مداخلات الخبراء
المداخلة الأولى: كانت
للأستاذ إبراهيم بن صالح وقد جاء فيها بالخصوص أن كل اختيار سياسي تربوي ينبني
على مشروع مدرسي وأن كل مشروع المدرسي يرتبط وثيق الارتباط بمشروع مجتمعي. هكذا
كان الأمر مع كل من الأستاذ محمود المسعدي في قانون4 نوفمبر 1958 والأستاذ محمد
الشرفي في قانون 29 جويلية 1991 والأستاذ منصر الرويسي في قانون 23 جويلية 2002.
إن عدد الوزراء الذين تولوا وزارة التربية أدرك 37 وزيرا 25 منهم
تولوها قبل سنة 2011 و 12 وزيرا تولوها بعد السنة 2011 والذي يقفز إلى الذهن مباشرة
هو أن بقاء الوزير الواحد مدة تناهز السنة أو اقل أو أكثر بقليل لم يكن يسمح ببناء
مشروع تربوي استراتيجي لا لشيء إلا لان المجتمع التونسي كان في مرحلة انتقالية والأمر
نفسه في المستوى السياسي العام استولى الوزارة الأولى 12 وزيرا أول وهذا العدد يدل
على أن لا احد من رؤساء الحكومة الذين تداولوا على هذا المصب كان يملك مشروع مجتمعيا
يمكن أن تسترشد به المدرسة وهذا سبب رئيسي من أسباب أزمة المدرسة اليوم لقد كان أهل
السياسة مشغولين بظاهرة الاغتيالات السياسة وبظاهرة الإرهاب وبالصراعات الحزبية
والمنافسات السياسية والاحتجاجات الاجتماعية الحادة الأمر الذي احدث عدة شروخ في
المجتمع كان لها انعكاسات سلبية على المدرسة فضلا عما أحدثه وباء الكوفيد من تعطيل
مدرسي اضعف من مردود المدرسة الكثير.
ثم توقف المتدخل عند أسباب نجاح الأستاذ محمود ألمسعدي في مشروعه
التربوي وإخفاق كل من الأستاذين محمد الشرفي ومنصر الرويسي مشروعهما، فبين أن الأستاذ
محمود المستعدي بنى مشروعه التربوي على أساس الاستجابة لحاجيات المجتمع من وجهين النخبة
الجيدة التي ستقود البلاد والإطارات المتوسطة فكريا وتقنيا لضمان الخدمات الضرورية
للمجتمع، فعدد المسالك التعليمية مما يستجيب لقدرات كل التلميذ أو رغباته .
أما الأستاذ محمد الشرفي فقد
بنى مشروعه التربوي على توجه واحد وهو جعل المدرسة ذات رسالة أساسية واحدة هي ضمان
حد أدنى من التكوين للجميع إلى سن السادسة عشرة من العمر لكن التعليم الأرقى لا
يكون إلا للنخبة دون سواها على أساس أن الأمم بنخبها من المفكرين والعلماء فكانت
نتيجة هذا الاختيار أن عشرات الآلاف من التلاميذ صاروا من رواد الشارع تنهبهم
البطالة والآفات الاجتماعية فلم تطل هذه التجربة واستدرك عليها الأستاذ موصل
الرويسي بقانون 2002 وبين المحاضر أن علاج ناقصة مشروع الشرفي كان بنقيصة لا تقل
خطرا على النقيصة الأولى وهي أن فائض التلاميذ الذي كان مع مشروع 1991 عاد إلى المدرسة
من جديد مع قانون 2002 فتجمعت المدارس واكتظت الأقسام وتراجع مردود المدرسة تراجعا
كبيرا واحتار المدرس بين المقاربات البيداغوجية ولم يفتح في أي منها بسبب هذه الجمهرة.
وهو آمر تعاني من المدرسة إلى اليوم وبقطع النظر عن أنواع المقاربات البيداغوجية
ومدى نجاعة هذه أو تلك فان المدرس ظل بدون تكوين مسبق لأي مشروع تربوي يختاره رجل السياسة
ومن هذا المنطلق دعا الأستاذ ابراهيم بن صالح إلى ضرورة الاعتناء بالمدرس علميا
وصناعيا واجتماعيا فلا إصلاح تربوي دون الارتقاء بمنزلة المدرس ماديا ودون تحسين
منزلته الاعتبارية في المجتمع ودون التخفيف من عدد التلاميذ في الأقسام حتى يؤدي مهامه
بنجاح وفي مناخ مدرسي جذاب ويضيف الأستاذ بن صالح مفتاح كل نجاح تربوي مرتبط بمدى انخراط
المدرس والمدرسة في المشروع التربوي الذي تجمع ألدوله التأسيس عليه لنموذج مجتمعي
استراتيجي.
المداخلة
الثانية للأستاذ عادل الحداد الذي ركز على خمسة عناصر اعتبرها أساسية:
أولا
: التنبيه إلى المفارقة الغريبة التي تشق خطابنا
نقول من ناحية اقتران الوضع الذي يجب أن تكونوا عليه المدرسة ألان بصوره المجتمع
في المستقبل ومن ناحية ثانية لا نملك صورة واضحة عن تونس سنه 2050 مثلا... إننا لا
نملك إلا صورة هلامية عن بلادنا كما نريدها أن تكون في غضون 30 سنة المقبلة وقدراتنا
الاستشرافية إلى حد ألان منعدمة أو محدودة في أحسن حالات. من يحق له بناء هذه ألصورة؟
من عليه هذا الواجب؟ أي دور للقوى المجتمعية وما هو دور النخبة في كل ذلك؟
ثانيا الإشارة إلى إمكانية قراءة تاريخ المدرسة
التونسية انطلاقا من مقاربات مختلفة تتعارض للتمكن من هذا التاريخ وفهمه.
على واجهة ما تفضل به الأستاذين يمكن اعتبار المقاربة المبنية
على التمييز تاريخيا بين منطق الحاجة (دولة الاستقلال) و"منطق الحق" بعد
ذلك وما يترتب عليه من مشكلات واقعية تتعلق بمبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص التي على
النخب الفكرية والسياسية الواجب اعتمادها أن تعالجها.
ثالثا ارتباط مفهوم الأزمة بمفهوم المنظومة إلى
جانب القراءة السريرية (مرض/طب/علاج) يمكن
أن نجازف بمقاربه "تقنية" تسندها"النمذجة السيستمية" فالمنظومة هي كل مركب من نظم صغرى هي بدورها مركبة . وأن سلامة الكل البراغماتية تبقى
رهينة التوازن الداخلي التفاعلي بين النظم الصغرى والتوازن التفاعلي الخارجي الذي
يصل هذا "الكل " بمحيطه القريب (المجتمع بكل نظمه المختلفة) والبعيد (المجتمع
الدولي بكل نظمه المختلفة). يدل مفهوم الأزمة ضمن هذه المقاربة على حدوث خلل أو
عطب في هذا التوازن المضاعف وبذلك تكون المقاربة المنظومية أكثر وجاهة من غيرها من
المقاربات.
رابعا:
الحاجة إلى التمييز بين "الإصلاح المنظومين"
عن الإجراءات الشبيهة التي تبقى ضرورية لكنها لا تعالج العطب إذا أُخذت منعزلة. يمكن أن نجازف بهذا المفهوم للإصلاح:" يؤخذ
هذا المفهوم على معنى اتخاذ سلسلة متجانسة من الإجراءات المتزامنة التي من شانها إحداث
تغييرات هيكلية تمكن المنظومة من استعاده توازنها التفاعلي عبر تحقيق الأهداف المقدرة
، تحقيق تيسره سياسات دقيقة من أجل بلوغ
مرتبة أعلى في مجال التنمية يتحقق فيها التوازن الواقعي بين قدرة ألمجموعة الوطنية
بين الإنساني والاجتماعي. لذلك يجب أن لا نحمل إجراءات المتابعة والتطوير على معنى
الإصلاح ونوهم المجتمع بأننا نصلح المنظومة.
خامسا : يفيد الطابع المنظومي للإصلاح أن
تكون المعالجة بالتدخل في النظم الماكروفيزيائية للمنظومة ونظمها الميكروفيزيائية. وان إهمال
التناغم بين المتدخلين يمكن أن يزيد الوضع تأزما.
المداخلة الثالثة للأستاذ عمران البخاري الذي تحدث بدوره قائلا : "أن المسالة التي تتناول الندوة على غاية من الأهمية إذ تتعلق باستشراف ملامح المدرسة التونسية في ظل التحولات الذي ينتظروا أن يشهدها مجتمعنا.
" "وفي كلمته عطف الأستاذ عمران البخاري على ماورد في مداخلة الأستاذ إبراهيم مستحضرا سلسلة
من الوقائع التي تبين أن المدرسة التونسية "مريضة" وأن تشخيصنا لأعراض هذا المرض متقارب
وتساءل عن إمكانيات علاجها وآليات ذلك وعن دور الفاعلين (الأطباء) ومن يكونون. لم يخف
الأستاذ عمران مشاعر الريبة التي تقارب اليأس حين يتعلق الأمر بإصلاح المدرسة ومستقبلها نظرا
لمظاهر الوهن في مقاربات الإصلاح."
تعليق
صاحب المقال
إثر
المداخلات الثلاث دار حوار ثري معمق وقدا إبان النقاش عن اتفاق واسع مفاده تردي أوضاع
مدرستنا وتراجع مردودها لأسباب عديدة بعضها من داخل المدرسة وبعضها الآخر يعزى إلى
عوامل خارجة عن سلطة المدرسة.
ثم حاول الحاضرون تلمس أهم
اتجاهات تطور المجتمع التونسي وطرح بعض سيناريوهات التي يمكن أن أو ينبغي أن تشدها مدرستنا لتكون متصالحة من
المجتمع. واعتبارا لجسامة الرهانات
ولتشابك المسائل اجمع كل الحاضرين على ضرورة مواصلة الحوار وتنويع فرصه وفضاءاته
مما يحمل المجتمع المدني مسؤولية كبيرة في
تيسير التفكير في واحد من أمهات المعارك القادمة.
على هامش الندوة التقت
الصباح بالأستاذ الازهر التونسي المندوب الجهوي الأسبق للتربية والتعليم الذي صرح
بما يلي : "اعتقد أن المدرسة التونسية تعيش أزمة غير مسبوقة. ورغم اقتناع كل الأطراف بضرورة الإصلاح إلا أن
هذا الأمر قد تأخر كثيرا لأسباب عدة لعل أهمها ضعف الإمكانيات المادية لمجابهة الإصلاح
والمسالة الثانية التي جعلت الإصلاح يتعطل هي عدم اتفاق مختلف الأطراف، خاصة السياسية
منها، على نمط المجتمع التونسي مستقبلا ولهذا كل يرى في الإصلاح فرصة لفرض نموذج
للمجتمع وبالتالي يصبح الإصلاح متعطلا نتيجة عدم الاتفاق على طبيعة المدرسة وملامح
التلميذ المتخرج من المدرسة".
ثم تحدث ألينا الأستاذ عبد العزيز الجربي
المتفقد عام للتربية الذي عبر لنا عما يلي: " في تقديري أزمة التربية و التعليم هي من أزمة
المجتمع في مجمله، فلا يمكن وضع استراتيجية واضحة في مجال التعليم والتربية ما لم
تتوفر رؤية مجتمعية واستشرافية تحدد دور كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية سواء
منها الاقتصادية أو التربوية أو الثقافية".
كما أدلى جمال بن عطوش أستاذ
تعليم ابتدائي باحث في المجال التربوي بدربه على النحو التالي: " في إطار
توصيف الوضع القائم للتربية والتعليم أكد المتداخلون على أن هوية المدرسة غائبة
وبلا مشروع وهذا يعني أن المدرسة لم تستقر على هوية واحدة منذ عقود مما أدى إلى الإقرار
بأن مدرستنا مريضة وأنها قد تركت تاريخها وراءها . وهو ما أدى إلى أن المجتمع الذي
كان يقدر ويقدس المدرسة قد داخله الشك في مدرستهم. كما جاء في إحدى
المداخلات أن المدرسة تشكو من عطب يتمثل في عدم قدرتها على إيجاد التوازن بين
الداخل (الاكرهات الوطنية) والخارجية (اكراهات
التحولات العالمية وخاصة العولمة) وهو ما
يعيد طرح إشكالية النخبوية والجمهرة التي فشل النظام التربوي على امتداد عقود على
حلها مما أدى إلى الإقرار بأن الجودة مسالة قد أصبحت مستحيلة في الشروط الراهنة للمدرسة
التونسية"
"تسائل المتدخلون
حول ماهية الإصلاح التربوي وشروطه العلمية والموضوعية، مبرزين إشكالية التداخل بين
قانوني الإصلاح التربوي لعامي 1991 و2002. وشددوا على ضرورة النظر إلى التربية
كمنظومة ، حيث يتطلب الإصلاح تغييرات هيكلية عميقة. غير أن أغلبهم اعتبر هذا
التوجه صعب التحقيق في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة وغياب
إرادة سياسية واضحة لدعم الإصلاح.
مع إقرار أغلب المتداخلين بتزايد كلفة التعليم وتراجع ميزانية وزارة التربية، رأى المتدخلون أن
غياب رؤية استراتيجية لمستقبل المجتمع التونسي بحلول عام 2050 يُعقّد مهمة الإصلاح
ويحدّ من تجديد الخيارات التربوية. ورغم أن معظم المداخلات اتسمت بالطابع التشخيصي
والتقويمي، إلا أن نبرة التشاؤم هيمنت عليها، مع شعور بالعجز أمام تفاقم الأزمة
التي تعصف بالمدرسة التونسية على جميع الأصعدة. وأشاروا بشكل خاص إلى التحول
الخطير في دور المدرس الذي أصبح أشبه بـ'عون مكلف بالتربية'، في ظل تساؤلات عن
كفاءة الإطار التربوي ومدى انسجامه مع متطلبات المرحلة.
ورغم هذا التشخيص القاتم، طُرحت بعض المقترحات
التي قد تبعث الأمل، أهمها رفع مكانة المدرس معرفياً ومادياً، والدعوة إلى تجنب
تدخل السياسة في عمليات الإصلاح. كما شددوا على ضرورة اعتماد التريث في اتخاذ
القرارات لضمان نتائج مستدامة.
إن إقرار
إطارات سامية سابقة بوزارة
التربية بأزمة المدرسة وتدهور العلاقة بينها
وبين المجتمع نظرا لوجود سرعات مختلفة داخل المنظومة التربوية وبسبب تفاوت بسبب التفاوت الاجتماعي والجهوي ما يؤدي سنوياً إلى انقطاع آلاف التلاميذ التلاميذ. هذا، إلى جانب تعزيز النخبوية وتهميش
عديد المؤسسات التربوية، انعكاساً لإجراءات ارتجالية وتواتر التعيينات الوزارية...
.. إن تجاوز هذه الإشكاليات يتطلب قطيعة جذرية مع
موروث مدرسة الاستعمار الجديد ورفض التدخلات الخارجية في إصلاح المنظومة التربوية.
ودعوا إلى استلهام مقتضيات المسار الثوري الذي أطلقته انتفاضة 17 ديسمبر، بما يرفع
من مكانة المدرسة التونسية ويحقق شعار الحركة التقدمية: 'تعليم ديمقراطي، ثقافة
وطنية، جامعة شعبية'.
خاتمة
وفي المحصلة، عبّرت أشغال الندوة عن أزمة عميقة في
المنظومة التربوية، حيث تعيش جميع الأطراف المعنية – من مربين وتلاميذ وأولياء –
حالة من القلق والغموض حول مستقبل التعليم في تونس. ومن الواضح أن الإصلاح التربوي
لن يكون مثمراً ما لم تُعالج الاختلالات العامة التي تعاني منها البلاد، في ظل
أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية خانقة.
مصدق الشريف أستاذ تعليم ثانوي و صحفي
صفاقس – أكتوبر 2024
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire