lundi 16 décembre 2019

إصلاح التعليم لسنة 1969: جهة صفاقس تبلور تصوّرها لإصلاح التّعليم المدرسيّ *الجزء الأول*


مدخل
هادي بوحوش
شهدت الفترة الأولى لإشراف الأستاذ أحمد بن صالح على وزارة التربية، التي انطلقت في أوت 1968، اتّخاذَ إجراءات تنظيميّة، منها وأبرزها إرساءُ إدارة جهويّة للتعليم بكلّ ولاية من ولايات الجمهوريّة، وتعيينُ مدير جهويّ على رأس كلّ إدارة منها.
وكانت خطّةُ الوزير أن تَتبع هذه الخطوةَ في " السّنة المقبلة مرحلةُ إعادة النّظر في كلّ جوانب ومحتويات سياستنا التعليميّة في مراحلها الثلاث".[1] وفي هذا السّياق الإصلاحيّ، طلبت وزارة التربية من الإدارات الجهويّة للتعليم الحديثة العهد تشكيلَ لجنة تفكير في إصلاح التعليم وموافاتها بتقرير في الغرض.[2]
ونظرا إلى أهمّية مثل هذه التقارير في رسم الإصلاحات التعليميّة المتتالية، رأينا أن نقدّم لقرّاء المدوّنة البيداغوجيّة التقرير الصّادر عن الإدارة الجهويّة للتعليم بصفاقس، وننشره.

§     تركيبة لجنة التفكير
يرأس اللجنة الجهويّة للتفكير في إصلاح التعليم المدير الجهويّ للتعليم بولاية صفاقس.[3] وتضُمّ في عضويتها سبعة عشر عضْوا من إطار الإشراف البيداغوجيّ والإداريّ وهيئة التدريس[4]، عشرة منهم تونسيّون و7 من المتعاقدين الأجانب. أمّا مقرّرُها فهو السيّد جرار فينْيي/ GERARD VIGNIER، المرشد البيداغوجيّ في مادّة الفرنسيّة.
§   تقرير اللجنة
انعقدت أعمالُ اللجنة خلال شهر جانفي 1969 في ثلاث مناسبات، أي أيّام 11 و14 و17 بمقرّ المعهد الفنّيّ بصفاقس، وأصدرت تقريرها التأليفيّ مرقونا في 12 عشرة صفحة من الحجم الكبير.
يتكوّن التقرير من تمهيد وجيز للتذكير بأهداف النظام التربويّ، وقسم أوّل يتعلّق بالتعليم بالمرحلة الأولى[5] من حيث توقيته وموادّه الدّراسيّة ومراكز الاقتبال[6] المتّصلة به وتكوين المعلّمين وتطوير طرائقهم، وقسم ثان يهمّ التعليم بالمرحلة الثانية، مع عناية بالجذر المشترك من حيث الأهداف والتوقيت وموادّ الدّراسة، وبالتوجيه المدرسيّ في موفّى هذا الجذر، وبمراكز الاقتبال المرتبطة بمرحلة التعليم الثانويّ. وخُتم التقرير بإثبات مشروع للهيكلة التعليميّة المفضّلة.
أمّا النّسخة العربيّة من هذا التقرير التأليفيّ فهي نظير للنسخة الفرنسيّة والتي نرجّح أنّها النسخة الأصليّة، لأنّ مقرّر اللجنة من المتعاقدين الفرنسيّين، ومختصّ في اللغة الفرنسيّة، وهو السيّد جرار فينيي.
إنّ ما يلفت النّظر في هذا التقرير هو التوجّهات والاختيارات التي تُميّز إصلاح 1969، منها:
-       التركيز في أهداف التعليم على تكوين الإطارات والأعوان لقطاعات الفلاحة والاقتصاد والتعليم...وربط مضامين التعليم بالواقع القوميّ والمحلّي، الثقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، مع تنزيل الوظائف اليدويّة المكانة اللائقة بها، والحرص على تمكين كلّ تلميذ من مواصلة الدّراسة، أو إسدائه تكوينا عمليّا يؤمّن انخراطه في الحياة العمليّة.
-       إسناد غايتيْن للمرحلة الأولى من التعليم: التهيئة للتعليم الثانويّ، أو التوجيه إلى مراكز الاقتبال المكلّفة بتخريج عمّال مختصّين أو أنصاف مختصّين. أمّا المبادئ الأساسيّة فهي تنمية وسائل التعبير والتركيز عليها، مع التخفيف من البرامج وتخليصها من المعرفة النظريّة الغالبة عليها، وتيسير قواعد العربيّة والفرنسيّة وإدراج الرياضيات الحديثة بداية من السّنة الأولى، ومادّة الإيكولوجيا، وتخصيص توقيت للأنشطة الاجتماعيّة، والاهتمام بتكوين المعلّمين، وإرساء مراكز لاقتبال التلامذة المتعثّرين.
-       إقامة جذر مشترك،[7] بعد المرحلة الأولى الابتدائيّة، مدّته أربعُ سنوات، يهدف إمّا إلى الإعداد للبكالوريا، أو التوجيه إلى مراكز اقتبال يدوم بها التكوينُ عاميْن، وتعدّ لمُعترك الحياة. وقد رسمت اللجنةُ الخطوطَ العريضة لبرامج هذا الجذر وموادّه وتوقيته، مع إيلاء عناية بمبادئ التكنولوجيا والاقتصاد، والاهتمام بقضايا العصر، وإحداث مادّة جديدة هي الإيكولوجيا تضمّ العلومّ الطبيعيّة والجغرافيا، والنزوع إلى إدراج التربية الدينيّة والمدنيّة ضمن مادّة العربية والتاريخ...
-       مدّة التعليم الثانويّ ثلاثة أعوام، وفي الطويل منه تدرج لغة حيّة ثانية، ويتفرّع إلى الشعب التالية: آداب، علوم، رياضيات، اقتصاد، فلاحة، بيداغوجيا. وإلى جانب الموادّ المتعارفة، تقترح اللجنة تخصيص توقيت للأنشطة الاجتماعيّة من قبيل زيارة المزارع والمعامل والمصانع والمؤسّسات والتفكير في تأسيس نواد للمسرح والسينما والأدب يتولّى الإشراف على أنشطها أساتذة.

وعلى العموم، يُلاحظ المطّلعُ على أدبيات هذه الفترة أنّ مشروع إصلاح التعليم لجهة صفاقس يعدّ قريبا من الاختيارات التي عبّر عنها الوزيرُ أحمد بن صالح في خُطبه خلال شهريْ جويلية وأوت 1968، وأنّ ما اقترحته الإدارة الجهويّة للتعليم بصفاقس جاء في تناغم وتناسق مع الخطّة الإصلاحيّة التي كان الوزير يعتزم تنفيذها.[8]
وفيما يلي نصّ التقرير التأليفيّ الصّادر عن الإدارة الجهويّة للتعليم بصفاقس في جانفي 1969.


الإدارة الجهويّة للتعليم بصفاقس
لجنة النظر في إصلاح التعليم
تقرير نهائيّ عن جلسات العمل المنعقدة أيّام 11و 14 و17 جانفي 1969 بالمعهد الفنّيّ بصفاقس.
رئيس اللجنة: السيّد توفيق بن عرفة المدير الجهويّ للتعليم بصفاقس.
أعضاؤها:
السيّد قويدر العيّاشي: متفقد جهويّ
السيّد محسن بن جماعة: مرشد بيداغوجيّ في الرياضيات
السيّد بوراوي: مرشد بيداغوجيّ في التاريخ والجغرافية
السيّد رشيد كمّون: مرشد بيداغوجيّ في التاريخ والجغرافية
السيّد بورزاك: متفقد مشرف على تربّص المعلّمين
السيّد كزالونقا: مرشد بيداغوجيّ في العلوم الطبيعيّة
السيّد عزّ الدين القرْمازي: مدير المعهد الفنّيّ بصفاقس
السيّد كحْواش: أستاذ مشرف على المخابر بالمعهد الفنّيّ بصفاقس
السيّد لوباز: مرشد بيداغوجيّ في الفرنسيّة
السيّد ماداماي: أستاذ في العلوم الاقتصاديّة بالمعهد الثانويّ للذكور بصفاقس
السيّد التيجاني مَقني: مدير مدرسة ترشيح المعلّمين بصفاقس
السيّد محسن المزغنّي: مرشد بيداغوجيّ في العربيّة
السيّدة أورسيني: مرشدة بيداغوجيّة في الفرنسيّة
السيّد رزق الله: أستاذ تكنولوجيا بالمعهد الثانويّ للذكور بصفاقس
السيّد محمّد صيود: متفقد جهويّ
السيّد فينياي: مرشد بيداغوجيّ في الفرنسيّة
السيّد الهادي الزغل: مدير المعهد الثانويّ للذكور بصفاقس.
المقرّر: غير مذكور
تمهيد
"إنّ غاية التعليم في أنبل وأسمى معانيه هي تكوين الإنسان تكوينا شاملا يضمن له سعة الثقافة وتوازن الشخصية والتفتّح على العالم. فهو يمكّن الفرد من تنمية مختلف ملكاته ومن الوصول إلى أسمى مراتب الإنسانيّة.
على أنّه يحسن بنا أن نفكّر في الحاضر القريب. فالبلاد التونسيّة لها حاجات ملحّة وأهداف أوْلى بالاعتبار من غيرها، إذ أنّها قبل كلّ شيء تخوض معركة اقتصاديّة ترمي إلى الرفع من مستوى العيش والوصول بالبلاد في أقرب الآجال إلى مصافّ المجتمعات المتقدّمة.
لذا يجب أن يراعي التعليم هذه الأهداف الأساسيّة فيرمي إلى:
1.   تكوين إطارات للفلاحة والتعليم
2.   تكوين إطارات الاقتصاد ومُسيّري المؤسّسات والإطارات الفنيّة العليا وإطارات الإشراف.
 ويجب أن يتحلّى هؤلاء جميعا بمقدرتهم على الانسجام مع الواقع التونسيّ.
3.   في مرحلة موالية، بعد عشرين سنة مثلا، تصْدير الإطارات نحو البلدان المحتاجة إلى المساعدة الفنّيّة عندما تدرك البلاد كفايتها من الإطارات.
وبصورة عامّة، يجب أن يعتبر التعليم وسيلة تمكّن الفرد من أن يجد مكانه في المجتمع ومن أن يحسّن وضعه ضمن الهياكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
لذا ينبغي أن نرمي إلى الأهداف التالية:
ü    يجب أن يساهم التعليم في التنمية الاقتصاديّة بتوفير كلّ العملة والإطارات اللازمة للبلاد، وأن يضمن لهم تكوينا عامّا يجعلهم واعين بمختلف المشاكل القائمة بالبلاد التونسيّة وخارجها.
ü    وعلى التعليم أن يراعي الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ للبلاد التونسيّة وأن يتّخذه كنقطة انطلاق.
ü    وعليه أن يتخلّص من كلّ تكوين يعتمد على الكتب اعتمادا كلّيّا يفضي إلى قطع الصلة بالواقع ويحول دون اندماج التلميذ في صلب المجتمع.
ü    وعليه أن يمنح الوظائف اليدويّة الاعتبار اللائق بها فيهتمّ بتكوين الفلاّح والعامل الفنّيّ اهتمامه بتكوين أهل القطاع الثالث.
ü    وعليه أن يضمن لكلّ تلميذ، عند نهاية كلّ مرحلة من مراحل التعليم،) إنْ هو لم يستطع مواصلة الدراسة في المرحلة الموالية (، وجود هياكل تكوّنه تكوينا عمليّا إيجابيّا يجعله قادرا على مباشرة الحياة العمليّة في أقرب الآجال."

التعليم بالمرحلة الأولى
"إنّ دور التعليم في هذه المرحلة دقيق جدّا، إذ عليه أن يستوعب كلَّ الأطفال الذين هم في سنّ الدراسة. والهدف الذي يرمي إليه التعليم، في هذه المرحلة هو، قبل كلّ شيء، إكسابُ الطفل:
-       وسائل التعبير
-       ومناهج العمل.
أمّا مبادئه الأساسيّة فهي:
-       تخفيف البرامج بحذف الموادّ التي لا تهمّ التلميذ بصفة مباشرة
-       وتركيز الاهتمام على وسائل التعبير الأساسيّة الثلاث: العربيّة والفرنسيّة والحساب.
وستكون لهذه المرحلة من التعليم غايتان: تهيئة التلامذة للدخول إلى المرحلة الثانويّة، من جهة، ومن جهة أخرى توجيه عدد منهم إلى مراكز اقتبال يتخرّجون منها عمّالا مختصّين أو نصف مختصّين إثر تربّص تكوينيّ.
هياكل التعليم في المرحلة الأولى
يدوم التعليم ستّ سنوات، ويكون على النمط التالي:
في السّنوات الأولى والثانية والثالثة 15 ساعة عربيّة + 10 ساعات فرنسيّة+ 5 ساعات للأنشطة الاجتماعيّة.
في السّنوات الرابعة والخامسة والسادسة 10 ساعات عربية+ 15 ساعة فرنسيّة+ 5 ساعات للأنشطة الاجتماعيّة.
ويكون تعليم الفرنسيّة في السنة الأولى شفويّا فحسب.
العربية والفرنسيّة:
 نظرا لما لوحظ من ضعف مستوى التلامذة في اللغتين العربيّة والفرنسيّة عند تخرّجهم من السّنة السادسة، فمن المناسب تقديم الاقتراحات التالية:
في العربية:
-       مواصلة المجهودات لتيسير تعليم العربية وتطويره
-       الاقتصار على قواعد النحو الأساسيّة
-       اعتماد ألفاظ وتعابير فصيحة تكون أقرب ما يمكن من لغة التخاطب بين التلامذة
-       العمل على تكوين التلميذ تكوينا يمكّنه من التعبير بالعربيّة عن المحيط الخارجيّ القريب منه. لذا يجب أن يتفتّح التعليم على ذلك المحيط.
في الفرنسيّة:
إنّ ما تقرّر من تدريس الفرنسيّة في السّنة الأولى يجعل الأمر دقيقا. وقد رأت اللجنة أنّه يجب:
-       تحديد أهداف متواضعة تتمثّل في تمكين التلميذ من التعبير والتفكير
-       الانطلاق من المحيط المباشر للتلاميذ والبقاء في نطاق المحسوس
-       أن يكون التلميذ قادرا على تسمية الموجودات المحيطة به والتعبير عن عواطفه بصورة بسيطة وترتيب أفكاره في فقرة متماسكة
-       استعمال الطرق السمعيّة البصريّة المبسّطة، كطريقة السيّد أوبيكل/ M.AUPECLE، بتعليم المبادئ النحويّة البسيطة التي يحتاج إليها التلميذ فعلا
-       ضبط قائمة لحاجيات التلميذ الأساسيّة في ميدان التعبير حتّى يتمكّن من مواجهة السّنة الأولى من المرحلة الثانية في ظروف حسنة.
الحساب:
يتحتّم إدراج تعليم الرياضيات الحديثة منذ السّنة الأولى إذا ما أردنا أن نضمن الانسجام التامّ بين مرحلتي التعليم ونتجنّب القطيعة التي يجدها التلميذ حاليّا بين المرحلة الأولى والثانية.
أمّا المقترحات فهي التالية:
-       إدراج الرياضيات الحديثة بداية من السّنة الأولى
-       نشر هذه المادّة بين المعلّمين بغاية السرعة
-       في نهاية المرحلة الأولى، يجب أن يكون كلّ تلميذ قادرا على القيام بالعمليات الأربع وبتحليل مشكل حسابيّ
-       وبما أنّ الحساب سيعلَّم باللغة الفرنسيّة، فمن الواجب التفكير في التنسيق بين هاتين المادّتين.
التاريخ والجغرافية:
سعيا وراء تخفيف البرامج، يحسن تدريس هاتين المادّتين بصورة غير التي تدرّسان بها حاليّا وإقحامهما في موادّ جديدة. وقد اقترح ربط تدريس التاريخ بالتربية الوطنيّة وإحياء ذكرى الماضي عن طريق قراءة نصوص عربيّة أو فرنسيّة، أو دراسة وملاحظة الوسط المحيط بالتلميذ، ) من مساجد عتيقة أو أسوار أو آثار رومانيّة، إلى غير ذلك...(  والمقصود هو إبراز فكرة الماضي وفكرة التطوّر عن طريق الأحداث والعادات والتقاليد بدون دخول في التفاصيل.
أمّا الجغرافية فيمكن إلحاقها بفنّ جديد نطلق عليه هنا اسم إيكولوجيا/ECOLOGIE.
الإيكولوجيا:
تجمع هذه المادّة الدروس العمليّة/ connaissances  usuelles والجغرافية. وفضل هذه الطريقة يتجلّى في أنّها تمكّن من دراسة الكائنات، لا دراسة مجرّدة، بل في نطاق الوسط الذي تعيش فيه وتتكاثر، كما تبرز صلات الكائنات بوسطها.
وبهذا يتعلّم التلميذ " النظر في كتاب الطبيعة" ويتفهّم الوسط الذي يعيش فيه تفهّما أفضل.
هذا، وإنّ إدراج هذه المادّة الجديدة يقتضي تخفيفا في البرامج وتغييرا في الاتّجاه، إذ يجب حذف كلّ المسائل المعقّدة التي لا يستطيع التلميذ فهمها بيسر والتي يخشى أن يؤدّي التبسيط فيها إلى التحريف.
وتدرّس هذه المادّة بالعربية والفرنسيّة حتّى يتعوّد التلميذ على استعمال اللغتين جنبا لجنب.
ويعتمد التدريس على الملاحظة وتحليل الصور والوثائق.
الأنشطة الاجتماعيّة:
والمقصود هنا هو إقحام الأنشطة التي كانت إلى حدّ الآن موكولة إلى منظمات الشباب) اتّحاد الشباب التونسيّ وخاصّة أشبال الجمهورية (، في صلب برنامج التعليم. لذا نقترح:
§       إدماج هذه الأنشطة في صلب برنامج التعليم
§       مواصلة العمل الذي قام به اتّحاد الشباب مع تنويع الأنشطة وتوسيعها: ) التكوين الوطنيّ، الأعمال اليدويّة، الرحلات، إقامة المخيّمات، الأناشيد، التصوير...(
§       تكليف المعلّم بهذه الأنشطة إذ هو محور التعليم في المدرسة الابتدائيّة
§       تنظيم محكم لمختلف الأنشطة
§       إعطاء هذه الأنشطة صبغة رسميّة. ولذا يتعيّن إعادة النظر في نظام التأمين المدرسيّ
§       يمكن أن يكون توزيع العمل أسبوعيّا على النحو التالي: 25 ساعة للدراسة+ 5 ساعات للأنشطة الاجتماعيّة
ومن شأن هذه الأنشطة أن تمكّن التلاميذ والمعلّمين، بعد مدّة من الزمن، من الاتّصال بالواقع الجهويّ أو حتّى بالواقع القوميّ عن طريق الزيارات التي يقومون بها إلى جهات أخرى."
مراكز الاقتبال بالنّسبة إلى المرحلة الأولى من التعليم
"تعتبر اللجنة أن هذه المسألة تكتسي صبغة بالغة الأهمّية، ففي الظروف الحاضرة تتمكّن نسبة من التلامذة تفوق الأربعين في المائة بقليل من الانتقال إلى المرحلة الثانية. ولا يمكن بحال أن نبقي نسبة في المائة بدون تكوين عمليّ، إذ أنّ التعليم بالمرحلة الأولى يقتصر على إرساء الأسس لتعليم غالبه نظريّ.
وحيث إنّ الطفل في هذه السّنّ لا يملك سلاحا يواجه به الحياة، يتعيّن أن نوفّر له تكوينا عمليّا.
ويجب أن يكون هذا التكوين مرتبطا ارتباطا وثيقا بمخطَّط التنمية الجهويّ الذي قد يختلف من معتمدية إلى أخرى، فيجب أن يجد التلميذ مكانه في نطاق جهته حتّى نتجنّب القطيعة بين الفرد وبيئته وما ينجرّ عنها من وخيم العواقب سواء بالنسبة إلى الفرد أو بالنسبة إلى المجتمع، إذ قد يؤدّي ذلك إلى نزوح كثير من السكّان عن جهاتهم.
وتقتبل هذه المراكز صنفين من التلامذة:
أ‌.       تلامذة في مستوى السنة السادسة
ب‌. تلامذة في مستوى السنة الرابعة تُحدث لهم أقسام خاصّة قصد تمكينهم من اللحاق بالمستوى المطلوب ثمّ من الدّخول إلى هذه المراكز، وهذا من شأنه أن يخفّف من كثافة التلامذة بالفصول ويُحسّن مستواها.
وحيث إنّ الغاية التي ترمي إليها هي: أن نضمن لكلّ تلميذ دخل السنة الأولى من الوصول إلى السنة السادسة، فإنّنا نقترح:
-       بعث مراكز اقتبال غايتها تكوين التلميذ تكوينا عمليّا وتعليمه حرفة
-       يكون التوجيه إلى هذه المراكز على أساس اختبارات تجرى على النطاق القوميّ وتمكّن من اكتشاف مؤهلات التلميذ الحقيقيّة
-       تنظّم المراكز بالنظر إلى إمكانيات الجهة في استيعاب أبنائها، وإلى مخطّط تنميتها الاقتصاديّة، على أن يسمح لبعض التلاميذ بالتوجّه إلى قطاعات أخرى إذا كان لهم من المؤهلات ما يستوجب ذلك.
وتكون مراكز الاقتبال هذه ذات مظهرين:
-       فهي تتكوّن من مؤسّسات أو وحدات اقتصاديّة تعيّن بها كتابة الدولة للتربية القوميّة أشخاصا راجعين إليها بالنظر، للسَّهر على تكوين التلامذة تكوينا عمليّا
-       ومن جهة أخرى، تنظّم لهذا الصنف من التلاميذ دروس نظريّة بحساب ساعتين أو ثلاث ساعات أسبوعيّة داخل المدارس
-       تلحق هذه المدارس بالإدارات الجهويّة للتعليم
-       يمكن أن ينظّم بهذه المراكز، في المستقبل، دروس تمكّن الأفراد الممتازين من تحسين مستواهم حتّى لا يحرموا من فرص تحسين وضعهم الاجتماعيّ."
تكوين معلّمي المرحلة الأولى
"لقد انطلقت اللجنة من الاعتبارات التالية:
-       يتعيّن في الحاضر إدراجُ تعليم الفرنسيّة والرياضيات الحديثة بداية من السّنة الأولى من التعليم. ومن جهة أخرى، فقد لوحظ أنّ انعزال المعلّمين بالأرياف كثيرا ما ينجرّ عنه تضاؤل معلوماتهم، ويحول دون رغبتهم في التثقف، فتضعف معارفهم بدون أن تتجدّد، الأمر الذي يؤدّي إلى تحجّر التعليم تحجّرا خطيرا.
وأنّ الخصال المطلوبة من كلّ معلّم هي أن يكون قادرا على:
§       التفكير بنفسه
§       والبحث عمّا يحتاج إليه من معلومات
§       والملاحظة
§       وتبادل الرأي مع غيره
§       والتعبير.
ولبلوغ هذه الأهداف يتعيّن:
عاجلا:
-       إعداد كلّ الوسائل اللازمة للتعليم وطبعها ونشرها بين المعلّمين،
-       وفيما يخصّ الفرنسيّة، يجب الاتّجاه نحو تعليمها بطريقة علميّة، وذلك باعتماد طريقة السيّد أوبيكل ونشرها،
-       تكليف أشخاص بالقيام بهذا العمل ونشره على أن يتفرّغوا لذلك،
-       تنظيم تربّصات إخباريّة للمعلّمين خلال عطلة الربيع تدوم يومين،
-       إعداد العدّة لتنظيم دروس تطبيقيّة أسبوعيّة طوال ثلث السّنة الأخير،
-       تنظيم فترة التربًّ وتطبيق هذه الطرق بالأقسام أثناء العطلة الصيفيّة.
وآجلا:
يتعيّن وضع حدّ لانعزال المعلّمين في الأرياف، وذلك:
-       بنشر الدروس بالمراسلة مشفوعة بدروس عن طريق الإذاعة والتلفزة،
-       مدّ المعلّمين بكتيّبات تحتوي كافة التوجيهات البيداغوجيّة مفصّلة، إلى جانب البرامج،
-       إعادة النظر في نظام الامتحانات بمدارس الترشيح،
-       التفكير في إقامة نظام دوريّ للنقل يشمل كلّ المعلّمين حتّى لا يبقى بعضهم مباشرا دوما في المراكز النائية وحتّى تتوفّر للجميع إمكانية الارتقاء والتحصيل على مركز أفضل.
والغاية إذن، هي:
بالنّسبة إلى الحاضر: وضع نظام تعليميّ مضبوط القواعد يضمن تلاقي جوانب الضعف التي قد توجد لدى المعلّمين.
وبالنّسبة إلى المستقبل: العمل بمزيد من التحرّي في انتداب المعلّمين حتّى نضمن وجود مستوى طيّب.
تقديم وتعليق الهادي بوحوش ومنجي عكروت ، متفقدان عامان للتربية
تونس، 2016
للاطلاع على النسخة الفرنسية اضغط هنا
Pour accéder à la version FR, cliquer ICI



[1] . انظر أحمد بن صالح، في شؤون التربية والتعليم، جويلية أوت 1968، كتابة الدولة للشؤون الثقافيّة والأخبار، ص 48.
[2] . أفادنا الأستاذ محمّد الهادي خليل المدير الجهويّ للتعليم، آنذاك، بولاية نابل أنّ الجهات نظّمت اجتماعات وأعدّت تقارير رفعتها إلى الوزارة. ولم يتسنَّ لنا بعدُ الاطلاعُ على هذه التقارير، ما عَدا تقريرَ الإدارة الجهويّة للتعليم بصفاقس. فشكرا للأستاذ أحمد الزغل على إمدادنا بهذا التقرير.
[3] . هو الأستاذ توفيق بن عرفة.
[4] . مديرو معاهد: 3، متفقدون: 4، أساتذة: 3، مرشدون تربويّون: 7.
[5] . يفضّل الوزير أحمد بن صالح عبارة المرحلة الأولى على عبارة التعليم الابتدائيّ.
[6] . هي فضاءات يُراد بها أن تقتبل التلامذة الذين لم يتسنّ لهم مواصلة الدراسة بصفة طبيعيّة سواء بالمرحلة الابتدائيّة أو بالمرحلة الثانويّة.
[7] . هو توجّه تجديديّ اقترحته اللجنة القوميّة للتعليم سنة 1967 لتلافي التنافر القائم بين التعليم الإعداديّ المُعدّ للمتقدّمين في السّنّ، ما بين 14 و16 سنة، والتعليم الثانويّ الذي يُوجَّه إليه الناجحون في المناظرة وسنّهم 12 سنة.
[8] . رسَم الوزير أحمد بن صالح في اجتماعه بالمديرين الجهويين للتعليم يوم 14 أوت 1968 الملامح الكبرى للإصلاح، انظر: في شؤون التربية والتعليم، ص 76 وما بعدها.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire