و نحن نطّلع على البلاغ الصّادر عن وزارة
التربية، بتاريخ 17 ماي 2013 ، بموقعها الرّسميّ،
[1] و المتعلق بنتائج المرحلة
الأولى من المناظرة الخارجيّة لانتداب أساتذة للتدريس بالمدارس الإعداديّة و
المعاهد الثانويّة، بداية من العام الدّراسيّ المقبل، و بالخصوص على المقاييس[2] التي اعتمدت للسّنة
الثانية على التوالي، تدافعتْ في ذهنيْنا مجموعة من الأسئلة من بينها: أ يُدرك
المسؤولون ما قد ينجرّ عن هذه الطريقة في انتداب المدرّسين من تبعات خطِرة على
المنظومة التربويّة ؟
أوّلا:
المقاييس المعتمدة للانتداب : الأولوية للسّنّ و أٌقدَمِية الشّهادة
الجامعيّة
إذا ما نظرنا في المقاييس المحدّدة بالأمر 833 لسنة 2012،
تبيّن لنا أنّ أقدمية الحصول على الشّهادة،
أو سنة التخرّج (ونصيبُها 60 نقطة من المجموع) و سنّ المترشّح (ونصيبه 40 نقطة من
المجموع ) هما العاملان المعتمدان في ضبط
قائمة المؤهّلين للتدريس،[3] بعد إخضاع المرشّحين المرتّبين الأوائل- في حدود
ضعف عدد المراكز المفتوحة،في كلّ مادة، حسب المعياريْن السّابقيْن- لمحادثة من قبل
لجنة فنّيّة، وتعتبر تلك المحادثة المرحلة الثانية والأخيرة من المناظرة.
وبالرّغم من وجود تقييم من قبل اللجنة المشرفة على
المحادثة، فإنّ ذلك لن يغيّر ملامحَ المنتدبين الجدد، لأنّ تقييم
اللجنة لا يمثل سوى 16,6 %
من المجموع العامّ، ولن يغيّر كذلك الترتيبَ النهائيّ بشكل كبير، و
بالخصوص في خمسة اختصاصات، وهي العربية والفلسفة و التربية الإسلامية و التاريخ و
الجغرافيا والرّياضيات، حيث تحصّل جميعُ المؤهّلين للمحادثة على 100 نقطة في
المرحلة الأولى، أي إنّ أصغرَهم سنّا تجاوز الأربعين من العمر، و أقدمية تخرّج
هؤلاء لا تقلّ على 15 سنة.
وهذا الوضعُ
يطرح عدّة إشكالات تتعلّق بقدم الشّهادة والتقدّمِ في السّنّ وظلم المتخرّجين
الجدد.
الإشْكال الأوّل: قدم الشّهادة الجامعيّة
تتراوح أقدمية
سنة التخرّج، بالنّسبة إلى المرتّبين الأوائل، بين 27 سنة في اختصاص علوم الحياة و
الأرض (1986) و10 سنوات في اختصاصَيْ الألمانيّة و الآليّة (الملحق1).
أمّا بالنّسبة إلى من أدْرِجت أسماؤهم في آخر
المرتّبين في قائمات المؤهّلين للمحادثة، فإنّ أقدمية تخرّجهم تتراوح بين 21 سنة و
5 سنوات (الملحق2).
يَطرَح هذا الإشكالُ المتعلق بقدم الشّهادة العلميّة
مسألة التناغم في التكوين الأكاديميّ للمنتدبين للتدريس وقضية أثر هذا التكوين في
أفواج متتالية من المتعلمين.وإذا علمنا أنّ المعارف تتجدّد كليّا أو جزئيّا كلّ
عشريّة من الزّمن، فماذا باستطاعة متخرّج سنة 1986 أن يقدّم للمتعلمين؟ وكيف تريد
أن يطمئنّ الأولياءُ إلى المدرسة؟
الإشْكال الثاني: التقدم في السِنّ
تتراوح سنّ المُرتّبين الأوائل بين 50 سنة ( هي السّنّ
القصوى للترشّح) في 6 اختصاصات- هي العربيّة و الإنقليزية والفلسفة والتربية الإسلاميّة و التربية المدنيّة و
التّصرّف- و 34 سنة في اختصاصيْن هما
الآليّة و الألمانيّة.
أمّا بالنّسبة
إلى آخر المرتّبين في قائمات المؤهّلين للمحادثة، فإنّ أعمارهم تتراوح بين 49 سنة
في اختصاصيْ الفلسفة والتربية المدنيّة، و 34 سنة في اختصاص الألمانيّة، ( انظر
الملحق أسفله).
و قد بيّنت الدّراساتُ أنّ الالتحاق بسلك التدريس في سنّ
مبكّرة يعدّ من العوامل المرسّخة للهوية المهنيّة والنجاح في التدريس، والميسّرة
للتكيّف والتفاعل مع كلّ ما يستجدّ في مجال علوم التربية- وما أكثرها في عالمنا
اليوم !
الإشكال الثالث:هضم حقّ المتخرّجين الجدد
يتمثّل هذا الإشكالُ في ظلم المتخرّجين الجدد بإجبارهم
على انتظار دورهم في المناظرة لسنوات عديدة، علما أنّ قائمات المؤهّلين للمحادثة لم تتضمّن متخرّجين
ذوي أقدمية دون 10 سنوات، في 9 اختصاصات من جملة 22 اختصاصا مفتوحة للتناظر. وهذا
الإجراء يفقدهم معارفهم ويضعف الدافعيّة لديهم، إذا ما تواصل العمل به، علما
أنّ الأمر المنظم للانتداب، بصفة استثنائيّة، قد أقرّ فتحَ باب التناظر لهؤلاء
بالاختبارات، وهو إجراء منصِف كان يمكن أن
يسمح للمتخرّجين الجدد بالحصول على فرصة للانتداب[4] .
ثانيا:
نتائج هذا التوجّه و انعكاساته
1. انتداب أساتذة متقدّمين في السّنّ دون
التثبّت من كفاءتهم العلميّة
ستفرز المناظرة
انتدابَ مدرّسين متقدّمين في السنّ و حاملين لشهائد علميّة مرّ على الحصول على
العديد منها أكثرُ من 15 سنة، في المتوسّط،
وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى الأهليّة العلميّة لهؤلاء المنتدبين (خاصّة و
أنّ كثيرين منهم سبق لهم أن شاركوا في مناظرة الكفاءة لأستاذيّة التعليم الثانويّ
و لم يكونوا من المقبولين فيها )، وعن مدى قدرتهم على الاضطلاع بمهمّة التدريس،
بعد أن قضوْا مدّة طويلة بعيدا عن الكتب والدّراسة، هذا في الوقت التي يُحْرم فيه المتخرّجون الجدد،
حتّى وإنْ كانوا من المتميّزين علميّا، لأنّ مجموعهم يُقصيهم من المناظرة منذ
المرحلة الأولى. ويمكن القول بأنّ هذا التوجّه يمثل خطرا بالغا على مستقبل التعليم في بلادنا، لسنوات
عديدة.
2.
توجّه معاكس للتيّار العالميّ في مجال انتداب المدرّسين
بيّنت كلّ الدّراسات، في المجال التربويّ، بما لا يَدَعُ مجالا للشكّ، أنّ جودة أيّ
نظام مدرسيّ ترتبط ارتباطا وثيقا بنوعية
إطاره التدريسيّ، وهو ما جعل المشرفين على
إصلاح الأنظمة التربويّة، في جلّ الدّول، يدعون إلى اعتماد " معايير صارمة جدّا لانتقاء مدرّسِي المستقبل [5]..." ولا
يمكن أن يكون الانتداب "على أساس المهارات أو الكفاءات فقط، ولكن أيضا على أساس مدى دافعية المترشّح لممارسة مهنة التدريس. "
وانطلاقا من هذا الاختيار، أصبح التوجّه العامّ، في جلّ
الأنظمة التعليميّة في العالم، ينحو منحى انتداب أفضل الكفاءات للتدريس":
فكورِيا الجنوبيّة تنتدب مدرّسيها من بين ال5℅ الأوائل من حاملي الشّهادات
الجامعيّة، وتختار فنلندا مدرّسيها من بين ال10℅ الأوائل من الخرّيجين، [6]وتخضعهم لاختبارات متنوّعة تفضي إلى
انتقاء صارم ( قبول واحد فقط من بين 6
مترشّحين)، قبل انتمائهم إلى كليّة التربية " ليتلقّوا هناك تكوينا خاصّا
يؤهّلهم لمهنة التدريس".
خاتمــة
إنّ تجاهل مقياس
الكفاءة، و إعطاء الأولوية المطلقة للسّنّ
و أقدميّة نيل الشّهادة الجامعيّة، دون التفات إلى مقتضيات مهنة التعليم، قياسا
إلى سائر المهن، وما ينبغي أن يستند إليه التّدريس من كفاءة علميّة وتواصليّة
وصناعيّة، في آن معا، لن يؤول إلّا إلى مزيد تأزّم المدرسة التونسيّة و شلِّ قدرتنا على مواجهة التحدّيات المطروحة على
منظومتنا التربويّة. نأمل أن تكون هذه الإجراءات ظرفيّة و استثنائيّة، و أن يُعاد
التفكير في طريقة انتداب المدرّسين و تكوينهم، باعتبارهم عماد المدرسة .
تونس - ماي2013
ملحق1 : أقدمية سنة التخرّج،
بالنّسبة إلى المرتّبين الأوائل
أ
|
ب
|
||||
أوّل المرتبين في قائمات المؤهّلين
للمحادثة
|
آخر المرتبين في قائمات المؤهّلين للمحادثة
|
||||
أقدم سنة تخرّج
|
أقدمية الشّهادة
|
الاختصاص
|
أقدم سنة التخرج
|
أقدمية الشهادة
|
الاختصاص
|
1986
|
27 سنة
|
علوم الحياة
و الارض
|
1992
|
21 سنة
|
الفلسفة
|
أحدث سنة تخرّج
|
أحدث سنة تخرج
|
||||
2003
|
10 سنوات
|
ألمانيّة و آلية
|
2008
|
5
|
الموسيقى
|
ملحق2 : أدنى الأقدميّات حسب
الاختصاصات للمترشّحين المؤهّلين للمحادثة في دورة 2012-2013
الاختصاص
|
سنة التخرّج
|
أقدمية الشهادة بالسّنوات سنة
2013
|
الفلسفة
|
1992
|
21
|
التربية الاسلامية و التربية
المدنية
|
1995
|
18
|
التصرف
|
1997
|
16
|
العربية و التاريخ و الجغرافية والاقتصاد
|
1998
|
15
|
علوم الحياة و الأرض
|
2000
|
13
|
التربية التشكيليّة
|
2002
|
11
|
الإنقليزية و الفيزياء
و الاعلامية
و الرّياضيات
|
2004
|
9
|
التربية التقنيّة
|
2005
|
8
|
الفرنسيّة و الكهرباء
و الأسبانيّة
|
2006
|
7
|
الآليّة و الألمانيّة و
الإيطاليّة
|
2005
|
6
|
التربية الموسيقيّة
|
2008
|
5
|
التربية المسرحيّة
|
2010
|
3
|
الهادي بوحوش متفقد عام للتربية و المنجي العكروت متفقد عام للتربية – ماي 2013
[4] لم يصدر تبرير رسميّ لعدم اعتماد المناظرة
بالاختبارات فقط لانتداب ثلاثين بالمائة من الخطط المفتوحة للتناظر، لكنّه شاع أنّ
مردّ ذلك اعتراض الطرف النقابيّ معللاّ ذلك بتجنّب المزاوجة بين الانتداب على أساس
الأقدمية والانتداب على أساس الكفاءة. انظر الفصل 3 من الأمر
التطبيقيّ عدد 833 لسنة 2012 ، وقرار وزير التربية المؤرّخ في 3 أوت 2012، وخاصّة
الفصل 4 منه، المتعلق بمكوّنات ملفّ الترشّح.
[5] Réflexions en vue d’un système éducatif plus
performant pour tous les enfants- centre
d’étude et de défense de l’école publique http://www.cedep.be/downloads/Brochure_CEDEPdef_web_(2).pdf
[6] Policy paperThe
importance of teaching: the schools white paper 2010 https://www.gov.uk/government/publications/the-importance-of-teaching-the-schools-white-paper-2010
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire