dimanche 1 décembre 2019

مهمة المدرسة العمومية التونسية بين التعليم الجماهيري أو إعداد النخبة وتكوينها




هادي بوحوش
تقدم المدونة البيداغوجية هذا الأسبوع نص مداخلة حول وظيفة المدرسة التونسية  ومهمتها وتطورها عبر العصور بداية من المدرسة الحربية بباردو والصادقية إلى مدرسة  اليوم وكيف تطورت بين تكوين النخبة في البداية  ودمقرطة التعليم  ومدى نجاحها في التوفيق بين الوظيفتين.
وقد قدمت المداخلة  في شهر أفريل 2017 أمام مجموعة من طلبة المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المؤسسات المشاركين في مسابقة "مدينتي في أفق 2040".


لماذا تم إنشاء المدرسة؟ هل هو لتوفير التعليم للجميع أم لتكوين نخبة ، هذا السؤال هو سؤال حديث نسبيا بدأ يطرح على المدرسة بداية من القرن العشرين ، لأنّ هذا السؤال لم يكن مطروحا في الأزمنة الأولى ، لأن المدرسة جُعلت في البداية لتكوين النخبة و في هذا الإطار أُحدثت المدرسة الحربية في تونس في القرن التاسع عشر ثمّ المدرسة الصادقيّة . ولكن اليوم هناك نقاش وجدل ، ولكن ليس حول ما إذا كانت مهمة المدرسة هي توفير التعليم للجميع أو تخصيص جهودها لتكوين النخبة ، إنما موضوع الجدل هو التالي : هل بإمكان المدرسة  أن تؤمن كلا الوظيفتين في وقت واحد بنفس الحظوظ وبنفس القدر من النجاح؟

سأحاول - اليوم أن أحدثكم عن تاريخ مدرستنا أو تاريخ نظامنا التعليمي ، في علاقة بالسؤال الذي كنا بصدد طرحه.

لكن في البداية ، أعتقد أنه من الضروري استعراض واقع مسألة تكوين النخب ، ولتبسيط الأمر  ، يمكن القول أننا أمام  مقاربتين أو نظريتين:
1) المقاربة الأولي هو المقاربة المالتوسية نسبة إلى نظرية مالتوس Malthus) )  التي تعتمد على انتقاء مجموعة صغيرة وفقًا لمعايير صارمة ثم تركز عليها وتقوم ببذل  جميع الجهود لتجعل منها النخبة التي تحتاجها البلاد  ، وفقًا لأنصارها تتميز هذه المقاربة بالنجاعة  و بكلفتها المحدودة.
2) المقاربة الثانية هي المقاربة القائمة على المساواة التي تريد منح فرصة التألق  لأكبر عدد من الطلاب دون اقصاء ، إن أنصار هذه لمقاربة يدافعون عنها لأسباب أيديولوجية ، ولكن أيضا لأنهم يرون   بأن فرص تكوين النخب تزداد وترتفع  بارتفاع عدد الطلبة الذين يواصلون دراستهم إلى أقصى الحدود ، لذلك فإنهم يرون أن من مصلحة  أي نظام تعليمي أن يعتمد مبدأ تعميم التمدرس ومنح الفرصة لأكبر عدد لمواصلة الدراسة إلى أقصاها.
ولمن يريد أن يتعمق في هذا الموضوع أحيله على مقال جيّد عنوانه: "هل يجب علينا الانتقاء أو تكوين النخب المدرسية ، دراسة مقارنة دولية للسياسات التعليمية" صدرت بالمجلة الدولية للتربية بسافر، عدد 33 (سبتمبر 2005) [1].
بعد هذا القوس المختصر ، دعنا نرى كيف تعامل نظامنا التعليمي مع هذه المسألة  عبر فترات مختلفة من تاريخ التعليم بالبلاد التونسية . في الواقع يمكن أن  نميز بين 3 فترات:
1) فترة ما قبل الاستعمار 1837 - 1881: التي تميزت بتعليم نخبوي وبالغياب التام لفكرة تعميم التعليم على كافة الأطفال.
2) الفترة الاستعمارية 1881-1956 التي تميزت بغياب الاثنين فلا تعليم نخبوي ولا تعميم التعليم.
3) فترة الاستقلال التي تميزت بسياسة تعليمية تهدف إلى القيام  بالوظيفتين في نفس الوقت (تعليم جميع الأطفال وتكوين النخبة)
سنتوسع الآن  في كل هذا مع التركيز بشكل خاص على الفترة الثالثة.
الفترة الأولى: قبل انتصاب الحماية الفرنسية 1837 - 1881
خلال هذه الفترة ، كانت خيارات بايات تونس واضحة ،وكان الهدف الرئيسي  للإصلاحات الأولى في التعليم هو تكوين نخبة ، قادرة على قيادة البلاد وتحقيق تنميتها ، ولهذا السبب تم إنشاء أولى مدرستين تونسيتين حديثتين في القرن التاسع عشر ، وهما:
- المدرسة الحربية أو مدرسة الفنون التطبيقية بباردو التي أسسها أحمد باي [2] عام 1837 الذي حكم البلاد بين 1837 و 1855 ، كانت مهمة هذه المدرسة "تكوين ضباط الجيش وكبار الموظفين الذين كانت البلاد في حاجة إليهم  وفقا التدريب العصري "[3] .
كانت المدرسة انتقائية إذ كانت تنتدب طلابها من دائرة صغيرة للغاية ، هي دائرة  الطبقة الحاكمة ومن حاشية الباي (أمراء ، أبناء المماليك ، وأبناء العائلات التونسية الكبيرة المقربة من القصر). وقد زودت هذه المدرسة الدولة بنخبة ستدير البلاد مثل الوزير خير الدين والجنرال رستم و والجنرال حسين .
- المدرسة  الصاديقية التي أسسها خير الدين باشا  في جانفي  1875 وقد تسمىت - على  اسم باي في ذلك الوقت وهو"محمد الصادق باي". كانت المدرسة  الصادقية أقل انتقائية من مدرسة باردو العسكرية ، إذ كانت هذه المدرسة المدنية العصرية الأولى  في التاريخ  التونسي مفتوحة للشباب من أصول اجتماعية متنوعة ومن جميع مناطق البلاد ، وكان عدد الطلاب مؤلف من 150 تلميذا  منهم50 مقيمين و 100 نصف مقيمين  ، على نفقة الحكومة« ... بين 1875 و 1880 تخرج  120 طالبًا ،تقلد من بينهم  20 مناصب عليا في الدولة  ... في 1879 تم قبول  عشرين صادقيا  بمعهد سان لويس  الشهير في باريس بالأقسام  التحضيرية  التي تُعدّ الطلبة للمدارس العليا الفرنسية»[4].

الفترة الثانية: الفترة الاستعمارية الفرنسية 1881 - 1956
بالنسبة لهذه الفترة ، كانت المسألة بسيطًة ، فلم يكن مطروحا لا مسألة تعميم للتعليم ونشره في صفوف الأطفال التونسيين ولا تكوين نخبة تونسية قد تُهدد وجود الاستعمار ذاته ، فبالنسبة إلى ممثل المستوطنين في تونس فيكتور دي كاريار (Victor De Carnières )  التعليم الذي ينبغي للسلطة الاستعمارية توفيره للأطفال المسلمين ، هو تعليم يستبعد أي اختلاط بين الأطفال الفرنسيين وأطفال الأهالي  وتعليم  يركز على تدريب العامل للمزارعين الفرنسيين ، والكاتب الصغير (الكاتب والمترجم) وبعض المعلمين.
استنكر الوطنييون التونسيون هذه السياسة و جعلوا - منذ البداية - مسألة تعميم التعليم الابتدائي العصري وتشجيع الشباب التونسي على متابعة التعليم الثانوي والتعليم التقني  على رأس مطالبهم ، حتى قبل المطالب السياسية.
*   الفترة الثالثة: عصر تونس المستقلة
على عكس الفترتين السابقتين ، اتخذت السياسة التعليمية لتونس المستقلة خيارًا لتحقيق الهدفين في وقت واحد: تعميم التعليم وتكوين النخبة.
واليوم ، الواقع خير شاهدا   لقد تمكنت البلاد تونسية - لا أحد يستطيع إنكار الأمر  - من كسب الرهانين:
-       الرهان الأول: ضمان التعليم للجميع.
-       والرهان الثاني: أن يكون لديها نخبة محترمة جدا؛
فبالنسبة إلى  تعميم التعليم ،أقر قانون التعليم لعام 1958:
- حق جميع الأطفال في سن السادسة في  الالتحاق بمقعد الدراسة ،
-       - إجبارية  التعليم  بين 6 و 12 سنة،
-       - التعليم المجاني في جميع مراحل التعليم.
إن الحصيلة  معبرة ، أصبح تعميم التعليم الذي كان أحد مطالب الحركة الوطنية في عهد الحماية أحد أهداف إصلاح  1958 ، وقد وجد القادة الجدد خلال السنوات الأولى أنفسهم أمام خيارين: إما تلبية انتظارات  المواطنين ورغباتهم واتخاذ التدابير اللازمة لضمان التعليم لجميع الأطفال في سن المدرسة ، أو تأجيل الأمر والانتظار - خاصة وأن الاحتياجات كانت ضخمة  وكانت الوسائل محدودة (هيئة التدريس المؤهلة و البناءات).
في النهاية ، كان الاختيار هو تلبية انتظارات السكان ، والإسراع في إيواء أكبر عدد من الأطفال ، على الرغم من تواضع الوسائل المتاحة في ذلك الوقت.
بعد مرور ثلاث سنوات من انطلاق الخطة العشرية الأولى لتطوير التعليم (1959-60/ 1968-1969)؛ تمكنت البلاد من تسجيل حوالي 60 ٪ من الأطفال في سن المدرسة (57.18 ٪ في العام الدراسي 1961-1962).
خلال العام الدراسي 2015-2016 ، اقترب معدلات التمدرس من 100٪ للأطفال بين سن 6 إلى 16 عامًا ( انظر الجدول أسفله)
نسبة التمدرس
الفئة العمرية
99.5%
6-11
99.1%
6-16
81.2%
12-18

هذا بالنسبة إلى الوظيفة الأولى ، ولكن ماذا عن الوظيفة الثانية؟ أي وظيفة تكوين النخبة ، لقد سمحت المنظومة التعليمية التونسية بظهور نخبة في جميع مجالات المعرفة والتقنية  تحسدنا عنها العديد من البلدان.
هذه هي الخطوط الرئيسية للسياسة التعليمية في تونس منذ الاستقلال ، وأود - إذا سمحتم لي  بذلك - أن أتوسع بعض الشيء  في تحليل هذا الجانب ، لأنه إذا بقيت الخيارات الكبيرة على حالها منذ عام 1958 حتى في الوقت الحاضر ، فقد تغيرت السياسات التعليمية في الجزئيات  فيما يخص موضوع اهتمامنا اليوم.
وفي هذا المجال  ، يمكننا ( بكثير من التبسيط)  التمييز بين مرحلتين رئيسيتين: مرحلة  الأولى من 1958 إلى 1991: تعميم مع توجيه للأدفاق ووضع عدة مصافي (أو العقبات) والعديد من المسالك التي لا تفتح آفاق ومرحلة ثانية منذ عام 1991 تميزت بتدعيم التعميم  وإلغاء جل المصافي أو العقبات.
المرحلة الأولى من 1958 إلى 1991: تعميم التعليم ولكن توجيه الأدفاق بواسطة وضع مصافي  (أقفال) والعديد من المسالك دون آفاق.
إن النظام الذي تم تصميمه لإنجاز الوظيفة  الأولى مع العمل على تحقيق  الوظيفة الثانية بنجاح ، كان يشتغل على النحو التالي:
عند نقطة البداية: يتم استقبال جميع الأطفال الذين هم في سن الدراسة بالمدارس الابتدائية ، ولكن الطريق الذي يجب عليهم سلوكه وعر و مليء بالمزالق والعقبات والمصافي (كل مصفاة منها  تقصي نسبة من التلاميذ وتمنعهم من مواصلة مسيرتهم التعليمية. ففي نهاية المرحلة الابتدائية  ، يجد التلميذ نفسه أمام  مصفاتين أو حاجزين اثنين  :
-       المصفاة الأولي هي مناظرة الدخول  للسنة الأولى من التعليم الثانوي والإعدادي ، وقد حدث أن  تركت هذه العقبة  الأولى على  جانب الطريق ما يقارب  70 ٪ من التلاميذ وحتى أكثر من ذلك البعض منهم يكرر السنة ليتقدم من جديد للمناظرة  والبعض الآخر يغادر  المدرسة وينقطع عن التعليم.
-       المصفاة الثانية:  التلميذ المحظوظ  الذي يتمكن  من الفوز  في المناظرة  يجد نفسه أمام مصفاة ثانية  تنتظره ، وهي مصفاة التوجيه الأول ، حيث يتم فرز الأطفال - ولكن ليس وفق نتائجهم في المناظرة  ولكن وفق سنهم ، فيتم توجيه الأكبر سنا ( ما فوق 14 سنة)  نحو المسار القصير المسمى  التعليم المتوسط ​​( الإعدادي ) ثم سمي بالتعليم المهني ( كانت نسبة هؤلاء تقارب ثلث الناجحين )  وكانت الدراسة في هذا المسلك تدوم  3 سنوات تتوج  بروفي التعليم الإعداديّ أو مؤهّل التعليم الإعداديّ  العام أو التجارية أو الصناعي و يوجه الأصغر سنا ( دون 14 سنة)  إلى التعليم الثانوي الذي كان يدوم  6 سنوات في بداية الاستقلال ثم 7 سنوات منذ 1968.
في مرحلة التعليم الثانوي تواجه التلميذ مصاف جديدة تقوم بمهام انتقاء جديدة وهي :
­         المصفاة الثالثة التي توجد في نهاية السنة الأولى من التعليم الثانوي (الجذع المشترك) ، وتتمثل هذه المصفاة في التوجيه الثاني في حياة التلميذ  الذي يتم هذه المرة  وفقًا نتائجه ورغباته ويجد التلميذ نفسه أمام ثلاثة مسالك:
                         - مسلك الثانوي العام المؤدي إلى شهادة البكالوريا ، ومن ثم إلى التعليم العالي ، والذي تستقطب غالبية التلاميذ (70٪) وهو مسلك النخبة.
                          - المسلك الاقتصادي  الذي كان  يستقطب قرابة 17 ٪ من التلاميذ المرتقين إلى السنة الثانية . وتتوج الدراسة في هذا المسلك بشهادة الدّراسات التّجاريّة التي لا تمكن من الالتحاق بالعليم العالي.
                          -  المسلك الفني أو الصناعي. الذي كان يستوعب قرابة (13٪) وتتوج الدراسة في هذا المسلك بمؤهل التعليم الصّناعيّ الذي لا يمكن هو أيضا من الالتحاق بالتعليم العالي.
­         المصفاة  الرابعة هي امتحان البكالوريا الذي حدث أن ترك في بعض الدورات 70٪ من المترشحين على الهامش.
 إذاً هذه هي المصافي المختلفة ومختلف المسالك التي تؤدي في النهاية إلى وصول فئة قليلة من التلاميذ الذين دخلوا إلى المدرسة الابتدائية إلى الطريق المؤدية إلى النخبة.
قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية ، تجدر الإشارة إلى أن الصورة  التي قدمتها منذ حين  قد شهدت بعض التعديلات خلال الثمانينيات ، سأذكر اثنين منها:
-       كان الأول هو تخفيف بسيط للقفل الذي كانت تمثله شهادة الدّراسات التّجاريّة و مؤهل التعليم الصّناعيّ لتمكين المتفوقين من الالتحاق بالتعليم العالي  ، وذلك  بعد إنشاء قسم السابعة الخاصة.
-       أما الثاني فهو إحداث المعاهد النموذجية ، حيث انطلقت التجربة في بداية العام الدراسي 1983-1984 ، بمعهدين ، - معهد بورقيبة النموذجي - الذي استقر ببناية معهد كارنو سابقا ، ويعتمد هذا المعهد  اللغة الفرنسية لتدريس جميع المواد العلمية والتقنية ، ومعهد أريانة النموذجي الذي   يعتمد اللغة الإنجليزية في تدريس المواد العلمية والتقنية.
مرحلة  ثانية إصلاح 1991 وإصلاح 2002: الحفاظ على مسار ديمقراطية التعليم  وفتح الأقفال وحذف المصافي
مع الإصلاح الثاني لعام 1991 ثم إصلاح عام 2002 ، شهدت المنظومة التربوية ثلاثة إجراءات  رئيسية تسير في اتجاه إضفاء مزيد  الديمقراطية على التعليم.
-       الإجراء  الأول هو تمديد مدة إجبارية بالتعليم إلى سن 16 بدلا من 12 سنة الذي حدده  قانون 1958.
-       الإجراء الثاني هو إرساء التعليم الأساسي مدته 9 سنوات بهذا الإجراء انتزع القفلان (المصفاتان) الأولان: مناظرة الدخول للسنة الأولى من التعليم الثانوي و التوجيه الأول  للمسلك المهني الذي لم يعد موجودا .
وكانت النتيجة المباشرة لهذين الإجراءين تدفق أعداد غفيرة نحو التعليم الثانوي ففي السنة الدراسية 2014/2015 انتقل 98.95÷ من تلاميذ السنوات السادسة إلى السنة السابعة من التعليم الأساسي.( لقد رأينا أن هذه النسبة تتراوح بين 20 و45÷ قبل الإجراءين المذكورين).
-       الإجراء  الثالث هو توحيد التعليم الثانوي والتخلي عن التعليم الثانوي القصير (التجاري والصناعي) ، بهذا الإجراء الأخير جميع التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم الثانوي  يعدون نظريا الباكالوريا. (لكن لن يصل الجميع إلى تلك المحطة بسبب الانقطاع أثناء الطريق)
بالتوازي مع هذه التدابير الهادفة إلى دمقرطة التعليم وتوحيد المسار للجميع ، أحدث إصلاح 1991 قفلًا في نهاية التعليم الأساسي (السنة التاسعة) ، وهو قفل أراده  إصلاح 91 قويًا وانتقائيًا فقد  بنى تقديراته على نسبة نجاح بين 30 و 40٪ ، نأخذ كدليل على هذا التوجه  قرار عدم اعتماد الإسعاف بالنجاح  في هذا الامتحان  (وهي الحالة فريدة في تاريخ الامتحانات في تونس).
 لكن هذا القفل لم يدم طويلا ، وغياب الحلول الفعالة لأولئك الذين تركوا في نهاية السنة التاسعة  ورحيل الفريق الذي صمم الإصلاح ، وتداخل السياسي و التعليم ، ساهمت جميعها في حذف هذا  القفل.
فقد أجهز إصلاح 2002 على هذا القفل الأخير ، ليصبح شهادة ختم التعليم الأساسي امتحانا اختياريا ويتم الالتحاق بالمرحلة الثانوية على نتائج التقييم الداخلي الذي يتولاه أساتذة الفصل ، فارتفعت نسب ارتقاء للسنة الأولى من التعليم الثانوي ، ففي السنة الدراسية  2014-2015 بلغت  نسبة الارتقاء حوالي 90 ٪ (87 ٪).
إذن كيف ، كانت المنظومة  قادرًة على تمهيد الطريق لتكوين النخب منذ أن تم التخلي عن كل المصافي ؟ لقد عوضت المصافي  بآليتين في وقت واحد:
- آلية المعاهد النموذجية التي زاد عددها (هناك معهد في كل ولاية ، في السنة 2015 /2016: كانت هذه المعاهد تعد 10130 طالبًا من إجمالي 424051 مسجلين في التعليم  الثانوي  و ما يمثل حوالي 2 .4٪ .  وفي نهاية السنة الدراسية  2017-2018 سيتنافس تلاميذ السنة التاسعة من التعليم الأساسي على 3175 مكانًا في 23 معهد نموذجي في جميع أنحاء البلاد) ، ومنذ عام 2008 تم تعزيز شبكة المؤسسات النموذجية بمدارس اعدادية نموذجية  ، ويتم الالتحاق بها عن طريق المناظرة في نهاية السنة السادسة.
- والآلية الثانية هي آلية التوجيه المدرسي والتوجيه الجامعي اللذين  يقومان بعملية الانتقاء  وتنظيم الأدفاق  وترتيب الشعب والبكالوريات ترتيبا تفاضليا  ، فتستبعد بعض البكالوريات من المسارات التي تفضي إلى النخبة.
إن هاتين الآليتين (المؤسسات النموذجية والتوجيه) هي موضوع انتقادات عديدة من جميع الأطراف ، ولكن هذا موضوع آخر يستحق الدرس .
إذن هذا فيما يتعلق بالإصلاحين الثاني والثالث ، ولا يمكنني أن أنهي كلامي  دون أن أقول بضع الشيء حول الإصلاح المستقبلي المحتمل ، و حول ما جاء في الكتاب الأبيض لعام 2016 و في مسودة القانون الجديد التعليم ، بدا لي أننا نتجه نحو إلى إرساء وضع يذكرنا  بوضع  ما قبل إصلاح 1991 مع عودة المصافي.  ،إنني أتساءل  هل هذا هو حقا الحل لتكوين النخب؟ أنا شخصياً أشك في ذلك ، لأنه كما تقول ناتالي مونس  (Nathalie Mons)أستاذة علوم تربية بجامعة بيير مانداس فرانس في غرونوبل وخبيرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لبرنامج التقييم الدولي بيزا " لا يتم إنتاج النخبة المدرسية من خلال التضحية بالتلاميذ الذين يعانون من صعوبات. على العكس من ذلك ، يبدو أن التميز يتطور في سياق يتمتع فيه غالبية الطلاب بمستوى تعليمي مدعم ... "
بهذا الاستشهاد ، أختتم هذا التدخل ، شكراً لكم على الاهتمام.

إعداد منجي عكروت متفقد عام للتربية متقاعد ومراجعة وتدقيق ابراهيم بن عتيق أستاذ متميز متقاعد.
تونس ، نوفمبر 2019


















[1] Nathalie Mons, « Doit-on sélectionner ou former les élites scolaires », Revue internationale d’éducation de Sèvres. En ligne 33 I septembre 2005, mis en ligne le 17 novembre 2011, consulté le 8 avril 2017, URL : http://ries.revues:org/1299.
[2] « Ahmad Bey … a toujours manifesté une grande admiration à Napoléon Bonaparte, et dont l’histoire et la vie, traduite à sa demande constituait, ainsi que les Prolégomènes de Ibn Khaldûn, les livres de chevet » B.Diyâf, Tunis, 1963, IV, pp 179. Cité par Tlili, opt cité, p504.
[3]  Voir B.Tlili . Opt cité p 447
[4] Tlili .opt cité. p 612

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire