dimanche 28 décembre 2014

كيف يجب أن يكون تعليمُ المرأة المُسْلمة؟ [1] مقتطفات من مداخلة السيّد الصّادق الزمرْلي [2]


مدخل
كنّا افتتحْنا المدوّنة البيداغوجيّة بتاريخ 30 ديسمبر 2013 بورقة عالجْنا فيها مسألة تفوّق الفتيات في الدّراسة، وتبيّن لنا أنّ هذه الظّاهرة هي ظاهرة عالميّة مشتركة بين عديد البلدان والأُمَم.
ونعود اليومَ إلى تلك المسألة، من زاوية نظر تاريخيّة، لنقدّر المسافة التي قطعَها تعليمُ الفتاة ببلادنا، وذلك بتعريب مقتطفات عريضة من مداخلة السيّد الصّادق الزمرْلي في مؤتمر شمال إفريقيا، الملتئم بباريس من 6 إلى 10 أكتوبر 1908، والتي تطرّق فيها إلى تعليم المرأة المسلمة: ما طبيعتُه؟ ما برامجُه؟ كيف ننتدب المعلّمات لمدارس الفتاة المسلمة؟ ما لغة التّدريس؟ وهل المرأة في حاجة إلى تعلّم لغة أجنبيّة؟

من هو الصّادق الزمرْلي؟ 1893/ 1983 درَس بالمدرسة الصّادقيّة، ثمّ بالمعهد الأعلى للغة والآداب العربيّة. اشتغل بالصّحافة وانخرط في العمل الوطنيّ مع جماعة الشباب التّونسيّ. شارك في أعمال مؤتمر شمال إفريقيا بباريس، وقدّم مداخلة عن تعليم الفتاة المسلمة. وكان يدعو إلى تعليمها باللغة العربيّة قبل الفرنسيّة.  تقلّب الصّادق الزمرلي في مناصب عديدة (مدير ديوان وزير العدل ورئيس ديوان الأمير المنصف باي سنة 1942. (
وفيما ما يلي المقتطف.

كيف يجب أن يكون تعليمُ المرأة المسلمة؟

) ... (   ص 283
" التعليم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة " حديث نبويّ شريف [3]   
لمّا فرض القرآنُ الواجبات الدّينيّة نفسَها على المرأة والرّجل، فقد أوصى ضمنيّا بتعليم المرأة.  إذ كيف يمكنها، وهي جاهلة، أداءُ واجباتها بشكل صحيح؟ فإذا لم تُحترم تلك التعليماتُ دائما احتراما تامّا، وإذا لم تستفد المرأة المسلمة من التعليم على نطاق واسع، فلا ينبغي أن يُعْزى ذلك إلى الإسلام، كما يميل إلى ذلك غالبا بعضُ الكتّاب الأوروبيّين، وإنّما هو يُعزَى إلى العاطفة العمياء، أو الإفراط في التعصّب من قبل بعض المفسّرين في فترة الانحطاط ) .ص 285 .(

   كانتْ تركيا ومصر قد تخلّصَتا صراحةً من الأحكام المُسْبقة العتيقة، ودخلتا بعزم طريقَ التقدّم، بفضل سَعة نظر حُكّامهما وسَداد بَصيرتهما، فإنّ البلاد التّونسيّة، المُستسلمة لعَسْف حكّامها والمُنهَكَة بالضّرائب، لا تزال ترى الظلمات تتكثّف وتشتدّ، ذلك أنّ التعليم الأوّليّ والدّينيّ الصّرفَ يتوقّف عند الكتاتيب، إذْ لا تلتحق النّسوةُ بالجامع الأعظم أيْن يعتبر حضورُهنَّ مَعيبا.

وعلى عهد الوزارة الليبراليّة للجنرال خير الدّين، أُدخلت عدّةُ إصلاحات مهمّة، سواء على الإدارة والقضاء، أو على التّعليم العموميّ. لكنْ لم يتعرّض تعليمُ المرأة لأيّة محاولة إصلاحيّة. فهل يعني ذلك أنّ رجل الدّولة العظيم، وباعثَ التطوّر الفكريّ بالبلاد التّونسيّة، خيرَ الدّين، أهمل تماما مصيرَ المرأة، أمْ إنّه قدّر أنّ السّاعة لم تحنْ بعدُ لمعالجة مثل هذه المسألة الدّقيقة التي لمْ يتهيّأْ لها الرأيُ العامّ؟ تبدو لنا الفرضيّة الثانية أقربَ إلى الحقيقة، ذلك أنّ الظروف لم تكنْ مُواتية فعْلاً. فخيرُ الدّين، الذي اعْتلى الحُكْم وسط إزْمة سياسيّة وماليّة، اضْطُرّ إلى أن يفكّر فيما هو أكثرُ اسْتعْجالاً، أيْ في أن يُجهّز البلادَ التّونسيّة بمؤسّسة تعليميّة قادرة على إعداد ما تحتاجُه الإيّالةُ من مُوظّفين، فأنشأ إذنْ المدرسةَ الصّادقيّة. ومن جهة أخرى، لم يشأْ خيرُ الدّين أن يُهمل التّعليم الدّينيّ والشّرعيّ بالجامع الأعظم، فأعاد تنظيمَ برنامج هذه الجامعة العتيقة، بمساعدة لجنة من العلماء والكتّاب، وأسّس بها مكتبة جديدة أوْدَع بها عديدَ التآليف القديمة والعصريّة. غير أنّ مدّة وزارته القصيرةَ جدّا لم تُسْعفه بتنفيذ الإصلاحات المقرّرة، ففقدتْ البلادُ التّونسيّة، في شخصه، الرّجلَ الوحيد القادرَ على قيادتها، بحكْمة، إلى مَصائر أفضل. وبمغادرته الوزارة، توقّفت الحركةُ الفكريّة النّاشئة، ولن تعود مسيرتُها إلاّ بعد زمن طويل.
لا أحدَ فكّر في مسألة تعليم المرأة المسلمة، لا في السّنوات التي سبقت انتصابَ الحماية، ولا في الأعوام التي تلتْها. ومع ذلك، لم يَعُد من المقبول اليومَ أن تظلّ البلادُ التّونسيّة، لمدّة أطولَ، محرومةً من مؤسّسات تعليميّة للفتيات المسلمات، ولا نتكلّم هنا إلاّ على المدن والمراكز العمرانيّة المهمّة. ص 286
إنّ الفكرة القاضية بضرورة تعليم المرأة تقدّمت أشواطا ببلادنا، وإذا كانت تصْطدم ببعض المعارضة في أوساط محافظة، فليس علينا، في جميع الأحْوال، أن نتوقّف عند هذه الظّواهر المعزولة، ودون أهمّيّة.
)...(  وبينما كانت تركيا ومصر وحتّى بلاد فارس تُوسّع من المذاهب الدّينيّة والمعطيات الفلسفيّة للسَّلف وتُنمّيها بالتّدريج، وتتخلّص، شيئا فشيئا، من الأحكام المُسْبقة العتيقة التي تعرقل تطوّرَها. كانت البلاد التّونسيّة، أو قُلْ بلادَ شمال لإفريقيا، الوفيّة للرّوح التقليديّ لعلمائها وشيوخها، جاثيَةً تحت العبء الثقيل لظلاميّة ستعرقل مسيرتَها نحو مَثَل أعْلى أشدّ سُموّا.)...(
(ص 287) ... أليْس من المُحزن أن نسجّل حالة الجهل المطلق لأغلبية النّساء المسلمات، كي لا نقول كلَّهُنّ، في بلد تشبَّع بالحضارة الأوروبيّة منذ سنينَ طويلة، ويقع بفضل مَوضعه الجغرافيّ المتميّز على مَقرُبة من أبواب بلاد الغرب؟ وبالفعْل، فقد ظلّت البلادُ التّونسيّة، حتّى السّنوات القريبة، محرومةً، لا ندري لأيّ سبب، من أيّة مؤسّسة تعليميّة مخصّصة للفتيات المسلمات. وإنّه لَمنذُ أربع أو خمس سنوات فقط، وتبعا للإلحاح الشّديد من بعض الشّخصيات التّونسيّة، (ص 288) تفضّلتْ إدارةُ التعليم العموميّ بتجهيزنا بمدرسة صغيرة لا تكاد تتّسع لخمسين تلميذةً.[4] وبعد ثلاثة أعوام، ما فتئ عددُ تلميذاتها يرتفع، فتمّتْ توسعةُ المدرسة وإحداثُ فصول أخرى. واليومَ، بلغ عددُ التلميذات بها مائتيْن. وإزاء هذا الإقبال الملموس لسكّان العاصمة، لفائدة تعليم الفتيات المسلمات، لم يَعدْ أمام إدارة التّعليم أنْ تتذرَّع بمثل تلك الذّرائع القائلة بإنّ المدارس الجديدة المفتوحة قد لا يلتحق بها العددُ الكافي من الرُّوّاد، لكيْ تُرجئ باستمرار فتحَها.
ويكشف اكتظاظُ مدرسة السيّدة أيزنشفيك/ EIGENSCHVIK التي ضاقت بتلميذاتها تبعا لارتفاع عددهنّ باطرّاد، وكذلك إنشاءُ فضاء مُلحَق بها، عن بُطْلان هذا المبرّر. إنّ ما ينقصُنا اليوم ليس هو التلاميذ، وإنّما المدارسُ التي تحتضنُهم. فالمدينة التي يعُدّ سكّانُها المسلمون قرابة 150000، ينبغي أن تتوفّر على الأقلّ، وعند الانطلاق، على ستّ أو سبع مدارس، تكون كلّ واحدة منها قادرة على أن تحتضن من 300 إلى 400 تلميذ.
واليوم، سيُضحي هذا الإصلاحُ سهْلا ميْسورا، بفضل الاعتمادات التي رصدتها الحكومةُ لتنمية تعليم الأهالي، والتي يمكن استثمارُ جزء منها استثمارا نافعا في إحداث مدارس جديدة للفتيات، سواء بتونس الحاضرة، أو بالمدن الكبرى للإيّالة.
وسنرى فيما يلي... ما إذا كانت المدارسُ القائمة بمدينة تونس تستجيب للغرض الأصليّ الذي نروم تحقيقَه، وتلبّي حاجات المَعْنيّات بها من النّسوة المسلمات. ثمّ سنفحصُ طبيعة التّعليم الذي يرتئيه المواطنون من الأهالي لذرّيتهم من البنات، والبرامجَ التي يطلبونها، ومفهومَهم للتّعليم الإسلاميّ الصّرف والمعاصر، في آن معا.
لا شكّ في أنّ الغرض الأصليّ من تأسيس مدرسة السيّدة أيزنشفيك/ EIGENSCHVIK، كان تمكينَ الفتاة المسلمة من اكتساب رصيد من المعارف العمليّة الواسعة، بعد أربعة أو خمسة أعوام من الدّراسة. فهل تحقّقت هذه النتيجةُ منذ أن فتحت المدرسةُ أبوابَها، أي منذ سبع سنوات؟ يجوز أن نشكّ في ذلك، إذا استندْنا إلى قدرات التلميذات الّلائي غادرْن هذه المدرسةَ بعد قضاء خمس أو ستّ سنوات بها. ومن جهة أخرى، فإنّ المَعْنيّات غيرُ راضيات عن هذا التكوين، لأنّه سُهيَ، عند إعداد برامج هذه المدرسة، عن تخصيص المرتبة الأولى لدراسة اللغة العربيّة الأكثر نفعا للمرأة التونسيّة من تعلّم لغة أجنبيّة مّا، نادرا ما ستحتاج إلى استخدامها في حياتها.
أقول إنّ كافة المثقّفين التّونسيّين متّفقون اليومَ على ضرورة تعليم المرأة، لكنّ آراءَهم تختلف في شأن طبيعة هذا التّعليم. ويبدو أنّ الأغلبيّة منهم تذهب اليوم إلى إقرار تعليم ابتدائيّ يتضمّن، على سبيل المثال، وفي الوقت نفسه، مبادئَ مُستوفاةً عن الخياطة والتّطريز والنّسيج وبعض الفنون كالرّسم الفنّيّ والموسيقى... وعناصر مضبوطة من العلوم والأدب والتاريخ والاقتصاد المنزليّ، الكلّ يُلقّنُ باللغة العربيّة، طبعا. (ص 289) وكما نرى، فإنّ هذا التّعليم، بتنوّع عناصره وبالمدّة الزّمنيّة الضّروريّة لاكتساب مضامينه، سيكون مستواهُ فوق مستوى شهادة ختم الدّراسة الابتدائيّة، لكنّه لن يكون مُساويا لمستوى المؤهّل الابتدائيّ. ويقتضي هذا النمطُ من التّعليم، من النّاحية العمليّة، بلورةَ برنامج خاصّ مختلف عن برامج المدارس العموميّة.
وبما أنّ تركيا ومصر قد أنشئتا، منذ فترة طويلة، مدارس للفتيات تعتمد برامج مناسبة لمزاج النّساء المسلمات وتقاليدهنّ واحتياجاتهنّ، فإنّنا نعتقد أنّه يكفينا أن نستلهم منها مع إدخال التّغييرات الضّرورية عليها. وبالفعل، فإنّه، بفضْل تماثل المعتقدات وتقارب الأخلاق والصّلات الفكرية القائمة بيننا وبين هذيْن البلدين، نستطيع مبدئيّا أن نتبنّى البرنامج نفسَه المعتمد في مدارسهما النّسائيّة، لا يخامرنا أدنى شكّ في أنّ الشّخصيات التي أسهمت في وضعها قد استندت إلى جميع الوثائق وجميع المعلومات التي من شأنها أن تنير سبيلهم، بشكل كامل، في معالجة هذه المسألة الحسّاسة. لذلك سنكسب كلّ الكسب من أن تكون برامجُنا نظيرا من تلك المعمول بها في مدارس الفتيات بكلّ من مصر وتركيا بالخصوص.
لقد شرحنا، فيما سبق، لماذا لا تستجيب مدرسة الفتيات المسلمات، بتونس الحاضرة، للغرض الذي أُنشئت من أجله، ولماذا لسْنا براضين عنها، وما يقصده التونسيّون بالتّعليم الابتدائيّ الخاصّ، وما طبيعة البرامج التي يُوصون بها. بقي أن نرى الآن ما معنى تعليم إسلاميّ صرف ومعاصر، في آن واحد.
لا أحد يجهل أنّ العربيّ أو قلْ المُسلم يتمسّك أساسا بالمحافظة على تقاليده وعاداته ولغته وهي من مُكَوّنات شخصيته. غير أنّ المحافظة على هذه الشّخصية واستمرارَها يرتبط ارتباطا وطيدا بحيويّة تلك اللغة. وإذا ما تلاشتْ هذه اللغةُ أوْ زالت، فإنّ الشّخصية العزيزة على المسلم ستزول حتمًا. إذن، فإنّ دراسة اللغة الوطنيّة لوحدها هو ما يمكّن المسلمَ من تبليغها ونقلها إلى ذرّيته، كما ورثها عن آبائه.
لكنْ، مَنْ هو الشّخص الأقدرُ من الأمّ على الاضطلاع بهذه الرّسالة الدّقيقة وتلقين الشّباب المسلم، علاوة على مبادئ الدّين، محبّة هذا الأدب وتلك المدنيّة وتلك العادات وتلك اللغة التي نفخَر بها، بجدارة؟  إذنْ، إذا كانت الأمُّ الشّخصَ الوحيد القادر على أداء هذه الرّسالة باستحقاق، أفلا يكون من الضّروريّ أن تتعلّم، قبل كلّ شيء، هذه اللغة العربيّة، كي تنهض بمهمّتها بنجاعة؟ إنّ دراسة لغة أجنبيّة، تُنزّل في مرتبة أفضل من اللغة الوطنيّة، ستكون، في الوقت نفسه، غيرَ مُرحّب بها في أوساط المسلمين المتمسّكين، أيّما تمسّك، باللغة العربيّة، وستكون، لمدّة طويلة، قليلة المنفعة للشّباب التّونسيّ.
وبالفعل، فإنّ واقع حياة نسْوتنا الذي يفرض عليهنّ المكوث بالبيت، والدورَ الاجتماعيّ المقصور على إدارة الأسرة وتربية الأطفال، والانحسارَ النّسبيّ لدائرة علاقاتهنّ بخارج البيت، كلّ هذا يجعل من النّادر أن تتاح للمرأة المسلمة فرصة استخدام هذه اللغة الأجنبيّة التي كلّفتها دراستُها الكثيرَ من الجهد في شبابها.) ...) ص 290
من الطّبيعيّ أنّنا لا نرى أيَّ مانع في أن تتعلّم بناتُنا، في مدارسنا، لغة أجنبيّة، من الأفضل أن تكون اللغة الفرنسيّة، إلى جانب اللغة العربيّة. لكنّه يكون من غير الحكمة أن نخصّص مكانة ثانويّة لتدريس العربيّة لحساب لغة أخرى. إنّنا على قناعة بأنّ السّاعات التي سنخصّصها لتلك اللغة الأجنبيّة ستكون أكثر نفعا لتدريس الأخلاق والأدب والتاريخ في الإسلام.
إنّ الدّراسة المنطقيّة لمثل هذه الموادّ، موصولةً بدراسة الموادّ العلميّة والمُشكلات العصريّة، ستكون، وهو ما نُدرُكه بيُسر، نافعة للغاية، كي نفكّر في مناقشة مشروعيتها.
بقي علينا، الآن، أن نجيب عن اعتراض يمكن أن يُوجّه إلينا، ويتعلّق بصعوبة أن نَنْتدب بالبلاد التّونسيّة، معلّمات يتعهّدْنَ بتعليم اللغة العربيّة. لعلّكم ما زلتم تتذكّرون أنّنا، عندما تكلّمنا على البرامج الدّراسيّة، ذكرنا أنّ مصر وتركيا وجدتا، منذ مدّة طويلة، حلاّ نافعا للمسألة العويصة المتّصلة بتعليم المرأة، ويَكفي أن نتبنّى تلك البرامجَ ونُدخل عليها التّعديلات الضّروريّة، كي نُطوّعها لحاجاتنا.
ونظنّ أنّه من مصلحتنا أيضا أن نتّبع الطريقة نفسَها في انتداب المعلّمات الّلائي نُقرّ مجدّدا أنّنا نفتقر إليهنّ، أيّمَا افتقار. وعلى سبيل المثال، فإنّ سوريا، وهي بلد اللغة العربيّة، تشهد، منذ مدّة طويلة، تعليما ابتدائيّا أفضى إلى نتائجَ حسنة، بإمكانها أن تزوّدنا بما نحتاجه من معلّمات، كي تنظّم، باللغة العربيّة، تعليمنا النّسائيّ الخاصّ. ونظنّ أنّ هذا الإجراء المؤقّتَ هو وحده الكفيلُ بتمكيننا من أن نوفّر، دون تأخير، إطارات التعليم لمدارسنا للفتيات، وهو وحده الذي يجنّبنا البطءَ المتعلّق بمثل هذه العمليات.
واقتناعا منّا بالفائدة النّاجمة عن هذه الإصلاحات المعروضة عليكم، في هذه المداخلة الوجيزة، وبملاءمتها للظّروف العامّة، فإنّنا نقترح عليكم الأمنية الآتي بيانُها:
1.   أن تُبعث، دون تأخير، مدارسُ جديدة للفتيات، سواء بتونس الحاضرة أو بالمدن الكبرى للإيّالة،
2.   أن يُسدى التعليمُ في هذه المدارس باللغة العربيّة، باعتماد منهجية منطقيّة وعمليّة، وأن تدرّس اللغةُ الفرنسيّة باعتبارها لغة، عند الاقتضاء،
3.   أن يُعاد تنظيمُ المدارس القائمة بالبلاد التّونسيّة طبْق النظام الذي وصفنا،
4.   أن تكون البرامجُ المعتمدة في هذه المدارس مُستلهمة جزئيّا من البرامج الجاري بها العملُ بالمدارس الشّبيهة بكلّ من تركيا وسوريا،
5.   أن تنتدب المعلماتُ المكلّفات بإعداد الإطار التدريسيّ بمدارسنا للفتيات من سوريا، نظرا إلى التقارب في اللغة والعادات القائم بين بلدينا.

تعليق فتيات تونسيّات على تصوّر الزمرلي لتعليم المرأة المسلمة
عرضنا مداخلة الصادق الزمرلي على عدد من الفتيات التونسيّات ممن درسنَ بالجامعة وطلبنا إليهنّ إبداء الرأي في التصوّر الذي يقدّمه الزمرلي سنة 1908.

1." أشعر بأنّني محظوظة لأنّني ولدت وعشت في زمن لم تكن فيه مسألة تعليم الفتاة التونسيّة موضوع جدل اجتماعيّ وثقافيّ وسياسيّ.
فقضية تعليم المرأة التي تبدو لنا اليوم مسألة محسومة وبديهيّة، إلى درجة أنّنا في بعض الأحيان، ننسى الطريق الطويل، والنضال، والتضحيات، والعزم والجهد التي بذلها رجال مثل الصادق الزمرلي، منذ مطلع القرن الماضي، حتّى وصلنا اليوم إلى ما تحقق للمرأة التونسيّة على مستوى التنمية الفكريّة. فألف تحية لهؤلاء الروّاد، لا سيما للطاهر الحداد والحبيب بورقيبة.
  و. س. ع -مهندسة معماريّة شابّة

2." يطالب الصادق الزمرلي بنموذج تعليميّ خاصّ للفتيات التونسيّات المسلمات يقتصر على تعلّم الخياطة والتطريز والرّسم والموسيقى .... وذلك باعتماد اللغة العربيّة فقط، وهو يرى أنّ الفتيات التونسيّات المسلمات لا يحتجْنَ أكثر من ذلك، ولا فائدة من إضاعة وقتهنّ في تعلّم اللغة الفرنسيّة.
هذه المشروع الذي يستند إلى الثقافة والعادات الإسلاميّة وإلى التجربة التركيّة والمصريّة، ويستلهم من البرامج السّوريّة، يعكس رؤية محافظة، تحدّ من دور المرأة التونسيّة.
إنّ الاستراتيجيّة التونسيّة للتعليم، التي أقرّت منذ الاستقلال، قد أحدثت -لحسن الحظّ -تجاوزا لهذا النموذج، ومنحت الفتيات فرصة للانفتاح على الثقافات الأخرى، وإبراز قدراتهنّ الحقيقيّة."
ف. ب، أستاذة جامعيّة.

3- يتحدث المؤلف من تعليم  الفتاة المسلمة و ليس عن التعليم الإسلامي،  و بالإمكان ادراك الفرق بين المفهومين  بالرجوع إلى خطابات شيوخ "مستنيرين جدا" مستوردة  من شبه الجزيرة العربية  في مجال تعليم المرأة فهم ما انفكوا ينبهون إلى أن تعليم المرأة يمثل خطرا حقيقيا على  "الأمة العربية الإسلامية".

في ذلك الوقت، كانت كل من مصر وتركيا وسوريا تتقدم على البلاد التونسية في مجال تعليم المرأة  ولكن اليوم الكل يشهد أن بلادنا تعتبر رائدة في العالم  العربي  في مجالات حقوق المرأة وتعليمهن.
 صادق الزمرلي عرض نظرة حداثية ، واستبقت البورقيبية خاصة في عصر لم تكن قضايا  تحريرالمرأة  وحقوق المرأة و  تعليمها  من المسائل  الحارقة في المجتمع التونسي.
والمثير للاهتمام أيضا في المداخلة، علاولة  على الأهمية التي توليها لتعليم الفتيات هي تلك الدعوة  لتعليم مصمم خصيصا لاحتياجات تونس على أساس متين. و ليس استيراد نماذج "جاهزة لتعليم" من دول إسلامية ولكنها مختلفة ثقافيا ولكن المؤلف  استخدمها كحجة قوية لمواجهة مناهضي تعليم المرأة المسلمة في تونس ، لذلك نراه يدعو إلى  ضرورة إدخال التعديلات اللازمة على البرامج  وفق الخصوصيات الثقافية في تونس.
ومن ناحية أخرى، يشير المؤلف إلى نقص الذي تشكو منه البلاد التونسية  على مستوى الاطارات القادرة على تكوين  المعلمات وهي مسألة  بالغة الأهمية وحاسمة  في التربية و التعليم في الأمس واليوم وغدا.
و أريد أن اختم حديثي بقولة للفيلسوفة سيمون دي بوفوارالتي قالت " لا تنسوا أبدا أنه يكفي أن تحل أزمة سياسية أو اقتصادية أو دينية ليتم التراجع في حقوق المرأة . فتلك الحقوق لا تعتبر مكتسبة و مضمونة بصفة نهائية لذلك وجبت اليقضة طوال الحياة" وكنا في تونس نعتقد خلاف ذلك قبل الثورة و لكن السنوات الثلاثة الماضية بينت لنا عكس ذلك و العمل الذي ينتظرنا "
ع.ع ف . جامعية و ناشطة في المجتمع المدني


تعريب وتعليق الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقدان عامّان للتربية متقاعدان
    تونس ، ديسمبر 2014.


ورقات ذات علاقة


موقع البنات من البكالوريا التّونسيّة من خلال دورة 2011





[1] صدر هذا البحث ضمن أعمال مؤتمر شمال إفريقيا الملتئم بباريس من 6 إلى 10 أكتوبر 1908، تاريخ النّشر 1909، بإشراف M.CH.DEPINCE، المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، قسم الفلسفة والتاريخ وعلوم الإنسان، المجلّد الثاني، ص 283/ 290. والعنوان الأصليّ للبحث هو: L’INSTRUCTION DE LA FEMME MUSULMANE: CE QU’ ELLE DOIT ETRE
[2] الصّادق الزمرلي: 1893/ 1983.درَس بالمدرسة الصّادقيّة ثمّ بالمعهد الأعلى للغة والآداب العربيّة. عمل بجريدة التونسيّ، وكان يترجم إلى العربيّة مقالات عليّ باش حانبة ويوسف القلّاتي. غادر البلاد مع عليّ باش حانبة، ثمّ عاد سنة 1919 وتقلّب في مناصب عديدة. شارك في أعمال مؤتمر شمال إفريقيا بباريس وقدّم مداخلة عن تعليم الفتاة المسلمة. وكان يدعو إلى تعليمها باللغة العربيّة قبل الفرنسيّة.
[3]  تصرّف المحاضرُ في نصّ الحديث:" طلبُ العلم فريضة على كلّ مسلم".
[4] يرجّح أنّه يعني مدرسة الفتيات المسلمات" لويز روني مييي" بنهج الباشا، وهي مدرسة خاصّة أنشئت سنة 1900 بتشجيع من المقيم العامّ الفرنسيّ بتونس ومدير التعليم العموميّ لويس ماشويل.  و قد نجحت التجربة التي قامت بها شرلوت إيزمشتك ;   Charlotte Eigenschneck   حيث يقول الزّاوش " إنّ إدارة المعهد توفقت الى التمتع بثقة الاولياء بسرعة فائقة، و إنّ أقل الأولياء إقداما و أشدّهم تزمّتا سارعوا بترسيم بناتهم في هذه المدرسة ," ووجب بناء أجنحة جديدة في نهج الباشا عدد 88 و رسّم في أوت سنة 1930 من التلميذات 563" و "هنّ أكبر العائلات البرجوازيّة بتونس العاصمة"  . و لم يتجاوز التعليم مستوى الدرجة الابتدائيّة و كان الزاوش يشكو من أن تعليم العربية في هذه المدرسة "يكاد يكون مفقودا" . والواقع أنّ شرلوت إيزمشتك كانت تلاحظ عند اقتبالها السيدات من أعيان المسلمين بالحاضرة بإعانة من تخرجْن من التلميذات أنّ " اللغة الفرنسيّة هي التي أصبحت طاغية الآن في الاجتماعات".
أوْرده شارل أندري. جوليان في كتابه: المُعمّرون و حركة الشّباب التونسيّ، ص 116


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire