الهادي بوحوش |
التحقت بالإدارة العامة للامتحانات في شهر فيفري 1999، وغادرتها في ماي 2011 وخلال الاثنتي عشرة سنة ونصف التي قضيتها بها، منها سنتان و7 أشهر مديرا للامتحانات المدرسية و10 سنوات مديرا عاما، عشت حذف امتحانين وطنيين هما مناظرة الدخول إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي الشهير و شهادة ختم التعليم الأساسي ، وبعد إلغاء هذا الامتحان الأخير في عام 2001 قال لي أحد زملائي مازحا : " سي المنجي، إذا ما تواصل الأمر على هذا النحو ، فستختفي البكالوريا قبل تقاعدك ..." لحسن الحظ ، كان كل ذلك مجرد مزحة، ولا يزال امتحان البكالوريا موجودا".
بعد هذه
المقدمة، أردت أن أعرض في هذه اللمحة سياقات اختفاء هذين الامتحانين الوطنيين
وعواقبهما على المدرسة التونسية.
أولاً: إلغاء امتحان القبول بالتعليم الثانوي (CEES)
كان نتيجة لاعتماد نظام المدرسة الأساسية أو التعليم الأساسي.
تذكير بتاريخ هذا الامتحان
دخل امتحان
السادسة ( السيزيام) أو امتحان الدخول إلى
السنة الأولى ما بعد الابتدائي إلى تونس مع الحماية الفرنسية، وقد نظمت الدورة
الأولى في نهاية السنة الدراسية 1933-1934 ومنذ ذلك الحين لعب هذا الامتحان دور البوابة لمواصلة التعليم ما بعد الابتدائي حتى عام 2000.
جذور هذا الامتحان:
امتحان الدّخول إلى السّنة السّادسة بالبلاد التونسيّة زمن الحماية
مناظرة الدّخول إلى السنة السّادسة أو "مناظرة الدّخول إلى السّنة
الأولى من المرحلة ما بعد الابتدائيّة"[1]، هي مناظرة
يجتازها التلامذة في موفّى المرحلة الابتدائيّة، بغاية الانتقال إلى المرحلة
الأولى من الدّراسة الثانويّة، المسمّاة " كوليج/ Collège".
وفَد " امتحانُ السّيزيام[2]" على
بلادنا زمنَ الحماية الفرنسيّة، ما إنْ تمّ التأسيسُ له بالبلاد الفرنسيّة.[3] فقد أُحدث في
سبتمبر [4]1933، وانتظمت دورتُه الأولى، موفّى العام الدّراسيّ 1933/
1934.اتّخذت المناظرةُ، من البداية، صيغةَ اختبار كتابيّ " يهدف إلى
توفير عنصر تقييم مُوحَّد، تستعين به اللجانُ المكلّفة بضبط قائمات التلاميذ الذين
حقّقوا مستوى تعليميّا يسمح بقبولهم بالقسم السّادس، بالمؤسّسات الثانويّة
العموميّة"[5].
ظرفية إلغاء المناظرة المصفاة: إصلاح 1991
التربوي يلغي مناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التعليم الثانويّ
أقرّ إصلاحُ النظام التربويّ لسنة
1991 إرساء التعليم الأساسيّ ذي 9 سنوات، بمرحلتيه الأولي التي تدوم 6 سنوات،
والثانية التي تدوم 3 سنوات. وزالت نظريا الحاجة لمناظرة الدّخول للسّنة الأولى من
التعليم الثانويّ، باعتبار أنّ المرحلتين تكوّنان وحدة يكون فيها التعليم إجباريّا
إلى حدّ سنّ السادسة عشرة.
ولكنْ طُرحت مسألة
الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من التعليم الأساسيّ. وأقرّ قرارُ
وزير التربية والعلوم المؤرّخ في 26 ماي 1992 المتعلّق بنظام التقييم والارتقاء
بالتعليم الأساسيّ إجراءات انتقاليّة، دخلت حيز التنفيذ بداية من السّنة الدراسيّة
1991 -1992، فكانت دورة جوان 1991 آخر دورة لمناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التّعليم الثانويّ في صيغتها
الأصليّة، وامتدّت الفترة الانتقاليّة إلى السّنة الدراسيّة 2000.
أ-
المرحلة الانتقاليّة الأولى 1992 -1995
في مرحلة أولى،
أصبح الانتقال من السّنة السادسة إلى السنة السابعة يتمّ على أساس تقييم يجمع بين
نتائج المراقبة المستمرّة، وبين
نتائج مناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى
من التّعليم الثانويّ في الفترة الممتدّة من العام الدّراسيّ 1991/ 1992 إلى العام
الدّراسيّ 1994/ 1995، مع تقلّص تدريجيّ في وزن نتائج المناظرة:
-
فخلال العام
الدّراسيّ 1992/ 1993، أسند إلى المراقبة
المستمرّة
الضّارب 1. وأسند إلى المناظرة الضّارب 4.
-
وفي السنة
الدراسية الموالية 1993/ 1994، تضاعف ضارب المراقبة المستمرّة
2))، و نقص ضارب
المناظرة (3) [6].
ب - المرحلة الانتقاليّة الثانية: من جوان 1996 إلى جوان 2000
سنة 1996،
أُدخلت تحويراتٌ جوهريّة على نظام التقييم والارتقاء بالمرحلة الأولى من التّعليم
الأساسيّ، ونقّح القرارُ الضّابط لنظام التقييم بهذه المرحلة، تمّ بمقتضاه تعويضُ
المناظرة بامتحان جهويّ موحّد، يسند إليه نفس ضارب المعدّل السّنويّ. وبهذا
التنقيح، تساوى وزن التقييم الدّاخليّ ووزن التقييم الخارجيّ في نتائج التلاميذ
النّهائيّة[7].
حافظ الاختبار
الجهويّ الموحَّد على جلّ الخصائص التنظيميّة للمناظرة السّابقة وظلّ تنظيمه
مركزيّا (إشراف الإدارة العامّة للامتحانات)، ولكنّه استمدّ تسمية الجهويّ من أنّ
المواضيع المعتمدة لم تعُد مواضيع موحَّدة على الصعيد الوطنيّ، وإنّما كانت البلاد
تقسَّم إلى أقاليم يضمّ كلُّ إقليم بين 4 أو 5 إدارات جهويّة وتشترك كافةُ مدارس
الإقليم الواحد في المواضيع نفسها. كما شهد الامتحانُ تعديلا في قائمة الاختبارات
مقارنة بالمناظرة سابقا، من ذلك التخلّي عن الإملاء باللغة الفرنسيّة، وتعويض
الإنشاء العربيّ بالتعبير الكتابيّ، وإدراج أربع موادَّ جديدة، وهي الموادّ
الاجتماعيّة.
تواصل العملُ
بهذه الصّيغة إلى دورة جوان 2000 حيث تقرّر، في يوم العلم، الإعلانُ عن إلغاء
العمل بالاختبار الجهويّ الموحّد، والاقتصار على نتائج التقييم الدّاخليّ للارتقاء
من السّنة السّادسة إلى السّنة السّابعة.[8] وعلى هذا الأساس، يرتقي من السّادسة إلى السّابعة منْ يتحصّلُ على
معدّل سنويّ يساوي 5 من 10، ويمكن لمجلس القسم أن يُسعف بالارتقاء منْ يكون معدّله
السّنويّ لا يقلّ عن 4,5 من 10 بشرط أن يتحصّل في العربية والفرنسيّة والرّياضيات
مَعًا على معدّل سنويّ حسابيّ لا يقلّ عن 5 من 10.
وبذلك، احتجبت
مناظرةٌ رافقت أجيالا من التونسيّين، ومثّلت للمحظوظين منهم مفتاحَ الارتقاء إلى
التعليم الثانويّ، كما مثلت عائقا لعدد أكبر أجبروا على الانقطاع عن الدراسة بعد
عدم توفّقهم في تجاوز عقبة المناظرة التي اتّسمت منذ البداية بطابعها الانتقائيّ
والنخبويّ. إذ يكفي أن نستعرض ما ورد في تقرير اللجنة
[9]التي كلّفت عام
1967 بتقييم نتائج العشريّة الأولى من إصلاح 1958، للتأكّد من الأمر. فقد ورد فيه
أنّ «نتائج التعليم الابتدائيّ ليست على أحسن حال، فعدد التلاميذ الذين يرتقون إلى
التعليم الثانويّ والتعليم الإعداديّ لا يتجاوز 40 % من المجموع، رغم التساهل
الواضح في بعض الحالات، وأنّ نسبة هامّة من تلاميذ المدارس الابتدائيّة لا تنجح في
مواصلة التعلم بالتعليم الإعداديّ[10]...."
نتائج هذا القرار و انعكاساته: تحسن المؤشرات
الكمية و تراجع مستوى عدد كبير من المرتقين إلى المرحلة الثانية من التعليم
الأساسي
نتج عن إلغاء
المناظرة ارتفاع نسبة الارتقاء في نهاية
السنة السادسة التي قفزت من 39.2 % في
نهاية السنة الدراسية 1989-1990 إلى 98.68 % في نهاية السنة الدراسية 2014-2015 [11] و هو ما يعني تقريبا ارتقاء جميع تلاميذ السنة السادسة و في
المقابل تراجعت نسبة الرسوب لتصل إلى 0.02 %
في آخر السنة الدراسية 2014-2015 بعدما كانت في حدود 23.4 % في نهاية السنة الدراسية 1989 -1990 و شهدت نسبة الانقطاع نفس الشيء
لتمرّ من 23.4
%
إلى 1.3 %. ( انظر الجدول
الموالي)
2022/2023 |
2014/2015 |
1989/90 |
|
|||
كل الدرجة |
السادسة |
كل الدرجة |
السادسة |
كل الدرجة |
السادسة |
|
93 |
95.2 |
98.93 |
98.68 |
72.7 |
39.2 |
ارتقاء |
0.70 |
3.5 |
0.03 |
0.02 |
7.0 |
37.4 |
رسوب |
6.30 |
1.3 |
1.04 |
1.30 |
20.3 |
23.4 |
انقطاع |
- و لكن هذه النتائج الكمية الجيدة رافقها تدني المستوى المعرفي لعدد كبير من
التلاميذ في مجالي اللغات و العلوم ... فقد سجل التقرير السنوي لمتابعة مشروع تحسين جودة النظام التعليم التونسي (PAQSET)" تدني مستوى
مكتسبات التلاميذ الذين يرتقون إلى السنة السابعة
و الذين يعانون من العديد من النقائص في اللغات و العلوم مما انجر عنه انفجار نسبتي الرسوب و الانقطاع
في نهاية السنة السابعة ( انظر الجدول
التالي ) أي أن إلغاء المحطة التقييمية
الخارجية ( المناظرة) و عدم اتخاذ إجراءات مرافقة لتحسين جودة التعليم في مستوى
المدرسة الابتدائية لم يحلّ معضلة الفشل و إنما أجلها إلى المرحلة الثانية من
التعليم الأساسي( المدرسة الإعدادية).
الرسوب و
الانقطاع في مستوى السنة السابعة من التعليم الأساسي
|
1989/1990 |
2015 - 2014 |
2022- 2021 |
الرسوب |
14.1 |
20.1 |
23.9 |
الانقطاع |
7.9 |
12.9 |
10.8 |
عودة الحديث عن
مناظرة السّيزيام وإقرارُ عودتها
منذ إلغاء
مناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التّعليم الثانويّ 1992، تعدّدت أصواتُ الذين
ما بَرحُوا يربطون "تراجُعَ المستوى" بغياب المحطّات التقييميّة
الخارجيّة، ويطالبون بالرّجوع إلى هذا الضّرب من التقييم الخارجيّ.[12]
وقد تعالت الأصواتُ نفسُها لمّا أوقفتْ الوزارة
العملَ بالاختبار الجهويّ الموحد، في موفّى السّنة الدّراسيّة 2000/ 2001، وأقرّتْ
الاقتصارَ على المعدّل السّنويّ في السّنة السّادسة من المرحلة الابتدائيّة،
لترقية التّلاميذ إلى السّنة السّابعة من التّعليم الأساسيّ.
في جويلية 2014،[13] طرَح الأستاذ فتحي الجرّاي، وزيرُ التّربية آنذاك، إمكانية إحياء
المحطّات التقييميّة الإشهاديّة، في نهاية كلّ مرحلة من مراحل التّعليم الأساسيّ،
فقد صرّح أنّ " كامل منظومة الامتحانات الوطنيّة في مختلف المستويات
التّعليميّة...قد تتغيّر...وأنّ مناظرة السّنة السّادسة من التّعليم الابتدائيّ قد
تعود من جديد... وأنّ الوزارة تعمل على إدخال إصلاحات كبرى على المنظومة
التّربويّة عموما، وعلى منظومة الامتحانات على وجه الخصوص، تهدف إلى البحث عن
مصلحة التلميذ وتحسين المنظومة التّربويّة."[14] ثم أعلن في ندوة صحفيّة بقصر الحكومة بالقصبة، يوم الأربعاء 27
أوت 2014، عن جملة من القرارات التي اتّخذها مجلسُ الوزراء المنعقدُ في ذاك
التّاريخ، من بينها: «إقرار إجباريّة امتحان السّيزيام بداية من السّنة الدّراسيّة
2014 -2015،[15] وامتحان النُوفْيام بداية من السّنة الدّراسيّة 2017ـ 2018".[16]
بهذا القرار، حسمت الحكومةُ الأمرَ واصْطفّت في
صفّ الفريق المنادي بعودة المحطّات التقييميّة الخارجيّة -بعد أن ثبت لديها فشلُ
التقييم الدّاخليّ وقصورُه نتيجة ما صار يشوبه، في السّنوات الأخيرة، من شوائب،
متنوّعة الأشكال والأغراض، أفقدته مصداقيته وموضوعيته. وقد أثبتتْ دراساتٌ عديدة
هذه الظّاهرة المتجسّمة عمليّا في اختلالات ما كانت لتُوجَد لوْ لم يتمّ إيقافُ
العمل بالتقييم الخارجيّ، من قبيل الاكتفاء بالجهد الأدنى خلال الدّرس، والتعويل
على الدروس الخصوصيّة، الجماعيّة أو الفرديّة التي تكاد تصير بديلا عن العمل بالفصل.
في مقابل هذا الموقف المناصر لعودة المناظرة، يرى الفريق الآخر أنّه من السّذاجة
الاعتقاد أنّ إرساء محطّات تقييميّة مرحليّة سيُسهم ضرورةً في الرّفع من مستوى
المتعلّمين وسيضمن جودة الأنظمة التّربويّة، ويستدلّون بأمريْن اثنين لتعزيز هذه
الفكرة:
-
يتعلّق الأوّل بغياب محطّة تقييميّة
في موفّى المرحلة الابتدائيّة في جلّ الأنظمة التّعليميّة بالدّول الأوروبيّة. ومع
ذلك، لا تعتبر تلك الأنظمة من الأنظمة التّربويّة الفاشلة أو الضعيفة الأداء، بل
إنّ البعض منها أصبح نموذجا للنّجاح وقبلة الدّارسين والمختصّين في مجال التربية،
كالنّموذج الفنلنديّ الذي تمنع قوانينُه إجراء أيّ شكل من أشكال الانتقاء عند
الدّخول إلى المدرسة وطيلة مرحلة التربية الأساسيّة، كما تمنع إخضاعَ التلاميذ
لأيّ ضرب من الامتحانات في نهاية مرحلة التربية الأساسيّة[17].
وفي سنة 2010، اقترح أحدُ زعماء اليمين الفرنسيّ[18]
العودة إلى امتحان السّيزيام، فتعرّض إلى نقد شديد من جمعيات الأولياء ومن عدد من
المختصّين في التربية الذين يروْن في مقترحه مجرّد حنين إلى الماضي، لأنّه لا
يُسهم في حلّ مشكلة المدرسة الفرنسيّة، بل إنّه " يتعارض مع التّوجّهات
التّربويّة الحاليّة في العالم."
-
ويخصّ الأمرُ
الثاني المدرسة التّونسيّة، فمناظرة السّيزيام كانت قائمة حتّى منتصف التّسعينات،
ومع ذلك لم يكن مستوى المتعلّمين على أحسن حال.
ويذهب المعترضون
أخيرا إلى أنّ إحياء المناظرة سيكْسر وحدة التعليم الأساسيّ باعتباره حلقة دراسيّة
قائمة بذاتها، وسيفضي آليا إلى إقصاء أعداد غفيرة من الأطفال في سنّ دون سنّ
الإجباريّة، كما كان الحالُ في الزّمن السّابق، (انظر الجدول التالي)،[19] ممّا سينعش الطلب على المدارس الخاصّة التي ستقوم بدور الانتشال،
كما عرفناه في السّبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
ثانيا : الغاء اجبارية الحصول على شهادة ختم التعليم الأساسيّ
للالتحاق بالتعليم الثانوي.
خلافا لمصير مناظرة الدخول إلى السنة السادسة من التعليم الثانوي لم
يتم إلغاء شهادة ختم التعليم الأساسيّ و لكن تم حجب إجباريتها و ضرورة الحصول
عليها لمواصلة التعليم الثانوي.( إلا بالنسبة إلى المعاهد النموذجية).
تذكير بتاريخ
هذا الامتحان
امتحان ختم التعليم الأساسيّ هو امتحان حديث مقارنة
بشهادة انتهاء الدّروس الابتدائيّة وشهادة الباكالوريا، فقد أقرّه قانون الإصلاح
التربويّ لسنة 1991، وهو امتحان وطنيّ يتوّجُ التعليم الأساسيّ، فقد ورد بالفصل 10
من قانون 1991 أنّ " الدّراسة بالتعليم الأساسيّ تختم بامتحان وطنيّ يحصل
الناجحون فيه على شهادة ختم التعليم
الأساسيّ". وحدّد الفصلُ 11 من القانون نفسه وظيفة الشّهادة جاعلا
منها جواز العبور إلى التعليم الثانويّ، ومشيرا إلى أنّ " التعليم الثانويّ مفتوح لكلّ حاملي شهادة ختم التعليم الأساسيّ. "
و قد ضبط الأمر
1181 لسنة 1992 [20] تراتيب هذا الامتحان الإشهاديّ
وضبط قائمة الاختبارات، وشروط النّجاح...
وانتظمت الدّورة
الأولى لامتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ مع وصول أول
دفعة
من تلاميذ النظام الجديد في جوان 1998، ولم تكن نتائجُها مُطمئنة، فقد نجح قرابة
30% من المترشّحين، ممّا ولّد حيرة واضطرابا. واتّخذت الوزارة إجراءيْن اثنين:
- إجراء عاجل واستثنائيّ، يتمثل في تنظيم دورة
تدارك استثنائيّة في شهر سبتمبر 1998، يشارك فيها منْ لم ينجح في دورة جوان،[21]
-
وإجراء
آجل تمثل في مراجعة شروط النجاح وتنقيح الأمر المنظّم للامتحان لتيسير النجاح [22] و ذلك بإدراج آلية الإسعاف بالنّجاح، فصار
بالإمكان إسعاف التلاميذ بالنّجاح في صورة يتحصّلون في الامتحان على معدّل دون 10
من 20 ولا يقلّ عن 9 من 20، متى توفّرت الشّروط الآتي بيانها: معدّل حسابيّ بين
المعدّل السّنويّ والمعدّل في الامتحان لا يقلّ عن 10 من 20/ حسنُ السلوك
والمواظبة/ أنْ لا يكون المعنيّ بالإسعاف مترشّحا بصفة فرديّة.
تواصل العمل
بهذا الامتحان الذي كانت له وظيفتان: وظيفة أساسيّة تكمُن في تخويل الناجحين فيه للارتقاءَ إلى التعليم الثانويّ، ووظيفة ثانية تكمُن في انتخاب
التلاميذ الذين سيلتحقون بالمعاهد النّموذجيّة، حتّى سنة دورة 2001 حيث أدخل
تحويرٌ جوهريّ على الأمر المنظّم لامتحان شهادة ختم التّعليم الأساسيّ.
2002
: تفقد الشهادة طابعها الإجباري و لم تعد ضرورية لمواصلة التعليم الثانوي
إذا ما قام إصلاح 1991 بإحداث هذه المحطة
التقييمية الوطنية في ختام التعليم
الأساسي فقد تولى القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ لسنة 2002،[23] بتغيير جذري في وظيفتها .
إذ نصّ
الفصل 25 من القانون التوجيهيّ لسنة
2002 على أنّ " التعليم الثانويّ
مفتوح لكلّ من استوفى شروط الارتقاء إليه
من تلاميذ السنة التاسعة من التعليم الأساسيّ، باعتبار النتائج المتحصَّل عليها،
بواسطة التقييم المستمرّ، و كذالك لكلّ حاملي شهادة ختم التعليم الأساسي،"
بحيث لم يعد الالتحاق بالتعليم الثانويّ مرتبطا بالنجاح في الشهادة، و فقد بذلك
امتحان الشّهادة وظيفته الأصليّة التي جاءت في قانون 1991، و صدر في مارس 2002 أمر
جديد[24] كرّس تغيّر طبيعة الامتحان، و جعله امتحانا اختياريّا للرّاغبين في اجتيازه . ولكنَّ الامتحانَ حافظ على
وظيفته الثانية، وهي التناظر من أجل مركز بالمعاهد النموذجية، وظلّ إجباريا لمن
يرغب في الالتحاق بأحد المعاهد النموذجيّة.
ما
هي دوافع إلغاء إجبارية الشهادة و نتائج
هذا القرار
شهادة ختم التعليم الأساسي أصبحت
تمثل عقبة أمام نسبة هامة من التلاميذ بالرّغم من تعديل شروط النّجاح منذ الدورة
الثانية، وإقرار العمل بمبدإ الإسعاف بالنجاح
فقد ظلّت النتائجُ دون أحد أهداف
مشروع تحسين جودة النظام التربوي التونسي الممول من البنك الدولي و المتمثل في « حصول 80 % من تلاميذ السنة التاسعة على الشهادة و الارتقاء بفضلها إلى التعليم الثانوي في حدود سنة 2004 وذلك من خلال تشجيع التميز في مستوى التعليم و
التعلم و مواصلة إدماج جميع الأطفال في كل مستويات التعليم الأساسي »[25].
و لما بينت الدورات الأولى أنه من غير الممكن الوصول إلى تحقيق تلك
النسبة خاصة أن نسبة كبيرة ممن التحقوا
بالمرحلة الثانية من التعليم الأساسي لم يمتلكوا المهارات والمعارف الأساسية لمواصلة التعلم ( كما رأينا ذلك في القسم الأول
من هذه الورقة ) إذ كانت نسبة النجاح في دورة 1999 مثلا 66 % [26] ،اختارت سلطة القرار أن تتبع الحلول
السهلة ألا وهي التخلّي، منذ سنة 2002، عن
الصّفة الإلزاميّة لهذه الشّهادة التي لم تعُدْ تُعتَمد للانتقال من التعليم
الأساسيّ إلى التعليم الثانويّ، وإنّما أصبحت امتحانا اختياريّا لعامّة التلاميذ،
وتعتمد" مناظرة" لانتقاء من سيلتحقون للدّراسة بالمعاهد النّموذجيّة
وعلى الرّغم من أنّ المشاركة في هذا الامتحان بعد 2002 اقتصرت على تلامذة من
النّخبة، فإنّ نسب النجاح ظلّت متوسّطة.
نتائج القرار: تحسن
المؤشرات الكمية و تراجع مستوى عدد كبير من المرتقين إلى السنة الأولى من التعليم
الثانوي.
إثر إلغاء إجبارية الشهادة أعطى تقريبا نفس نتائج إلغاء مناظرة الدخول إلى
السنة الأولى من التعليم الثانوي فسجلنا:
* تحسن مؤشرات السنة التاسعة :
ارتفاع نسبة الارتقاء و تراجع هام لنسبتى
الرسوب و التسرب. ( انظر الجدول التالي)
|
1999/2000 |
2004/2005 |
2021/2022 |
نسبة الارتقاء |
74.2 |
83.5 |
87.5 |
نسبة الرسوب |
16.8 |
9.7 |
9.2 |
نسبة التسرب |
8.9 |
6.8 |
3.3 |
* تدهور
المؤشرات الكمية على مستوى السنة الأولى من التعليم الثانوي فتراجعت نسبة الارتقاء ( انظر الجدول التالي)
|
1999/2000 |
2004/2005 |
2021/2022 |
نسبة الارتقاء |
81.8 |
67.5 |
75.5 |
نسبة الرسوب |
10.9 |
18.0 |
14.4 |
نسبة التسرب |
7.3 |
14.5 |
10.1 |
الحديث عن ضرورة
عودة امتحان الشهادة
لئن رحب التلاميذ و نسبة كبيرة من الأولياء بقرار إلغاء إجبارية
الحصول على الشهادة لمواصلة الدراسة بالتعليم الثانوي فقد ارتفعت عديد الأصوات
لانتقاده و خاصة في صفوف أساتذة التعليم الثانوي نظرا لوفود أعداد كبيرة من
التلاميذ إلى السنة الأولى لا يمتلكون الكفايات الأساسية لمواصلة التعلم في ظروف
مريحة للمتعلم و للمدرس مما انعكس سلبا على
المناخ العام و الانضباط و السير السلس للدروس.
و في السنوات
الأخيرة
في جويلية 2014،[27] طرَح الأستاذ فتحي الجرّاي، وزيرُ التّربية آنذاك، إمكانية إحياء
المحطّات التقييميّة الإشهاديّة، في نهاية كلّ مرحلة من مراحل التّعليم الأساسيّ،."[28]ثم أعلن في ندوة
صحفيّة بقصر الحكومة بالقصبة، يوم الأربعاء 27 أوت 2014، عن جملة من القرارات التي
اتّخذها مجلسُ الوزراء المنعقدُ في ذاك التّاريخ، من بينها: «إقرار إجباريّة
امتحان السّيزيام بداية من السّنة الدّراسيّة 2014 -2015،[29] وامتحان النُوفْيام بداية من السّنة الدّراسيّة 2017ـ 2018".[30] و لكن ذلك الأمر لم يحصل.
أعيد طرح المسألة مع الوزير ناجي جلول و بعد " حوار
و مساهمة واسعة و استشارة هادفة و سعي مطرد إلى إشراك كافة الأطراف ذات الصلة
بالفعل التربوي أولياء و مربين و تلاميذ و إطارات مشرفة "[31] تقرر "إحداث محطات
تقييمية وطنية عامة ملزمة لجميع المتعلمين و إقرار امتحان ختم التعليم الأساسي
كمحطة تقييمية إجبارية و عامة تنطلق في السنة الدراسية 2016/2017 [32].
في هذه المرة أيضا لم ير القرار النور و تواصل الوضع على حاله
و بقيت المسألة عالقة.
المنجي عكروت
متفقد عام للتربية متقاعد و ابراهيم بن عتيق
تونس – جوان 2024
للاطلاع على النسخة الفرنسية – اضغط هنا
[1] نستعمل مصطلح المرحلة ما بعد الابتدائيّة بسبب تغيّر تسمية المرحلة على مرّ الزمن:
ففي الحقبة الاستعماريّة كان يوجد التعليم الثانويّ والقسم التكميليّ العامّ
والتعليم الفنيّ والشعبة الصادقية أو التونسيّة. وبعد الاستقلال تفرّع تعليم المرحلة ما بعد الابتدائيّة (قانون 58)
إلى تعليم ثانويّ طويل وتعليم إعداديّ الذي عُوّض منذ 1968 بالتعليم الثانويّ
المهنيّ. ومنذ إصلاح 91 أصبحت المرحلة تسمّي بالمرحلة الثانية من التعليم
الأساسيّ.
[2] .
السادسة أو السيزيام Sixième هي
تسمية الصفّ الأوّل من الكوليج، أي من المرحلة الأولى من الدّراسة الثانويّة،
ومدّتها أربعُ سنوات. أمّا الأقسام فترتّب تصاعديّا على النّحو التالي: السادس
فالخامس فالرابع فالثالث.
[3] .
أسّس لهذه المناظرة باعتماد أحكام القرار المؤرّخ في غرّة سبتمبر 1933.
[4] . أحدث قرارُ غرة سبتمبر 1933 " امتحانا كتابيا يهدف إلى
تمكين اللجان المكلفة بضبط قائمات التلاميذ الذين لهم مستوى تعليميّ يخوّل لهم
الالتحاق بقسم السادسة بالمؤسّسات العمومية الثانوية."
[5] . الفصل الأوّل من قرار غرّة سبتمبر 1933.
[6]. القرار المؤرّخ في 26 ماي 1992 الضابط لنظام
التقييم والارتقاء بالتعليم الأساسيّ، الفصل 6.
[7] القرار المؤرّخ في 15 ماي 1996 المنقّح لقرار
26 ماي 1992 المتعلّق بنظام التقييم والارتقاء بالتّعليم الأساسيّ.
[8] القرار المؤرّخ في 28 ماي 2001 المنقّح لقرار
15 ماي 1996 المتعلّق بنظام التقييم والارتقاء بالتعليم الأساسيّ.
[9] في شهر جانفي 1967 تمّ تكليف لجنة
فرعيّة للتربية منبثقة عن لجنة الدراسات الاشتراكية التابعة للحزب الاشتراكيّ
الدستوريّ الحاكم آنذاك، وقد ترأسها أحمد بن صالح وتتكوّن من أعضاء من القيادة
الحزبية وأعضاء من الحكومة عهدت لها مهمة
تقييم وضع التربية واقتراح ما وجب الإبقاء عليه وما وجب إصلاحه وتعديله.
[10] من
تقرير لجنة التعليم الابتدائي - جريدة لاكسيون 4 جوان 1967 -ورد في حوليات شمال
افريقيا المجلد السادس-سنة
1967-ص941-منشورات المركز الوطني للبحث العلميّ -1977 باريس.
[11] R. tunisienne, MEF, Projet d'amélioration de la qualité du
système éducatif tunisien ( PAQSET). Rapport annuel de suivi. juillet 2006
[12] .
اقترحت لجنة "جودة التعليم الأساسيّ" التي بعثت سنة 2010، وضمّت
عدّة أطراف (ممثلين عن مجلس النوّاب ومجلس المستشارين ونقابة التعليم الأساسيّ
ومديري مدارس ومعلمين وأساتذة ومتفقدين ومساعدين بيداغوجيّين) إرساء محطّة
تقييميّة جزائيّة، في مستوى السّنة السادسة من التعليم الأساسيّ، لكنّ أصحاب
القرار رفضوا السّير في هذه الطريق، تحسبا لتراجع نسبة الارتقاء من السّادسة إلى
السابعة من التعليم الأساسيّ.
[13] .
التأم اليومُ الدراسيّ يوم 9 أوت 2014 بالمركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين في
التربية بقرطاج، وقد عُرض برنامجُه على شبكة إيدونات.
[14] "مناظرة السّيزيام قد تعود"، الجريدة الإلكترونيّة "
الصّباح نيوز"، نشرة يوم 9 أوت 2014.
[15] . سعت وزارة التربية خلال العام
الدراسيّ 2014/ 2015 إحياء محطة السنة السادسة التقييميّة لكنّها لاقت معارضة
شديدة من عدّة أطراف، فأرجأت المسألة، ثمّ سكتت عليها في الكتاب الأبيض واكتفت
بإقرار تقييم وطنيّ غير إشهاديّ في نهاية السنة السادسة
[16] س. بوهلال -القرارات التربوية الجديدة -الصّباح
-الجمعة 29 أوت 2014: أعلن وزير التّربية في ندوة صحفيّة بقصر الحكومة بالقصبة،
عقدت يوم الأربعاء 27 أوت 2014، عن جملة من القرارات التي اتّخذها مجلسُ الوزراء
المنعقدُ في ذاك التّاريخ.
[17] Paul Robert - la
Finlande : un modèle éducatif pour la France. ESF éditeur ,2008 ; pp
29-34,
[18]8_F . Coppet , président de l’UNP
[19] . منجي بوسنينة (Bousnina, 1991
[20]. الأمر عدد 1181 لسنة 1992 المؤرّخ في
22 جوان 1992 المتعلّق بضبط تراتيب امتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ الصّادر
بالرائد الرسميّ عدد41 بتاريخ 26 جوان 1992.
[21]. الأمر عدد 1521
المؤرّخ في 24 جويلية 1998.
[22] . الأمر عدد 2551 لسنة 1998
المؤرّخ في 28 ديسمبر 1998 المتعلق بضبط تراتيب امتحان شهادة ختم التعليم
الأساسيّ، الرائد الرسميّ عدد1 بتاريخ 1 جانفي 1999
[23] .
القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسيّ، عدد 80-2002 المؤرّخ في 23 جويلية
2002.
[24] . الأمر عدد581
المؤرّخ في 12 مارس 2002 المتعلّق بتنقيح الأمر المنظّم لامتحان شهادة ختم التعليم
الأساسيّ، الصّادر بالرائد الرسميّ عدد 24 بتاريخ 22 مارس 2002.
[25] تقرير
باكسات 2006
[26]
تقرير باكسات 2006
[27] . التأم اليومُ الدراسيّ يوم 9 أوت 2014
بالمركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين في التربية بقرطاج، وقد عُرض برنامجُه على شبكة
إيدونات.
[28] "مناظرة السّيزيام قد تعود"، الجريدة
الإلكترونيّة " الصّباح نيوز"، نشرة يوم 9 أوت 2014.
[29] . سعت وزارة التربية خلال العام الدراسيّ 2014/ 2015
إحياء محطة السنة السادسة التقييميّة لكنّها لاقت معارضة شديدة من عدّة أطراف،
فأرجأت المسألة، ثمّ سكتت عليها في الكتاب الأبيض واكتفت بإقرار تقييم وطنيّ غير
إشهاديّ في نهاية السنة السادسة
[30] س. بوهلال - القرارات التربوية الجديدة -
الصّباح -الجمعة 29 أوت 2014: أعلن وزير التّربية في ندوة صحفيّة بقصر الحكومة
بالقصبة، عقدت يوم الأربعاء 27 أوت 2014، عن جملة من القرارات التي اتّخذها مجلسُ
الوزراء المنعقدُ في ذاك التّاريخ.
[31] وزارة التربية - الكتاب الأبيض – مشروع إصلاح المنظومة التربوية
في تونس – ماي 2016
[32] الكتاب الأبيض.ص 134
ملاحظات و خواطر قيمة شكرا على الاثراء
RépondreSupprimer