dimanche 2 février 2025

 آفاق التكوين المستمر في الإطار التونسي

 


امال البخاري

تقترح  المدونة البيداغوجية هذا الأسبوع على متابعيها ملخصا من تقرير حول وضع التكوين المستمر للمدرسين بالبلاد التونسية  أنجز سنة 2017 تحت عنوان " آفاق التكوين المستمر في الإطار التونسي : توصيات وة كشف حول الهياكل و الأشخاص – الموارد والنماذج و هندسة التكوين" . أعد التقرير خبيرتان يالمركز الدولي للدراسات البيداغوجية الفرنسي مارقريت ألتات الأستاذة بجامعة نانت الفرنسية  و آمال شويخة بخاري المتفقدة العامة للتربية.


إن التكوين المستمر في البلاد التونسية  عريق  إذ وضعت أسسه منذ سنة 1970 و لكن منذ 2011 أصبح يعيش   أزمة حادة  بسبب تراجع الميزانيات المرصودة و نقص التنسيق بين مختلف الهياكل التي تعنى بتكوين المدرسين و عدم تشريك المدرسين عند إعداد برامج التكوين  وغياب آليات ناجعة للمتابعة وتقييم حلقات التكوين. 

أشار التقرير إلى وجود قطيعة بين :

      التكوين المقدّم و الحاجيات الحقيقية للمدرّس

      أهداف"التمهين" و حقيقة الممارسات البيداغوجية

      الهياكل و رسالاتها ( تعمقت القطيعة بسبب نقص الموارد).

رغم ذلك أشار التقرير إلى وجود نقاط إيجابية أهمها  الوعي لدى المسؤولين بضرورة  الإصلاح  مع وجود هياكل يمكن تدعيمها.

و قدمت الخبيرتان التوصيات التالية للخروج من الأزمة :

      إشراك المدرسين عند ضبط محاور التكوين

      دعم التعاون بين مختلف المتدخلين و تشجيع العمل الجماعي

      بعث هيئة مكونين محترفين

      إدماج الرقمنة في التكوين و تشجيع التجديدات

      وضع نظام تقييم و متابعة لتعقب أثر التكوين على الممارسات في الأقسام.

 

 

9+-9شرعت تونس منذ النصف الثاني من السبعينات وبالأخص بداية الثمانينات في وضع أسس التكوين المستمر الذي بدأ يتبلور تدريجياً، وقد تُرجم ذلك بإنشاء إدارة مكلّفة بالتكوين المستمر عام 1976[1]، وهي إدارة البرامج التي أصبحت في عام 1981[2] إدارة عامة للبرامج والتكوين المستمر تتضمن إدارة فرعية للتكوين المستمر وثلاث مصالح : مصلحة  للتعليم الابتدائي ومصلحتان للتعليم الثانوي والتقني والمهني. كما تم إنشاء هياكل جهوية لتقريب التكوين المستمر من المدرسين، وهي المراكز الجهوية للتربية والتكوين المستمر.

النتائج المحققة قبل عام 2011:  ساعد هذا النظام في إعادة تأهيل عدد كبير من المدرسين وتعويض النقص في التكوين الأساسي، كما أسهم في تقديم عروض تكوين متنوعة. ولكن منذ عام 2011، يعاني التكوين المستمر من أزمة متعددة الأبعاد تشمل تراجع الميزانية و ارتفاع نسبة الغياب  وجمود الهياكل.

الوضع الراهن

 أهداف التكوين المستمر:

لطالما سعى التكوين المستمر إلى تلبية تنوع ملامح المدرسين ، لتعزيز كفاءاتهم المهنية، وإشراكهم في عملية تطوير مهني مستمر طوال مسيرتهم الوظيفية. كما يهدف إلى تحسين نجاعة النظام التربوي عبر إدارة الموارد البشرية بكفاءة و من خلال رفع مستوى تأهيل المدرسين وإشراكهم في تطوير قدراتهم.

الموضوعات المطروحة:

تغطي برامج التكوين مجموعة واسعة من الموضوعات الموجهة لمجموعات مختارة من قبل المتفقدين في دوائرهم. يتم إعداد خطة وطنية للتكوين من قبل الإدارة العامة للبرامج والتكوين المستمر (DGPFC) بناءً على تقارير المتفقدين، ويتم إرسالها إلى 24 مركزاً جهوياً للتربية والتكوين المستمر (CREFOC) لتنفيذها، مع مراعاة احتياجات المدرسين التي يحددها المتفقدون وتوجهات الإدارات الوزارية.

على سبيل المثال، شمل البرنامج الوطني 2015/2016 ستة مواضيع:

       إدماج التلاميذ ذوي الاحتياجات الخصوصية،

       اللغة الفرنسية،

       اللغة العربية،

       مشروع المؤسسة،

       التكوين البيداغوجي،

       استخدام الأدوات الرقمية في المدارس الابتدائية.

 

لقد تم تناول تلك المواضيع في 18 مادة من قبل المتفقدين لفائدة مدرسي الابتدائي و الثانوي غير أن المواضيع المتناولة  تم فرضها من قبل الإدارة المركزية أو المتفقدين دون استشارة المدرسين.

يتواصل تناول بعض المواضيع على امتداد سنتين أو ثلاث سنوات ويتجدد البعض سنويا حسب الحاجيات التي يحددها المتفقدون بناء على زيارات التفقد.

تدوم عادة كل حصة تكوين  نصف  يوم  ( 4 ساعات) و يشارك المدرس الواحد سنويا  بين 3 و 5 حصص.

توزع المواضيع

تقييم الأداء والتحديات:

الإنجازات:

تم تنفيذ حوالي 1350 يوم تكوين من أصل 2650 يومًا مبرمجة في عام 2016، استفاد منها 27675 مشاركًا و يعود سبب عدم إنجاز كامل البرنامج لــ:

       التأخر في إرسال البرنامج الوطني إلى المراكز الجهوية

       تردد بعض المتفقدين في تنفيذ البرامج.

       نقص التنسيق بين الهياكل.

       غياب المتابعة للغيابات.

 

البرامج الجهوية هي مكمل للبرنامج الوطني يتم إعدادها من قبل لجنة جهوية  تتولى تحديد الاحتياجات الخاصة للجهة . على سبيل المثال، في زغوان، حيث يشكل المعلمون النواب نسبة كبيرة (50%) ويعانون من نقص في التكوين البيداغوجي، تم تنظيم حصص أسبوعية لمدة 4 ساعات يؤمّنها المساعدون البيداغوجيون. في عام 2016، تم إنجاز 75% من البرنامج الجهوي بمعدل مشاركة بلغ 80%.

تُستكمل هذه البرامج بتكوين خاص ينظمه المتفقدون وفق الاحتياجات التي يتم تحديدها أثناء زيارات الأقسام. وتتميز هذه التكوينات بأنها ظرفية وموجهة ، وهي أكثر شيوعًا في التعليم الابتدائي، حيث يتم تحديدها من قبل الفريق التربوي للدائرة.

ومع ذلك، تظل أغلب حصص التكوين موجهة لتحسين أو تحديث ظرفي تُقدم غالبًا بأسلوب محاضرات أو بمشاركة تفاعلية (أسئلة وأجوبة، عصف ذهني، ورشات). لكنها تفتقر إلى متابعة منظمة أو مسار متكامل يسمح بتحقيق تنمية مهنية مستدامة.

وأخيرًا، نجد الدروس النموذجية التي يُعدّها المتفقدون لكن المدرسين يعتبرونها بعيدة عن واقع القسم، حيث يجدون صعوبة في تكييفها مع سياقاتهم الخاصة.

الإمكانات والموارد:

الميزانية:

في عام 2017، لم يُخصص للتكوين المستمر سوى 0.4% من الميزانية الإجمالية لوزارة التربية، مقارنة بـ1.6% في عام 2006. بحيث يرصد لكل مركز 20.000 دينار، وقد أثر هذا الانخفاض على قدرة المراكز الجهوية للتربية والتكوين المستمر  على تنظيم الدورات التكوينية وصيانة المحلات خاصة أن العديد منها قديمة و غير وظيفية و لم يتم صيانتها منذ 20 سنة.

تقييم أنشطة التكوين وآراء الفاعلين المختلفين

يقوم المتفقدون عمومًا بتقييم "آني" عبر جمع آراء المشاركين من خلال استبيانات رضا تُوزّع في نهاية الحلقات. ومع ذلك، فإن هذه الاستبيانات لا تُجمع مركزيا ولا تُدرس لا على المستوى الجهوي و لا الوطني، كما أنها لا تقيس الأثر الفعلي للتكوين على أرض الواقع.

لا توجد أي آلية متابعة منهجية لتقييم أثر التكوين على ممارسات المدرسين أو على مكتسبات التلاميذ. في بعض الأحيان، تسمح زيارات الأقسام بملاحظة بعض النتائج، لكنها نادرة وغير رسمية.

يتفق جميع الفاعلين (المتفقدون، المعلمون، ومديرو مراكز التكوين المستمر الجهوية  على حدود التكوين المستمر الحالي ويعبرون عن مخاوف متكررة. ومن بين النقائص المُسجلة، يتم الإشارة إلى الطابع النظري للتكوين، الذي غالبًا ما يكون منفصلًا عن الواقع العملي في الأقسام، إضافة إلى تكرار المواضيع وغياب التجديد، وأخيرًا، غياب المتابعة والتقييم لقياس نتائج التكوين.

يتفق المتفقدون على ضرورة ربط التكوين المستمر بالترقية على أساس الجدارة.

أما مديرو مراكز التكوين الإقليمية، فيشكون من تهميش دورهم، إذ يقتصر على التسيير الإداري، ويعملون كحلقة وصل بسيطة مع الإدارة المركزية دون أي استقلالية لبرمجة أنشطة جهوية ملائمة.

من جهة أخرى، يرى المدرسون أن دور المتفقد كمكوّن ومُقيّم في نفس الوقت يخلق ديناميكية غير ملائمة للتعبير عن صعوباتهم. ويؤكدون حاجتهم إلى تكوين يقدم بدائل تساعدهم على مواجهة مشاكلهم في الأقسام.

إشكالية التكوين المستمر، الملاحظات و الوثائق

       يُنظر إلى التكوين المستمر على أنه ظاهرة غامضة تجمع بين الجذب والنفور. يأتي المدرسون للتكوين على أمل اكتشاف مقاربات بيداغوجية جديدة، ومحتويات مبتكرة أو أساليب حديثة لتحسين ممارساتهم ومساعدة التلاميذ على تحقيق النجاح. ومع ذلك، فإن التكوين قد يثير شعورًا بالنفور، لأنه قد يبدو وكأنه تشكيك في أساليبهم المجربة، مما يهدد استقرار ممارساتهم التربوية.

       يتميز التكوين المستمر بوضعية متناقضة: يُعتبر وسيلة للابتكار والتحسين، لكنه يُنظر إليه أيضًا كعبء قد يُعطّل التوازن القائم.

التساؤلات المتعلقة بالملاحظات

على مستوى الهياكل

       تعاني مراكز التكوين الجهوية من بنى تحتية قديمة وغير ملائمة رغم جهود المديرين وفِرقهم. تُطرح هنا تساؤلات حول كيفية تطوير هذه المراكز، لا سيما عبر استقطاب تمويلات لتجديد البنى التحتية وجعل التكوين أكثر ديناميكية.

       تعتبر المجالس الاستشارية لهذه المراكز أجهزةً سلبية، نادرا ما  تعقد اجتماعات و لا يتم إشراكها في وضع برامج التكوين  . يُثار هنا التساؤل حول كيفية تنشيط هذه المجالس لتعزيز دورها في إعداد وتقييم أنشطة التكوين المستمر.

تمهين المكونين

حاليًا، يعتمد التكوين على المتفقدين الذين لم يتلقوا تكوينا ، وغالبًا ما يكونون بعيدين عن البحوث البيداغوجية الحديثة. هناك حاجة لتوسيع قاعدة المكونين لتشمل متخصصين جامعيين أو مهنيين في مجال هندسة التكوين.

ضعف التعاون والعمل الجماعي

التعاون بين المتفقدين والمدرسين غير كافٍ. يعمل المتفقدون كل حسب تخصصه دون تفاعل مع  المتفقدين الآخرين، ولا توجد ثقافة التعاون. يُعدّ إنشاء شبكات عمل جماعية بين المتفقدين وفي المدارس أمرًا أساسيًا لمواجهة التحديات التربوية الحالية.

نموذج التكوين وهندسته

التكوين الحالي غير إشهادي، مما يثير التساؤل حول مدى ملاءمته وتأثيره على مسار المدرس. إن ربط التكوين المستمر بالتطور المهني للمدرسين، عبر نظام الترقيات أو التحفيزات المالية يستحق الدراسة.

تشخيص الوضع الحالي للتكوين المستمر

منذ عام 2011، يعاني التكوين المستمر من "تعطّل" على عدة مستويات، مع وجود "فجوات" وضعف ومعوقات عديدة ، لكن هناك أيضًا نقاط قوة تم تحديدها. أعرب الفاعلون في التكوين المستمر عن نظرة نقدية وبناءة تعكس رغبة حقيقية في تحسين النظام الحالي غير المرضي.

الفجوات الرئيسية

       فجوات قانونية وهيكلية:

هناك غموض بين الهياكل المختلفة ومهامها، مما يؤدي إلى تداخل في الاختصاصات وضعف في تنظيم التكوين. يجب مراجعة النصوص القانونية لتوضيح الأدوار والقضاء على التكرار.

       فجوة بين التكوين وواقع الأقسام:

لا يزال هناك بون  بين التكوين النظري والواقع العملي للمعلمين في الأقسام مما يحدّ من تحفز المدرسين الذين يشعرون بأنهم بعيدون عن الإشكاليات الحقيقية  التي يواجهونها يوميا في أقسامهم.  يبدو من الضروري إعادة التفكير في التكوين لتقريبه من حاجيات المدرسين و التلاميذ.

       ضعف التعاون بين الفاعلين: لا توجد ثقافة تعاون بين المتفقدين و المكونين الآخرين، والمدرسين. إن العمل التشاركي ضروري لتحسين جودة التكوين و جعله أكثر نجاعة.

 

       فجوة بين هدف الاحتراف والواقع:

 يُنظر إلى التكوين الحالي كعملية عمودية تصدر من الأعلى نحو التحت، يتولى المتفقد المكون بنقل  معلومات  للمدرسين دون اعتبار حاجاتهم. يتطلب تمهين التعليم  مراجعة  المنوال الحالي للتكوين المستمر بتفضيل المقاربات التفاعلية و التشاركية التي تركز على الممارسات الميدانية  و التحليل الانعكاسي.

نقاط الضعف الرئيسية

       نقص التنسيق بين الهياكل  (  مراكز الجهوية للتكوين، معاهد مهن التربية ...) مما يحد من نجاعة التكوين.

       نقص الموارد البشرية اللازمة للتكوين.

       غياب المتابعة والتقييم المنهجي.

النقاط الإيجابية

       وعي بأهمية التكوين المستمر.

       وجود هياكل قابلة للتطوير.

       الإصلاح التربوي الجاري حاليا .

 

العوائق
أشارت الخبيرتان إلى العديد من العوائق التالية، والتي تم رصد بعضها من قبل مختلف الفاعلين. وتوضح القائمة التالية حجم العوائق التي تحد من فعالية التكوين المستمر الحالي:

       أنشطة التكوين تُنفذ بشكل متقطع وغير منتظم.

       غياب ثقافة التكوين المستمر.

       نقص التعاون والمتابعة.

       الغياب شبه التام للبحث العلمي.

       وجود هياكل فارغة أو في حالة ركود.

       رؤية تقليدية أكاديمية وهرمية للتكوين لم يتم تجديدها.

       أنشطة متفرقة، غير مرتبطة بالسياق و دون مرافقة.

       غياب رؤية استراتيجية مشتركة.

       انعدام التناغم بين أنشطة التكوين بسبب غياب مرجعية مشتركة، وتكرار الأنشطة بالنسبة إلى المدرسين بسبب غياب قاعدة بيانات، مع عدم وجود متابعة للأنشطة أو تقييم لأثرها على الميدان.

       غياب ثقافة المساءلة

       هيمنة المتفقدين، مع غياب مكوّنين محترفين ومهندسي تكوين، وعدم إشراك المدرسين في مختلف مراحل التكوين، وغياب تثمين التكوين أو الترقية بناءً على الاستحقاق.

الخاتمة

يواجه التكوين المستمر للمعلمين في تونس العديد من الاختلالات التي تؤثر على فعاليته. و أمامه العديد من  التحديات. لقد حان الوقت لإعادة التفكير في نموذج التكوين المستمر من خلال مراجعة الهياكل، وتنويع المكوّنين، وزيادة إشراك المعلمين في إعداد البرامج التكوينية.

يجب أن يتطور نظام التكوين المستمر في تونس ليصبح محركًا حقيقيًا لاحترافية المعلمين. ويتطلب ذلك الانتقال إلى تكوين استباقي، يركز على الاحتياجات الحقيقية للمدرسين وعلى تطوير ثقافة التعاون والابتكار. إن تنفيذ هذه التوصيات يمكن أن يسهم في تحقيق إصلاح ناجح للنظام التربوي التونسي.

 

المنجي عكروت متفقد عام للتربية متقاعد و ابراهيم بن عتيق استاذ مميز ( التدقيق اللغوي)

تونس – جانفي 2025

    



[1]    أمر 76-829 مؤرخ فس 13/9/1976  يتعلق ببعث إدارة البرامج. 76

 

   القانون عدد 107 لسنة 1990 المؤرخ في 26 نوفمبر 1990 المتعلق بتحويل المراكز الجهوية للتكوين البيداغوجي إلى مراكز جهوية للتربية والتكوين المستمر

امر عدد 2548 لسنة 2003 مؤرخ في 9 ديسمبر 2003 يتعلق بضبط التنظيم الإداري والمالي وطرق سير المراكز الجهوية للتربية والتكوين المستمر التابعة لوزارة التربية والتكوين
 الأمر عدد 1924 لسنة 1991 المؤرخ في 16 ديسمبر 1991 ا

 

[2]  أمر 81-1460 مؤرخ في 6/11/1981 يتعلق  بتنقيح  الأمر 80-955 مؤرخ في 19 جويلية 1980 المتعلق بتنظيم الإدارة المركزية لوزارة التربيىة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire