dimanche 14 décembre 2014

المدرسة التأديبيّة: أولى مؤسّسات تكوين معلّمي اللغة العربيّة


تمهيد
بعد مُضيّ ما يُقارب العشرَ سنوات عن تأسيس المدرسة العلويّة، بغاية تخريج معلّمي اللغة الفرنسيّة الذين تحتاجُهم المدارسُ الفرنسيّة -العربيّة للتّعليم الابتدائيّ، أُحدثَتْ، سنة [1]1894، مؤسّسة لإعداد مدرّسي اللغة العربيّة، أُطلق عليها " المدرسةُ التأديبيّة"، وهي معروفة لدى العموم " بالمدرسة العُصْفوريّة"[2]. فما هي الدّوافعُ التي دعتْ السّلطة التعليميّة والإداريّة إلى بعث مؤسّسة جديدة، في حين أنّ المؤسّسة القائمة كانت قادرة على الاضطلاع بالمهمّة؟

أوّلا: إصلاح التعليم والحاجة إلى معلّمين مؤهّلين
1.إصلاح المدارس القرآنيّة والتعليم الزيتونيّ والحاجة إلى معلّمين مكوّنين تكوينا عصريّا
‌أ.    وضع الكتاتيب يكشف نقائصَ على مستوى تأهيل المؤدّبين.
طلبت حكومة الباي سنة 1875 (30 محرّم 1292) من قوّاد[3] المناطق تقريرا عن وضعية التّعليم بجهاتهم، تشخيصا للوضْع القائم، وتمهيدا لإدخال تطوير على التعليم بالجامع الأعظم، فتبيّن أنّ 14000 تلميذ فقط ينخرطون في الكتاتيب، بمعدّل يتراوح ما بين 20 و24 تلميذا في كلّ مدرسة قرآنيّة أو كُتّاب، مع نقص فادح في مناطق شمال البلاد وغربها، كما أفضى التشخيصُ إلى أنّ المؤدّبين القائمين بهذا التعليم لا يمتلكون المؤهّلات الضّروريّة لمهنة التدريس.
ومنذ جانفي 1876، اتّخذت الحكومة إجراءات أوّليّة تتمثّل في أنْ لا يتولّى التدريسَ بالكتاتيب إلاّ منْ كان" مُسجّلا"، أو منْ يُدلي بشهادة من الأهالي، أو من نقابة المؤدّبين تنُصّ على الرّضى به مؤدّبا للصّبيان. ولم تكنْ هذه الإجراءاتُ بكافية دائما لتأمين الكفاءة المطلوبة في المؤدّبين.
‌ب.    تنظيم الدّروس بجامع الزيتونة يُدرج موادّ جديدة.
في 19 جويلية 1875، أنهت لجنةُ خير الدّين التونسيّ المكلّفةُ بتنظيم الدّروس بالجامع الأعظم أعمالَها، ودخلت قراراتُها حيّزَ التطبيق منذ 26 ديسمبر 1875. وقد ترتّب على هذا الإصلاح:
-         هيكلة جديدة للتّعليم الزّيتونيّ ذات ثلاث مراحل تعليميّة، لكلّ منها برامجُها الخاصّة بها، هي الابتدائيّ والثانويّ والعالي،
-          وإرساء مراقبة إداريّة وبيداغوجيّة على الطلبة والمدرّسين،
-         وتصنيف العلوم في ثلاثة أنواع: العلوم الشّرعيّة، والعلوم الصّحيحة، والفنون، وتضمين البرامج موادّ دراسيّة جديدة إجباريّة، مثل الأدب والتاريخ والعروض والمنطق والحساب والهندسة والفلَك.
ومنذ ذلك الحين،" أصبحت الصّلةُ بين التعليم الابتدائيّ الإسلاميّ الذي تقوم به الكتاتيبُ القرآنيّة ومعلّمُوها المدعُوُّون بالمؤدّبين، وبين درجة التعليم الثانويّ الإسلاميّ الذي تقوم به دروسُ جامع الزيتونة وبعضُ الجوامع في بلدان الإيّالة التّونسيّة، صلةً غير مُحْكمة"[4].  ويتجلّى ذلك في تفاوت المستوى التحصيليّ للمُقْبلين على التّعليم بالجامع الأعظم، وضعف قدرتهم على متابعة برامج المرحلة الثانويّة المطوَّرة. يقول محمّد الطّاهر ابن عاشور: " وقد شَعُرتْ بهذا الخلل إدارةُ العلوم والمعارف فاهتمّتْ بإدخال نظام على الكتاتيب".[5] ومن الإجراءات التي أقرّها مديرُ المعارف، منذ تأسيس المدارس الفرنسيّة-العربيّة، حثُّ المؤدّبين بالكتاتيب على إرسال تلامذتهم، ساعتيْن يوميّا، إلى هذه المدارس لدراسة الموادّ غير المُدرَّسة بالكتاتيب، مُقابل منحة شهريّة تُصرَف لهم.[6] وقد بيّنت هذه التنظيماتُ الجديدة حاجة البلاد لمٌعلّمين ذوي كفاءة.
2. حاجة المدارس العصريّة المستحدثة إلى معلّمين للغة العربيّة

وينضاف إلى ما سبق عاملٌ ثالث يتمثّل في إنشاء المدارس الفرنسيّة -العربيّة، منذ 1883، وما يتطلّبه تدريسُ برامجها الجديدة، المُسْتلْهمة من برامج المدارس الابتدائيّة الفرنسيّة، من معلّمين مؤهّلين. أمّا تدريسُ اللغة الفرنسيّة فكان يتولاّه معلّمون جُلبوا من فرنسا ومن خرّيجي المدرسة العلويّة لإعداد المعلّمين التي بعثت سنة 1884، وأمّا تدريسُ اللغة العربيّة فقد اضطُرّت إدارةُ التعليم العموميّ إلى الاعتماد على مُؤدّبين ومدرّسين متخرّجين من الكتاتيب وجامع الزّيتونة، بالرّغم من عدم إعدادهم بالطريقة الّلازمة.  وكان ذلك من بين العوامل التي أسْهمت في بعث مدرسة لتكوين مؤدّبين تتوفّر فيهم المواصفات الّلازمة لتأمين تعليم جيّد للأطفال.
ثانيا: المدرسة التأديبيّة
1.وظيفة المدرسة التأديبيّة
أُسّست المدرسةُ التأديبيّة سنة 1894، وعُيّن أوّلُ مدير لها الشّيخُ إسماعيل الصَّفائحيّ في 6 جانفي 1895.
حدّد الفصلُ الثاني من الأمر المُحْدث لها مُهمّتها التي " تتمثّل ...  في إعداد مؤدّبين لا ينالون هذه الصّفة -مؤدّب -إلاّ بعد خضوعهم لامتحان مُحدّدةٌ شروطُه". وقد أوضح الشّيخُ محمّد الطّاهر ابنُ عاشور في مؤلَّفه[7] أنّ الغاية من بعث هذه المدرسة كانت" تخريجَ مؤدّبين متأهّلين للقيام بالتعليم الابتدائيّ، سواء بالمدارس القرآنيّة، أو بالمدارس الفرنسيّة -العربيّة". فكانت المدرسةُ التأديبيّة عبارةً عن مدرسة ترشيح معلّمي اللغة العربيّة، وإنْ كان إنشاُؤها، إلى جانب المدرسة العلويّة لإعداد المعلّمين، القائمة منذ 1884، يطرحُ أكثر من سؤال. فلمذا لم يُدرج تكوينُ معلّمي اللغة العربيّة في المدرسة نفسها؟
أشار المؤرّخُ شارل أندري جولْيان [8]، في كتابه " المُعَمرّون الفرنسيّون وحركة الشّباب التّونسيّ" إلى هذه المسألة، وقدّم قراءة خاصّة في الموضوع ترى " أنّ فكرة بعث مدرسة مستقلّة لتكوين المؤدّبين، و عدمَ إدراج هذا التكوين بمدرسة الترشيح الموجودة (المدرسة العلويّة) يندرج في نطاق حَمْلة المعمّرين، و خاصّة المتفوّقين منهم، ضدَّ تعليم الأهالي بالمدارس الفرنسيّة، وضدَّ مشروع لويس ماشوال - مدير التعليم العموميّ – مُجَسَّمًا في المدارس الفرنسيّة-العربيّة التي أحدثها. وفي المقابل، دافع المُعمّرون المُتشدّدون أو المتفوّقون عن فكرة دعم التّعليم التقليديّ بالكتاتيب والمحافظة عليه، وزعموا أنّه " يلائم الأهالي تمامَ الملاءَمة".[9] وكان سعيُهم يهدف إلى غلق أبواب التّعليم الفرنسيّ العصريّ في وجه التّونسيّين، حتّى لا يُنافس التّونسيّون الفرنسيّين في الوظائف الإداريّة.
ويذهب شارل أندري جوليان إلى القول بأنّ " وجْهتيْ إدارة التعليم العموميّ والمعمّرين في هذا الموضوع قد تطابقتا"، " وبأنّ تأسيس المدرسة الـتأديبيّة" يندرج ضمن خطّة لإثبات جدوى الكٌتّاب ومحاولة الإبقاء على منظومة تربويّة من درجة ثانية، تُكرّس التمييز بين أبناء المعمّرين وأبناء الأهالي."
ويبدو أنّ هذا الموقف لاقى هوًى في نفوس المحافظين من الشّيوخ والأعيان الذين يروْن في المدارس الفرنسيّة العربيّة تهديدا لهوّيتهم العربيّة الإسلاميّة وتعليمهم الدّينيّ.
2.نظام الدّراسة
كانت الدّراسة بالمدرسة التأديبيّة تدوم خمسَ سنوات (الفصل 8 من أمر الإحداث). وتتكفّل الدّولةُ بمصاريف الدّراسة والإقامة. ويُلزَم الطالبُ الذي ينقطع عن الدّراسة، قبل استيفاء الخمس سنوات، بإرجاع جميع المصاريف.
يتولّى التدريسَ بها أساتذة يُختارون من بين شيوخ الجامع الأعظم، يُضبط عددُهم بحسب حاجيّات المدرسة، وتتمّ تسميتُهم من قبل الوزير الأكبر، بناء على اقتراح من مدير التّعليم العموميّ. أمّا أساتذة اللغة الفرنسيّة والمدرّسون المُكَرّرون للقرآن الكريم فيعيّنهم مباشرةً مديرُ التعليم العموميّ، ويتم اختيارُ المُكرّرين من بين حاملي شهادة التطويع [10]في علم التجويد.) الفصل 3 (.
وبذلك نجحت سلطات الحماية الفرنسيّة في وضع يدها على جهاز تكوين مُدرّسي الّلسانيْن، الفرنسيّ بالمدرسة العلويّة، والعربيّ بالمدرسة التأديبيّة، دون توحيد برامج التكوين في المؤسّستيْن.
تضمّنتْ برامجُ المدرسة التأديبيّة تحفيظَ القرآن وتجويدَه والرّسمَ القرآنيّ، وتدريسَ الفقه ومبادئ التوحيد والتّشريع، وتعليمَ اللغة العربيّة (النّحو العربيّ والبيان ومبادئ الأدب والخطّ العربيّ والرّسم)، ومبادئ الحساب ونظام القيس، وتاريخَ البلاد التونسيّة وجغرافيتها، إضافة إلى اللغة الفرنسيّة) الفصل 5(.
يبدو-مبدئيّا-أنّ مدّة التكوين وبرنامجَه المتنوّع والشّامل سيسمح بتكوين التلاميذ المعلّمين تكوينا معرفيّا وبيداغوجيّا، يؤهّلهم للاضطلاع بتدريس العربيّة بالكتاتيب أو المدارس القرآنيّة، لكنَّ الواقعَ كان بعيدا عن ذلك بكثير، ولمْ تُوَفّق المدرسة في مهمّتها.
3. فشل التجربة
لم يُكتب لهذه المدرسة النّجاحُ، لأنّها لم تُبْنَ على أسس سليمة، إذ جاءت استجابةً لضغط المتفوّقين من المعمّرين ومُجاراةً للمحافظين التونسيّين، وليس رغبة في تطوير التّعليم التقليديّ بالبلاد التّونسيّة، وقد اعْترى التجربةَ الكثيرُ من العلل أدّت إلى فشلها، من أبرزها:
‌أ.    ضعف عدد التلاميذ المعلّمين وسوء اختيارهم
ضبط الفصلُ السّابع من الأمر المحدث للمدرسة شروط الالتحاق بها، ومن أهمّها:
-         النّجاحُ في مناظرة الانتداب، وهي مناظرة في حفظ القرآن ومعرفة مبادئ التجويد والرّسم.
-       الاستظهارُ بشهادة في حسن السّيرة والأخلاق يتسلّمها المترشّح من عدل إشهاد أو مؤدّب أو من شيخ القرية أو قائدها.  
-         بلوغ سنّ 18 سنة.
كانت لجنة المناظرة التي انتقدها عددٌ من المعاصرين تفضّل أصحاب الذاكرة القويّة على حساب أصحاب الكفايات الأخرى. يقول شارل أندري جوليان  استنادا لشهادة خير الله بن مصطفى: " إذا وقف أمام اللجنة المُمتحنين مترشّحان، إمكانياتُ الأوّل منهما الذّهنيّة محدودةٌ، لكنّه قادر على استظهار القرآن من دون توقّف، وكان الثاني ذكيّا ومثقّفا، ولكنّه عاجزٌ عن استظهار كتاب الله من دون سَهْو، فلا يتردّد المُمتحنون في قبول الأوّل ورفض الثاني."[11]
وكان عدد المنتدَبين لمتابعة التكوين بالمدرسة قليلا، " فكانت المدرسة تنتدب سنويّا خمسة تلاميذ معلّمين، وقد يتمّ تجاوزُ ذلك العدد تَحسّبا لانقطاع البعض أثناء السّنة الدّراسيّة." و تخرّج منها، منذ تأسيسها، 73 معلّما، لم يلتحق منهم بالتدريس سوى 25 يتوزّعون بين المدارس العموميّة (17)، والمدارس الخاصّة (8)، حسب تقرير خير الله  بن مصطفى الذي أعدّه سنة 1908. [12]
‌ب.    تدّني مستوى التكوين
بالرّغم من ثراء البرنامج الدّراسيّ وتنوّعه، لم يرتق التكوينُ بالمدرسة التأديبيّة إلى المستوى الذي يُمكّن من تكوين معلّمين أكفاء. و في هذا الصّدد، نُورد شهادة أحد المختصّين في مسألة التّعليم، وهو خير الله بن مصطفى الذي  كان من المعارضين للمدرسة التأديبيّة، شأنُه في ذلك شأن جماعة الشّباب التونسيّ، الذي يقول فيها: " كان التّعليم بهذه المدرسة فرنسيّا وعربيّا، مع تفوّق واضح للغة العربيّة التي انفردت بثلثي السّاعات تقريبا، و كان التكوينُ يعتمد على الحافظة فقط، فإذا اعتبرنا أنّ برنامج التّعليم يقتصر على النّحو و علوم القرآن، يحقّ لنا أن نتساءل عن قيمة هذا التّعليم الذي قضى من أجله التلميذُ المعلّم خمسَ سنوات بالمدرسة، وعن مدى إعداده للقيام بدوره كمؤدّب."[13] وقد صرّح خير الله بن مصطفى سنة 1908، في مؤتمر شمال إفريقيا الذي انعقد في باريس " أنّ التلاميذ المعلّمين كانت معرفتُهم للفرنسيّة مرضيّة، لكنَّ مستواهم في اللغة العربيّة يساوي صفرا أو يكاد." وقد أقرّ بذلك المديرُ الجديد للتعليم العموميّ، شارليتي، في نفس المؤتمر، عندما صرّح " أنْ لا أحد يُنازع في إخفاق هذا التّعليم".
كان هذا التقييمُ وموقفُ جماعة الشّباب التونسيّ سببا في الإسراع بالتخلّي عن المدرسة الـتأديبيّة، فقد قرّر مجلسُ التعليم العموميّ، بعد مداولات، وبناءً على توصيات أشغال لجنة خاصّة، إلحاقَ تكوين معلّمي اللغة العربيّة بالمدرسة العلويّة، انطلاقا من سنة 1910، وأصبحت المدرسة العلويّة تضمُّ شعبتيْن:
-         الشّعبة الفرنسيّة لتكوين مُعلّمي اللغة الفرنسيّة،
-         والشّعبة العربيّة التي تتفرّع إلى فرعين، الفرع -أ -لتخريج معلّمي اللغة العربيّة فقط، والفرع -ب -الذي يُكوّن مُعلّمين يُدرّسون باللسانيْن.
وكان التلامذةُ المعلّمون يلتحقون بالمدرسة العلويّة، بعد إجراء مناظرة صارمة للتأكّد من مستواهم في اللغة العربيّة، ويتلقوْن، بعد التحاقهم بها، تكوينا باللغتيْن العربيّة والفرنسيّة مناصفةً، ممّا يؤهّلهم، بعد التخرّج، لتأمين تعليم الأطفال التونسيّين، سواء بالمدارس القرآنيّة (الكتاتيب) أو بالمدارس الفرنسيّة العربيّة،" باعتماد منهجيّة دقيقة، وانفتاح عن العلوم ورُقيّ الحضارة العصريّة، كما أنّه باستطاعتهم تعليم اللغة الفرنسيّة للأطفال التونسيّين بالأقسام الأوّليّة."[14] وتزامن ذلك مع تغيّر سياسة نظام الحماية من مسألة تعليم الأهالي، خاصّة مع ستيفان بيشون Stephen Pichon المقيم العامّ الفرنسيّ بتونس 1901-1907  وخلفه جبريل ألابوتيت،  G.Alapetite 1907-1918، حيث انطلقت من جديد عمليّة إحداث المدارس لاستقبال أطفال الأهالي وإعادة فتح المدارس التي أغلقت في فترة سابقة،[15]  وتكثيف انتداب تلاميذ معلّمين من الأهالي لتكوينهم بالمدرسة العلويّة.  

الأمر المنشئ للمدرسة التأديبيّة
أصدر عليّ باي الثالث، في 11 من جُمادى الأولى سنة 1312 الموافق لليوم الثامن من نوفمبر سنة 1894، أمرا عليّا يتعلق بتنظيم مدرسة المؤدّبين، يتكوّن من أحد عشر فصلا.
وجاء في مطلع هذا الأمر أنّه بُني على ترتيب مؤرّخ في 26 من ذي الحَجّة لسنة 1292 للهجرة، يحدّد الشّروط الواجبَ توفّرُها في كلّ مَنْ يرغب في التفرّغ لتعليم القرآن بتونس الحاضرة وسائر مدن الإيّالة وقُراها. كما بُني على تقرير أعدّته إدارةُ التعليم العموميّ أبرز فيه مديرُها الفوائدَ التي ستُجنى من إنشاء مدرسة تكون مهمّتُها إعدادَ المعلّمين الذين سينهضون بهذا التعليم.  وفيما يلي نصّ الأمر العليّ.
الفصل الأوّل : حُوّلتْ مدرسة ابن عُصفور الكائنة بتونس قرب سوق العطّارين إلى مدرسة ترشيح للمؤدّبين، يُطلق عليها المدرسة العصفوريّة.
الفصل 2: تتمثّل رسالة هذه المدرسة في إعداد مؤدّبين لا ينالون هذه الصّفة -مؤدّب -إلاّ بعض خضوعهم لامتحان مُحدّدةٌ شروطُه بالفصول 4 و5 و9 الآتي بيانها.
الفصل 3: يضمّ الإطارُ العاملّ بالمدرسة مديرا ومدرّسين يختارون من بين شيوخ الجامع الأعظم، ويختلف عددُهم باختلاف حاجات المدرسة.
 يُعيّن مديرُ المدرسة من قبلنا، نحن الباي، وباقتراح صادر من مدير التعليم العموميّ.
يسمّى المدرّسون من قبل وزيرنا الأكبر بناء على اقتراح من مدير التعليم العموميّ.
أمّا أساتذة اللغة الفرنسيّة والمدرّسون المكرّرون للقرآن الكريم فيعيّنهم مباشرةً مديرُ التعليم العموميّ.
الفصل 4: تتكوّن لجنةُ الامتحان من الأعضاء الآتي بيانُهم:
§        المتفقد العامّ للدّراسات العربيّة
§        مدير المدرسة
§        شيخ القرّاء بالجامع الأعظم
§        الأستاذ الأوّل أو الثاني للتجويد بالجامع الأعظم
§        أمين المؤدّبين
§        أستاذ الفرنسيّة لجزء الامتحان الخاصّ بالدّراسات الفرنسيّة.
الفصل 5: تخصّص الدراسةُ لتعلّم الموادّ الآتي بيانُها:
§        مراجعة حفظ القرآن الكريم
§        التجويد والرّسم القرآنيّ
§        مبادئ التوحيد
§        مبادئ التشريع
§        النّحو العربيّ ومبادئ الأدب
§        الخطّ العربيّ
§        التربية وفنّ التدريس
§        اللغة فرنسيّة ومبادئ الحساب ونظام القيس والجغرافيا.
الفصل 6:يضبط عددُ تلامذة المدرسة في ضوء الاعتمادات المرسّمة بميزانية إدارة التعليم العموميّ، ويتوقّف قبولُ التلاميذ وطردُهم على مدير التعليم.
الفصل 7: لا يلتحق بالمدرسة العصفوريّة إلاّ منْ كان يستجيب للشّروط الخصوصيّة المنصوص عليها بالترتيب المتعلّق بالمؤدّبين، والمؤرّخ في 26 من ذي الحجّة لسنة 1292 ه، أي الذين يبرهنون على حفظهم الجيّد للقرآن ومعرفتهم بمبادئ التجويد والرّسم، أمام لجنة الامتحان المنصوص عليها بالفصل 4 أعلاه، والتي تمنح المقبولين شهادة في ذلك. وعلاوة على ذلك، على المترشّحين أن يستظهروا بوثيقة تبيّن سنّهم، وبشهادة في حسن السّيرة والأخلاق يتسلّمونها من عدل إشهاد أو مؤدّب أو من شيخ القرية أو قائدها.
الفصل 8: تدوم الدراسةُ خمسَ سنوات. وكلُّ تلميذ ينقطع عن الدراسة قبل انتهاء السّنوات الخمس المقرّرة دون سبب مقبول يكون مُلزما، هو أو والداه، بأن يُرجع إلى الدّولة مصاريفَ الدّراسة والتعهّد، طيلة المدّة التي قضاها بالمدرسة.
الفصل 9:يتحصّل المترشّحون الذين يجتازون بنجاح، الامتحان المتعلق بالموادّ المذكورة أعلاه، بالفصل الخامس، أمام اللجنة المنصوص عليها بالفصل الرابع، على شهادة مؤدّب.
الفصل 10: يمكن للمعلّمين المحرزين على هذه الشّهادة أن يباشروا مهنة التعليم بالكتاتيب وبالمدارس، ويمكن أن يُخضعوا خلال مسارهم المهنيّ لاختبارات ترمي إلى التثبّت من أنّهم لم ينسُوا ما تعلّموه.
أمّا المدارس التي تعلّم العربيّة فقط، فإنّه لن يدخل عليها أيُّ تغيير، لكنّها يمكن أن تسند إلى مؤدّبين متخرّجين من المدرسة العصفوريّة، متى طلب الأهالي المعنيّون ذلك.
الفصل 11:مديرُ التعليم العموميّ مكلّف بتنفيذ هذا الأمر العليّ وضبط نظام الدروس في الموادّ المقرّرة بالفصل الخامس وتحديد النّظام الداخليّ للمدرسة التي يعرض على مصادقة وزيرنا الأكبر.
Source : Bulletin officiel de l’enseignement public, février 1895 n° 59   9°année p 289 - 292


الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقّدان عامّان للتربية متقاعدان
نوفمبر 2014

ورقات ذات علاقة









[1]  أمر 8 نوفمبر 1894 (11 جمادى الأولى 1312) حول تنظيم المدرسة العصفوريّة، علما أنّها صارت فيما بعد تدعى المدرسة التأديبيّة لمّا انتقلت من مقرّها الأصليّ إلى مقرّ جديد بإحدى مدارس نهج الباشا. ذكر هذه المعلومة خير الله بن مصطفى في بحثه عن المدرسة التأديبيّة بمناسبة انعقاد مؤتمر شمال إفريقيا بباريس سنة 1908.
[2] أنشئت هذه المدرسة في العهد الحفصيّ. وهي تقع بزنقة سوق العطارين قبالة جامع الزيتونة، بين كلّ من المدرسة الخلدونيّة والمدرسة الحمزيّة. وهي تؤوي اليوم عددا من الجمعيّات الثقافيّة. تنسب إلى أبي الحسن بن عليّ بن موسى الحضرميّ، المعروف بابن عصفور الأشبيليّ النحويّ، ربّما لأنّه كان يدرّس بها.
 قوّاد جمع قايد هو ممثل الباي في الجهات، ما يوافق خطّة الوالي حاليا.[3]
[4]  محمد الطاهر ابن عاشور: أليس الصُّبح بقريب ؟، طبعة ثانية ،1988، ص 113.
[5] المرجع نفسه، ص 113.
[6]  نور الدين سريّب: إيديولوجيا المدرسة التونسيّة، مجلّة العالم الإسلاميّ والبحر المتوسّط،1993، العدد 68/69، ص245. (بالفرنسيّة)
[7]   ابن عاشور: أليس الصبح بقريب؟ ص 114.
[8] شارل أندري جوليان: المعمرّون وحركة الشباب التونسيّ، تعريب محمد المزالي والبشير بن سلامة. نشر الشركة التونسية للنشر، ص ،66  - بلا تاريخ.
[9]  جريدة تونس الفرنسية، صوت المعمّرين -ذكره ش أ ج، ص 67.
[10] أحدثت شهادة التطويع سنة 1898 وتتوّج المرحلة المتوسطة للتعليم الزيتوني (تقابل تقريبا شهادة البكالوريا)
[11]  ش. أندري جوليان -ص 70 
[12]  خير الله بن مصطفى ( 1867 - 1965)  هو أحد عناصر حركة  الشباب التونسية ، متخرج من المدرسة الصادقية  مترجم محلف لدى المحكمة العقارية المختلطة ، كان مطلعا على أحوال التعليم  في تونس ، شارك مع وفد الشباب التونسي في مؤتمر افريقيا الشمالية بباريس بين 6 و 10 أكتوبر   1908 حيث قدم عرضا قيما تحت عنوان " التعليم الابتدائي في صفوف الأهالي بالبلاد التونسية " كان له صدى كبيرا وقد انتقد فيه السياسة التعليمية لنظام الحماية التي أبقت التعليم التقليدي المتمثل في الكتاتيب و متهما السلطات الاستعمارية بدعم المدارس الفرنسية العربية الموجودة والتي لا يستطيع عامة الناس إلحاق أبنائهم بها.  
[13]  أورده شارل أندري جوليان ص 70
[14] بنجمان بويسون Benjamin buisson شغل خطة مدير المدرسة العلوية ثم عيّن سنة 1905 مديرا للتعليم الابتدائيّ بالبلاد التونسيّة. أمّا الأقسام الأوّليّة ففصول تعدّ تلاميذ الأهالي للالتحاق بالمدارس الفرنسيّة العربيّة، بتلقينهم مبادئ اللغة الفرنسيّة حتّى يتمكنوا من التعايش مع أطفال الفرنسيّين، علما أنّ المقترح صدر عن الوفد التونسيّ إلى مؤتمر شمال إفريقيا الملتئم بباريس سنة 1908.
[15]   سجّل عدد التلاميذ من التونسيّين المسجّلين بالمدارس الابتدائية العمومية تراجعا من 4656 سنة 1897 إلى 2927 سنة 1903 نتيجة إغلاق عدد هام من المدارس، ففي سنة واحدة (1901) تمّ إغلاق 10 مدارس دفعة واحدة، و كان ذلك نتيجة ضغط المتفوقين -ورد في كتاب شارل أندري جوليان ص67 .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire