dimanche 7 janvier 2024

كشف عن المشاركة في الاستشارة الوطنية حول مستقبل التربية و التكوين في البلاد التونسية

 

 


أطلقت وزارة التربية الوطنية، مع بداية السنة الدراسية 2023-2024، استشارة وطنية حول مستقبل التربية والتكوين في تونس؛ واستمرت هذه الاستشارة مدة ثلاثة أشهر من 15 سبتمبر إلى 15 ديسمبر 2023 .

والآن بعد أن انتهت الاستشارة  ، أرادت المدونة البيداغوجية أن تقدم لقرائها كشفا  و قراءة في المشاركة في هذه الاستشارة الجديدة، وللقيام بذلك استخدمنا البيانات الإحصائية المعروضة على المنصة الرسمية للاستشارة  يوم 19 ديسمبر (https://e-istichara.edu.tn/home)  من جهة وإحصائيات المعهد الوطني للإحصاء الخاصة بالسكان التونسيين (بيانات تتعلق بيوم 1 جويلية 2021 بالنسبة إلى الفئات العمرية وبالنسبة إلى السكان حسب الولايات   https://www.ins.tn/statistiques/111.

 

المشاركة العامة ضعيفة جدا.

حسب المنصة الرسمية للاستشارة بتاريخ 19 ديسمبر 2023، فإنّ عدد المشاركين  قد بلغ  580.399 شخصا، وإذا قمنا بتحليل هذا العدد و مقارنته بإجمالي السكان الذين تزيد أعمارهم على 10 سنوات في 1 جويلية  2023  حسب معهد الإحصاء  (9،953،924)، حصلنا على نسبة مشاركة  تقدّر بــ 5.8%، (استثنينا السكان الأقل من 10 سنوات (1,996,306) لأننا نفترض أنهم لا يملكون القدرات الكافية للمشاركة في الاستشارة).

إن هذه النسبة تعتبر ضعيفة ، وهي تذكرنا بنسبة  المشاركة في الاستشارة السابقة التي أجرتها الحكومة عام 2022، ويرى المختصون في استطلاعات الرأي  والاستشارات "أنّ نسبة الاستجابة التي تقل عن 10% تعتبر منخفضة للغاية"، ويبدو أن " متوسط  المشاركات في   العالم يتراوح بين 20 و30%  و أما  نسب ما فوق 50% فهي تعتبر نسبا جيدة، وحتى جيدة جدا".[1].

أمّا إذا قارنا بين عدد المشاركين من الفئة العمرية ما بين 9 و 19 سنة  الذي يقدر بــ 377.261  شخصا و عدد تلاميذ الابتدائي و الإعدادي و الثانوي حسب إحصائيات وزارة التربية[2] (  2.820.745)، فإنّنا نحصل على نسبة مشاركة تقدّر بــ 13.4 % وهي نسبة دون المستويات التي تعتبر متوسطة.

المشاركون حسب الفئات العمرية (البيانات التي تعرضها المنصة بتاريخ 19 ديسمبر 2023.)



باعتماد البيانات التي نشرتها منصة الاستشارة بتاريخ 19 ديسمبر 2023، أي بعد انتهاء الاستشارة، واستنادا إلى  الرسم البياني أعلاه، يمكن أن نستنتج ما يلي:

-  أولا هناك فجوة كبيرة بين الفئات العمرية إذ أنّ نصف الذين شاركوا في الاستشارة تقريبا هم من فئة الشباب دون سن العشرين (65%)، تليها فئة البالغين (من 20 إلى 65 سنة) وهم يمثلون ثلث المشاركين تقريبا ( 33.41٪)، منها   20.2٪ أعمارهم بين 41 و65  سنة .

ويمكن تفسير هذا التوزيع غير المتوازن إلى حد ما بالجهود التي بذلتها مختلف هياكل وزارة التربية  التي قامت بحملة تعبئة واسعة النطاق لحث التلاميذ على المشاركة في الاستشارة؛ وهي مجرد فرضية يتعين التحقق منها بعد نشر إحصاءات مفصلة حسب التركيبة المهنية و الاجتماعية للمشاركين.

ولكن على الرغم من أهمية التعرف  على هذا التوزيع  الذي يمكن أن يكون مفيدًا، يبقى هذا الاستنتاج - في رأينا- غير كاف، ولذلك قمنا باحتساب نسب المشاركة باعتماد  عدد المشاركين  من كل فئة عمرية وعدد تلك الفئة  باستخدام تقديرات المعهد الوطني للإحصاء التي تعود إلى غرة جويلية  2021. هذه العملية الحسابية أعطتنا النتائج التالية:



 

تؤكد البيانات بالرسم أعلاه ضعف نسبة المشاركة مهما كانت الفئة العمرية، فحتى لو تمكنت الفئة العمرية 5-19سنة من تجاوز عتبة 10%،  فقد حققت الفئات العمرية الأخرى نسبا متدنية  جداً (أقل من 4%)،  2.3% فقط  من الفئة العمرية 20-39 شاركوا في الاستشارة، ولم تكن مشاركة السكان الذين تزيد أعمارهم على 40 عامًا أفضل إذ أنّ 4.3٪ منهم فقط بادروا  بالمشاركة في الاستشارة.

و الحالة على ما هي، هل يمكن القول إن نتائج الاستشارة تعبّر عن آراء التونسيين؟ وهل يمكن اعتمادها في اتخاذ قرارات تلزمهم ؟ في حين أن 4.9% فقط من بينهم قد أبدوا آراءهم حول مستقبل نظام التعليم التونسي.

كيف نفسر هذه المشاركة الضعيفة؟

تبعا للدراسات المنجزة حول مثل هذه الاستشارات، فإنّ درجة المشاركة تتأثر  بعوامل كثيرة، بعضها مرتبط بنوعية الأسئلة (وضوح الصياغة ودقتها ...)، والبعض الآخر مرتبط بالآلية المعتمدة ( الاستجواب المباشر / المنصة الالكترونية ...)   و بموضوع الاستشارة، و هناك أيضا العوامل التي ترتبط بالمجموعة المستهدفة  (درجة تحمسها ، مدى  وعيها بأهمية الموضوع، ثقتها في الطرف الذي أطلق الاستشارة، ...).

وفي حالة استشارتنا، يمكن تفسير معدلات المشاركة الضعيفة جدًا بالعوامل التالية :

 

أ)  العامل الأول هو أن الاستشارات الإلكترونية في تونس ممارسة حديثة العهد.

من بين عوامل ضعف المشاركة غياب تقاليد  اعتماد الاستشارات الإلكترونية في بلادنا فقد بدأت في الظهور قبل سنوات قليلة فقط في إطار ما يسمى بالحكومة المفتوحة (OGP) أو المشاركة الإلكترونية، فحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعود إلى سنة 2020   "شهدت السنوات الأخيرة (في تونس) انتشارا للمنصات والتطبيقات والمواقع الرقمية، التي يفترض أن تسمح للمواطنين إما بالتعبير عن رأيهم، أو للإعلام عن المشاكل... لكن على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هذه المنصات قليلة الاستخدام... ولا تزال البيانات المتعلقة بالوصول إلى المنصات منخفضة للغاية مقارنة بعدد السكان، ، فقد سجلت على سبيل المثال استشارة 2022 (جانفي - مارس) مشاركة  535 ألف مواطن فقط، وهو العدد نفسه تقريبًا المسجل  في الاستشارة الأخيرة.

 

ولا ترجع هذه الحالة إلى نقص في المعدات، إذ أقر التقرير أن "تونس تمتلك بنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات قادرة تماما على الاستجابة لاحتياجات المشاركة الإلكترونية. ففي سنة 2019، كان عدد خطوط الإنترنت (الثابتة والمتنقلة) أكثر من 10 مليون خط لــ 11.5 مليون نسمة، مما يعطينا معدل اشتراك في الإنترنت يصل إلى 85.7% ، في حين أن ما يقرب عن 46.1% من الأسر لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت. [3]

و حسب إحصائيات تعود إلى  2022، يقدر عدد مستخدمي الإنترنت بنحو 8 ملايين شخص، و بلغت نسبة الوصول إلى الإنترنت نسبة  66.7%..[4]

 

ب) ارتفاع نسبة الأميين: وفقًا لإعلان أدلى به وزير الشؤون الاجتماعية في سبتمبر 2023، يبلغ عدد الأميين في البلاد حوالي مليونيْ نسمة، أي حوالي 20٪ من السكان، ولكن يتم استبعاد هذه المجموعة تلقائيًا وبالتالي لم تتمكن من المشاركة في الاستشارة.

ج) عدم اهتمام أغلبية التونسيين بالشأن العام بعد الحماس الكبير والنشوة التي عاشوها بعد 2011، تحول الوضع إلى خيبة أمل عميقة للغاية تتطلب قدرا كبيرا من العمل التوعوي واتخاذ تدابير ملموسة تمس حياة التونسيين لاستعادة الثقة بين الشعب ومن هم في السلطة، ولكن هذا يتطلب الوقت والمثابرة.

المشاركة حسب المنطقة

دعونا الآن نحلل المشاركة حسب جهات البلاد المختلفة، ونحاول تحديد الاتجاهات الرئيسية لهذا التوزع:

أ) العدد الجملي للمشاركين حسب الولايات



 

نلاحظ وجود فجوة كبيرة جدا بين الولايات إذ أن عدد المشاركين في الولاية التي تتصدر الترتيب (المنستير)  كان يمثل  7 مرات عدد المشاركين من الولاية التي تحتل المرتبة الأخيرة (تطاوين)، لكن إذا أمكن تفسير هذه الفجوة جزئيا بسبب الفارق في حجم هاتين الولايتين فالمنستير تعد حوالي 4 أضعاف عدد سكان تطاوين، و لكن هذا لا ينطبق على ولايات أخرى مثل تونس وباجة والقصرين وسيدي بوزيد فقد سجلنا عددا متقاربا إلى حد ما من المشاركين (بين 33.000 و 36.000) في حين أن عدد سكان كل منها مختلف تمامًا كما هو موضح في الجدول التالي:

الولاية

عدد السكان

 في 1جويلية 2021

المشاركون في الاستشارة

تونس

1.075.015

35.462

باجة

0.308.148

33.809

القصرين

0.463.498

34.923

بن عروس

0.715.490

33.304

سيدي بوزيد

0.537.457

35.843

 

 


وعندما نستخرج نسب المشاركين في ولاية  باعتماد إجمالي عدد سكانها (وفقًا لآخر تقديرات المعهد الوطني للإحصاء التي تعود إلى 1 جويلية 2021)، نحصل على تصنيف جديد للولايات يتميز بما يلي:

 * فجوة كبيرة جداً بين المرتبة الأولى و المرتبة الأخيرة (فارق 10 نقاط).

12 * ولاية تتواجد دون النسبة  الوطنية، منها 4 ولايات ذات نسب مشاركة ضئيلة (أقل من 3%).

*  أمّا الولايات الإثنتا عشرة الأخرى التي سجلت نسب مشاركة أعلى من النسبة الوطنية فيوجد  أغلبها بالمناطق الداخلية ( باستثناء ولايتي المنستير و المهدية ) و هي ولايات تشترك في ضعف نتائجها في الامتحانات الوطنية و قد يكون ذلك من العوامل المفسرة للكثافة النسبية للمشاركة في الاستشارة و حرصهم على إيجاد حلول للوضعية المتردية التي يعيشها قطاع التربية في تلك الجهات.

ختاما و دون أن نستبق الأحداث حول ما ستفرزه الاستشارة يمكننا أن نتساءل عن مدى تمثيلية نتائجها أمام ضعف المشاركة  و على المسؤولين  أن يفكروا في الوسائل التي تساعد على تعبئة السكان و جعلهم ينخرطون في الشأن العام و يؤمنون بدور العمل التشاركي وفوائده.

المنجي العكروت متفقد عام للتربية متقاعد

تونس – جانفي 2024.

للاطلاع على النسخة الفرنسية –اضغط هنا

 

 



[2]Ministère de l'éducation, statistiques scolaires pour l'année scolaire 2022/2023. http://www.edunet.tn/article_education/statistiques/stat2022_2023/stat_scolaire.pdf

[3]Source : Site du MTCEN https://www.mtcen.gov.tn/fileadmin/user_upload/Core_indicators_on_access_and_use_of_ICT_by _households_and_individuals_Fr_2017-2018.pdf, Chiffres pour l’année 2018 – Accédé le 10 janvier 2020

[4] https://www.telecomreviewafrica.com/articles/divers/3562-les-avancees-technologiques-en-tunisie-et-le-role-des-medias-sociaux

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire