dimanche 19 octobre 2025

تكريم روح على البقلوطي المعلم و الصحفي

علي البقلوطي

جريا على سنتها تخصص المدونة البيداغوجية  ورقاته الأولى في مفتتح موسمها الجديد لتكريم مدرسين و مدارس . ورقة الأسبوع بقلم الأستاذ و الصحفي مصدق الشريف أأأراد من خلالها تكريم روح معلمه المرحوم علي البقلوطي الذي توفي يوم 22 جانفي 2022.


على البقلوطي إلى جانب كونه كان معلما مجددا و ملتزما كان كذلك " صحفيا مميزا و رائد الصحافة الجهوية ، فقد أسس مجلة شهرية  " جازيت الجنوب"  (La Gazette du Sud) منذ 46 سنة يوم 1 جانفبي 1975  ثم  مجلة شهرية باللغة العربية " شمس الجنوب" سنة 1980. و قد ساهم كثيرا في النهوض بصحافة جهوية مستقلة ذات جودة تغطي بأخبار الجنوب التونسي.

على البقلوطي  كان في الأصل مدرسا  يحذق جيدا اللسانين العربية و الفرنسية و كان منذ شبابه مغرما بالصحافة..." [1]

 

" إنّما المرء حديث بعده..."

 

توفي معلّمي سي علي البقلوطي، رحمة الله عليه. منذ جاءني نعيه، أنفقت ليلتي ساهدا محزونا...

لم تكن حياتي وحياة أترابي عيدا متّصلا كما كان يعيشها سكان العائلات الميسورة التي تبعد كثيرا عن مدرستنا الابتدائية "أحمد شرّاد" وعن حي "بورة خماخم" وحي "زنقة الشيشمة". كنّا على درجة من الفقر تُبقي كثيرا من أمهاتنا في حيرة من أمرهنّ إلى أذان المغرب أو أذان العشاء دون أن يجدن ما يطبخنه للعشاء.

عصفت أزمة التّعاضد[2] بجميع الناس. كانت الدّنيا غائمة. واجهت عائلاتنا الشّدائد. جاب آباؤنا الشوارع بحثا عن أيّ عمل. تقبّضت الأكفّ. لم يكن بالإمكان دفع النّفقات اليوميّة بانتظام. وكثيرا ما كان يعيل صبر تاجر حيّنا "محمود نجاح" وتاجر "بورة تفاحة" "الحصائري"، رحمهما الله، من عدم دفع السّكان ثمن مشترياتهم.

عاش أغلب سكّان الحيّين الشظف. لكنّهم حرصوا حرصا شديدا على أن يواصل أبناؤهم الدّراسة حتّى خلصت جلّ نفوسهم وقلوبهم إلى رجائها. كانوا يستدينون في سبيل ذلك. وكان بينهم من يُقرض جاره مؤثرا على نفسه ولو كانت به خصاصة.

سي علي البقلوطي الذي رحل عنّا كان معلّمنا. لقد جعلنا نعيش داخل قسمه أجواء لا تشابه في شيء ما نلقاه خارجه من ضبابيّة الأفق ومرارة الخيبة. كان مفعما بالآمال العريضة، معروفا بالتجديد، حالما بإصدار جريدة جهوية تحت عنوان "صفاقس اليوم". ولطالما حدّثنا عن مشروعه وسألنا عنه وانتظر أجوبتنا وترقّب آراءنا. لم يكن سعيه إلى تحقيق مراده على حساب تعليمنا، إذ لم نحسّ منه يوما تقصيرا في إعداد الدّرس أو قصورا عن تفسير النّص أو ضيقا بأسئلتنا.

كان سي علي البقلوطي، رحمه الله، وسيما، أنيقا، مبتسما، تتهلّل أساريره بين الجملة والأخرى. اجتمع في شخصه إيمانه برسالته التّربوية، وقد نزل ميدانها دون أن يتجاوز العشرين، بهمّة فتية، وشغفه اللاّمتناهي بالصّحافة والإعلام عموما. كان لهذا كلّه محبّا وبه كلفا متحرّقا وإليه متشوّقا.

ربطت بسي علي البقلوطي، رحمه الله، صداقات بكثير من التلاميذ لاسيما منهم الذين تقدّم بهم السنّ بسبب رسوبهم في سنوات الدراسة. وكان ينظم أكثر من مرّة في الأسبوع مقابلة كرة قدم بين المعلّمين والتلاميذ من منتصف النّهار إلى حدود الواحدة بعد الزوال بمنطقة "الجنان" قبالة "قرقنة الجديدة" حيث يوجد الآن مركز شرطة البستان.

أذكر أيضا أنّ سي علي البقلوطي، رحمه الله، قد بعث داخل مدرستنا تعاضدية لابتياع كلّ ما نحتاج إليه من أدوات مدرسية بالتّقسيط. وكلّف عددا من التلاميذ لتسييرها تحت إشراف زميلنا الضّحوك نجيب المزغني رحمه الله. كم أعجبتني تلك البادرة وكم صفّقت لها لأنها كثيرا ما أنقذتني من عقاب سادتي المعلمين عند نسيان أقلامي أو طلاستي أو طباشيري أو مقلمتي كلّها. كانت التعاضدية خير ملاذ للتلاميذ غير المنظمين وأنا على رأسهم، إذ كنت زعيم "الفرفاشين" مثلما كانت تسميني والدتي رحمها الله، تلك التي عانت الأمرّين من قلّة نظامي.

فاجأنا معلّمي سيدي علي البقلوطي، رحمه الله، ذات يوم في إحدى الحصص بعرض شريط وثائقي قصير على جدار القاعة. ولئن غاب عنّي الآن محوره فإنني لا أنسى عمق النّقاش الذي أدرناه حوله وأثره في أنفسنا. كانت مفاجأة غريبة ومنعشة في الوقت نفسه. لا أدري أأعاد لنا معلّمنا الكرّة أم لا بعدها، لكنّي على يقين من أنّ أغلبنا لم يشاهد شريطا في حياته. وقتها، لم يدخل التلفاز بعد إلى بيوتنا ولا يوجد مذياع في كثير من الأسر. وأنّى لنا ذلك والفاقة تحاصر الأهالي من كلّ جانبǃ

مرّت أعوام تلتها أعوام أخرى على عهد المدرسة. لكنّي بقيت حريصا على أن أتحسّس ريح معلّمي ومدرستي وزملائي بها، مشتاقا إلى ضم الأشتات من أقراني. ومن حسن حظي أن كان لي نصيب من صفحات مجلّة "شمس الجنوب"[3]، الصّادرة باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، تلك التي أسّسها معلّمي سي علي البقلوطي، رحمه الله، من خلال نشر بعض المقالات. وآخر عهد لي بفقيدنا كان لقاء جمعنا في مكتبه بمقرّ المجلّة. شكا إليّ يومها مطوّلا صعوبات التوزيع وقلّة الاشتراكات بالمجلّة ونُدرة إشهاريات مؤسسات الجهة وعدم انخراطها في تشجيع الإعلام الجهوي، شأنها شأن الحكومات المتعاقبة التي تجاهلت تماما المسألة. وقال لي بمرارة: " الأمرُّ أنّ المكلّف بالإعلام في الحكومة قد عقّد الأمر وزاده تعطيلا والحال أنّه أحد أبناء مدينة صفاقس وابن رجل إعلامǃ "

 

مصدق الشّريف، أستاذ و صحفي

صفاقس – سبتمبر 2025

للاطلاع على النسخة الفرنسية – اضغط هنا

 

 

 



[1][1] Leaders 24/1/2022.

[2]  فترة التعاضد تعود في البلاد التونسية  إلى النصف الثاني من الستينات و قد تسببت في أزمة اقتصادية و اجتماعية.

 

[3]  أسس السيد علي البقلوطي  مجلة  " شمس الجنوب" عام 1980 و هي  مجلة أسبوعية  تهتم بالأساس بالأخبار الجهوية و استطاعت أن تتأقلم مع حاجة  قراءها و ما فتأت تتطور . و كانت تركز أساسا على الأخبار المحلية و الجهوية و مراكز الاهتمام  الوطنية المشتركة"

 http://regie.symphony.com.tn/index.php/support-medias/chams-al-janoub

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire