dimanche 30 novembre 2025

وثيقة برنامج البرامج (2002): ذاكرة إصلاح بقي في حدود الحلم - الجزء 3

 


 

الهادي بوحوش

في إطار المحافظة على ذاكرة المدرسة التونسية وتثمين ما أنجزه رجال التربية عبر مختلف الحقب، ارتأت المدونة أن تقترح على قرّائها مقتطفات من وثيقة مرجعية مهمّة أصدرتها الإدارة العامة للبرامج والتكوين المستمر في سبتمبر 2002، خلال فترة إشراف الوزير المنصف الرويسي على وزارة التربية. تحمل الوثيقة عنوان
"برنامج البرامج"، وقد وُضعت لتكون إطارًا مرجعيًا يُرافق إصلاح 2002.


تضمّنت الوثيقة، في بدايتها، تشخيصًا لوضع المدرسة التونسية آنذاك، واستعرضت الرهانات الجديدة التي كانت تواجهها، ثم خُصّص القسم الأكبر منها للتعريف بالمقاربة بالكفايات — هذه المقاربة البيداغوجية المستوردة من الخارج والتي تبنّتها وزارة التربية — فبيّنت طبيعتها، وأصناف  الكفايات، وأدوار مختلف المتدخلين في تنفيذها (المعلّم، المتعلّم، الولي)، ووصفت ملامح المتعلّم الذي يُفترض أن يتكوّن وفقًا لهذا التوجّه الجديد. متعلم قادر على التكيّف والتفكير والفعل والاندماج في الحياة العملية والمدنية."

غير أن هذا المشروع الطموح ظلّ حلمًا لم يتحقق، بسبب عراقيل عدّة. وبعد مرور ما يقارب ربع قرن، لا تزال المدرسة التونسية اليوم ترزح تحت نفس الإشكاليات التي رصدها تشخيص تلك الوثيقة.

 

 

ملامح المتخرج من التعليم المدرسي

يمثّل القانون التوجيهيّ للتّربية والتعليم المدرسيّ المرجع الأساسيّ لتحديد ملامح المتخرّج من كلّ مرحلة من مراحل التعليم. فمن مزايا هذا القانون وخصائصه المميّزة مباشرته لمسألة الغايات التربويّة المنشودة ومقاصد التعليم من زواياها المختلفة بنظرة شاملة متكاملة. فقد اعتنى بالأسس والمبادئ التي تقوم عليها و بتجلّياتها في ما تنهض به المدرسة من وظائف وبالمحتويات التعليميّة الكفيلة ببلوغها والكفايات التي يتعيّن اكتسابها لتكتمل صورة المتخرّج وتتحقّق جميع أبعادها. وهكذا فإنّ الملامح المرتقبة في نهاية كلّ مرحلة تعليميّة تشكّل العمود الفقريّ للقانون التوجيهيّ وخيطه الناظم تكاد تستجلى من كلّ فصوله التي جاءت مترتبة بعضها عن بعض وفق تسلسل يتدرّج كالآتي :

-  رسالـة التربيـة : وتأتي في صدارة النّص لتشكّل قاعدة مؤسّسة لغايات التربية والأهداف المنشودة منها وقد حدّدها الفصل الثالث في " تنشئة التلاميذ على الوفاء لتونس والولاء لها وعلى حبّ الوطن والاعتزاز به وترسيخ الوعي بالهويّة الوطنيّة فيهم وتنميّة الشعور لديهم بالانتماء الحضاري في أبعاده الوطنيّة والمغاربيّة والعربيّة والإسلاميّة والإفريقيّة والمتوسطيّة ويدعم  عندهم التفتّح على الحضارة الإنسانيّة.

كما تهدف إلى غرس ما أجمع عليه التونسيون من قيم تنعقد على تثمين العلم والعمل والتضامن والتسامح والاعتدال وهي الضامنة لإرساء مجتمع متجذّر في مقوّمات شخصيّته الحضاريّة متفتّح على الحداثة يستلهم المثل الإنسانيّة العليا والمبادئ الكونيّة في الحريّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان ".

 

-  وظائـف المدرسـة : عن رسالة التربّية التي تحمل تصوّر المجتمع لما ينبغي أن تكون عليه أجيال المستقبل حسّا ومعنى تترتّب مقاصد التعليم ووظائف المدرسة وقد حدّدها النّص (الفصول 7، 8، 9، 10) في :

 

§ التـربّيـة : وتعنى بالجوانب الأخلاقيّة والروحيّة والجسديّة والجماليّة وبتكوين شخصيّة الفرد وإعداد المواطن. فهي مجال إكساب القيم وتغيير السلوك وبناء المواقف ودعم مقوّمات الاندماج الاجتماعيّ.

§ التعليــم : ويهدف إلى تنميّة القدرات العقليّة والتمكّن من المعارف والعلوم ومن ثقافة عامّة تتيح الانخراط في مجتمع المعرفة والتعلّم مدى الحياة.

§ التأهيــل : ويتمثّل في إكساب التلاميذ قدرات ومهارات عليها يتأسّس مستقبلهم المدرسيّ وكفاياتهم المهنيّة اللاّحقة واندماجهم في المجتمع والحياة العمليّة.

وقد حدّد النّص لكلّ وظيفة من هذه الوظائف أهدافا ترمي في تكاملها وتماسكها إلى تحديد ملامح المتخرّج في أبعاده الشخصيّة والمدنيّة والمعرفيّة-الثقافيّة والعمليّة.

-  المراحـل التعليميّـة : إنّ إنجاز الأهداف التربويّة تدريجيّا وعلى مراحل متكاملة تُعدّ السّابقة منها إلى لاحقتها لا يتضارب مع مبدإ استقلال كلّ مرحلة لتكوّن وحدة قائمة بذاتها لها خصائصها المميّزة وغايتها التأهيليّة المستقلّة. ومن هذا المنطلق قسّم النّص التعليم المدرسيّ إلى وحدتين متميّزتين:

§ التعليم الأساسيّ : ويمثّل حلقة قائمة بذاتها وكلاّ متماسكا. فهو الحدّ المستوجب من المعارف والكفايات الذي يتعيّن ضمانه للجميع، وهو القاعدة التي عليها ينبني التعلّم مدى الحياة وتتأسّس قابليّة التكوين والتشغيل. فإلى جانب كونه يؤهّل لمواصلة التعلّم في المرحلة المواليّة أو الالتحاق بمسالك التكوين المهنيّ فهو يعدّ إلى الاندماج في المجتمع والانخراط في الحياة العمليّة.

§ التعليم الثانويّ : إذا كانت غاية التعليم الأساسيّ تمكين الناشئة من قاعدة مشتركة من المعارف والكفايات الضروريّة لبناء المستقبل فإنّ المرحلة الثانويّة تشكّل نقطة تحوّل في تحديد ملامح المشروع المستقبليّ لكلّ شابّ حسب مؤهّلاته وتطلّعاته. فهو يهدف إلى جانب دعم الثقافة العامّة للتلميذ إلى توفير تكوين معمّق في أحد حقول المعرفة أو تكوين متخصّص في أحد فروعها بما يمكّن من الارتقاء إلى التعليم الجامعيّ أو الالتحاق بالتكوين المهنيّ أو الانخراط في الحياة العمليّة.

-  التعلّمــــات : في إطار الحرص على أن تكون مجالات التعلّم ومحتوياتها في خدمة الأهداف المرسومة بيّن النّص القانونيّ الأسس التي يتعيّن اعتمادها في يناء البرامج التعليميّة وحدّد الأهداف المنشودة في كلّ مادّة ووظائفها ضمن مجموعة الموادّ في مقاربة اندماجيّة تقطع مع التجزئة والتفكّك والحواجز الفاصلة بين مختلف التعلّمات. فالبرنامج التعليميّ ليس مجرّد توزيع مضامين معرفيّة على موادّ التدريس بل هو كلّ متماسك مترابط المكوّنات.

-  الكفايات المستوجبة : مراعاة لمبدإ الاندماج داخل كلّ مادّة وبين الموادّ وضمانا لتماسك الأهداف التربويّة حدّد القانون التوجيهيّ الكفايات الأفقيّة التي تسهم كلّ الموادّ في إكسابها. فالكفاية، من هذه الزاوية، تشكّل نقطة التقاء الموادّ واندماجها.

إنّ ما يتجلّى من تدبّر القانون التوجيهيّ للتربّية والتعليم المدرسيّ ومن استجلاء فصوله هو أنّ الغاية القصوى التي تسعى إليها المدرسة هي تكوين الإنسان التونسيّ في كلّيته وفق متطلّبات العصر. ويمكن توزيع ملامحه في الأبعاد التّالية :

§ الأبعاد الشّخصيّة : وتتعلّق بمقوّمات شخصيّة الفرد/الإنسان.

§ الأبعاد المدنيّة : وتعنى بالتنشئة الاجتماعيّة وبتكوين المواطن.

§ الأبعاد المعرفيّة والثقافيّة : وتستهدف التكوين الفكريّ والمعرفيّ والثقافيّ وبما يتطلّبه من كفايات.

§ الأبعاد العمليّة : وترمي إلى تأهيل المتعلّم وإعداده للحياة العمليّة.

ولكلّ بُعد من هذه الأبعاد المتكاملة مكوّنات أساسيّة تشكّل ملامح المتخرّج وما ينبغي أن يكون عليه من مؤهّلات وقدرات ومهارات.

 

انتهى المقتطف الثالث–  للعودة إلى المقتطفالأول  اضغط هنا      --    للعودة إلى المقتطف الثاني اضغط هنا

تقديم و اقتطاع المنجي عكروت ، متفقد عام للتربية

تونس – ماي 2025

للاطلاع على النسخة الفرنسية اضغط هنا

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire