dimanche 5 février 2023

بعض النتائج المنحرفة للإصلاح التربوي لسنة 2002 في تونس:التعلمات الاختيارية ومادة إنجاز مشروع نموذجا[1] : القسم الثاني

  

مصطفي الشيخ الزوالي

تواصل المدونة هذا الأسبوع نشر بحث الدكتور مصطفى الشيخ الزوالي الذي تناول فيه بالدرس إشكالية مهمة جدا في علاقة بمصير التجديدات البيداغوجية انطلاقا من تجديدين تم إقرارهما بالبلاد التونسية مع إصلاح 2002هما التعلمات الاختيارية ومادة انجاز المشروع.

في القسم الأول من البحث عرض علينا الباحث التجديدين مبرزا أهميتهما في تكوين المتعلم، ويهتم هذا القسم الثاني بالإطارين النظري و البيداغوجي للتجديدين. ( للعودة إلى القسم الأول - اضغط هنا)

تتقدم المدونة بالشكر إلى الدكتور الشيخ الزوالي على الثقة التي وضعها فيها بالسماح لها بإعادة نشر هذا البحث القيم.

 

 

"إنّ الإصلاح المُؤمّل اليوم إصلاحٌ لمنظومة القيم والمثل، قبل أن يكون إصلاحا تقنيّا أو بيداغوجيا... إصلاحٌ ينبغي أن يقوده ابتكارُ القائمين على الشّأن التربويّ حلولا للقضايا المطروحة تكون مغايرة للحلول السّابقة...."

الهادي بوحوش والمنجي العكروت(2015)

القسم الثاني : الإطارين النظري و البيداغوجي للتجديدين

 

الإطار النظري

يعتبر مفهوم المشروع المفهوم المركزي لكل من التعلمات الاختيارية وإنجاز مشروع. ترجع كلمة  "Projet"الفرنسية إلى الأصل اللاتيني "projiere" وتعني" Jeter en avant" أي "رمى إلى الأمام". نقرأ في "القاموس الصغير للغة الفرنسية" أن كلمة مشروع تعني "الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه"، الفكرة التي نكونها عما سنقوم به وعن الوسائل التي سنستخدمها". أما التحديد الأعم حسب القاموس نفسه: "المشروع هو الفعل الذي نعتزم إنجازه في المستقبل".

  ظهر مصطلح المشروع لأول مرة في بداية القرن العشرين بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك في سياق محاولات تسوية مشاكل الإدماج التي أفرزتها الموجة الكبيرة من المهاجرين إلى هذا البلد. وقد أرسى أنصار المدرسة السلوكية في علم النفس وكذلك منظرو التربية والفكر البراغماتي أمثال "جون ديوي" الأسس العلمية لمصطلح المشروع ويمكن القول إنه "بدون مصطلح المشروع لا يمكن أن نفهم البراغماتية"(Boutinet 1993  P.127)"[2] 

بالنسبة إلى الاستخدامات المعاصرة لمصطلح المشروع فهو "يلقى رواجا كبيرا في أيامنا هذه ويشمل كامل الحياة الاجتماعية وكل ميادين العلوم الإنسانية" (270Boutinet 1993, P.).

يمكن تحديد ثلاثة أسباب تجعل علم الاجتماع، وكل مجتمع حديث يتناوله هذا العلم بالدراسة، يهتم بمصطلح المشروع وهي:

-         الحاجة إلى التأقلم مع التحولات الدائمة للمجتمع ما بعد الصناعي.

-         ضرورة التخفيف من وطأة الهيمنة البيروقراطية التي تفرزها المجتمعات الحديثة.

-         تناقص التجانس في القيم المرجعية المعدلة للعبة الاجتماعية، مما يعني غياب الإجماع حول مشروع مجتمعي شامل[3]، ذلك أن المجتمع الحديث مهدد باستمرار بما سماه "دوركهايم" بحالة "الأنوميا"[4] (Boutinet 1993  P.143)

أما في علم النفس، وبالخصوص في علم نفس التوجيه، فنجد أن صياغة المشاريع تضفي معنى على العمل المدرسي وعلى الحياة عموما. وتسمح فكرة المشروع للتلميذ الذي يصل مرحلة معينة من مساره الدراسي أن يستبق المرحلة الموالية ويضفي معنى على مستقبله.

لتوضيح صلة مصطلح المشروع بمصطلح التجديد نشير إلى إحدى العبارات المتداولة في علم اجتماع الفعل-وهو الاختصاص الذي أفرد عناية خاصة لهذا الموضوع - فهو يعتبر المشروع الطاقة المبدعة باستمرار للتجديد عند الأفراد والجماعات. ولذلك ليس من الغريب أن تحضر فكرة المشروع في كل التجديدات المؤسساتية. أشارت "فرانسواز كروس" لظاهرة استبدال مفهوم التجديد بمفهوم المشروع فنتحدث أحيانا عن "مشروع التجديد" (Cros1994,p.529). بهذا المعنى فإن كل التجديدات التي أطلقتها وزارة التربية في تونس هي "مشاريع تجديدات" بما في ذلك  تلك المتمحورة مباشرة حول فكرة "المشروع".

الإطار البيداغوجي:

نطالعه بالوثيقة البيداغوجية المرجعية لكل من المادة الاختيارية إنجاز مشروع والتعلمات الاختيارية. سوف نستخرج نقاط التشابه ونقاط الاختلاف بين كل من التعلمات الاختيارية وإنجاز مشروع كمادة اختيارية. وسوف نعتمد في هذه المقارنة الطبعتين الأخيرتين لكل منهما.

نستهل المقارنة بالجدول عدد1 الذي يعرض أوجه الاختلاف بين التجديدين:

الجدول عدد1 : أوجه الاختلاف بين مادة إنجاز مشروع والتعلمات الاختيارية

 

التعلمات الاختيارية

إنجاز مشروع

المستفيدون

انطلقت التجربة مع كل التلاميذ المرسمين بالثامنة والتاسعة أساسي خلال الموسم الدراسي 2003-2004 ثم شملت تلاميذ التاسعة أساسي والأولى ثانوي في الموسمين الآخرين

(أكثر من ربع مليون تلميذ كل سنة)

عددهم محدود جدا، كل من "يختار" إنجاز مشروع كمادة اختيارية في بداية السنة الثالثة ثانوي ليواصلها بالسنة الرابعة ثانوي

انطلق العمل بمادة إنجاز مشروع في سبتمبر 2006 مع 1042 تلميذا من المرسمين بالثالثة ثانوي.

توزيع التلاميذ

يضم الفوج ما بين 15 و20 تلميذا . ويتوزع كل فوج على مجموعات بخمس تلاميذ وتشتغل كل مجموعة منها على فرع من فروع المشروع وتشترك مع المجموعات الأخرى في تقديم منتج نهائي يخص المشروع المقترح

لم تحدد الوثيقة البيداغوجية بدقة عدد التلاميذ في كل فوج ولا في كل مجموعة.

التنشيط

مدرسان/ ساعتان أسبوعيا. شرط التقاطع بين مادتين دراسيتين وذلك لتجسيم مبدإ تداخل المواد وتكاملها.

مدرس واحد/ ساعتان أسبوعيا.  المطلوب من المدرس الواحد الاجتهاد في تجسيم مبدأ تداخل المواد.

المجالات

الخمس مجالات التالية: اللغات والحضارات، علوم الطبيعة، التقنيات والمهن، الفنون والإنسانيات، العلوم والتكنولوجيا

كل مجالات المعرفة دون تحديد معين

الأهداف

العامة المميزة

تمكن التلميذ من أسباب النجاح في عملية التوجيه المدرسي وذلك بتربية التلميذ على الاختيار عبر اكتشاف مسارات تكوين متنوعة تفتح على آفاق مهنية قد تستهويه لاحقا

إعداد التلميذ للتعامل مع أنشطة البحث العلمي والمعرفي التي سيخوض غمارها في مرحلة التعليم العالي

 

             أما نقاط الالتقاء وأوجه التطابق بين المادتين فتتجلى في العناصر الأساسية لبيداغوجيا المشروع كما تناولتها الوثيقة البيداغوجية  لكل من المادتين، نلخصها في الملاحظات التالية:

-         نلاحظ وجود أربعة أهداف مشتركة من جملة خمسة أهداف عامة نطالعها بالصفحة السادسة من الوثيقتين:

§        تنمية روح المبادرة عند التلميذ...

§       تدريبه على البحث عن المعلومة...

§        تعميق تكوين التلميذ في حقل من حقول المعرفة يختاره بنفسه،

§        التعامل الإيجابيّ مع تنوّع ملامح التلاميذ وعدم تجانسهم.

-         تلي الأهداف العامة –بالترتيب نفسه في الوثيقتين- الكفايات الأفقية المستهدفة وعددها ثمان وهي :

§       ينجز المتعّلم مشروعا،

§       يتوخّى منهجيّة عمل ناجعة،

§       يستثمر المعطيات،

§        يعبّر بالطرائق الملائمة من أجل التواصل،

§        يوظف التكنولوجيات الحديثة،

§       يحل المسائل،

§        يوظف التواصل للعيش مع الآخرين والعمل معهم،

§       يمارس الفكر النقديّ.

-         أما  التمشيات التي من شأنها أن تسهم في تنمية المهارات والكفايات المشار إليها في الفقرات السابقة فهي:

o      تداخل المواد، 

o      توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال،

o       العمل الجماعي،

o      التفتح على المحيط،

o       التمشي التجريبي،

o       التعامل الإيجابي مع تنوع ملامح التلاميذ وعدم تجانسهم( البيداغوجيا الفارقية)

-         يتوزع إنجاز المشروع على المراحل الأساسية التالية:

o      أولا: الإعداد (اختيار المشروع، تحديد الموارد الضرورية، تنظيم العمل، حصر الصعوبات المحتملة)

o       ثانيا: الإنجاز (البحث عن مصادر المعلومات، اختيار الأساسي منها، تصنيفها، دراستها، تبليغها لأفراد المجموعة، ثم التشاور في شأنها لاختيار ما هو مناسب للمشروع والتنسيق بين مختلف المساهمات).

o      ثالثا: التقييم (تقييم عمل الأفراد وعمل المجموعة أثناء الإنجاز وتقييم المنتج النهائي)

-         إن حصة " إنجاز مشروع" ليست درسا عاديا يقدم فيه الأستاذ محتوى معرفيا جاهزا يتعلق بمادة دراسية معينة ويكون جزءا من برنامج محدد مسبقا ينفذه الأستاذ اعتمادا على اختصاصه الأصلي. بل هو يتابع ويؤطر ما يقوم به التلاميذ حتى يمكنهم من استحضار معارف سابقة ومن توظيف قدرات امتلكوها في حصص الدروس المختلفة. يلخص الجدول عدد2 دور كل من التلميذ والأستاذ حسب ما ورد بالصفحات 8و9و10من الوثيقة البيداغوجية لإنجاز مشروع والصفحات 28، 29، 31و32 من التعلمات الاختيارية:

 

الجدول عدد2: دور كل من التلميذ والأستاذ خلال مراحل إنجاز المشروع

المراحل

دور التلميذ

دورالأستاذ

قبل الإنجاز

يساهم في اختيار النشاط

يساهم في تنظيم العمل

أثناء الإنجاز

يبحث عن المعلومة ويستثمرها

يرافق التلاميذ في أعمالهم

يتصور حلولا للمشكلات التي تعترضه

يشجعهم على العمل

يتعاون مع زملائه

يساهم في تقييم أعمالهم مرحليا

يسهم في تقييم عمله

يعدل المسارات والعلاقات عند الاقتضاء

بعد الإنجاز

يسهم في تقييم عمله

يساهم في تقييم أعمالهم نهائيا

 

والخلاصة أن المادة الاختيارية إنجاز مشروع- وكذلك التعلمات الاختيارية-  ليست تجديدا بيداغوجيا بسيطا بل هو مركب جدا، إذ يتضمن في الوقت نفسه تجديدات عديدة ومكثفة.  يتطلب التعليم بطريقة المشروع التحول من المواد المنغلقة على نفسها إلى التداخل والتكامل بين المواد التي يحتاجها التلميذ في إنجاز أشغاله. ويتطلب أيضا استخدام طرق جديدة في التنشيط وتمشيات بيداغوجية غير مألوفة في النمط التقليدي السائد ويدعو بالخصوص إلى توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعلم.

 

انتهى الجزء الثاني – يتبع -  للعودة إلى القسم الأول – اضغط هنا .

مصطفى الشيخ الزوّالي ، مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي/تونس

للاطلاع على النسخة الفرنسية – اضغط هنا



[1]   هذه الدراسة منشورة بالعدد 264 من مجلة الحياة الثقافية (أكتوبر 2015).

 

[2]  Le projet est un concept sans lequel le pragmatisme est inintelligible 

-أو الذرائعية- هي مذهب فلسفي يأخذ بعين الاعتبار القيمة العملية للأشياء كمقياس للحقيقة. ومن مبادئه أيضا ديمومة التغيير ونسبية القيم.

[3]   شيوعي، علماني، مسيحي، إسلامي...

[4] حالة"الأنوميا"( Anomie ): أو اللامعيارية تعني انعدام التوازن المجتمعي وانهيار المعايير التي تنظم السلوك و توجهه

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire