نص المقال
في السّنوات الأخيرة، ومع اقتراب العودة المدرسيّة، يحْدو الجميعَ أملٌ بأنْ
تحمل السّنة الدّراسيّة الجديدة آمالا عريضة، وأن تكون حُبْلَى بالمشاعر
والانفعالات. تَرى الأولياء يهُبّون إلى المغازات والمساحات التّجارية الكبرى
لاقتناء ما يلزم أبناءَهم من الأدوات المدرسيّة، فيُنفقون عليهم من غيْر حساب.
ناهيك أنّ بعضهم يفضّلون التضحية بشَعيرة عيد الأَضْحى، كي يؤمّنوا لأبنائهم كلّ
ما يحتاجونه في دراستهم.
إنّ علاقة التونسيّ بالمدرسة والتعليم لم تتغيّر كثيرا، رغم ما أصاب المصْعد
الاجتماعيّ من أعطاب متواترة.
ومع ذلك، لا مناصَ لنا من ملاحظة أنّ هذا النفَس
التفاؤليّ لا يصمد طويلا، فسرعان ما يخْفتُ غُلْواؤه، عندما ندرك أنّ المشاكل نفسَها
لا تزال قائمة، وأنّها لا تزيد الوضع إلاّ تأزّما. وجرّاء هذا التسابق
وفي المحصلة؟ فإنّ
الجميع باتوا في حيرة من أمرهم، ولا يعرفون أيّ مُتَجَّه يتّجهون. لماذا أدْرَكْنا
هذا الحدّ؟ منْ يتحمّل مسؤولية ذلك؟ وهل ثمّةَ من الأسباب والدّواعي ما يجعلنا نأمل
الخلاصَ؟
فاليوم، أنْ تَسْكُت على اتّساع هذه الوْرْطة إنما هو، بالرّغم من أنفك، من
قبيل التواطؤ مع هذا الواقع. أنْ تسكت يعني أيضا أن ترتهن ما يُؤاتي من بخت وحظّ،
وأن تخاطر بمستقبل جيل كامل من تلاميذ حيارى، لا مُرافق لهم.
ما الذي جعلنا نصل إلى هذا الوضع؟
"الجنون
هو أن نفعل دائما نفس الشيء و أن ننتظر نتيجة مغايرة - ألبار أنشتاين "
يتّفق الجميعُ على الإقرار بأنّ النظام التربويّ التونسيّ يلْفظ أنفاسَه
الأخيرة، وأنّه لم يعد يستجيب لانتظارات مختلف الأطراف، من أولياء وتلاميذ وعالم شُغل
ومجتمع مدنيّ... لذلك، آنَ أوانُ أن ننْكَبَّ على هذا " الرَّجل العليل"،
وأن نسقيَه الدّواءَ الذي يساعده في استرجاع عافيته. غير أنّه، لئنْ ثمّة إجماع على
تشخيص الوضع، فإنّه من سوء حظّنا أنّنا نختلف أشدّ الاختلاف في طبيعة العلاج
وكيفيته، لأنّ الآراء والمواقف متباعدة، وخاصّة فيما يتعلّق بالأولويات. من أين
نبدأ؟ ذاك هو السّؤال الكبير.
من أين نبدأ؟
إزاءَ الأهمّية الكبرى التي تُميّز ورشةَ الإصلاح، وكثرة العاهات التي يعاني
منها النظامُ التربويّ التونسيّ، فإنّ مسألة الأولويات ما فتئتْ تُطرح بأَكادَة وبإلحاح.
وبعد فترة من الترقّب والتردّد، اختار المسؤولون عن إصلاح النظام التربويّ البدءْ بمسألة
التقييم التحصيليّ، فصمَّموا له نظامًا جديدا للمراقبة المستمرّة، أعلنوا عنه قبل
انطلاق السّنة الدّراسيّة 2016-2017 بأسابيع.
وههنا، تجدنا إزاءَ سؤاليْن يُطرحان علينا بكلّ إلحاح: لماذا البداية بالتقييم
التحصيليّ، بينما ظلّت البرامجُ وطرق التدريس والمقاربات التربويّة والكتب المدرسيّة
على حالها، دون تغيير؟
لماذا هذا الشّغف المَرَضيّ بالتقييم التّحصيلي؟ لمَ لمْ نستخلص العبرةَ من دروس
السّنة الماضية، حين رأينا الوزارة تقرّ، في غضون شهريْن، اعتمادَ نظاميْن
للمراقبة متنافرين، وغير متجانسين تماما؟ لماذا أعادت الوزارة الكرَّة هذه السّنة،
فغيّرت جذريّا نظام المراقبة المستمرّة، دون أخْذ متَّسَع من الوقت للتفكير
والتشاور، حتّى تُجنّب كلَّ الأطراف هذا الارتباكَ والتردُّد الَّلذيْن أصبحا علامة
مسجّلة للوزارة؟ هل باستطاعة منشور يصدر يوم 16 أكتوبر أن يحسم المسألة وأن ينظّمها؟
منْ يتحمَّل المسؤولية؟ لماذا يجب أن يسدّد تلامذتنا الثمن؟ فلأوّل مرّة، ظلّ
المدرّسون والتلاميذ، شهرا كاملا، على غير علم بنظام المراقبة الذي سيُعتمد،
وبتراتيبه وآلياته.
سيكون من غير المفيد، بل مصدر مَلَل، العودُ على الأسباب المزمنة التي يعلمها الجميع. لذا، سنقصر الكلامَ على تلك الأسباب
التي جاءت لتزيد الوضع تردّيا وتأزّما:
§
الارتجال والتسرّع، في غياب نظرة شاملة للإصلاح، تحدّد غائياته وأهدافه ومراحل
إنجازه، وفق روزنامة تضبط آجالا معقولة وواقعيّة. وكي نُعطي مثالا واحدا على ذلك،
نعود إلى منشور 11 أكتوبر المتعلّق بروزنامة المراقبة المستمرّة بالمدارس الإعداديّة
والمعاهد العموميّة والخاصّة الذي ينصّ على أنّ الفروض التأليفيّة تنطلق يوم 8 ماي
2017 وتتواصل إلى غاية 29 من نفس الشّهر. هذا القرار المرتَجَل القاضي بتقديم موعد
انطلاق الفروض بأسبوع، مقارنة بالسّنة الماضية، سيؤدّي إلى توقّف فعليّ للدّروس في
عدد من الموادّ تنجز فروضُها خلال الأسبوع الأوّل (أسبوع 8 ماي) ... فالجميع يعلم أنّ
إنجاز الفرض التأليفيّ الأخير يعني انتهاء الدّروس. إنّ عدم اعتبار هذا المعطى،
عند وضْع روزنامة المراقبة المُستمرّة، إنّما هو من قبيل تجاهُل الواقع المدرسيّ.
أمّا النتيجة فهي ضياعُ شهر ماي كلّه، بالنّسبة إلى التعلُّم.
§
الفترات الكبرى للتقييم حسب السّداسييْن:
السّداسيّ الأوّل: تجرى فروض المراقبة من
3 أكتوبر إلى 10 ديسمبر والفروض التأليفية من 15 ديسمبر إلى 5 جانفي.
السّداسيّ الثاني: تنظّم فروض المراقبة
من 6 فيفري إلى 22 أفريل والفروض التأليفية من 8 إلى 24 ماي. (فصول السّنوات
الرابعة من 10 إلى 17 ماي)
§
تضارب مصالح مختلف الأطراف المعنيّة بالإصلاح التربويّ،
وهي مصالح متنافرة في كثير من الأحيان، وقد تصل حدَّ التّصادُم، وغالبا ما تكون
المدرسة العموميّة أولى ضحايا هذا الوضع.
§
كثافة الأقسام جرّاءَ قرار الوزارة التخلّي عن انتداب مدرّسين جدد هذه السّنة.
واليوم يجد الأستاذ نفسَه يدرّس، بالدرجة الثانية، أقساما متوسّطُ عدد تلاميذه 37
تلميذا[1].
§
نظام مراقبة مستمرّة مصمّم على عجل، ولا يتلاءم البتّةَ مع الواقع المدرسيّ
التونسيّ. إنّه من المسلَّمات أنّ نظام المراقبة والتقييم هو الضامن لجودة التعليم
والتعلّم، وكلّ خلل في ذلك النظام، مهما كانت طبيعته، من شأنه أن يضرَّ بالنظام
التربويّ بكامله، ويزعزعه. من أجل كلّ هذا، فالإصلاح الذي شدّ ما نأمله ونطلبه تعترضه
في الوقت الحاليّ صعوبات تحول دون أن يُقلع، لأنّ الترقّب وتواصل الوضع على حاله
هما السّائدان.
هل من أمل؟
صحيحٌ إنّنا لم نفقد الأملَ، لأنّ ثمّة ما يحفزنا إلى التفاؤل. ولأنّه، بالنّظر
إلى رهانات هذا الإصلاح، لا يحُقُّ لنا الفشلُ، ولا تُقبلُ منّا الاستقالة. ذلك
أنّ لا شيءَ من الإصلاح استقرّ نهائيّا، بل إنّ الإصلاح الحقيقيّ لم يبدأ بعدُ،
وإنّ الوقت قد حان للعمل من أجله. ولئن كانت المدرسة لا تستطيع أن تفعل كلّ شيء،
فهي، مع ذلك، قادرة على فعل الكثير، شرْط أن يتحلّى الجميعُ بالتواضُع، ويقرّ الكلُّ
بالضّرر الذي ألْحقوه بها.
أسامة البجاوي متفقّد أوّل للمدارس الاعدادية و المعاهد
تعريب الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقدان عامّان للتربية متقاعدان
تونس نوفمبر 2016.
ملاحظة : نشرت هذه الورقة و على الصفحة الخاصة بصاحبها و بجريدة لا براس الصادرة يوم 23 بوفمبر 2016
http://www.lapresse.tn/23112016/123389/la-reforme-scolaire-entre-les-intentions-et-les-tensions.html
J’aime
J’adore
Triste
Grrr
[1] الاحصائيات الرسمية تقدم معدل 25,5 تلميذ في
القسم الواحد بالنسبة إلى السنة الدراسية 2015-2016 و كان هذا المعدل يبلغ 35,3 تلميذا في الفصل
الواحد في السنة الدراسية 1995-96
المصدر : التربية في أرقام - احصاء أكتوبر 2015 - السنة الدراسية 2015-2016 ، وزارة التربية -
الادارة العامة للدراسات و التخطيط و نظم المعلومات .
http://www.education.gov.tn/article_education/statistiques/stat2015_2016/Livret_StatAR.pdf
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire