dimanche 14 septembre 2014

هلْ من المصلحة إحياءُ مناظرة السّيزْيام؟

مدخل
في الأسابيع القليلة الماضية، وبمناسبة تنظيم ورشة عمل عن نظام الامتحانات الوطنيّة[1]،  طرَح وزيرُ التّربية مسألة إمكانية إحياء المحطّات التقييميّة الإشهاديّة في نهاية كلّ مرحلة من مراحل التّعليم الأساسيّ، أي في نهاية السّنة السّادسة ونهاية السّنة التّاسعة. فقد كتبت الجريدة الإلكترونيّة " الصّباح نيوز"، في نشرتها ليوم 9 أوت 2014 مقالا عنوانه: "مناظرة السّيزيام قد تعود"، نقلت فيه تصريحا للسيّد فتحي الجرّاي، وزير التّربية، مفادُه أنّ "كامل منظومة الامتحانات الوطنيّة في مختلف المستويات التّعليميّة...قد تتغيّر...وأنّ مناظرة السّنة السّادسة من التّعليم الابتدائيّ قد تعود من جديد... وأنّ الوزارة تعمل على إدخال إصلاحات كبرى على المنظومة التّربويّة عموما، وعلى منظومة الامتحانات على وجه الخصوص، تهدف إلى البحث عن مصلحة التلميذ وتحسين المنظومة التّربويّة."


وبعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع من ذلك اللقاء، أعلن وزير التّربية في ندوة صحفيّة بقصر الحكومة بالقصبة، عقدت يوم الأربعاء 27 أوت 2014، عنجملة من القرارات التي اتّخذها مجلسُ الوزراء المنعقدُ في ذاك التّاريخ، من بينها: «إقرار إجباريّة امتحان السّيزيام بداية من السّنة الدّراسيّة 2014 -2015، وامتحان النُوفْيام بداية من السّنة الدّراسيّة 2017ـ 2018".[2]
وفي الحقيقة، فإنّه قد تعدّدت أصواتُ الذين ما بَرحُوا يربطون ما يُسمّونَه "تراجُعَ المستوى" بغياب المحطّات التقييميّة الخارجيّة، ويطالبون بالرّجوع إلى هذا الضّرب من التقييم الخارجيّ[3]، وذلك منذ إنهاء العمل بامتحان شهادة ختم التّعليم الابتدائيّ سنة 1968، ثمّ إلغاء مناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التّعليم الثانويّ سنة 1992، والاستعاضة عنها باختبار جهويّ يتدخّل في نتائجه نظامُ المراقبة المستمرّة بنسبة تبلغ 50%.
وقد تعالت الأصواتُ نفسُها لمّا أوقفتْ الوزارة العملَ بالاختبار الجهويّ، في موفّى السّنة الدّراسيّة 2000/ 2001، وأقرّتْ الاقتصارَ على المعدّل السّنويّ في السّنة السّادسة من المرحلة الابتدائيّة، لترقية التّلاميذ إلى السّنة السّابعة من التّعليم الأساسيّ، ثمّ حوّلتْ شهادة ختم التّعليم الأساسيّ إلى امتحان اختياريّ[4]، فأصبح الالتحاق بالسّنة الأولى من التّعليم الثّانويّ يتمّ على أساس نتائج المراقبة المستمرّة. 
ومقابل ذلك، لم تَخفُتْ أصواتُ المؤيّدين لإلغاء مناظرة السّيزيام باعتبارها محطّة إشهاديّة انتقائيّة، تؤثّر سلبا في التّلاميذ لصغَر سنّهم. لذلك تُراهُم يقابلون إلحاحَ المنتصرين لعودة السّيزيام بالتقليل من العلاقة بين إلغاء هذا الامتحان وتدنّي المستوى.
وإذْ تطفو، من خلال ما يقوله الفريقان، آراء مؤيّدة لعودة مناظرة السّيزيام وآراء تعارض عودتها، فقد رأينا أن نستعرض ما أمكن من آراء الفريقيْن عسى أن نسهم بذلك في فهم منطلقات الفريقيْن ومعالجة هذه القضيّة.
القسم الأوّل: أقوال المؤيّدين لعودة المحطّات التقييميّة مثل السّيزيام

يدعم الفريقُ المُوالي لعودة المحطّات التقييميّة موقفَه بأربعة مبرّرات، وهي: 
1.    حاجة المجتمع والمدرسة إلى تقييم مرْحليّ
يرى المؤيّدون لعودة المحطّات التقييميّة، ومنها مناظرة السّيزيام:
§       أنّ المجتمع عموما والمدرسة خصوصا في حاجة أكيدة إلى تشخيص مكتسبات المتعلّمين بصفة دوريّة منتظمة، عبر تقييم خارجيّ، وفي حاجة أيضا إلى تقدير أداء المنظومة التّعليميّة وفَحْص آليات اشتغالها، وأنّه ليس من مصلحة المجتمع ولا المدرسة ولا المتعلّمين الانتظارُ إلى أنْ يحين أوانُ التقييم النّهائيّ الجزائيّ والإشهاديّ، أي امتحان البكالوريا، للقيام بذلك. فقد يفوتُ الأوانُ، ويصبحُ من العسير، إنْ لم يكنْ من المتعذّر، سدُّ الثّغرات في تكوين المتعلّمين، وتداركُ النقائص وتعديلُ آليات العمل بالنّسبة إلى المنظومة، في شمولها.
§       وأنّ وجود محطّات تقييميّة، من قبيل مناظرة السّيزيام وشهادة ختم التعليم الأساسيّ، يكون في كثير من الأحيان حافزا للمدرّسين وأولياء التلاميذ، فترى مديرَ المدرسة ينتقي أفضل المدرّسين كفاءة ليتولوْا تدريس الأقسام الرّئيسيّة المُفضيَة إلى الامتحان الإشهاديّ. وكمْ كنّا نرى المعلّمين يبذلون جهدا كبيرا لإفادة تلامذتهم، ويجتهدون في البحث عن الأساليب النّاجعة في التدريس، ويروْن في تقييم التلاميذ في مناظرة السّيزيام، وقبلها في الشّهادة ختم التعليم الابتدائيّ، ونجاحهم، تقييما ونجاحا لهم أنفسهم. وهو موقف ما عُدنا نلاحظه، في أيّامنا هذه، ومنذ إيقاف العمل بمناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التّعليم الثانويّ.
2.  حاجة المنظومة التّعليميّة إلى مَصاف
ويبرّر الفريق المنادي بعودة مناظرة الدّخول إلى السّنة الأولى من التّعليم الثانويّ وشهادة ختم التّعليم الأساسيّ موقفَه، كذلك، بحاجة المنظومة التّربويّة إلى مَصاف لغربلة حصاد النُّظم التعليميّة ومساعدتها على تصنيف المحصول، بحسب مقاييس معيّنة ومُعلنة. ومن وظائف هذه المصافي:
‌أ.    التأكّد من مدى نجاح النّظام التّربويّ في مهمّته، وهي:" تأمينُ تكوين متين ومتوازن...ومساعدة المتعلّمين على امتلاك المعارف واكتساب الكفايات الضّروريّة"[5].
‌ب.  تصنيفَ الدّارسين بحسَب ما حقّقوه من كفايات أو قدرات أو مكتسبات، ممّا يُيسّر التحكّمَ فيما يُسمّى "أدْفاق المتعلّمين" الملتحقين بالمرحلة التعليميّة الأعلى، مثل المرحلة الإعداديّة من التعليم الأساسيّ أو مرحلة التعليم الثانويّ. ويُقصد بالتحكّم:
§       منعُ ارتقاء أعداد غفيرة من التّلاميذ من درجة تعليميّة إلى أخرى، ومن مرحلة دراسيّة إلى أخرى، دون أن يتملّكوا الكفايات والقدرات المقرّرة لهم،
§       توجيهُ التّلاميذ إلى مسارات دراسيّة وتكوينيّة متنوّعة ملائمة لمؤهّلاتهم وقدراتهم، كما تتجلّى في نتائجهم.
فقد كانت مناظرة السّيزيام، في الستّينات، مصفاة لتصنيف تلامذة السّنة السّادسة: كانت تمنع مَنْ لمْ يتملك التعلّمات الضّروريّة من الارتقاء إلى التّعليم الثانويّ، وكانت أداة لتوجيه النّاجحين، بحسب مقياس السنّ، إمّا إلى التّعليم الإعداديّ القصير، وإمّا إلى التعليم الثانويّ التقنيّ، أو إلى التّعليم الثانويّ العامّ.
          جدول في تطوّر توزّع الناجحين في مناظرة السيزيام على التعليم الثانويّ الطويل
 والتعليم الثانويّ القصير
السّنة الدّراسيّة
المسجّلون في السّنة السّادسة
الناجحون
الموجّهون إلى التعليم الثانويّ الطويل
الموجّهون إلى التعليم الثانوي القصير
العدد
النسبة
العدد
النسبة
1971 -72
140067
30977
19033
%61,44
11944
%38,56
1974 -75
160320
33918
24480
%72,17
9438
%27,83
1981-82
170648
63362
431116
%68,05
20246
%31,95

3.   الحاجة إلى تعديل نظام التقييم المعتمد مكانَ المحطّات التقييميّة السّابقة
منذ إصلاح 1992، أولت وزارة التّربية التقييم الدّاخليّ مكانة أساسيّة، مُمَثّلا في التقييم المستمرّ، بصيَغه المتنوّعة، الذي أوكلت إليه مهمّة تحديد الارتقاء من المدرسة الابتدائيّة إلى المرحلة الإعداديّة. وفي سنة 2001، شمل هذا الإجراءُ كذلك الارتقاءَ من المرحلة الإعداديّة إلى التّعليم الثانويّ، فتضخّم الدّورُ الذي ينهض به هذا الضّربُ من التقييم، عبر اختبارات المراقبة المستمرّة. ولئن قُدّمَت مبرّراتٌ عديدة لإضفاء مشروعيّة على هذا الاختيار في مجال تقييم المتعلّمين، فالتجربةُ -بحسب الفريق المنادي بعودة المحطّات التقييميّة الخارجيّة -قد ثبت فشلُها وقصورُها نتيجة ما صار يشوب هذا التقييم الدّاخليّ، في السّنوات الأخيرة، من شوائب، متنوّعة الأشكال والأغراض، أفقدته مصداقيته وموضوعيته. وقد أثبتتْ دراساتٌ عديدة هذه الظّاهرة المتجسّمة عمليّا في اختلالات ما كانت لتُوجَد لوْ لم يتمّ إيقافُ العمل بالتقييم الخارجيّ، من قبيل الاكتفاء بالجهد الأدنى خلال الدّرس، والتعويل على حصص المراجعة الجماعيّة أو الفرديّة التي تكاد تصير بديلا عن العمل بالفصل.
ومن الأدلّة التي يُستند إليها للقول بفشل هذا التوجّه -بحسب أنصار عودة التقييم الخارجيّ-موقفُ الوزارة نفسها. فلو كانت الوزارة راضية وواثقة بنتائج التقييم الدّاخليّ لما أقرّتْ سنة 2007 مناظرة للالتحاق بالمدارس الإعداديّة النّموذجيّة، واستبعدتْ كلّيّا الاعتمادَ على نتائج التقييم الدّاخليّ للفصل بين المتناظرين، و لَمَا سعت إلى ترشيد نظام التقييم الدّاخليّ لمّا تبيّن لها أنّ المعدّلات مضخّمة، وأنّ الاختبارات المطروحة على التّلاميذ لا تقيّم سوى جوانب جزئيّة، وذلك بإقرار امتحان جهويّ في مستوى السّنة الرّابعة[6] من التّعليم الأساسيّ أرادته مناسبة للوقوف على الثّغرات في تحصيل المتعلّمين، قصد تداركها في السّنة الخامسة، والدّعوة إلى تنظيم امتحانات موحّدة في بعض المستويات التعليميّة للتأكّد من جودة التحصيل.
وأخيرا، يبرّر الدّاعُون إلى عودة المحطّات التقييميّة الإشهاديّة الخارجيّة موقفَهم هذا بالقول: ألمْ يطلبْ المعلّمون وأساتذة التعليم الثانويّ العودة إلى مناظرة السّيزيام؟
4.  حاجة المنظومة إلى معطيات موضوعيّة للمتابعة والتقييم والإصلاح
إنّ الأنظمة التّربوية في كلّ أنحاء العالم في حاجة إلى بيانات إحصائيّة موضوعيّة لتقييم أدائها. وتعتبر نتائجُ الاختبارات المُجْراة على التّلاميذ في المحطّات التقييميّة الوطنيّة الإشهاديّة من أهمّ المعطيات التي يَستند إليها الباحثون في مجال التّربية، قصْد تقييم أداء النّظام التربويّ وإقامة إصلاحات في هيكلته أو بنيته، أو في البرامج الدّراسيّة، أو الوسائل التعليميّة، أو في تكوين المدرّسين، على قواعد صلبة، مصدرُها البحوث والدّراسات الموضوعيّة المنطلقة من تحليل نتائج الاختبارات المجراة على التّلاميذ، في هذه المحطّات التقييميّة التي تنهضُ، في آن معا، بوظيفة التقييم التعديليّ، إلى جانب التقييم الجزائيّ والإشهاديّ.

القسم الثاني: أقوال المعارضين لعودة المحطّات التقييميّة، مثل السّيزيام
في مقابل هذا الموقف المناصر لعودة مناظرة السّيزيام، لم تَخفتْ أصواتُ المؤيّدين للإلغاء والدّاعمين لموقفهم بالمعطيات التالية:
1.   لا دخل للمحطّات التقييميّة في تحسين مستوى التّحصيل لدى المتعلّمين
يرى هذا الفريق أنّه من السّذاجة الاعتقاد بأنّ إرساء محطّات تقييميّة مرحليّة سيُسهم ضرورةً في الرّفع من مستوى المتعلّمين وسيضمن جودة الأنظمة التّربويّة، ويستدلّون بأمريْن اثنين لتعزيز هذه الفكرة:
§       يتعلّق الأوّل بغياب محطّة تقييميّة في موفّى المرحلة الابتدائيّة في جلّ الأنظمة التّعليميّة بالدّول الأوروبيّة. ومع ذلك، لا تعتبر تلك الأنظمة من الأنظمة التّربويّة الفاشلة أو الضعيفة الأداء، بل إنّ البعض منها أصبح نموذجا للنّجاح وقبلة الدّارسين والمختصّين في مجال التربية، كالنّموذج الفنلنديّ الذي تمنع قوانينُه إجراء أيّ شكل من أشكال الانتقاء عند الدّخول إلى المدرسة وطيلة مرحلة التربية الأساسيّة، كما تمنع إخضاعَ التلاميذ لأيّ ضرب من الامتحانات في نهاية مرحلة التربية الأساسيّة[7].
 وفي سنة 2010، اقترح أحدُ زعماء اليمين الفرنسيّ[8] العودة إلى امتحان السّيزيام،
فتعرّض إلى نقد شديد من جمعيات الأولياء ومن عدد من المختصّين في التربية الذين يروْن في مقترحه مجرّد حنين إلى الماضي، لأنّه لا يُسهم في حلّ مشكلة المدرسة الفرنسيّة، بل إنّه " يتعارض مع التّوجّهات التّربويّة الحاليّة في العالم. "
§       ويخصّ الأمرُ الثاني المدرسة التّونسيّة، فمناظرة السّيزيام كانت قائمة حتّى منتصف التّسعينات، ومع ذلك لم يكن مستوى المتعلّمين على أحسن حال، إذ يكفي أن نستعرض ما ورد في تقرير اللجنة[9] التي كلّفت عام 1967 بتقييم نتائج العشريّة الأولى من إصلاح 1958، للتأكّد من الأمر. فقد ورد فيه أنّ « نتائج التعليم الابتدائيّ ليست على أحسن حال، فعدد التلاميذ الذين يرتقون للتعليم الثانويّ و التعليم الإعداديّ لا يتجاوز 40 % من المجموع، رغم التساهل الواضح في بعض الحالات[10] ، وأنّ نسبة هامّة من تلاميذ المدارس الابتدائيّة لا تنجح في مواصلة التعلم بالتعليم الإعداديّ..." [11]
2.عودة السّيزيام تعني عودة الانتقاء والتّراجع عن إجباريّة التّعليم الأساسيّ ووحدته
يجب التذكير بأنّ التخلّي عن مناظرة السّيزيام تزامنَ مع إرساء التعليم الأساسيّ بمرحلتيْه المتكاملتيْن، الابتدائيّة والإعداديّة، وهو نظام يقضي بألاّ يغادر التلامذةُ مقاعد الدّراسة قبل سنّ السّادسة عشرة. ويذهب المعترضون على العودة إلى محطة تقييميّة جزائيّة أنّ إحياء مناظرة السيزيام سيكسر وحدة التعليم الأساسيّ باعتباره حلقة دراسيّة قائمة بذاتها، وسيفضي آليا إلى إقصاء أعداد غفيرة من الأطفال في سنّ دون سنّ الإجباريّة، كما كان الحالُ في الزّمن السّابق، ( انظر الجدول التالي)،  ممّا سينعش الطلب على المدارس الخاصّة التي ستقوم بدور الانتشال، كما عرفناه في السّبعينات و الثمانينات من القرن الماضي.
جدول في متوسّط نتائج مناظرة السّيزيام
(الفترة 1963 -1971)
نسبة النجاح
38%
نسبة الرّسوب
43%
نسبة الانقطاع
19%
المصدر – منجي بوسنينة (Bousnina, 1991)[12]
3.   لا تحتاج المنظومة التعليميّة إلى محطّات تقييميّة جزائيّة لتقييم أدائها، إذ يوجد العديدُ من الآليات للقيام بهذه المهمّة بالنّجاعة المطلوبة، وقد نصّ القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ[13] (بالفصل 60) على" تنظيم تقييمات وطنيّة، بصفة دوريّة، تشمل عيّنات من التلاميذ وتهدف... إلى " التثبّت من مدى بلوغ الأهداف المرسومة من حيث نوعية التعلّمات الحاصلة وقيمة مكتسبات التلاميذ". ويدلّ على ذلك أنّه عندما تقرّر الاستغناءُ عن المحطة التقييميّة الإشهاديّة، أدرجت الوزارةُ هذه الآليات الجديدة، لكنّها لم تفعّلها إلاّ نادرا، واكتفتْ بالمشاركة في التقييمات الدّوليّة، بصفة منتظمة، مثل بيزا[14] وتيمز[15] وغيرهما من المسابقات التقييميّة.
4. لن تُصلح عودةُ التقييمات الجزائيّة الخارجيّة وحدَها من حالة التقييم الدّاخليّ والمراقبة المستمرّة وانحرافاتهما، بل إنّ ذلك سيغذّي سوق الدّروس الخصوصيّة ومقاولات إعداد التلاميذ للمحطّات التقييميّة، وسيُسهم في المزيد من التفاوت وعدم تساوي الحظوظ بين الدّارسين، بما أنّ أبناء العائلات ذات الدّخل المتوسّط والضّعيف لن يقدروا على مواجهة ارتفاع تكلفة هذه الدّروس.
خاتمة
إنّ السّجال القائم، هذه الأيّام، بين الرّافضين لعودة المحطّات التقييميّة الإشهاديّة والمؤيّدين لها ليس في نهاية المطاف سوى سجال بين أنصار المدرسة النّخبوية الانتقائيّة وبين أنصار دمقرطة التّعليم وتعميمه وفتح أبواب التّعليم الثانويّ والتّعليم العالي أمام أكبر عدد ممكن من الفتيان والفتيات.
إنّ مثل هذا السّجال في مسائل يبدو أنّ التوجّهات العالميّة قد تجاوزتها، وأنّ المنظومات التعليميّة المتطوّرة لم تعدْ تلتفت إليها لَيدلّ، في نظرنا، على الفشل في ابتكار حلول مستحدثة لقضايا تعليميّة لم تعرفْها المدرسة التونسيّة في الفترات السّابقة.  لقد سجّلت المنظومة التربوية العديدَ من النّجاحات، و لكنّ قائمة المشاريع التي فشلت أو تعطلت هي أيضا طويلة،  مثل تعثّر المقاربة بالكفايات وبناء البرامج التعليميّة وفق الكفايات، والتراجع عن التقييم وفق درجات التملّك  في المرحلة الابتدائيّة والعود إلى النظام القائم على إسناد الأعداد واحتساب المعدّلات وترتيب المتعلمين والتنافس...
وفي خاتمة هذه الورقة، نريد أن نُبدي ملاحظتيْن حول الإجراء الأخير: الأولى تخصّ المضمون والثانية تهمّ الشّكل.
أمّا على مستوى المضمون، فإنّنا نعتبر أنّ العود إلى آليات عمل قديمة، من قبيل العود إلى مناظرة السّيزيام، هو شكل من أشكال الحنين إلى الماضي، وإن لم يكنْ مُوغلا في القدم. ولعلّه ضرب من الحلول المغشوشة التي تريد أن تختزل مشاكل المدرسة التّونسيّة في العودة إلى المحطّات التقييميّة الإشهاديّة، باعتبارها البلسم الشّافي من كلّ الأدواء، في حين نحسَب أنّ هذا العود لن يحلّ المعضلة، بل لعلّه يعقّدها ويؤزّم الوضع أكثر من ذي قبل، بالرّجوع إلى نمط من التقييم ولّى زمانُه، وبالرّمْي بأعداد غفيرة من المتعلّمين الذين لم يُنهُوا التعليم الأساسيّ إلى شارع المجهول.
و أمّا على مستوى الشّكل و الطريقة فلقد كنّا نعتقد (و نأمل) أنّ منهجية الإصلاح ستتغيّر، وأنّ القيادات التعليميّة ببلادنا قد اتّعظتْ من أخطاء الماضي، و من فشل الإجراءات العديدة السّابقة التي كان من أسبابه القراراتُ المُسقطة، و غيابُ الإعداد النفسيّ الميدانيّ، و تشريكُ كل الأطراف الفاعلة، و عدمُ القيام بدراسات استباقيّة للنتائج المحتملة و لكلفة كلّ مشروع إصلاحيّ، على الأمَديْن المتوسّط و القصير. غير أنّ مسار الأحداث وما نقرأه هذه الأيّام على أعمدة الصّحف من مواقف وردود فعل لا تجعلنا متفائلين في خصوص مستقبل الإصلاح الأخير.
الهادي بوحوش والمنجي عكروت، متفقدان عامان متقاعدان
تونس في 4 سبتمبر 2014
مقالات ودراسات ذات علاقة




                                                           Cliquez ici pour la version FR





[1] التأم اليوم الدراسيّ يوم 9 أوت 2014 بالمركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين في التربية بقرطاج، وقد عُرض برنامجُه على شبكة إيدونات.
  س. بوهلال -القرارات التربوية الجديدة -الصّباح -الجمعة 29 أوت 2014[2]
3.  اقترحت لجنة "جودة التعليم الأساسيّ" التي بعثت سنة 2010، وضمّت عدّة أطراف (ممثلين عن مجلس النوّاب ومجلس المستشارين ونقابة التعليم الأساسيّ ومديري مدارس ومعلمين وأساتذة ومتفقدين ومساعدين بيداغوجيّين) إرساء محطّة تقييميّة جزائيّة، في مستوى السّنة السادسة من التعليم الأساسيّ، لكنّ أصحاب القرار رفضوا السّير في هذه الطريق، تحسبا لتراجع نسبة الارتقاء من السّادسة إلى السابعة من التعليم الأساسيّ.

[4] أصبح امتحان شهادة ختم التعليم الأساسيّ اختياريا منذ سنة 2002 في عهد الوزير منصر الرويسي وتحوّلت وظيفته فأصبح يقوم بدور المناظرة للفوز بمقعد في أحد المعاهد النموذجيّة وكذلك فرصة لمن لم يسعفه الحظ للارتقاء إلى السنة الأولى من التعليم الثانويّ عن طريق نتائج المراقبة المستمرّة، ولو أنّ عددهم كان قليلا.  ومنذ ذلك الوقت لم يتجاوز عدد المشاركين في هذا الامتحان نصف المسجّلين في السنة التاسعة.
[5] الفصل 48 من القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ لسنة 2002        

[6] تمّ إرساء هذه المحطّة التقييميّة في السنة الدراسية 2007 في عهد الوزير الصادق القربي، واتّخذ القرارُ في شهر فيفري وأنجزت الدورة الأولى في نفس السنة. ولكنّ هذه المحطة لم تعمّر طويلا لعدّة أسباب. فقد توقف العمل بها سنة 2010 مع الوزير حاتم بن سالم.
[7] Paul Robert - la Finlande : un modèle éducatif pour la France. ESF éditeur ,2008 ; pp 29-34
8_F . Coppet  , président de l’UNP
9 في شهر جانفي 1967 تمّ تكليف لجنة فرعيّة للتربية منبثقة عن لجنة الدراسات الاشتراكية التابعة للحزب الاشتراكيّ الدستوريّ الحاكم آنذاك، وقد ترأسها أحمد بن صالح وتتكوّن من أعضاء من القيادة الحزبية وأعضاء من الحكومة   عهدت لها مهمة تقييم وضع التربية واقتراح ما وجب الابقاء عليه وما  وجب إصلاحه و تعديله.  وبعد 4 أشهر من الحوارات مع مختلف الأطراف المعنية قدّمت اللجنة تقريرها وتمّ إقرار عدد من التوصيات. بدأ التنفيذ في عهد كاتب الدولة محمود المسعدي مع العودة المدرسية 1967-1968 لكنّ انطلاق الإصلاح العميق جاء على يد خلفه أحمد بن صالح الذي عُيّن كاتب دولة في أكتوبر 1968.
[10]  تعرض رئيس الجهورية الحبيب بورقيبة للمسألة في خطاب أمام لجنة التربية يوم غرة مارس 1967 عندما قال:"تمّ قبول عدد من التلاميذ في مناظرة الدخول للتعليم الثانوي والإعداديّ، رغم عدم حصولهم  على المعدّل، و قد بلغ علمي أنّه تمّ أحيانا إسعاف تلاميذ بمعدلات 6 من 20، فكيف يمكن لتلميذ مواصلة التعليم بالمعاهد و المدارس الاعدادية بمعدل في المستوى " جريدة العمل 3 مارس 1967؟
[11]  من تقرير لجنة التعليم الابتدائي -جريدة لاكسيون 4 جوان 1967 -ورد في حوليات شمال افريقيا   المجلد السادس- سنة 1967- ص941- منشورات المركز الوطني للبحث العلمي -1977 باريس .

[12] Bousnina, M. (1991). Développement scolaire et disparités régionales en Tunisie. Tunis: Publication de l'Université de Tunis I.
 القانون التوجهي عدد 2002- 80 المؤرخ في 23 جويلية 2002 المتعلق بالتربية و التعليم المدرسي[13]
http://www.edunet.tn/ressources/site_etab/regional/association/doc_ref/orientation.pdf

[14] Pisa : Program for International Student Assessment ou Programme international pour le suivi des acquis des élèves  évaluation  menées par l'OCDE qui visant à  mesurer les performances des systèmes éducatifs des pays membres et non membres. Elle se fait tous les trois ans. La première étude fut menée en 2000

[15] TIMSS : Tendances internationale sur les mathématiques et les sciences est une d'évaluations internationales de la mathématique et la connaissance des étudiants du monde entier. Les étudiants participants proviennent d'un ensemble diversifié de systèmes éducatifs (pays ou juridictions régionales de pays) en termes de développement économique, la situation géographique et la taille de la population. Dans chacun des systèmes d'enseignement participant, un minimum de 4.500 à 5.000 étudiants sont évalués la Tunisie a participé en 2007 et 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire