dimanche 16 juillet 2023

مناظرتي’’السيزيام""والنوفيام’’ والتعليم النموذجي في تونس[1]

 


 

د.مصطفى الشيخ الزوالي

تقترح المدونة البيداغوجية  هذا الأسبوع على متابعيها  دراسة أعدها الدكتور مصطفى الشيخ الزوالي و سبق نشرها بالحياة الثقافية و تهتم هذه الدراسة بموضوعين متكاملين : الموضوع الأول تناول فيه الباحث الجدل الذي أثير في صائفة 2018   على إثر قرار وزير التربية في ذلك التاريخ بالالتزام بشرط الحصول على معدل أدنى للالتحاق بالمدارس الإعدادية النوذجية و بالمعاهد النموذجية ، أما الموضوع الثاني فقد خصصه الباحث لعرض موقفه من التعليم النموذجي بوجه عام .


و قد ارتأينا أن نكتفي – في هذه الورقة -  بتقديم القسم المتعلق بالموضوع الأول و بهذه المناسبة نتقدمه للأستاذ مصطفى بالشكر على  السماح لنا بإعادة نشر هذا البحث القيم و على الثقة التي وضعها في المدونة.

 

 

’’ كلما تفعله من أجلي بدوني، أنت تفعله ضدي"

 غاندي

المقدمة

يمثل الجدل السائد في تونس منذ سنوات حول التعليم النموذجي ومناظرتي السيزيام والنوفيام جزء من الجدل العام حول عديد القضايا المتصلة بالتعليمفي تونس. يشمل هذا الجدل تقييم الإصلاحات التي عرفها النظام التربوي،مكانة التعليم في تونس بين الأمس واليوم، قضية التعريب ومكانة اللغة الفرنسية، تمويل التعليم بين العمومي والخاص، دور النقابات وغيرها من المواضيع الهامة التي تشغل الرأي العام في تونس.نلاحظ حضور هذا الجدل في وسائل الاعلام وفي أغلب الحوارات والملتقيات التي تنظمتها وزارة التربية والجمعيات والمنظمات حول الاصلاح التربوي في مناسبات مختلفة. في أحيان كثيرة، يكون هذا الجدل سطحيا عقيما لا يتجاوز مستوى تبادل الأفكار المسبقة واجترار مجموعة من القوالب الجاهزةحول الموضوع. ولا نجد من وظائففعلية لهذا النوع من الجدل سوى مايعطيه لصاحبه من وهم الشعور بالقوة ومتعة السيطرة معإضاعة الوقت والتعطيل،غير المقصود في الغالب، للحلول الممكنة للمشكلات موضوع الجدل. إزاء مثل هذه الوضعيات، من المستحسن العمل بمبدإ "أفضل طريقة لكسب الجدال هو تجنبه"[2] لأنه  سيؤدي حتما إلى الخلاف والتطاول وصنع الشقاق بين أفراد المجتمع. لكن في أحيان أخرى، يمكن أن يساعد الجدل على تعميق النقاش وتدقيق الفهم للموضوع ومواجهة العوائق أمام الحلول وذلك عبر تبادل وجهات النظر ومراجعة الكلام ومقابلة الحجة بالحجة...[3]

تهدف هذه الدراسة إلى المساهمة في تعميق النقاش حول التعليم النموذجي في تونس وذلك عبر تناول العنصرين التاليين:

-         أولا : تقديم بعض الملاحظات والتساؤلات على هامش الجدل الدائر سنويا حول مناظرتي "السيزيام"و"النوفيام’’.

-         ثانيا:تقديم نماذج من الآراء والتقييمات للتعليم النموذجي، نعتبرها مهمة وجديرة بالنشر، لكنها غير بارزة في الجدل المتجدد سنويا حول مناظرتي السيزيام والنوفيام والتعليم النموذجي في تونس.

سننطلق من الجدل الذي أثير حول مناظرتي السيزيام والنوفيام لدورة 2018 باعتبار حدة النقاشات التي دارت حولها بالفايسبوك، بمجلس نواب الشعب مع وزير التربية، بالصحف الالكترونية والورقية، كما وصل الامر الى تقديم بعض الأولياء لدعاوي للمحكمة الإدارية دفاعا عن منظوريهم.  ولعل أهم ما نبرر به اختيارنا لدورة 2018 هو الانعكاسات السلبية للقرار المفاجئ لوزير التربية بعدم النزول تحت معدل 15 من 20 في قبول التلاميذ للدخول للإعداديات والمعاهد للنموذجية وحتى لا يتكرر شيء من النتائج ’’غير المقصودة’’للمناظرتين وللقرار المذكور كما سنرى لاحقا.

 

القسم الأول - جدل مناظرتي ’’السيزيام والنوفيام’’: دورة 2018 نموذجا

 

في محاولة للتوفيق بين إنصاف تلاميذ مناظرتي السيزيام والنوفيام، وضمان عدم تراجع الوزير عن قراره، صدر  يوم 16 جويلية 2018، بيان عن بعض جمعيات الأولياء يدعو إلى تنظيم دورة "تدارك" استثنائية لمناظرتي النوفيام  و السيزيام ".[4] أثار هذا البيان جدلا بين المهتمين بالموضوع، خاصة من المربين والأولياء، فعلّق عليه أحدهم بالعنوان التالي: "من يبحث عن تكريس الرداءة؟  وجاءت إجابته في فقرة مطولة خلاصتها: "من ليس له المستوى المطلوب ليكون ضمن النخبة يدعو الوزارة إلى تكريس الرداءة". [5]

انقسمت الآراء حول المقترح والتعليق عليه ووجدنا خلافا حادا وتعليقات متوترة بين من طالب بدورة تدارك استثنائية ومن رفضها،بين من يريد إلغاء الإعداديات والمعاهد النموذجية ويُعدّد سلبياتها وفي المقابل استماتة في الدفاع عنها وإهمال لسلبياتها.

انطلاقا من متابعتنا لما كتبه الأولياء النشطون خاصة بالمجموعة الفايسبوكية "أولياء غاضبون"،[6]سجلنا ما عاشه المتضررونمن قرار الوزيرمن معاناة وتوترات نفسية على وقع الجدل الدائر والصراع مع وزيرالتربية لشهور طويلة،بل تواصلت مشاركات الاولياء والمربين في الكتابة والتعليق على كل ما له صلة بما سموه قضية ’’مظلومي دورة 2018’’ وواقع التربية والتعليم في تونس.  وقد نشطت المجموعة الفاسبوكية بصفة خاصة في جويلية 2021 بمناسبة صدور نتائج مناظرة النوفيام  2021  حيث نُشرت عشرات التعليقات التي تشهد بمرارة ما حدث في دورة 2018 [7]

وبصرف النظر عن الردود المتشنجة’’للأولياء الغاضبين" إزاء الاتهامات ’’بالرداءة’’ و’’السخافة’’ من المدافعين عن قرار الوزير،سجلنا لديهم أيضا قدرة على مواجهة الخطاب الرسمي للمسؤولين ومن يدافع عنهم، وذلك بالنقد البناء وتقديم البراهين والحجج والشهادات الحية من أصحاب الخبرة في العلاقة بالمناظرتين موضوع الجدل، من مدرسين ومتفقدين وجامعيين، وتلاميذ. وجدنا لدىالأولياء "أصحاب الحقوق"نقاشات ثرية، عبرمن خلالها أصحابها على سعة اطلاع على المنظومة التربوية وثراء في أشكال التعبير والحضور بالفضاء العام من أجل كسب التأييد لقضيتهم وجعلها قضية رأي عام.دفعنا كل ذلك إلى تبني قراءة تفهمية لخطابهم والسعي إلى الكشف عن الأوجه المتعددة للجدل المتكرر سنويا حول مناظرتي السيزيام والنوفيام. نستلهم من الحجج التي تم تقديمها ومن المعطيات المتداولة حول المناظرتين وواقع التعليمين العمومي والخاص في تونس لصياغة مجموعة من الملاحظات العامة والتساؤلات المطروحة للتفكير والنقاشحول واقع المناظرتين واختباراتها والجدوى منها وبعض مصادر الخلل داخل المنظومة التربوية في تونس.

أ‌-      ملاحظات عامة حول قرار الوزير وجدل المناظرتين

1.      مبدئيا لا يجوز فرض قواعد جديدة غير معمول بها سابقا دون اعلام المعنيين بذلك قبل مدة كافية، احتراما لهم وضمانا لحسن اشتغال المنظومة التربوية.للتذكير فقد صدر القرار موضوع الجدل يوم 10جويلية 2018  أي بعد الإعلان عن نتائج المناظرتين.للتذكير أيضالم يتجاوز عدد المؤهلين الذين تم قبولهم 50% من المقاعد المخصصة بهذه المؤسسات. فقد تم توجيه 1662تلميذا الى الاعداديات النموذجية بينما كانت طاقة الاستيعاب في حدود 3725 أي بنسبة تغطية تُساوي 41.61 % فقط. وهي أقل النسب التي عرفتها المناظرتان.[8]وقد تسببت وضعية النقص في التلاميذ "بالمؤسسات النموذجية" في حدوثخلل في الموازنات ووضع العديد من المربين في حالة "زائدين على النصاب" وما يتطلبه من نقلتهم الاجبارية للعمل بمؤسسات أخرى أو رفض ذلك و’’التمتع’’ بموازنات خفيفة بأقسام بنصف العدد المعتاد من التلاميذ، في حين يتكبد زملاؤهم عبء موازنات ’’ثقيلة’’ بأقسام مكتظة في مؤسسات تربوية أخرى.

2.      نعتبر ما حدث من تغيير مفاجئ لقواعد القبول في المناظرتين وما برز في خطاب المؤيدين لقرار وزير التربية من عبارات السخرية وعدم الاعتراف بوجهة نظر الرافضين للقرار و تبرير هذا الخطاب بـ’’حماية المصلحة العامة’’ و’’الدفاع عن الجودة’’ و’’مقاومة للرداءة’’و’’السخافة’’، إنما يعبر كل ذلك عن نزعة نخبوية متعالية وتكريسا لظاهرة استعلاء المدرسة على الاسرة كجزء من استعلاء الدولة على المجتمع واستمرارا لمنطق الوصاية على من هم يُعتبرونقاصرينوالوزير مسؤول على ’’سعادتهم رغم أنوفهم’’.[9]

3.      في الخطاب المبرر لقرار الوزير، تكرر الحديث عن ’’تدني المستوى الدراسي ضمن المؤسسات التربوية النموذجية وتراجع مستوى النتائج في الامتحانات الوطنية’’. نعتبر ذلك تجنبا لمواجهة المشكل الأخطر في المنظومة التربوية وهو تراكم مشكلات التعليم دون إيجاد حلول حقيقية لمواجهتهاعموما واستمرارتراجع المستوى العام للتلاميذ منذ سنوات خصوصا.  وإذا كان لا بد من ’’قراراتملحة تعالج الرداءة’’، فمن الأولويات العاجلة الضغط على نسب النجاح في الباكالوريا التي يتواصل ارتفاعها منذ أكثر من 20 سنة، وذلك في تناقض صارخ  مع واقع التراجع المستمر في المستوى العام للتلاميذ. أليس من البديهي التساؤل: لماذا لا تُتخذ قرارات في للحد من العدد الكبير جدا من الناجحين بالإسعاف في الباكالوريا ؟ لقد بلغت نسبتهم في باكالوريا 2019: 42%  وقفزت الى 75% و80 % في بعض الشعب مثل الآداب والاقتصاد والتصرف في عدة الجهات. وفي التعليم العالي وفي سياق التأقلم مع المستوى المتدني للوافدين من الثانوي صار العمل بآلية الإسعاف،التي في الأصل استثنائية، آلية أساسية تساهم في تدهور مستوى المتخرجين من الجامعة. أما فيالتعليم الابتدائي، فمن أهم المفارقات التي تحتاج إلى المواجهة في تقديرنا: ارتفاع نسب الارتقاء،’’بالجدارة’’والإسعاف، من السادسة ابتدائي إلى  السابعة أساسي بالتوازي مع كثرة المعدلات الضعيفة سنويا لدى تلاميذ السابعة أساسي والارتفاع الكبير في نسب الرسوب في هذا المستوى الذي يستحوذ على النسبة الأكبر من المنقطعين عن الدراسة  سنويا.

4.      الناجحون بتفوق خلال مسيرتهم الدراسية والجامعية ونخصّ بالذكر منهم عددا هاما من المترشحين لمناظرتي النوفيام  و السيزيام [10]، هم في تقديرنا، غير معنيين بما ورد بالفقرة السابقة حول مشكلة تدهور المستوى العام للتلاميذ ولابالحديث المتكرر عن’’ تدني المستوى الدراسي بالنموذجي وتراجع مستوى النتائج في الامتحانات الوطنية’’. في هذا السياق نفهم مواقف’’الأولياء الغاضبين’’ على قرار وزير التربية و على ما جاءفي خطاب المؤيدين لذلك القرار  من ’’اتهام بتكريس الرداءة’’.

5.      رغم كل ما ينتشر رسميا واجتماعيا من احتفاء ’’ بانتماء’’ فئة المتفوقين في الامتحانات الوطنية لمنظومة للتعليم العمومي، يلاحظ كل متتبع للشأن التربوي في تونس، ظاهرة عدم تعويل هؤلاء كثيرا على خدمات منظومة التعليم العمومي لضمان نجاحهم بتفوق.في واقع الأمر هذا التفوق الدراسي نتاج مشروع عائلي يتشارك فيه التلاميذ مع أوليائهم في بناء استراتيجيات عمل وتوظيف لموارد متنوعة منتجة للنجاح والتفوق من داخل المؤسسة التربوية ومن خارجها. وراء التفوق الدراسي في تونس اليوم مجهودات عائلية فائقة، مادية ومعنوية، وتعبئة لموارد كثيرة لتأمين دروس خصوصية وبحث مستميت عن أحسن المدرسين الخصوصيين بالبلاد وبالجهة وبالحي وبالانترنت.في هذا السياق كتب أحد القيمين بصفحة الفايسبوك ’’أولياء غاضبون’’ : ’’ 90 بالمائة من أسباب النجاح تعود للتلاميذ ولأسرهم لذلك لا داعي لأن تتفاخر المؤسسات التربوية بنسب النجاح’’.

ب‌-  تساؤلات حول طبيعة الاختبارات في مناظرة "السيزيام"ونتائجها بالتعليمين العمومي والخاص

1.      هل تقيس المناظرة مستوى التلاميذ كما هو متوقع أن يكتسبوه خلال السنة الدراسية من مدرسيهم بالتعليم العمومي او الخاص، أو هي تقيس مستوى التدريبات المكثفة التي تلقوها على مهارة اجتياز الامتحانات من قبل خبراء المناظرة في إطار الدروس الخصوصية؟

2.      عندما تكثر ’’ الاصفار’’ في اختبارات المناظرة لمن سبق أن تحصل على "عشرينات’’ كثيرة خلال السنة الدراسية، بل تمكن خلال فترة المراجعة من انجاز متميز لاختبارات المناظرة للعشر سنوات الأخيرة،أليس من الأجدر البحث عن مصادر الخلل داخل المنظومة التربوية؟

3.      ما هي الآثار النفسية لحصول آلاف التلاميذ على أعداد ضعيفة جدا في اختبارات المناظرة وهم الذين قد تعودوا طيلة مسيرتهم الدراسية على أعداد مرتفعة جدا في أقسامهم؟ ربما من أجل تجنب مثل هذه الوضعية وغيرها من الإشكاليات المتصلة بالمناظرة، فقد جعلت دولة مثل فنلندا"التلميذ الفنلندى،  لا يمتحن امتحانا سنويا «موحدا» إلا مرة واحدة فقط تكون فى نهاية المرحلة الثانوية"[11]وربما لهذا السبب تحتفظ فنلندا لسنوات بمركز متقدم ضمن أفضل خمس دول فى التعليم عالميا.

4.      مع التطور المطرد في ارتفاع مستوى التميز الدراسي لعدد كبير من المترشحين للمناظرة، للأسباب التي ذكرناها، على أي أساس سيتم فرز المترشحين؟وما الذي سيصنع التميز؟ حسب تجارب السنوات السابقة، تبدو لنا صحة ما توصل اليه الباحث أحمد بوعزي من أن التفريق يتم أكثر فأكثر "على أساس إمكانيات حل المشاكل الرياضية".[12]

5.      ولكن مع تطور مستوى التدريبات والاستعدادات للمشاكل الرياضية، تحت رعاية خبراء الامتحانات، كيف سيتعامل واضعو الاختبارات في الوزارة مع هذه الوضعية ؟ يبدو أنه لا مفر من اللجوء الى بعض الحيل والتقنيات المعمول بها عادة لدى"المدرسين التقليديين’’: وهو أسلوب’’وضع الفخاخ’’ والتعجيز  و"التعويج" بالاختبارات غير المتوقعة.تنم هذه الممارسات، في تقديرنا، عن استبطان الرؤية التقليدية للمدرسة ولوظيفة الامتحانات ولدور المدرس، وهي أيضا تكريس لنموذج المدرسة المتعالية على المجتمع.في الإطار نفسه، ننزل التبرير المتكرر لهذه الممارسة بمثل قيل في غابر الزمان: ’عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان ’’،فهذا المثل غير منسجم مع منطق ’’الحداثة المنشودة’’ والنصوص الضامنة لحقوق الطفل في كل التشريعات الوطنية والدولية.[13]

6.      ما مدى صحة القول بأن اختبارات مادة الرياضيات بالمناظرة، يعجز على إنجازها المدرسون أنفسهم في الوقت المخصص للاختبار؟

7.      هل احترمت بعض الاختبارات مبدأ الوضعيات الدالة للسياق الذي يعيش فيه التلميذ؟ وما هو التمثل الضمني لنموذج الطفل الذي يتوجه له الاختبار؟ في اختبار الإيقاظ العلمي لمناظرة السيزيام 2018 اعتبر واضعوا الاختبارات أن الإجابة الصحيحة عن "سر طول عمر الجد الفلاح في سبيبة بالقصرين هو أكل السمك والبرتقال"؟!!  وهنا استحضر مثالا آخر أقوى دلالة على ظاهرة إسقاط الوضعيات وضعف الاندماج مع المجتمع، كجزء من ظاهرة استعلاء المدرسة على الأسرة والمجتمع، ففي’’امتحان’’السيزيام" لسنة 1968، كان  موضوع الانشاء من قبيل  "خلال القيام بنزهة عائلية تعرضت السيارة للعطب ، صف الحادثة". وشكل الموضوع لغزا محيرا لجل التلاميذ في الأرياف فلا السيارة ولا النزهة تدخل في نمط عيشهم ولا في امكانياتهم. في جانبه الإيجابي مثل الموضوع حافزا استثنائيا لإعمال الخيال" كما ذكر الباحث الصغير الصالحي (2017، صفحة 242).[14]

8.      كيف يمكن أن نفسر التنافر المُلاحظبين الطريقة المطلوب استخدامها رسميا من المدرسين وهي المقاربة بالكفايات والتي يتدربون عليها مع المتفقدين والطريقة التي يستند اليها واضعوا الاختبارات في المناظرة أي المقاربات بالموضوعات؟

9.      في حين يمثل الغاء التعليم الخاص أو الحد من انتشاره، هدفا استراتيجيا منشودا يسعى إلى تحقيقه كل نظام تربوي[15]،  نلاحظ في تونس عديد المؤشراتالدالة على عكس ذلك تماما، إذ من هو المستفيد الأساسي من مناظرة السيزيام غير التعليم الخاص ومقاولو التعليم؟ بشهادات التلاميذ وجميع الأطراف بالمؤسسة التربوية، تحولت الحصص المدرسية في التعليم العمومي، لدى ’’مقاولي التعليم’’، إلى تُكأة للضغط على التلاميذ وحشدهم للدروس الخصوصية و"ليس أمام الأولياء سوى الإذعان للأمر الواقع" وهي عباراتهم  المتكررة كلما طلبنا منهم أن يبادروا إلى مقاومة هذه الظاهرة.

10. تحقق بعض المدارس الابتدائية الخاصة نسب نجاح 100% بمناظرة السيزيام ونسب قبول مرتفعة نسبيابالإعداديات النموذجية فهل يرجع ذلك الى جودة خدماتها وتجسيمها لأهداف المنظومة التربوية أم لقدراتها و"حيلها" في التأقلم مع مقتضيات الاختبارات في مناظرة السيزيام؟ لقد بات معلوما لغالبية المهتمين بالشأن التربوي أن تلك  المدراس  تعتمد استراتيجيات متنوعة لضمان ذلك النجاح '‘الباهر''، من قبيل انتقاء المترشحين للمناظرة وعدم السماح بالتسجيل فيها لمن تعتبرهم ’’غير مطابقين للمواصفات’’،حملات إعلامية من أجل تعبئة أو "انتداب’’ أفضل تلاميذ الخامسة ابتدائي بالمدراس العمومية وترغيبهم في الالحاق بها بعرض خدمات إضافية  أو التسجيل المجاني كليا جزئيا، تخصيص الثلاثي الأخير من السنة الدراسية للتدريب على المواد الأساسية وعدم "إضاعة الوقت مع مواد خارج اختبارات المناظرة''، اللجوء الى خدمات "خبراء الامتحانات"من المعلمين والمتفقدين المتقاعدين.

 

د. مصطفى الشيخ الزوالي - مستشار عام خبير في الحياة المدرسية.

Pour accéder à la version FR, cliquer ICI



[1]هذه الدراسة منشورة بالعدد 323 من مجلة "الحياة الثقافية" سبتمبر 2021

تجدر الإشارة إلى أن التعليم النموذجي في تونس يشمل:

-          المدارس الإعدادية النموذجية وهي مؤسسات تربوية يؤمها التلاميذ الناجحون في مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية والمعروفة اختصارا بمناظرة "السيزيام"وهي اختيارية وتشمل الراغبين في اجتيازها من تلاميذ السنة السادسة من التعليم الابتدائي.

- المعاهد النموذجية وهي مؤسسات تربوية يؤمها التلاميذ الناجحون بتفوق في مناظرة شهادة ختم التعليم الأساسي العام والمعروفة اختصارا بمناظرة "النوفيام" وهي أيضا اختيارية وتشمل الراغبين في اجتيازها من تلاميذ السنوات التاسعة من التعليم الأساسي

[2]  هي قولة للامريكي الشهير دايل كارينغي

[3] على مستوى المعاني المتداولة لغويا واجتماعيا لعبارات الجدل ومشتقاته مثل الجدال والمجادلة نجد ما يفيد ’’التخاصم، الشجار، المشاحنة، الخلاف، المشادة....’’’ أي الجدل بما هو’’الزام الخصم ومغالبته’’ ، كما نجد معاني أخرى لنفس تلك العبارات تفيد: ’’ المناقشة والمحاورة والمباحثة والمحاجة.....أي الجدل بما هو ’’ضرب من ضروب الأدب الرفيع ’’

[4]جاء مقترح الدورة الاستثنائية في بيان مشترك بين المنظمة التونسية للتربية والأسرة والجمعية التونسية لجودة التعليم . وقد صدر في عديد وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية. جاء البيان تحت عنوان "دعوة لإجراءات استثنائية أو تنظيم دورة استثنائية لمناظرتيْ السيزيام والنوفيام."

[5]ورد نص التعليق الذي انطلقنا منه باللغة الفرنسية في عديد صفحات الفايسبوك، فيما يلي عنوانه وبعض المقتطفات منه:

Qui cherche à consacrer la médiocrité ? Ces derniers jours, certaines voix se sont élevées pour demander au Ministère de l'Education Nationale de réorganiser une nouvelle session des Concours nationaux afin de repêcher à peu près 2000 élèves dont la barque n'est pas arrivée à bon port ! 
Nous suggérons par conséquent au Ministère de l'Education Nationale d'être sage et de ne pas succomber à la démagogie des uns et au manque de discernement des autres ! Le nivellement par le bas ne sert pas la Tunisie, K. H.
....

[6]ظهرت عديد المجموعات الفايسبوكية الغاضبة على قرار الوزير، اعتمدنا منها في هذه الدراسة مجموعتين (متداخلتين) وهما: ’’أولياء غاضبون’’و ’’ أولياء ومربون متحدون’’. بلغ عدد المنخرطين في المجموعة الأولى 53910 عضو  وفي المجموعة الثانية 9783 عضوا (بتاريخ  23 سبتمبر 2021)

[7]نذكر من التعليقات التي تشهد بمرارة ما حدث في دورة 2018 ما يلي : ’’وأخيرا نجح ابني من مظلومي 2018’’، ’’نحن مظلومي 2018 كسبنا الرهان’’، ’’ألف مبروك لمظلومي 2018 لقد اثبتم جدارتكم وانتصاركم’’،  "انتصر تلامذة أو بالأحرى أبطال وبطلات 2018’’، "ابنتي التي نعتوها بالرداءة تتألق وتنجح بمعدل 18.59’’، ’’يا ظالم لا حال يدوم ولدي نجح وسيحاسبك التاريخ على مظلمة 2018’’.، "سيذكر تاريخ التربية والتعليم بتونس ملحمة تلاميذ وأولياء رفضوا  الظلم و واجهوه بالاحتجاج واستبسلوا في ذلك ثم بالمحكمة الإدارية وانصفتهم ...وجاء الرد النهائي والحاسم بتألق أبنائنا ..."، ".... كسبنا جولة النوفيام ... مازال الشوط الثاني باك2022".... – وغيرها مما ورد بالمجموعة الفايسبوكية: أولياء ومربون متحدون’’ خلال النصف الثاني من شهر جويلية 2021

[8]كمثال للمقارنة مع دورات أخرىللسيزيام توزعت نسب التغطية كالتالي: - دورة 2017: 92% - دورة2019 :81.68% - دورة 2020:68.65 %- دورة 2021: 97.81 %.   

[9] انظر مقالنا المنشور بالصحيفة الالكترونية ’’الزراع ’’بتاريخ 13 نوفمبر2019 تحت عنوان:إلى متى يتواصل استعلاء " النخبة التونسية" على مجتمعها’’    ودراستنا المنشورة بمجلة الحياة الثقافية بالعدد 304 أكتوبر 2019والمعنونة ’’ المثقفون والسلطة في تونس زمن ما قبل الثورة: دراسة نقدية..’’

[10] شهدت المناظرتان تراجعا في عدد المترشحين بين دورتي 2018 و2019 – وقد يكون ذلك بتأثير الجدل حول نتائج الدورتين. بلغ عدد المترشحين لمناظرة الدخول الى المدارس الإعدادية النموذجية ’’السيزيام’’ في دورة2018 56 ألفا و814 تلميذا.- وتراجع في دورة 2019 إلى55 ألفا و207 تلميذا . وكان عدد المترشحين  لاجتياز امتحان شهادة ختم التعليم الأساسي العام’’النوفيام’’ في حدود 31 ألف في دورة 2018 ليتراجع إلى 26 ألفا و464 في دورة 2019 .

[11] "فنلندا.. لا واجبات ولا امتحانات.. وأفضل من أمريكا"... منشور بموقع"الاهرام المصرية. 23 ماي2018 https://gate.ahram.org.eg/daily/News/652740.aspx

[12]بوعزي أحمد 2014، ’’ أفكار ضد التيار، مساهمة للرفع من مستوى التعليم. تونس’’ ص51

[13]هو مثل من أمثال الفرس القديمة أوردها الحريري في مقاماته واستحضره  وزير التربية عدة مرات لتبرير قراره .

[14] عنوان الكتاب  ’’الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة منظومة التهميش في تونس نموذجا’’ تونس 2017.

[15] على غرارا فنلندا التي  نجحت في تحقيقه فلا وجود فيها للتعليم الخاص،

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire