تـقديم
الكتاب
ماذا عن أسباب وَهَن منظومتنا التربوية ؟ وما هي سبل
الحيلولة دون مزيد تعمّق أزمتها ؟ وكيف نُنجز إصلاحا جوهريا لمدرستنا التونسية
يؤهلها لتأدية وظائفها الأساسية وما هي مداخله ؟ وما الذي عطّل محاولات الإصلاح
المتتالية ؟ ولماذا لم نقدر طيلة عشرين سنة على الارتقاء ولو جزئيا بأداء نظامنا
التربوي؟ كلها أسئلة يتداولها جميع التونسيين مربّون وسياسيون وأولياء
وإعلاميون...بما يؤشّر على أن الموضوع مُركّب ومحاولة الإجابة عن إشكالياته
المعقّدة أو معالجة البعض منها تُعدّ من قبيل المُجازفة والتأثّر بمقولة الفيلسوف
بيتاغور "اختر دائما الطريق الذي تبدو لك الأنسب حتى وإن كانت الأصعب:
ستتكفل العادة قريبا بجعلها مُمتعة".
لذلك خشيتُ على الباحث مصطفى الشيخ الزوالي عندما رأيته
يشتغل على الإصلاح التربوي لسنة 2002 ومدى توفّقه إلى تحقيق الأهداف التي رسمها
لنفسه في ارتباط بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العام السائد موضوعيا آنذاك وباتجاهات المدرّسين وشخصياتهم ومساراتهم وواقع المؤسسة
التربوية من الداخل على المستوى الذاتي، علاوة على تقصّي ما حفّ بموضوع المواد
الاختيارية كجزء من منظومة التعلّمات النظامية من جدل وتفاعلات تجاوزت المدرسة
ليتناولها السياسيون وقادة الرأي داخل تونس وخارجها.
خشيتُ عليه من الغوص في رمال مبحث يتحاشاه الجميع لأن
الموضوع بصورة عامة شاسع الأطراف، وأن مسألة التجديد تستعصي على التحديد العلمي
الدقيق كما يرِدُ في أغلب الأدبيات التي تعرضت لمفهوم التجديدات البيداغوجية
والتربوية، بالإضافة إلى طبيعة الجمهور الذي يستهدفه هذا الكتاب والذي ظننتُ
للوهلة الأولى أنه لن يتجاوز بعض المشرفين البيداغوجيين داخل منظومتنا التربوية.
لكن خشيتي سرعان ما تبدّدت وأنا أتقدم في قراءة الكتاب، فتأكّدت أنه في متناول
عامّة القائلين بتراجع مردود المدرسة التونسية لأنه كُتب في لغة مجدِّدة ومستساغة
تقرأ النصوص المرجعية بتأنّ وتولّد معانيها ولا تجازف بإلقاء الأحكام بقدر ما تطرح
التساؤل تلو الآخر علّها تظفر ببعض عناصر الإجابات الأولية.
بالرغم من عودة الكاتب - جرّاء حذره الأكاديمي الشديد- إلى كبار الباحثين
في مجالات علوم التربية بصورة عامة وخاصة مَن تناول منهم مسألة التجديدات
البيداغوجية تحديدا تأمينا لمتانة علمية وصرامة موضوعية لا يستقيم أي بحث علمي
بدونهما، إلا أنه لم يحرمنا من متعة ما يُتيحه "المنهج الدراسي الخفي"
من اطلاع على سِير حياتية اكتنفتها الطرافة والعمق لمُدرّسين كانت لهم مواقع
متباينة حيال التجديدات التي أرساها آخر إصلاح تربوي سنة 2002. لقد فسحت الملاحظات
الميدانية والمقابلات البؤرية والفردية المجال أمام القارئ للإطلال على تفاصيل
مسارات حياتية ذاتية أرخت بظلالها على سلوكات هؤلاء الأفراد في مراحل لاحقة يوم
أصبحوا مدرّسين يَقبلون التجديدات ويتحمسون لتطبيقها أو يرفضونها أو يقفون موقف
المتفرج السلبي إزاءها ريثما تطرأ عناصر جديدة في الواقع التربوي تحسم الأمر في
هذا الاتجاه أو ذاك.
سيحفظ التاريخ لهذا المؤلَّف الجديد الذي سيُثري بكل
تأكيد مكتبتنا التربوية التونسية والعربية ويُغنيها باعتبار فردانية المسائل التي
يتناولها من ناحية وشحّ الكتابات المتخصصة في شؤون التربية والتعليم وتقييم مآلات
الإصلاحات التربوية المتعاقبة وإخضاع مختلف العوائق إلى محكّ الدراسة الموضوعية
والقراءة التحليلية من ناحية أخرى. كما سيُسجّل لهذا الكتاب أنه قال عاليا ما
يقوله الجميع بصوت خافت، حيث عمل على تفكيك منطق النقابات الرافض لكل إصلاح (فتجد
برامج الإصلاح عامة في قطيعة مع من سيُدعون إلى تنفيذها) والمحكوم فكريا إما
بترسّبات تدّعي الحداثة ولكنها توغل في تعطيل أي مشروع يسعى إلى إخراج المدرسة من
العتمة التي تردّت فيها أو بدواع هوويّة تُعلي يافطة المحافظة على الأصالة لتأبيد
وضع مدرسي مأزوم بات لا يُطاق.
وعندما نكون بصدد متابعة أهم الاستنتاجات التي توصّل
إليها مصطفى الشيخ الزوالي فيما يتعلق باتجاهات المدرّسين إزاء التجديدات البيداغوجية
والوقوف على ارتكاساتهم وردود فعلهم التلقائية حيال ما يُقترح عليهم من برامج
ومُقاربات بيداغوجية جديدة، نستحضر بالضرورة استعارة القلم البلاغية la métaphore du crayon
التي يلجأ إليها كل من اشتغل على معضلة التجديد من الباحثين العرب والأجانب والتي
تضع في صدارة مسار التغيير بعض الرياديين أو المجموعة القيادية أو المشروع نفسه
(والتي يمثّلها السِّنُّ الرفيع للقلم وعدد المنتسبين لهذه الفئة ضئيل جدا) وفي
الخلف نجد الممحاة التي ترمز إلى كل المُحاة في المعارضة السّاعين إلى إبطال أي
تقدم في إنفاذ المشاريع المجدّدة، ثم جسم القلم وهو الخزّان (الأكبر عددا) الذي
يجمع كل المتدخلين المستعدّين لتبنّي التغيير ولكن بشرط أن يتم تحفيزهم قليلا أو
تعهّدهم بالتكوين.
هذا الكتاب ممتع ومهم في نفس الوقت.
ممتعٌ لأن لغته لم تتقوقع في صدَفة متعالية تُنسَج من
كبرى التعريفات وأبلغ المفاهيم وأدق المصطلحات، صَدَفةٌ كلسيّة عادة ما يحتمي بها
الأكاديميون لإبهار قارئهم ولإيهام أنفسهم أنهم يقولون حقائق نُزّلت تنزيلا
مُبينا... بل غامرت لغته لتستعير أحيانا من الأدب وتستلف أحيانا أخرى من الفلسفة
وتقترض تارة من علم النفس ووصلت حدّ كتابة السيناريو والمَسْرحة عند تأليف السير
الذاتية للمدرّسين موضوع الدراسة، ممّا وفّر مساحة من القراءة الشيّقة في خضمّ
البحث عن الحقيقة وملامسة الأسئلة الشاقّة.
مهمّ كذلك لسببين على الأقل:
1. لأنّه يُمكّن
القارئ المهتمّ بشأن المدرسة ومتابعة تاريخ الإصلاحات التي عاشتها من فهم أولي
لنسق اشتغال النظام التربوي من الداخل ومختلف الاعتمالات غير المرئيّة التي تَحدُث
في تجاويفه والتي تشكل في أغلب الأحيان سببا في حسن أو سوء سيره أكثر من طبيعة
الإجراءات والتعليمات الواردة بشكل فوقي. وقد يكون مصطفى الشيخ الزوالي الموزّع
تكوينًا واهتمامًا بين علم الاجتماع وعلوم التربية نحا هذا المنحى (بالرغم من كونه
لا يعلن ذلك صراحة في كتابه) تأثّرا منه بمقولات التحديثيين في مدارس علم الاجتماع
الذين يؤمنون بــ "تحليل طرق العمل العادية التي يوظفها الفاعلون الاجتماعيون
العاديون لتحقيق أفعال أو أعمال عادية" والذي يسمّيه هارولد غارفينكل بـــ"التفكير السوسيولوجي العملي".
2. لأنّه يسمح
للقارئ المتسائل عمّا يُعيق إنفاذ الإصلاحات المتعاقبة والتجديدات البيداغوجية
المتتالية بإدراك مردّ الانزياحات الحادّة بين الغايات السامية المُعلنة في وثائق
الإصلاح والرؤى الرياديّة المدبّجة للمرجعيات التأطيرية وبين السياقات الميدانية
التي من المفروض أن تحتضن تلك الإصلاحات واستعدادات المدرّسين واتجاهاتهم
المحمولين على أن يكونوا قاطرة التحديث وإحدى رافِعاته الأساسية.
إن قراءة عمل مصطفى الشيخ الزوالي تفتح للقارئ نافذتين :
نافذة تُطلُّ على تاريخية المواد الاختيارية في نظامنا التربوي كمنظومة مُجدّدة
متناغمة مع ما يُقرّه العالم المتقدم اليوم من تنوّع لملمح تلميذ القرن الحادي
والعشرين وضرورة كسر الحواجز السميكة بين مختلف مجالات التعلم والتحضير مبكّرا
لمسارات أكاديمية متنوعة ومتعددة جدا سيواجهها لاحقا، ونافذة أخرى نرصد من خلالها
ترسانة المُعيقات والكوابح التي تُشكّل جدار المقاومة لكل ما هو حديث وغير
مألوف... علّنا نقدر يوما على إلجام خطابها العدمي وغير المنتج.
كما تجدر الإشارة إلى أن كتاب "المدرّسون
والتجديد" هو مستلّ من أطروحة الدكتوراه لمصطفى الشيخ الزوالي "إتجاهات
المدرّسين إزاء التجديدات البيداغوجية المؤسساتية في تونس: التعلمات الاختيارية
ومادة إنجاز المشروع نموذجا" وأن إعادة طرح الموضوع في هذا الوقت بالذات
الذي يشهد تداولا وطنيا واسعا لموضوعات التربية والتعليم سيُسهم في إطلاق نقاش عام
حول الإصلاح التربوي المرتقب والآليات التي سيتمّ اعتمادها لتذليل الصعوبات وتحييد
المكبّلات وكيف نُعيد بناء منظومة المواد الاختيارية برمتها وفق منظور جديد يُرسمل
مكتسبات الماضي ويُطوّق أسباب انتكاسها.
منصف الخميري ، مرشد عام في الإعلام و التوجيه
فهرس الكتاب
تقديم عام للإصلاحات التربوية في تونس...........................................................................14
الفصل الأول : بعض النتائج المنحرفة للإصلاح التربوي لسنة 2002 في تونس : التعلمات الاختيارية و
مادة انجاز المشروع نموذجا...................................................................................................22
التعلمات الاختيارية و مادة انجاز
المشروع .......................................................................25I
1 - دوافع الدراسة ومبررات اختيار
التحديدين موضوع البحث........................................................25
2 - الإطار القانوني للتعلمات الاختيارية و مادة انجاز المشروع ....................................................25
3- الإطار النظري................................................................................................30
4-الإطار
البيداغوجية.............................................................................................33
نماذج من النتائج المنحرفة للتجديدين موضوع
البحث............................................................39II
1- نتائج البحث حول التعلمات الاختيارية .........................................................................40
2- نتائج البحث حول حول المادة الاختيارية إنجاز مشروع..........................................................57
المصادر و المراجع ...............................................................................................76
الفصل الثاني : من عوائق الإصلاح التربوي لسنة 2002 في تونس : أسلوب
الوزارة وشروط العمل بالمؤسسة التعليمية...........................................................................................................84
المقدمة............................................................................................................84
أولا : أسلوب الوزارة في مجال التجديدات البيداغوجية .............................................................
85
معنى أسلوب الوزارة في مجال التجديد..............................................................................86
في التمييز بين مفهومي" الأسلوب" و " الوسيلة " .................................................................87
أسلوب الوزارة في ضوء مقاربات التجديد للمجال التربوي.............................................................88
أسلوب الإصلاح التربوي لسنة 2002..............................................................................89
نتائج بحثنا حول تجربة التعلمات
الاختيارية و مادة انجاز المشروع .................................................90
الإعلام و
التكوين..................................................................................................91
الملاح العامة للخطاب الرسمي في وزارة
التربية......................................................................92
الترابط بين أسلوب الوزارة وخصائص المناخ السياسي
السائد.........................................................93
تحقيق بعض النجاحات المعزولة ..................................................................................95
ثانيا : شروط
العمل داخل المؤسسة التعليمية ......................................................................98
1- النمط الإداري القائم
...........................................................................................99
2- الحياة المدرسية
.............................................................................................106
3- ملامح
التلاميذ...............................................................................................110
4- مكانة المدرسين..............................................................................................115
5- أزمة النظام التربوي و أزمة
المجتمع..........................................................................122
الخاتمة .........................................................................................................130
المصادر و المراجع..............................................................................................131
الفصل الثالث : المدرسون و التجديد.............................................................................137
المقدمة .........................................................................................................139
مفهوم التجديد....................................................................................................140
الوثائق الرسمية المنظمة لعمليات التجديد البيداغوجية في
تونس....................................................140
المرجعية النظرية للدراسة ........................................................................................141
أسئلة الدراسة ....................................................................................................143
أداة الدراسة .....................................................................................................144
نتائج الدراسة ....................................................................................................146
أنماط الاتجاهات إزاء التجديد....................................................................................
151
العوامل الوجدانية
................................................................................................152
العوامل المهنية
..................................................................................................157
دوافع اختيار مهنة التدريس......................................................................................
155
خصوصية مهنة التدريس وخصوصية التجديد في المجال التربوي...................................................163
التجديد تجسيم لقيمة الحرية.......................................................................................167
تأثير التكوين و الصلة بالمتفقد ...................................................................................171
أثر مدير المؤسسة ..............................................................................................174
ملاحظات عامة و استنتاجات....................................................................................175
الخاتمة .........................................................................................................179
المصادر و المراجع..............................................................................................187
الملاحق
........................................................................................................188
أولا : تقديم مختصر لأصحاب السير
الحياتية.....................................................................189
ثانيا : تفاصيل السير الحياتية
السيرة الحياتية عدد 1 : السيدة نور .............................................................................192
السيرة الحياتية عدد 2 : السيد عبد الله ..........................................................................198
السيرة الحياتية عدد 3 : السيد يوسف ...........................................................................207
السيرة الحياتية عدد 4 : السيد لبيب...........................................
..................................221
السيرة الحياتية عدد 5 : الآنسة سامية ...........................................................................235
السيرة الحياتية عدد 6 : السيد طاهر ............................................................................248
السيرة الحياتية عدد 7 : السيد رمزي ............................................................................259
السيرة الحياتية عدد 8 : السيد فاضل ............................................................................269
السيرة الحياتية عدد 9 : السيد برهان ............................................................................282
الملحق عدد 2 : التعلمات الاختيارية في بيانات نقابة
التعليم الثانوي ...............................................298
الملحق عدد 3 : التعلمات الاختيارية " بموقعي جريدة الدستور " و " اخوان أون
لاين" .............................302
الملحق عدد 4 : التمرينان المتسببان في الجدل حول
التعلمات الاختيارية سنة 2003..............................309
ملخص
شهادة دكتورا في علوم التربية
عنوان
الرسالة: اتجاهات
المدرسين إزاء التجديدات البيداغوجية
المؤسساتية في تونس:التعلمات الاختيارية ومادة إنجاز
مشروع نموذجا. الطالب: مصطفى الشيخ الزوالي
الأستاذ المشرف: محمد الأمين بن عبد الرحمان تاريخ المناقشة: 4 جوان 2015 انطلقنا
من قضيّة عامة وجوهرية وهي: كيف نطبّق "تجديدات بيداغوجية مؤسساتية"
متداولة عالميا، وهي في الوقت نفسه وليدة تطورات تاريخية سوسيولوجية طويلة
المدى، للمجتمعات الغربية التي يصفها علماء
الاجتماع اليوم بأنها "مابعد حداثية" و"ذات نظام إنتاج
"مابعد رأسمالي"، في مجتمع، مثل المجتمع التونسي، حيث تتداخل ظروف وأنماط
عيش ما قبل حداثية، حداثية وما بعد حداثية؟. تناولنا إشكاليات تطبيق نموذجين من التجديدات البيداغوجية في
تونس وهما: التعلمات الاختيارية ومادة إنجاز مشروع .
طرحنا مجموعة من الأسئلة حول اتجاهات المدرسين إزاء هذين التجديدين والعوامل
المؤثرة فيها. بينا حدود المقاربات الاقتصادوية والتقنوية السائدة للتربية واعتمدنا
مقاربة ثقافية-انتروبولوجية. نوّعنا أدوات جمع المعطيات، فاستخدمنا الاستبيان(ن= 162) وأجرينا المقابلات
البؤرية وعشنا الملاحظة الميدانية المباشرة. اعتمدنا أيضا طريقة السير
الحياتية(ن=9) ورجعنا إلى الوثائق البيداغوجية والإحصائيات الرسمية لوزارة
التربية وإلى البيانات النقابية. لم نجد رفضا مبدئيا للتجديد البيداغوجي من قبل أغلب
المدرسين المشاركين في بحثنا. لم نجد فروقا نوعية في اتجاهات المدرسين إزاء
التعلمات الاختيارية ومادة إنجاز مشروع، تعزى إلى إحدى العوامل التالية:
مادة التدريس، التكوين، الخبرة المباشرة
بالتجديدين موضوع البحث. وجدنا أن الاتجاه الفعلي إزاء التجديد البيداغوجي هو نتاج موازين قوى
وتفاعلات متنوعة بين عوامل فردية متصلة بشخصية المدرس وعوامل مؤسساتية
متصلة بالنظام التربوي ومحيطه الاجتماعي. كشف البحث عن عديد النتائج المنحرفة
للإصلاح التربوي لسنة 2002 وعن اتساع الفجوة بين الرهانات المنشودة من التجديدات
البيداغوجية في تونس من جهة، ومحدودية النتائج والانجازات في الواقع الميداني من
جهة أخرى. |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire