lundi 4 février 2019

الإصلاحات التعليميّة الكبرى زمن الاستقلال -الجزء الثامن-القانون التوجيهيّ للتربية والتّعليم المدرسيّ لسنة 2002 أو منظومة تعليميّة تنحو منحى الاحتراف والمعايير الدّوليّة (القسم الثاني)

الهادي بوحوش


نواصل هذا الأسبوع  التعريف  بإصلاح 2002 الذي شرعنا في عرضه في ورقة الأسبوع الماضي ، للرجوع للقسم الأول - اضغط هنا
 نخصّص هذه الورقة للفترة التي تولّى خلالها وزارة التربية والتكوين الأستاذ مُنْصر الرويسي، وهي الفترة الممتدّة من 25 جانفي 2000 إلى 25 أوت2003 والتي تقارب الأربعة أعوام .


مدخل
يبدو أنّ ظهورَ مقاربات بيداغوجيّة جديدة، والاهتمامَ بالمشاريع التربويّة الكبرى، والرّغبة في تنزيل المنظومة التّعليميّة التّونسيّة في سياق الأنظمة التربويّة المشْهود عالميّا بنجاعة أدائها وجودة مُخْرجاتها، قد عجّلت، مُجتمعةً، باستبدال قانون النّظام التربويّ لسنة 1991-الذي لم يمْض على سَنّه سوى عشرة أعوام[1]، والذي نقّح مرّة واحدة[2] لا غير -بقانون جديد يستوعب التّحوّلات الكبرى التي ستُقدم عليها المنظومةُ التربويّة بمرحلة التّعليم المدرسيّ.

4. إجراءات تنفيذيّة تعزّز القانون
‌أ.       خطة تنفيذيّة لمدرسة الغد 2007/2002
سبق أن رأينا أنّ التوجّهات الكبرى التي تضمّنها التقرير النّهائيّ لمدرسة الغد قد تمّت ترجمتُها في خطّة تنفيذيّة صدرت في 2002، وفصّلت مختلفَ المحاور، وضبطت روزنامة للتنفيذ تمتدّ على خمس سنوات. وكي يتسنّى تطبيقها، بادرت الوزارة إلى إجراءيْن:
-         أوّلهما تكوين إطارات متخصّصة في مجالَيْ هندسة البرامج وإعداد الكتب والوسائل التعليميّة، بتنظيم بعثات من المتفقدين إلى كندا لتملّك هذا الاختصاص الجديد،
-              والثاني إعداد وثيقة مرجعيّة ومنهجيّة لبناء البرامج التعليميّة، أطلق عليها " برنامج البرامج"، وتكمُن أهمّية هذه الوثيقة في شرحها للدّواعي التي رجّحت تبنّي الوزارة للمقاربة بالكفايات مدخلا للبرامج، وفي ضبطها، لأوّل مرّة، الكفايات المنشود تملُّكها من قبل تلامذة التعليم المدرسيّ، وفي بلورة ملامح هؤلاء المتعلّمين وتوزيعها على مختلف المراحل التعليميّة، ثمّ في وضع الكفايات الخاصّة بكلّ مجال من المجالات كاللغات والعلوم والتكنولوجيّة... وهي الكفايات التي ستعتمدُها لجانُ البرامج بحسب الاختصاص لإعداد برامج الموادّ. [3]
5)   الإجراءات المتّصلة بنظام الدّراسة.
§              التّعليم الأساسيّ
-                إحداث سنة تحضيريّة واعتبارها جزءا من التّعليم الأساسيّ، دون أن تكون مجانيّة، وتركيز برامجها على تملّك الخطاب الشّفويّ لتطوير قدرات الطفل على التّعبير وإيناسه بالحياة الجماعيّة، علاوة على تنمية الحواسّ والمهارات، كما نصّ على ذلك الفصل 16 من القانون التوجيهيّ،
-                ضبط شبكة جديدة للتّوقيت الأسبوعيّ في مرحلتيْ التعليم الأساسيّ تقرّر البدءُ في تطبيقها بالتدريج، سنة فسنة. ويتوزّع التوقيت الأسبوعيّ الجديد على الدّرجات على النّحو الآتي:20 ساعة للأولى والثانية ، 25 ساعة للثالثة والرّابعة، 30 ساعة للخامسة والسّادسة، 33 ساعة للسّابعة والثامنة والتاسعة.
-                صياغة برامج جديدة للمرحلة الابتدائيّة، استنادا إلى المقاربة بالكفايات، ووفق مفهوم الدّرجة التّعليميّة،[4] وإعداد وسائل تعليميّة موافقة لها، ونظام تقييم جديد يعتمد درجة تملّك الكفايات،
-                إرساء برنامج تجديديّ للعناية بصنف معيّن من المؤسّسات التّعليميّة الابتدائيّة، في نطاق الإنصاف بين المؤسّسات والجهات، أطلق عليه "المدارسُ ذاتُ الأوْلوية التّربويّة،" وهي مدارس ضعيفة الأداء، يكثر بها الرّسوبُ والاستمرار، ويقع 90% منها بالمناطق غير البلديّة. ومن أبرز مكوّنات هذا البرنامج تحسينُ البنية التحتيّة للمدرسة ببناء قاعة متعدّدة الاختصاصات لاحتضان مزيد من الأنشطة البيداغوجيّة والثقافيّة، وتزويدُها بمعدّات كالآلة النّاسخة لتعزيز التقييم والعلاج والدّعم، وقاعة الإعلاميّة ومعينات تعليميّة، وتمكينُها من توقيت إضافيّ يقدّر بساعتين ونصف أسبوعيّا يخصّص لمساعدة التلامذة المتعثّرين، والعملُ على ضمان استقرار المدرّسين بها بتمتيعهم بتنفيل عن مباشرتهم للتّعليم بهذه المدارس، وإفرادُها ببرنامج تكوينيّ خصوصيّ، ومتابعتها المنتظمة من قبل المساعدين البيداغوجييّن والمتفقدين...[5]
-                تعميم نوادي اللغة الإنقليزيّة بالسّنتيْن الخامسة ثمّ السّادسة من المرحلة الأولى، بغاية التبكير بتعليمها،
-                صياغة برامج جديدة للمرحلة الإعداديّة استنادا إلى المقاربة بالكفايات وبرنامج البرامج، وإعداد وسائل تعليميّة موافقة لها، وإرساء برنامج المدارس ذات الأوْلوية التربويّة بعدد من المدارس الإعداديّة، على سبيل التّجريب.
-                إدراج تعليم العلوم الفيزيائيّة بالمرحلة الثانية من التّعليم الأساسيّ، بالتَّدريج، من السّابعة إلى التاسعة،
-                الشّروع في تلوين التكوين بالمرحلة الإعداديّة بإدراج تعلُّمات مغايرة أُطلق عليها "التعلّماتُ الاختياريّة"، بالتّدريج، من السّنة الثامنة إلى السّنة التاسعة، " وهي تعلُّمات ذاتُ صبغة علميّة أو تكنولوجيّة مهنيّة أو أدبيّة أو فنّيّة أو غيرها، ممّا يساعد التلميذ على اختيار التّوجيه، بصفة تستجيب لاستعداداته ورغباته". وتندرج هذه التعلّمات ضمن مقاربة اندماجيّة تحقق تداخل الموادّ والمعارف وتنمّي كفايات أفقيّة وترْسي تقاليدَ العمل الجماعيّ"،[6]
-                تنظيم الدّعم والعلاج المترتّب على اعتماد المقاربة بالكفايات بالمدارس ذات الأولويّة التربويّة.[7]
§              التّعليم الثانويّ
-                صياغة برامج المرحلة الأولى من التّعليم الثانويّ اعتمادا على المقاربة بالكفايات، واستنادا إلى برنامج البرامج،
-                إعداد الكتب المدرسيّة والوسائل التّعليميّة للمرحلة الأولى الموافقة للمقاربة بالكفايات،
-    صياغة برامج المرحلة الثانية من التّعليم الثانويّ، بحسب الشُّعب، اعتمادا على المقاربة   بالكفايات وبرنامج البرامج، بعد ضبط الكفايات المستوجبة لمواصلة الدّراسة بالتعليم العالي، ومع اعتبار المرحلة الثانية تُعدّ للتخصّص في عائلة من المجالات المعرفيّة. وقد تمّ اعتمادُ مبدإ "توزيع التوقيت الإجماليّ على أساس تخصيص قرابة الثلث في الشّعب كافة لتدريس اللغات، وما بين الربُع والثلث للتعلّمات الخصوصيّة"،[8] وما تبقّى للتّعلُّمات التي تحقّق الاندماجَ في المجتمع والهويّة التونسيّة والانتماءَ إلى الثقافة العربية الإسلاميّة.

- التفكير في مسالك جديدة في التّعليم الثانويّ، لتدارك النقائص في الشّعب القائمة العلميّة منها والأدبيّة، وعلى قاعدة التّمييز بين مساريْن كبيريْن، أوّلهُما يُعدّ لمرحلة التّعليم العالي، ويُرَكّز على التكوين العامّ المتوازن، والثاني يؤهّل للالتحاق بسوق الشّغل من غير أن يصُدّ عن التعليم العالي. وفي هذا الإطار، برزت توجّهات تروم تفريعَ شعبة الآداب إلى شعبة لغات وشعبة علوم إنسانيّة واجتماعيّة، وضمَّ الشّعب العلميّة في شعبة جديدة يُطلق عليها شعبة العلوم الأساسيّة والتجريبيّة، وإحداثَ شعبة رياضة تفتح للتلاميذ المنتمين إلى النّخبة الرّياضيّة، وبعثَ شعبة بكالوريا تكنولوجيّة في اختصاصات قطاع الصّناعة، بالتشارك مع وزارة التكوين المهنيّ والتّشغيل.
- عرض تصوّر جديد للتّوجيه المدرسيّ وآلياته، بالإعداد له عبْر التعلُّمات الاختياريّة المُدرجة بالثامنة والتاسعة، وبتوخّي التدرّج في إنجازه، فتكون السّنة الأولى من التعليم الثانويّ للتكوين المشترك مع تلوينه بالتعلُّمات الاختياريّة، وتكون السّنتان الثانية والثالثة للتخصّص في عائلة من عائلات الموادّ الدّراسيّة( لغات- علوم أساسية- تكنولوجيا)  ، في حين تكون السّنة الختاميّة ( السنة الرابعة) للتعمّق في فرع من فروع عائلة من تلك العائلات، علما أنّ منظومة التّوجيه المدرسيّ الجديدة تتّسم بالمرونة عبر إحداث معابر وجسور بين الشّعب، يتمكّن بها التلامذةُ من تصحيح اختيارهم، والانتقال من شعبة إلى أخرى، متى تبيّنوا أنّ الشّعبة لا تلائم قدراتهم. 
6.إحداث هياكل تعزّز الاحْتراف[9]
منذ سنة 2001، وفي نطاق الإعداد للإصلاح الجديد، بادرت الوزارة بتهيئة الظّروف المساعدة على تنمية مبدإ الاحتراف، باعتباره محورا من محاور الإصلاح الجديد، بالتّدريج، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات من أهمّها:
-         بعثُ المركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين في التّربية،[10] ومقرُّه بضاحية قرطاج، سنة 2001، وهو مؤسّسة تكوين مهمّتها تنفيذُ سياسة الوزارة في مجال التكوين، إذ تضطلع بتكوين المكوّنين الذين يحتاجهم النّظامُ التربويّ، وبالتكوين المستمرّ، وتطوير هندسة التكوين، وصياغة مرجعيّات تكوين لمختلف أصناف المُكوّنين، وكذلك التوثيق والدّراسات ذات الصّلة بتكوين المكوّنين والتّجديد البيداغوجيّ.
-           سنّ نظام أساسيّ جديد لسلك التفقد البيداغوجيّ،[11] منذ أكتوبر 2001، من أبرز تجديداته الرّفعُ من المستوى العلميّ للمترشّحين للتفقّد بالمرحلة الأولى من التّعليم الأساسيّ، باشتراط الحصول على الأستاذيّة للترشّح لمناظرة الانتداب، وضبطُ الوظائف الكبرى لنظام التفقد، وحصرُها في التقييم والتأطير والتجديد، وإحداث مرحلة تكوين مدّتها سنتان يلتحق بها المقبولون في مناظرة خارجيّة بالاختبارات، وتتوجّ بالحصول على شهادة تخرّج تُخوّل ممارسة وظيفة التفقد.
وقد تمّ إسنادُ مهمّة تكوين المتفقدين إلى المركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين في التربية، بقرطاج، اعتمادا على مرجعيّة مهنيّة حدّدت الكفايات الواجب تملّكها، ومرجعيّة تكوين محدّدة، واستنادا إلى برنامج يجمع بين التّكوين النّظريّ والتّكوين التطبيقيّ، ويغطّي مختلف المسائل المتعلّقة بالمهنة والصّناعة، من هندسة برامج، وإعداد كتب ووسائل، وتقييم المدرّسين، وتوظيف شبكات الملاحظة والتقييم، والبحث الميدانيّ، والتكنولوجيات الجديدة مطبّقة على التّعلم والتّعليم، وإعداد التقارير، وتنشيط اللقاءات البيداغوجيّة والتكوينيّة...
أمّا فيما يهمّ احترافَ مدرّسي المرحلتيْن الثانويّة والإعداديّة، فقد ظلّت الأمورُ على حالها، لا تبدَّلَ ولا تغيّرَ، إذ لم تضبط الإدارة المعنيّة بالمدرّسين، بهاتين المرحلتيْن، مرجعيّة مهنيّة تحدّد كفايات الأساتذة، يُنْتدبون ويقيَّمون على أساسها، كما ينصّ على ذلك القانون التوجيهيّ في باب التقييم،[12] وتواصلَ الاعتمادُ في الانتداب على مناظرة الكفاءة لأساتذة التعليم الثانويّ، وعدم إيلاء مسألة التكوين الأساسيّ للأساتذة ما تستحقّ من عناية.
7.     إجراءات لتعزيز مكوّن التقييم
‌أ.      إعادة تشكيل اللجنة القارّة للتّقييم،[13] سنة 2001، بالتّخفيف من تركيبتها، وبالمحافظة على مشمولاتها ولجانها الفرعيّة الثلاث، وإعدادها سنويّا لتقرير عامّ تأليفيّ، واضطلاعها باقتراح برامج الوزارة في مجال التقييم. غير أنّ هذه اللجنة لم تفعّل هي الأخرى، كما حصل مع لجنة 1998.
‌ب.  تركيز مشمولات المركز الوطنيّ للتجديد البيداغوجيّ والبحوث التربويّة،[14] على تقييم النّظام التربويّ من مختلف جوانبه باعتماد منهجيات علميّة متطوّرة، علاوة على رصد التجديدات البيداغوجيّة والتعريف بها ونشرها. وقد أوكلت إليه الوزارة، بُعَيْد تأسيسه، بتنظيم الاستشارة الوطنيّة عن المراقبة المستمرّة.[15]
‌ج.   تنصيص القانون التّوجيهيّ، في فصله 60، على تنظيم تقييمات وطنيّة دوريّة، ليست لها صبغة إشهاديّة، وإنّما تكون بمثابة المرْصَد الوطنيّ الذي يعمل على التثبّت من مدى بلوغ الأهداف المرسومة، من حيث نوعية التعلّمات الحاصلة وقيمة المكتسبات، باعتماد عيّنة من التلاميذ من مستويات دراسيّة مختلفة. وفي هذا الإطار تندرج مشاركة البلاد التّونسيّة في دراسات البحث والمسابقات العالميّة، مثل بيزا PISA.
‌د.     إخضاع المؤسّسات التربويّة الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة لتقييم ذاتيّ وتقييم خارجيّ يستند إلى مؤشّرات نوعيّة وكمّيّة،[16] وهو ضرب من التقييم ينصبّ على المؤسّسات التّعليميّة، باعتبارها الحلقة الرّئيسيّة في النّسيج التّربويّ والمسْؤولَ الأوّل عن نتائج التلاميذ ومكتسباتهم.
‌ه.  تعديل نظام امتحان البكالوريا فيما يهمّ احتساب المعدّل النّهائيّ، وذلك باعتماد نسبة من المعدّل السّنويّ المتولّد من التقييم الدّاخليّ، بإسناد الضّارب 1 إلى المعدّل السّنويّ والضّارب 3 لمعدّل امتحان البكالوريا،[17] علاوة على تيسير شروط الإسعاف بالنّجاح. ويمثل هذا الإجراء عاملا مهمّا في الترفيع من نسب النّجاح، لكنّه ظلّ محلّ جدل كبير بين مختلف الشّرائح الاجتماعيّة التونسيّة.
8.إعادة ضبط مشمولات الوزارة
ضبطت مشمولات جديدة للوزارة، كي تتمكّن من تحقيق الأهداف المرسومة في القانون التوجيهيّ للتربية والتّعليم المدرسيّ، من أبرزها:[18] 
-         تجسيمُ الحقّ في التعلّم والتكوين لكلّ التونسيّين، مع إيلاء عناية خاصّة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخُصوصيّة، وبأبناء التونسيّين المقيمين بالخارج،
-         تطويرُ منظومة التربية والتكوين وتأهيلُها للمساهمة في الرّفع من المستوى العلميّ والثقافيّ العامّ للشَّعْب التّونسيّ، وتمكين الأفراد من بلوغ أرقى أشكال المعرفة وأعلى مراتب التأهيل،
-         ضبط المرجعيّات والمواصفات الوطنيّة المستوجبة في مجال التعليم والتكوين والتقييم والسّهر على تطبيقها وتطويرها.
 خاتمة
بالرّغم من قصر المدّة التي أمضاها الأستاذ منصر رويسي على رأس قطاع التربية والتكوين، فإنّ إنجازات مهمّة تحقّقت، منها سنُّ القانون التّوجيهيّ الذي اقتصر على المبادئ الكبرى  والخطوط العريضة للإصلاح، وترك المسائل الإجرائيّة للأوامر والقرارات الترتيبيّة، وإرساءُ هياكل البحث وتكوين المُكَوّنين، وإقرارُ مبدإ الاحترافيّة في مختلف مجالات الفعل التعليميّ، وتجسيمُ انخراط سلك التفقّد البيداغوجيّ في الاحتراف، وإعدادُ برنامج للبرامج الضّابط للاختيارات الرئيسيّة في مجال منهاج الدراسة وما يتعلّق به من تقييم، واعتمادُ المقاربة بالكفايات في بناء البرامج الدّراسيّة والوسائل التّعليميّة، وإسنادُ دور لنتائج المراقبة المستمرّة في امتحان شهادة البكالوريا... ومن هذه الإنجازات أيضا بعثُ عدد من المشاريع التجديديّة، كمشروع المدرسة، وبرنامج المدارس ذات الأولويّة التربويّة، وبرنامج الأقسام التحضيريّة، ونوادي اللغة الإنقليزيّة بالمرحلة الابتدائيّة، ومشروع ذوي الاحتياجات الخصوصيّة... ذلك أنّه، في هذه الفترة، رُفع، في آن معا، شعارُ الجودة وشعار" مدرسة للجَميع لكلّ فيها حظّ،" وشعار التّشارك في تسيير المؤسّسة التربويّة، اعتمادا على مجالس منتخبة، وفي نطاق مشروع المدرسة، ذاك الإطار العامّ لتحقيق أهداف المؤسّسة الخصوصيّة.
ولمّا غادر الوزير قطاع التربية والتكوين في 25 أوت 2003، كانت برامجُ التّعليم الأساسيّ الجديدة قد بدأ تطبيقُها، وكذلك شَرعت الهياكلُ المُحدثة للتّكوين والتقييم والبحث تشتغل، وأخذ الاحترافُ يشقّ طريقَه إلى المنظومة شيئا فشيئا، بإرساء مرحلة تكوين لانتداب المتفقدين البيداغوجيّين، وتنظيم تكوين معمّق لكوكبة من الإطارات في مجال " التدقيق"، وتعدّدت المشاريعُ التجديديّة أو الدّاعمة للتعلّم، ما أفضى إلى إسْداء تكوين متخصّص لعدّة أفرقة في إدارة المشاريع ومتابعتها وتقييمها.
ومع هذا كلّه، لم يَتَسَنَّ للوزير الأستاذ منصر رويسي أن يُنجز بعضَ الأوامر والقرارات المهمّة، كتلك المتعلّقة بالحياة المدرسيّة ونظام التأديب[19]. ولم يُحسم أمرُ مسالك التعليم الثانويّ وشعبه وبرامجه الجديدة، وكذلك نظام التوجيه المدرسيّ، وظلّ الاحتراف يكاد يراوح مكانه، فانتدابُ مدرّسي التّعليم الثانويّ ظلّ غيرَ خاضع لمرجعية مهنيّة تضبط الكفايات، وتتيح الانتدابَ وفق معايير موضوعيّة، وتسمح بتقييم الأداء على أساس مؤشّرات محدّدة، كما نصّ على ذلك القانون التّوجيهيّ في الباب المخصَّص للتقييم.[20]

فهل تجد هذه القضايا حلاّ في السّنوات القادمة، مع وزراء آخرين؟


الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقدان عامّان للتربية متقاعدان
تونس   نوفمبر 2014.



[1] . يرى بعضُهُم أنّ قرار استبدال قانون 91 بقانون آخر قرارٌ سياسيّ هدفُه التخلّصُ من مواصلة نسبة الإصلاح التربويّ إلى الوزير محمّد الشّرفي الذي أخذ بُعْدا عن السّلطة السّياسيّة الحاكمة منذ مغادرته الحكومة.
[2] . انظر القانون عدد 5 لسنة 2002 المؤرّخ في 21 جانفي 2002 المتعلق بتنقيح القانون عدد 65 لسنة 1991 المتعلّق بالنظام التربويّ. يتعلّق التنقيحُ بالفصل 10 الخاصّ بامتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ، ويتمثل في جعل هذا الامتحان اختيارا، لا إلزاميّا كما كان في الأصل.
[3]. وزارة التربية: برنامج البرامج، 2003 وثيقة على غاية من الأهميّة، لكنّ نشرها على نطاق ضيّق أضرّ بالاستفادة منها، فظلت مجهولة حتّى لدى العارفين بالبرامج وتاريخها.

[4] . التعليم الأساسيّ مقسّم بيداغوجيّا إلى أربع درجات: الأولى للسنتين الأولى والثانية، الدرجة الثانية للثالثة والرابعة، الدرجة الثالثة للخامسة والسادسة، والدرجة الرابعة للسابعة والثامنة والتاسعة.
[5]. Françoise Cros, avec la collaboration de Moncef Moalla : Le Pari Du PROJET D’Ecole En Tunisie. UNICEF ; p 15.
انظر أيضا النشرة التربويّة عدد3، مارس 2001، المدارس ذات الأولويّة التربويّة.
[6] . الإصلاح التربويّ الجديد: الخطة التنفيذيّة لمدرسة الغد 2002/ 2007، وزارة التربية جوان 2002، ص72/ 73/ 74.
[7] . المدارس ذات الأولوية التربويّة مشروع من مشاريع الوزارة التجديديّة يرمي إلى تحسين ظروف الدراسة والتعلّم، أعلنه رئيس الجمهورية في مجلس وزاري التأم في 23 أوت 1999 وانطلق تنفيذه سنة 2001 بعد ضبط خريطة المناطق ذات الأولويّة التربويّة اعتمادا على شبكة من المعايير. للتعرّف أكثر على هذا المشروع يمكن الرجوع إلى النشرة التربويّة عدد3/ ديسمبر 2001 التي خصّصت عددا للمدارس ذات الأولويّة التربويّة.
[8] . هيكلة التّعليم الثانويّ الجديدة، وزارة التربية والتكوين، الإدارة العامّة للبرامج والتكوين المستمرّ، وثيقة التلميذ، ص4.أكتوبر 2004.
[9] . جاء في وثيقة مدرسة الغد ما يلي: مدرّسون محترفون: هذا يعني مدرّسين ملمّين في ذات الوقت بالمعرفة وبفنّ التدريس، مدرّسين قادرين على بناء مشروع بيداغوجيّ متناغم مع السّياق الذي يتحرّك فيه، وتنفيذه، مدرّسين قادرين على التخطيط والتقييم وإدارة الوضعيات البيداغوجيّة المتنوّعة، وغرس حبّ التعلّم في التلامذة، وقادرين على تعديل تدريسهم في ضوء التقييمات المتواترة. عن التقرير السنويّ لمتابعة مشروع تحسين الجودة بالنظام التربويّ التونسيّ، باللغة الفرنسيّة، جويلية 2006، ص 6.

[10] . الأمر عدد 2142 المؤرّخ في 10 سبتمبر 2001 الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 75 بتاريخ 18 سبتمبر 2001. انظر باب المهامّ والمشمولات، الفصل 2.
[11]. الأمر عدد 2348 المؤرّخ في 2 أكتوبر 2001 والصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 81 بتاريخ 9 أكتوبر 2001، فيما يخصّ الانتداب، انظر الفصلين 16 و18.
[12] . القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ، الفصل 63.
[13] . قرار وزير التربية المؤرّخ في 18 أفريل 2001 المتعلق بضبط تنظيم وتركيبة وتسيير اللجنة القارّة للتقييم، الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 33    بتاريخ 24 أفريل 2001.
[14] . الأمر عدد 2142 المؤرّخ في 10 سبتمبر 2001 الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد 75 بتاريخ 18 سبتمبر 2001. وهذا المركز هو وريثُ المعهد القوميّ لعلوم التربية المحدث منذ نهاية الستّينات، 1969.
[15] . نظّمت هذه الاستشارة سنة 2001، ولم تفض إلى أيّ قرار رئيسيّ لتباين وجهات نظر المستجوبين في أبرز القضايا المطروحة.
[16] . القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ، الفصل 64.
[17] . انظر قرار وزير التربية والتكوين المؤرّخ في 2 نوفمبر 2001 المنقّح للقرار المؤرّخ في 24 جوان 1992 المتعلّق بضبط نظام امتحان البكالوريا، الصّادر بالرائد الرّسميّ عدد 90 بتاريخ 9 نوفمبر 2001.
[18] . الأمر عدد 2950 لسنة 2002 المؤرّخ في 11 نوفمبر 2002 المتعلق بضبط مشمولات وزارة التربية والتكوين الصّادر بالرّائد الرّسميّ عدد94 بتاريخ 19 نوفمبر 2002.

[19] . لم تنجز الوزارة القرارَ المتعلّق بنظام التأديب بالرّغم من الحاجة الملحّة إليه، وبالرّغم من المحاولات المتكرّرة لصياغته، وظلّت مسائل التأديب إلى اليوم خاضعة لأحكام المنشور الصّادر سنة 1991 بإشراف الأستاذ محمّد الشرفي!
[20] . جاء في التقرير السنويّ لمتابعة برنامج تحسين جودة النظام التربويّ التونسيّ في خصوص مسألة الاحتراف ما يلي:" مقارنةً بالطموحات، يظلّ الواقعُ المدرسيّ بعيدا شيئا مّا، ذلك أنّه بالرّغم من الجهود الجبّارة المبذولة في مجال التكوين المستمرّ والإحاطة البيداغوجيّة بالمدرّسين، من الصّعب أن نؤكّد اليوم أنّنا نتوفّر على مدرّسين محترفين بحقّ." النسخة الفرنسيّة للتقرير 2006، ص 6.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire