lundi 21 octobre 2019

معايير بناء المناهج الدراسية بتونس - الجزء الثالث-



هادي بوحوش
تنشر المدونة البيداغوجية الجزء الثالث والأخير من نص مداخلة السيد إبراهيم بن صالح متفقد عام للتربية التي قدّمها سنة 2006 بالشارقة ( الإمارات العربية المتحدة)  في ندوة  نظمتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم[1] و المنظمة  الألكسو والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو[2]  وقد شارك الأستاذ بن صالح في الندوة كممثل  لوزارة التربية ونظرا للقيمة التاريخية  لهذه المداخلة  أردنا أن نقدمها لقراء المدونة . فشكرا للسيد إبراهيم بن صالح على السماح لنا بذلك وعلى مساهماته في إثراء المدونة. 




أقسام العمل
باب نظري : مقدمة ـــ  مهام لجنة برنامج البرامج ـــ مهام لجان مجالات التعلم ـــ  مهام لجان البرامج المختصة
باب فني إجرائي :  مقدمة في مفهوم البرنامج ـــ تقنيات بناء البرامج ـــ  تمشيات التصديق على البرامج ـــ من العوامل المتدخلة في بناء البرامج ـــ الموارد المادية والبيداغوجية ـــ  أنواع التقييم وأشكاله ـــ  التوجيه المدرسي ـــ  أصناف التعلمات : الأساسية والاختيارية
ملاحق.) غير مدرجة بهذا التقرير)

المرحلة الثانية
تقدم هذه البرامج على أنها مشاريع إلى المدرسين وإلى النقابات الممثلة لهم للتصديق عليها بعد دراستها دراسة مستفيضة.
المرحلة الثالثة
عقد اجتماعات بين لجان البرامج وممثلي المدرسين لتدارس التعديلات المقترحة أو توضيح ما كان ملتبسا في البرامج.
المرحلة الرابعة
صياغة البرامج صياغة نهائية من قبل لجنة مضيقة بعد عقد استشارات مهمة مع أهل الاختصاص من أساتذة التعليم العالي فهم السلطة العلمية التي نطمئن إليها.
الطرائق والتمشيات
من بين ما أوصت به لجنة برنامج البرامج لجان برامج المواد المختلفة فضلا عن بناء المحتويات والقدرات المستهدفة ، أوصت بوضع توجيهات بيداغوجية وتصور تمشيات تعليمية تساعد المدرس على إبلاغ المحتويات المسطرة في البرنامج وقد تم هذا بصور مختلفة حسب مميزات كل اختصاص ومن بين هذه المبادئ والاعتبارات نذكر :
1- اقتراح وضعيات تعلم تأخذ بعين الاعتبار الأوساط المدرسية والعائلية والاجتماعية التي يعيش فيها التلميذ.
2 - جعل الطريقة التعليمية المختارة في صلة مباشرة مع أهداف البرنامج
3- استحضار القدرات المستوجبة بأنواعها( الشفوي/الكتابي/النفسي/ الحركي...)
4 - توخي الوضوح في التمشي المختار( تحديد ما سيقوم به المدرس أو ينقله إلى المتعلمين/تحديد ما سينجز في أفرقة عمل/ تحديد ما سينجزه المتعلم بمفرده).
5- نزوع الأنشطة المقترحة إلى ما يدعم روح الاستقلالية لدى المتعلم وإلى ما يحفزه إلى المبادرة ومشاركة الآخرين فتنمو لديه روح الخلق والابتكار.
6 - الحرص في الأنشطة المقترحة على ما ينمي الخيال لأنه مصدر خلق وإبداع.
7 - الحرص على تنويع الأنشطة لأن ذلك يعد من عوامل الدافعية المساعدة على متابعة التعلم ، وعلى التفاعل والتبادل بين التلاميذ أنفسهم من جهة وبين التلاميذ والمدرس من جهة ثانية.
8- سعي المدرس في اختياره أنشطة بعينها على أن تكون ذات معنى لدى المتعلم ومساعدة على بناء المعرفة.
 9- جعل الأنشطة والوضعيات التعليمية مثيرة لفضول المتعلم.
10- جعل حجم الأنشطة المقترحة متناسبة مع التوقيت المخصص للتعلم المقترح ومع ما للتلميذ من مكتسبات بالعدد الكافي.
11) مراعاة الإمكانيات المتاحة لإنجاز الأنشطة المقترحة.

الموارد المادية والبيداغوجية

أوصت لجنة برنامج البرامج اللجان المكلفة بصوغ  البرامج حسب الاختصاصات باستحضار الموارد المادية والبيداغوجية التي يحتاج إليها المدرس كي يتمكن من تنفيذ البرامج المسطرة لأنه من دون تصور أدوات العمل والوسائل التعليمية الضرورية والسندات البيداغوجية اللازمة يكون مستعصيا تنفيذ ما وقع إقراره من برامج أو تكون التأدية رديئة لا تحقق النتائج المرجوة. ومن بين التوصيات التي تقدمت بها لجنة برنامج البرامج وعملت بها لجان البرمجة وضمّنت بعضها في قسم التوجيهات في خطاطة كل برنامج وأوردت البعض الآخر ضمن الوثائق البيداغوجية والمنهجية والتي نسميها وثائق مرافقة للمدرس من بين هذه التوصيات نذكر:

1- توفير عنصر المواءمة بين أهداف البرنامج والأنشطة والوضعيات التعليمية المقترحة والوسائل التعليمية المنشود اعتمادها.
2- وضع تصور أولي لبناء الكتاب المدرسي الذي سيعتمد في تحقيق أهداف البرنامج.
3- استحضار حجم الوسائل التعليمية والبيداغوجية المتاحة حتى لا تكون المطامح متجاوزة بكثير ما هو متوفر وحتى يتجنب التفاوت بين الجهات والمدارس ، بعبارة أخرى ضرورة التأكد من أن الوسائل التعليمية متوفرة بالقدر الكافي أو يمكن توفيرها بحسب الحاجة.
4- التأكد من أن الوسائل التعليمية المقترحة قادرة على تجسيم محتويات البرنامج.
5- اقتراح وسائل تعليمية سهلة الاستعمال بعيدة عن التعقيد الذي يجعل استعمالها مستعصيا.
6- ضرورة تنويع الوسائل التعليمية ( السبورة/الآلة العاكسة/الأقراص المضغوطة/الحاسوب/الوسائل السمعية البصرية عموما...).

التكوين
بناء برنامج جديد يعني اقتراح محتويات جديدة وإدخال قيم مستحدثة واختيار توجه بيداغوجي جديد ومقاربة تعليمية متقدمة ، ومن هذا جميعه ما هو موجود في البرامج القديمة ويعمل به المدرسون ومندرج في تكوينهم الشخصي سواء التكوين الأساسي أو التكوين الصناعي ، وفيه ما هو غير معروف ويطرح على المدرس إبلاغه أو العمل به لأول مرة وفيه ما هو معروف لكن بمقاربة صارت قديمة وتحتاج إلى بعض التجديد أو التطوير
وتبعا لهذا دعيت لجنة البرامج في كل اختصاص ، وبعد فراغها من بناء البرامج  الخاصة بمختلف المستويات المكلفة بها ، إلى اقتراح برنامج تكويني للمدرسين يكون فيه ما يخص تكوينهم الأساسي أي المعرفي معرفة عالمة وفيه ما يخص تكوينهم الصناعي على أن يتولى بعد هذه المرحلة المتفقدون في كل اختصاص وضع هذه البرامج حيز الواقع وذلك بـــ:
*تنظيم دروس تجمع بين النظري والتطبيقي
* تنظيم دروس مثال أو شاهدة هي عبارة عن عينات تطبيقية تجري في الأقسام وتقيّم من بعد من قبل المستفيدين
* تنظيم ورشات عمل تنجز فيها أعمال جماعية كبناء مذكرات دروس أو تصور وضعيات تعليمية أو تجريب بعض المقاربات البيداغوجية
- ضبط قائمات بالمكونين والمنشطين
- ضبط رزنامة لتكوين الأساتذة حسب الحاجيات وحسب التوقيتات المناسبة
- تنسيق المتفقدين فيما بينهم لتوزيع المكونين والمنشطين على الجهات
- تنظيم دورات تكوينية صيفية جهوية ووطنية لتكوين المدرسين في مفردات البرامج الجديدة قبل افتتاح السنة الدراسية
- تنظيم إرساليات إلى الخارج للاطلاع والتكوين في بعض الأبواب المعرفية والصناعية المتصلة بالبرامج المبنية حديثا.
- استدعاء مكونين من الخارج لتكوين المكونين التونسيين في أبواب تساعد على إنجاز البرامج الجديدة.
- توثيق حلقات التكوين واستثمار الوثائق المنتجة سواء كانت ورقية أو سمعية بصرية في تكوين أفواج أخرى من المدرسين.
التقويم
المعروف أن التقويم في المجال التربوي هو عملية منهجية يتوخاها المقوّم لمعرفة قيمة أي عمل كمّا وكيفا في ضوء أهداف وقع رسمها مسبقا وتكون متصلة ببرنامج تربوي مسطر.
لذلك يعتبر التقويم أساسا من أسس اختبار كل برنامج جديد فبواسطته تتحدد أسباب نجاعته أو قلة جدواه وبفضله يكون التدارك والعلاج.
وقد اهتمت المنظومة التربوية التونسية بالتقويم  اهتماما بالغا منذ قانون 1958 وحتى اليوم ، وأدخلت على المنظومة الخاصة به عدة تجديدات بحسب تطور المقاربات التعليمية ، ومن أنواع التقويم التي نعمل بها اليوم في المنظومة الجديدة نذكر التقويم التشخيصي والتقويم التكويني والتقويم التكوني والتقويم الجزائي.
التقويم اللتشخيصي diagnostique  L'évaluation
هو  تقويم يهدف إلى تشخيص مكتسبات المتعلمين قصد الوقوف على نقائصهم وتحديد حاجياتهم من أجل تصور تعلمات ناجعة يتداركون بها هذه النقائص وإدخال التعديلات الضرورية على البرامج الجديدة المزمع تنفيذها في ضوء نتائج هذا التشخيص، فقيمة التقويم التشخيصي تكمن في حسن التصرف في الزمن المتاح لإنجاز التعلمات مع تلاميذ بينهم فوارق قد تكون شاسعة ويحتاج معهم المدرس إلى ممارسة بيداغوجيا فارقية بنجاح وخاصة بعد سن قانون إجبارية التعليم وما ترتب عليه من تنوع في الجمهور التلمذي.
وعادة ما ينجز هذا اللون من التقويم في بداية السنة الدراسية أو في بداية مرحلة تعليمية محددة ويعتمد في إنجازه تمارين قصيرة متنوعة تنوع فروع المادة من جهة وتنوع القدرات المستهدفة من جهة ثانية وقد اخترنا في تونس أن تكون مدرجة في أول الكتاب المدرسي الذي سيعتمد في تدريس كل برنامج جديد.
التقويم التكوني formative    L'évaluation
هو تقويم يهدف إلى تمكين المدرسين من الوقوف على المستوى الحقيقي الذي وصل إليه التلاميذ إثر القيام بجملة من الدروس فليست الغاية منه إسناد أعداد أو ملاحظات وإنما غايته التأكد من تحقق أهداف الدرس وامتلاك التلاميذ القدرات التي استهدفت منه وذلك من أجل التقدم في بناء مفردات جديدة من البرنامج المسطر لذلك المستوى التعليمي.
وسندات مثل هذا التكوين عادة ما تكون تمارين متنوعة شفاهية أو كتابية يقع إعدادها أو الإجابة عنها في البيت ويختبر فيها التلميذ في القسم. فعمل التلميذ خارج القسم معدود عندنا من صلب التقويم التكويني ونعيره أهمية كبيرة جدا.
التقويم التكوّني formatrice    L'évaluation
هو تقويم يهدف إلى جعل المتعلم مسؤولا عن تعلماته بعد توضيح المهمة الني يدعى إلى إنجازها.هو تقويم يعود فيه المتعلم إلى مراجع قيس يقارن بواسطتها أعماله أكثر من عودته إلى معلّمه ، لذلك يكون المتعلم في هذا اللون من التقويم مدعوا إلى استحضار معارفه ووسائل العمل الضرورية ومراجع القيس الخاصة بذلك العمل معتمدا في كل ذلك على دافعية متميزة يقترحها المدرس بحنكة وحرفية عالية.
تعتمد المنظومة التونسية في التقويم هذا اللون من الإجراءات التقويمية أثناء بناء التعلمات وعند إصلاح الاختبارات ذات البعد الجزائي دعما لروح الاستقلالية في التعلم ودعما لمبدإ التعويل على الذات سواء في بناء التعلمات أو تقويم المكتسبات أو تدارك الأخطاء والنقائص.
إننا بهذا النوع من التقويم نكون قد دربنا المتعلم على طرائق الاهتداء إلى ما ينبغي أن يقوم به ليحقق لنفسه النجاح ونكون قد نبهناه إلى كيفية إدراك حدود إمكانياته وقدراته وإلى ما يستطيع الاحتفاظ به من الإيجابيات لاجتياز الامتحانات الموالية وما ينبغي اجتنابه فيها، ولهذا جميعه تقع توصية المدرسين بضرورة إعداد معايير التقويم بدقة والاتفاق عليها مسبقا مع المتعلمين.
التقويم الجزائي sommative  L'évaluation
هو تقويم إقصائي يهدف إلى تحديد قيمة منتوج التلاميذ تسند فيه أعداد أو ملاحظات قد تفضي إلى اتخاذ قرار.
وفي المنظومة التونسية نعتمد كثيرا التقويم الجزائي في تقويم أعمال التلاميذ من أجل قيس نسبة الهدر بين المدخلات والمخرجات، وهذه العملية تجري عندنا كل ثلاثة أشهر  ثلاث مرات في السنة يصدر في ضوء نتائجها قرار بارتقاء التلميذ إلى المستوى الموالي أو رسوبه.
ويعتمد في هذا اللون من التقويم الاختبارات الشفوية والاختبارات الكتابية والاختبارات التطبيقية وقد تكون الاختبارات قصيرة تنجز في نصف ساعة وقد تكون  طويلة تنجز في ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات أو أربع بحسب الاختصاصات المختلفة.
ومن الفروض التي تجرى على التلاميذ ماهو عادي ينجز في أواسط كل ثلاثي وضاربه واحد يختبر في التلميذ مكتسباته وقدراته في ما تمت دراسته إلى تاريخ الامتحان ومنها ما هو تأليفي ينجز في آخر كل ثلاثي في أسبوع مغلق تتوقف فيه الدروس وضاربه اثنان يختبر في التلميذ مكتسباته إلى نهاية الثلاثي. وسميت فروض نهاية الثلاثي تأليفية لأنها تشمل مفردات قسم كبير من البرنامج و تطلب من التلميذ الربط بين هذه المفردات ربطا إدماجيا وعادة ما تكون الاختبارات موحدة بين أساتذة المدرسة الواحدة أو المعهد الواحد في كل اختصاص وكل مستوى من المستويات التعليمية.
على أن الذي يقود عملية التقويم بأنواعها اختبار تربوي جوهري رفيع جدا هو أن الزاوية التي ينظر من خلالها إلى التقويم هي زاوية تكوينية أساسا ، فالوظيفة الأولى للتقويم هي إسناد عملية التعلم وتوجيه تدخلات المدرس ، إذ لا معنى للتقويم إلّا متى كان جزءا من عملية التعلّم.

ولعل هذه النظرة تنطبق أكثر على الأنواع الثلاثة الأولى من التقويم أكثر من انطباقها على النوع الرابع لأن هذا النوع يجمع عندنا بين التقويم الإقصائي والتقويم التكويني (إصلاح الاختبارات... )هذه الأنواع من التقويم هي التي تمارس في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي أي بالمدرسة الإعدادية وفي مرحلة التعليم الثانوي أي بالمعهد ـأما في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي أي بالمدرسة الابتدائية فالتقويم أمر آخر يختلف عمّا سبق ذكره فليس هناك مقام للتكوين ومقام للتقويم وإنّما هناك مقام واحد هو مقام التعلم الذي يستنفر فيه المتعلم نشاطه المعرفي فيستخدمه في ما يحتاج إليه ويحصل المدرس من خلال ذلك على مؤشرات دقيقة  ومهمة تسمح له بتقدير مدى تملك التلميذ للكفاية المستوجبة .(سيقع تعديل هذا الاختيار لاحقا ويصبح التقويم شبيها بما سبق ذكره آنفا والتخلّي عن المقاربة بالكفايات )  
إن هذا النوع من التقويم لا يتعلق بما اكتسبه التلميذ من المعارف أو ما لم يحصله منها وإنما يتعلق بمسار اكتساب المعرفة ذاتها لذلك يتخذ هذا النوع من التقويم أشكالا متنوعة لتعديل التعلمات، إنه التقويم المدمج في العمل اليومي للتلميذ ، التقويم الذي يتمثل أساسا في المتابعة واستخلاص عدد من المؤشرات (نوعية الأخطاء وتواترها...) تخبر عن مدي تقدم المتعلم في تملك الكفايات وتلهم المدرس أشكال التدخل والعلاج المناسبة.على هذا النحو يكون التقويم في خدمة التعليم والتعلم معا.
في التوجيه المدرسي

في المسار التعليمي للتلميذ ، توجد أوقات حاسمة، هي ساعات الحقيقة، فيها تؤخذ القرارات التي سترسم مسار التلميذ في الحياة وتحدد موقعه في المجتمع ، ليس له فيها تراجع أو تغيير.وكثيرا ما تؤخذ هذه القرارات ، بنصيب وافر من الحرية يتاح للتلميذ، وبكثير من المشورة تقع بين المدرسين والإطار الإداري والأولياء ومع ذلك لم يكن التوجيه في المنظومة السابقة ناجحا في التوفيق بين حاجيات المجتمع و أحلام التلميذ ومشاريعه، بل لعل المنطقين المتحكمين في عملية التوجيه كانا يتناقضان في كثير من الأحيان بسبب اتصاف الأول بصفة الحسابات الدقيقة واتصاف الثاني بما هو إنساني وافتراضي.

لقد شاء المشرعون في المنظومة التربوية الجديدة أن يؤخروا التوجيه إلى السنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي لكي يضفوا على عملية التوجيه الصبغة المدرسية بدلا من الصبغة الاجتماعية ، فالمعروف أن التوجيه القديم كان ينزع إلى تصنيف التلاميذ فئتين ، واحدة تواصل التعليم العام وثانية تؤهل للاندماج المبكر في المجتمع.
لقد اقتضى الاختيار الجديد أن تكون السنة الأولى من التعليم الثانوي قاعدة تكوين مشتركة  بين جميع التلاميذ يوجهون في نهايتها توجيها أوليا نحو مسلكين رئيسيين هما المسلك الأدبي والمسلك العلمي وذلك لكي تتاح للفاعلين التربويين فرصة أخرى يكتشفون فيها إمكانيات المتعلم وتتبلور أكثر فأكثر مؤهلاته وميوله في السنة الثانية كما اقتضى هذا الاختيار أن يتفرع المسلكان المذكوران في السنتين الثالثة والرابعة إلى شعب، واحدة تتمحض للأدب وتختص سبع أخر بالاهتمامات العلمية و التكنولوجية والتجارية والإعلامية وغيرها.
إن هذا التصور للمسالك والشعب ، مع ضمان الانتقال بينها أفقيا بحسب الحاجة وبحسب تطور مؤهلات المتعلم أو درجة نجاحه في هذا التوجيه أو ذاك من شأنه أن يضمن للجميع فرص نجاح أكثر في الباكالوريا وما بعدها من صنوف التعليم.
إن المرونة التي صار يتصف بها نظام التوجيه لكفيل بالتفاف العديد من التلاميذ من ذوي الإمكانيات المتوسطة أو الضعيفة لكي يتداركوا نقائصهم ويظفروا بما يحلمون أن يكونوا عليه في مستقبل حياتهم.أما التلميذ الجيد فكثيرا ما تكون اختياراته واضحة وهي اختيارات عادة ما تكون موفقة.
لقد بينت العديد من التقويمات أن فشل الطلبة في التعليم العالي يعود إلى سوء التوجيه وأن سوق الشغل لم تكن مهيأة لاقتبال أفواج الخرجين من التعليم العالي بسبب عدم توافق حاجياتها مع مؤهلات هؤلاء الخرجين فجاء هذا التصور الجديد من التوجيه ليقلص من نسبة الفشل في المستوى الدراسي من جهة وليرفع من قدرة سوق الشغل على استيعاب أصحاب الشهادات العليا.
إن التنوع في المسالك والشعب بهذا القدر لا شك يعكس حرص المشرعين على إتاحة فرص عديدة لكي يستوعب كل المتعلمين على اختلاف مؤهلاتهم ومواهبهم ومطامحهم
إن نظام التوجيه يعتبر واحدا من أهم معايير بناء البرامج الجديدة إذ لكل مسلك حاجياته ولكل شعبة مميزاتها التي تقتضي من لجان البرامج اختيار المحتويات المناسبة لكل اختصاص وطبيعة التعلمات التي تلائم المتعلمين فيه.
الخاتمة
إن الألفية الثالثة تبدو في الظاهر مجرد تحول في التاريخ الميلادي والحق أنها تمثل تغيرا نوعيا في حياة البشر. فالتقدم العلمي المتسارع والتطور الذي دخل على لوحة القيم والتضخم السكاني الاستثنائي كل ذلك أدى بنا إلى إعادة النظر في رسالة المدرسة وبرامجها وتمشياتها البيداغوجية فانكبت جميع البلدان ومن بينها تونس على مراجعة المحتويات التكوينية التي تنقل إلى الأجيال الجديدة والطرائق المتبعة في نقل هذه المحتويات بل دعيت المدرسة إلى تحديث نفسها وفق مقتضيات القرن الحادي والعشرين بمعايير المؤسسة الاقتصادية الجديدة التي تؤمن بالمرونة وتنأى عن البيروقراطية وتراهن على مبدأ اللامركزية وتعول على العمل الجماعي وعلى المشاريع وعلى بيداغوجيا الإدماج بين المعارف والانفتاح على المحيط والحرص على التجديد البيداغوجي باستمرار.
إن هذا التوجه التربوي الجديد الذي تبنته تونس وراهنت عليه عقدته بتنظيمات إدارية جديدة كمجلس المؤسسة والمجلس البيداغوجي وعلقته برقبة المدرس تريده مدرسا محترفا يعمل بروح جماعية لا يعزل نفسه في اختصاصه.
لقد آمنا في تونس بأن المدرسة مدعوة إلى تجاوز العالم المدرسي القديم لاقتبال مولود جديد هو مدرسة الغد لأن مدرسة الأمس في نظرنا ليس لها مستقبل.

خلاصة التقرير

هذا التقرير في المعايير المعرفية والبيداغوجية التي اعتمدت في تونس لبناء برامج جديدة في مختلف مراحل التعليم صدّرته بمقدمة بيّنت فيها مميزات كل واحد من القوانين التربوية التونسية الثلاثة التي وضعت في سنوات  1958و1991و2002 وبيّنت  أهم الدواعي التي دعت سلطة  الإشراف إلى تجديد القوانين التربوية واحدا بعد الآخر.
      
أما في متن التقرير فتعرضت بشيء من التفصيل في قسم أول إلى الدواعي التي دعت المشرعين إلى بناء برامج جديدة وفق القانون التربوي الصادر في 23 جويلية 2002 ومن أهم هذه الدواعي ما هو معرفي متصل بالمعلوماتية خاصة وما تستوجبه من مواكبة وماهو بيداغوجي وتعليمي متصل بالمقاربة البنائية التي أردناها مرجعا في بناء التعلمات المدرسية إذ هي أفضل من المقاربة السلوكية فاعتبرنا التلميذ محور العملية التربوية وطرفا رئيسيا مسؤولا عن بناء تعلماته دون أن نقلل من دور المدرس ، بل ذهبنا بهذا الطرف التربوي الفاعل إلى أن يكون محترفا الاحتراف الذي يسمح له بالمبادرة والاجتهاد والتعامل مع الصعوبات واستنباط الحلول الملائمة للأوضاع المستجدة وممارسة البيداغوجيا الفارقية الذي صار يقتضيها القسم بحكم عدم التجانس بين الجمهور التلمذي وتنوع حاجياته.
إن الأوضاع الدولية اليوم والسياسات الوطنية عموما صارت تطالب بملامح في المتعلم لم تكن تطالب بها من قبيل المرونة والتكيّف مع الأوضاع والتعويل على الذات في بناء الحياة واصطناع المشاريع والاستقلالية في التعلم وغيرها. إن هذه الكفايات في المنظومات التربوية الجديدة أضحت من الخصال الحيوية في بناء التعلمات وضمان التعلم مدى الحياة.
هذه هي أهم الحاجيات التي وقع تتبعها في القسم الأول من التقرير ووقع تحليلها بإيجاز لبيان المُسوّغات التي دعت إلى تجديد البرامج.
أما في القسم الثاني من التقرير فبينت فيه الطرائق العملية التي اتبعت في بناء البرامج وجملة الضوابط الفنية والبيداغوجية التي وجب علينا احترامها من أجل الخروج بمناهج تتصف بالثراء العلمي والمعرفي وبالنجاعة البيداغوجية والدقة التعليمية.
وأوردت في آخر التقرير بعض العوامل المؤثرة في بناء البرامج والتي ألزمنا نفوسنا الأخذ بها من بينها مسألة التقويم ومسألة التوجيه المدرسي.

وفي الخاتمة ركّزت على أنّ كلّ برنامج جديد يحتاج في تنفيذه إلى تنظيمات إدارية جديدة ومتحمّسة دونها تتعثر البرامج وتضعف جدواها.

إبراهيم بن صالح متفقد عام للتربية
الشارقة - الإمارات العربية المتحدة - 17/19 سبتمبر 2006 ( تنظيم الألكسو والإيسيسكو وبتكليف من السيّد عمران البخاري المدير العام للبرامج لتمثيل وزارة التربية في هذا الملتقى).





،











[1] ALECSO - Arab League Educational, Cultural and Scientific
[2] ISESCO Islamic Educational, Scientific and Cultural Organization

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire