحوش ومنجي عكروت: متفقدان عامّان متقاعدان
تونس في 22 ديسمبر 2016.







[1] . هذا المركز مؤسّسة فرنسيّة مهمّتها ضمان تقييم مستقلّ للنظام التربويّ الفرنسيّ، أحدثت بمقتضى القانون التوجيهيّ الخاصّ بتجديد مدرسة الجمهورية والمؤرّخ في 8 جويلية 2013. وقد نشر المركزُ في 15 ديسمبر 2016 تقريرا عنوانه: " تحقيقات بيزا وتيمس: بم ينبغي أن نحتفظ عن حالة المدرسة الفرنسيّة؟"
[2] Acquis des élèves : comprendre les évaluations internationales PISA1 et TIMSS2
Analyse comparative des contenus en mathématiques et en sciences -  rapport  du Conseil national d’évaluation du système scolaire (Cnesco) , nov 2016- http://www.cnesco.fr/wp-content/uploads/2016/11/161129_RapportPISATIMSSvolume1.pdf

[3] Enquêtes PISA et TIMSS : que retenir sur l'état de l'école française ?
https://www.cnesco.fr/fr/pisa-et-timss-que-retenir-sur-letat-de-lecole-francaise/

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire