تقديم
شهدت مؤسسة المجلس الأعلى للتّعليم، التي تم إحداثها سنة 1888 صلب
الإدارة العامة للتعليم العمومي بتونس (بعد 5 سنوات من تأسيس هذه الأخيرة) عدة
تغيرات في التّسمية وفي التّركيبة وفي المشمولات منذ بداية الفترة الاستعمارية
إلى حدود سنة 2000. ويجب التذكير هنا بأن بعث هذا المجلس تمّ في إطار القوانين
الجديدة للتعليم التي سنّها رئيس الوزراء ووزير التعليم الفرنسي Jules Ferry أثناء بسط
نفوذ الجمهورية الثالثة على هذا المرفق العام. وكانت التّرتيبات القانونية التي
تؤخذ في فرنسا، في إطار الإجراءات الديمقراطية، تجد صداها مباشرة في المستعمرات
لدى الجاليات الفرنسية والأوروبية التي تقطنها آنذاك.
هذه المؤسّسة التي تمثل "لجنة القيادة" أو"البرلمان
التعليمي" لنظام التّعليم العمومي الفرنسي في تونس، وان وجدت في
البداية لصالح الجالية الأجنبية، فقد استفاد منها أيضا التونسيّون كتقاليد
ديمقراطية وافدة، مثلها مثل عديد التقاليد الديمقراطية الأخرى والقيم الإنسانية
العليا التي لا تقل عنها شأنا. وتمّ اعتمادها لاحقا، من حسن الحظ، في إطار قانون
4 نوفمبر 1958 المؤسّس للمنظومة التّربوية الوطنية الذي يخصص في الفصل 38
منه مبدأ إحداث "المجلس الأعلى للتربية القومية". لكن، بقي ذلك
بمثابة الحبر على الورق نظرا ربّما للظرفية السياسيّة التي مرّت بها الدولة
الوطنيّة عند تأسيسها (المعارضة اليوسفية ثم محاولة
الانقلاب لمجموعة لزهر الشرايتي...).
لم يعرف هذا المجلس الأعلى للتربية تواصلا في نشاطه أو
حتّى في تفعيلته، من سوء الحظ، بل كان تاريخه بعد استقلال البلاد مجرد
تاريخ انقطاعات، عبّر عن آخرها أمر جوان1971 الذي نصّ على الصبغة
الاستشارية له وأعلن لأول مرة على تفعيله. فجاء أول اجتماع له، تحت إشراف
الوزير الأول آنذاك الهادي نويرة، حسب محضره التي تنفرد هذه الورقات بنشره، على
غاية من الأهميّة تعكس الخلفيّات السّياسيّة لما بعد عشرية محمود المسعدي
(1958-1968/69) والتوجّه الاشتراكي لمشروع أحمد بن صالح والاتحاد العام التونسي
للشغل...
فهل كانت نوعية - الذي أدمج مشروع المنظومة التّربوية للاستثمار في
الموارد البشرية (وخصوصا بالنسبة للوظيفة الخطاب السّياسي، خصوصا الملاحظات
(السّبع) التي وردت في خطاب الهادي نويرة، تعلن حقيقة عن منحى جديد للسّياسة
التّربويّة الوطنيّة خلال العقد الثاني للاستقلال ؟ أم أن المخطّط العشري
(1959-1969) للتّنمية الاجتماعية والاقتصادية الاقتصادية للتّربية) - قد أتى
آنذاك على أهم ما ذكر في هذه المداخلة ؟ وهل تضمّن ذلك تكرار في ما ورد بالخطب
العديدة لأحمد بن صالح من قبله ؟
مختار العياشي
|
خطاب السيّد
وزير التربية القوميّة
السيّد كاتب الدولة، زملائي،
سيداتي سادتي.
لهذا اليوم مكانتُه الهامّة
في تاريخ التربية القوميّة عامّة، وفي إعداد المنهاج الجديد للتربية خاصّة، ويتمثل
ذلك في التئام المجلس الأعلى للتربية للمرّة الأولى. وقد حققنا بهذا رغبة ملحّة،
عبّر عنها الأولياء والمربّون والنقابيّون. وسيتولّى مجلسنا هذا النظر في
الاختيارات الأساسيّة للتربية القوميّة، معتمدين المبادئ الأربعة التي عرضها
السيّد الوزير الأوّل، وبذلك نرسم الفلسفة التي تقوم عليها التربية في بلادنا.
وأريد الاقتصار، في هذه
الجلسة الأولى، على تقديم بيان مرقَّم غير مطوّل عن الأوضاع الحالية للتربية. ولن
يكون بيانا إحصائيّا جامدا، بل سأعرض عليكم جملة من المشاكل التي أبانتها لنا هذه
الإحصائيات. كما سيقدّم لكم السيّد حسن المصري مدير البيداغوجيا والتفقّد خلاصةً
في أعمال اللجان الفنيّة القارّة. وإنَّ تقديم هذه الإحصائيات أمر أساسيّ لزاما أن
يعتمده كلُّ عضو بالمجلس، عند إعمال رأيه في قضايا التربية، فيكون درسه لهذه
القضايا درسا واقعيّا. ونعلم كلّنا أنّ قضايا التربية تشغل بال المواطنين جميعا إذ
لا يخلو مؤتمر شعبة أو اجتماع ذو صبغة اقتصاديّة أو اجتماعيّة من التعرّض إلى
مشاكل تربوية.
أوّلا: المظهر الكمّيّ
للتعليم
1. الملاحظة
الأولى
يمثل الوضع الكمّيّ المظهرَ
الخارجيّ الملموس لنموّ التعليم في بلادنا، ويتَّصف بصفة الاندلاع، وتدلّ على ذلك
الأرقام التالية:
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1956 /1957
|
260.214
|
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1970 /1971
|
1.122.000
|
الزيادة
العامّة
|
861.786
|
نسبة
الزيادة
|
27%
|
2. الملاحظة
الثانية
لم يسجّل أيُّ قطاع اقتصاديّ واجتماعيّ نسبة تنمية تضاهي هذه النّسبة، ممّا
جعل القطاع التربويّ يتجاوز كلَّ مقدّرات المخطّط.
3.
الملاحظة الثالثة
نتيجة لهذا الاندلاع، عرفت
الاعتمادات التي صُرفت في مجال التربية أرقاما هي الأخرى ضخمة جدّا.
ومن المفيد أن نتعرّض الآن
إلى هذا المظهر الكمّيّ في كلّ مرحلة من مراحل التعليم.
1)
التعليم الابتدائيّ
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1956 /1957
|
226.919
|
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1970 /1971
|
922.861
|
الزيادة
السنويّة
|
75.000
|
نسبة
الزيادة السّنويّة
|
20%
|
والملاحظ أنّ هذا النموَّ
مرّ بفترات ثلاث هي:
الفترة الأولى: من 1956 /
1957 إلى 1961/1962 كانت الزيادة تقدّر بــ 60.000 تلميذ كلّ سنة، فهي الفترة
الحاسمة
الفترة الثانية: من 1962 /
1963 إلى 1966/1967 هذه النسبة انخفضت شيئا مّا.
الفترة الثالثة:
من1966/1967 إلى الآن بقي الانخفاض.
ونتيجة لهذا النموّ، فإنّنا
نقول إنّ 80 % من التونسيّين والتونسيّات،
البالغين من العمر ما بين 6 و14 سنة، يوجدون بالمدارس. وإنْ لم نحقق شمول التعليم
لكلّ من بلغ سنَّ الدراسة فإنّنا نقرُّ بأنّ ما حققناه في فترة زمنيّة غير طويلة
يعتبر نموذجا قياسيّا.
2)
التعليم الثانويّ
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1956 /1957
|
32.924
|
العدد
الجمليّ للتلاميذ 1970 /1971
|
181.909
|
الزيادة
السّنويّة
|
10.000
|
نسبة
الزيادة السّنويّة
|
30%
|
وقد حصلت هذه النتيجة في
السّنوات الستّ الأخيرة، ممّا يجعل التعليم الثانويّ في فترة العنفوان، وسيبدو
تأثيره الكبير بين 1970 و1980.
ونتيجة لهذا النموّ، فإنّنا
نقول إنّ 30% من التونسيّين والتونسيّات،
البالغين من العمر بيم 14 و19 سنة، يوجدون بالمعاهد. وإنْ لم نبلغ في هذا المجال
ما بلغته بعضُ البلدان، فإنّنا حققنا نموًّا لم تحققه العديد من دول العالم
الثالث.
3)
التعليم العالي
عدد الطلبة: 1956 /1957 بعض
مئات أو أكثر يدرسون خارج تونس
عدد الطلبة: 1970 /1971=
9500 بجامعة تونس و3000 خارج تونس، ممّا يجعل نسبة الزيادة السّنويّة تقدّر بــــ
36% أو 700 طالب سنويّا.
وخلاصة هذا العرض الكمّيّ،
فإنّ نسبة التنمية التربويّة نسبة ضخمة، وإنْ كانت محدودة في الزمن، إذ أنّ قوّة
اندلاعها كانت منذ 1964/1965 ممّا يجعل موعد ظهور مشاكل نموّها بالثانويّ
والعاليّ، بصورة أكثر حدّة، في السّنوات العشر المتراوحة بين 1970 و1980.
وإن قدّمت لكم هذه الأرقام
التي تشملها دراسات مفصّلة، فلنلاحظ أنّ المشكل الأساسيّ، بالنّسبة لنا، هو كيف
نحقّق دخول كلّ تونسيّ وتونسيّة بلغ سنّ الدراسة المدرسة، مع مراعاة ما يتطلّبه
ذلك من جهود ماليّة ضخمة، أيْ كيف نربط بين التنمية التربويّة و التنمية
الاقتصاديّة؟
ثانيا: مظهر عدم التوازن
للتعليم
1) عدم التوازن في
السّنّ بين التلاميذ
اعتمادا على دراسة أعدّها
السيّد محمود السَّكْلاني، نلاحظ:
أ.
أنّ نسبة التلامذة الذين يتراوح سنُّهم بين 6 و9 سنوات
هي 59 %.
ب. أنّ نسبة التلامذة الذين
يتراوح سنُّهم بين 10 و14 سنوات هي 69.5 %.
ممّا يصل بنا إلى إقرار أنّ
نسبة ضخمة من تلامذة الابتدائيّ كبيرُو السنّ، ممّا يؤدّي حتما إلى مشاكل تظهر
جليّا عند بلوغ هؤلاء التلامذة مرحلة التعليم الثانويّ. وهناك عوامل تفسّر هذه
الظاهرة:
أ.
أنّ عددا من هذا الصّنف من التلامذة يدخلون المدرسة
للمرّة الأولى، وقد تجاوزوا السّادسة من العمر.
ب. أنّ نسبة
الراسبين أكثر من مرّة تتراوح بين 25 و40 %، وتبلغ 40 % خاصّة في السّنة الخامسة والسّادسة من التعليم الابتدائيّ.
ج.
أنّ السّنّ المعدّل لتلاميذ السنة السّادسة هي 14 سنة،
ممّا يؤدّي إلى توجيه عدد كبير منهم إلى التعليم الفنّيّ والمهنيّ اللذيْن يدخلهما
تلاميذ كبار السّنّ، مع ضخامة في العدد. وندرك ما لهذا من تأثيرات.
وبهذا نرى أنّ المظهر الأوّل لعدم التوازن هو كبر سنّ تلامذة التعليم
الابتدائيّ، وما لهذا المظهر من نتائج نعرفها وسنزيدها دراسة وتحليلا.
2) عدم التوازن
بين عدد التلاميذ والتلميذات
إنْ لاحظنا أنّ عدد
التلميذات بلغ 40 % بالتعليم الابتدائيّ، و27 % بالتعليم الثانويّ، و27 % بالتعليم
العالي، ممّا يدل على تفتّح البنت للتعليم، فإنّنا نلاحظ أنّ نسبة التعليم هذه،
إذا قارناها بنسبة التعليم للتلاميذ الذكور، ندرك أنّها ما زالت ضعيفة.
أ.
في التعليم الابتدائيّ: نسبة البنات 59 % و نسبة الذكور 85%
ب. في التعليم
الثانويّ: نسبة البنات ضعيفة كذلك، وإنْ لم تكن لدينا الأرقام المضبوطة.
ج.
في التعليم العاليّ: نسبة البنات ضعيفة كذلك، وإنْ لم
تكن لدينا الأرقام المضبوطة.
وبهذا نرى أنّ المظهر
الثاني لعدم التوازن هو ضعف نسبة البنات بالتعليم، مقارنة بنسبة الذكور به، وهي
قضية جديرة بعنايتنا.
3) عدم التوازن في
التوجيه إلى التعليم الثانويّ الطويل والتعليم المهنيّ والفنّيّ
نلاحظ أنّ 30 % فقط من التلامذة بالثانويّ والطلبة بالعالي يدرسون بشعبة ذات صبغة
مهنيّة أو فنّيّة. وممّا يزيد هذا الأمر وضوحا هو أنّ عدد التلامذة بالثانويّ
الطويل نما بنسبة 8 مرّات، بينما لم ينمُ عدد تلامذة الثانويّ المهنيّ والفنّيّ
إلّا بنسبة 2,5 %. ويعود هذا خاصّة إلى موقف
التونسيّ والتونسيّة من التعليم الفنّيّ والمهنيّ أوّلا، كما يعود ثانيا الى
التغييرات التي تدخل بصورة تكاد تكون سنويّا على هذا التعليم، ممّا جعل التلامذة
والطلبة لا يثقون في سلامة الآفاق التي فسحها لهم التعليم الفنّيّ والمهنيّ.
وبهذا نرى أنّ المظهر
الثالث لعدم التوازن هو ضعف نسبة التلامذة والطلبة المقبلين على التعليم المهنيّ
والفنّيّ، وهو أمر تتعين علينا معالجتُه.
4) عدم التوازن
بين الولايات في نسبة نموّ التعليم بها
إنّ دراسة نموّ التعليم بكلّ
ولاية يُعيننا على إدراك ما وصلت إليه العدالة الاجتماعيّة في هذا المجال، من
ولاية إلى أخرى، وإنْ أقررنا انّه لا توجد ولاية لم تحقق اندلاعا ضخما، في نسبة
التلامذة المتعلّمين بها.
أ.
في التعليم الابتدائيّ: 6 ولايات متخلّفة نسبيّا = باجة -جندوبة -الكاف
-القصرين -القيروان وقفصة. نسبة التمدرس بها ضعيفة خاصّة بالنّسبة للبنات أكثر منه
للذكور، نتيجة لموقف العائلة الرّيفيّة من تعليم ابنتها.
ب. في التعليم
الثانويّ: حدث اندلاع
كبير في الولايات المتخلّفة نسبيّا، إذ ركّزت معاهد من المرحلة الأولى، ممّا يؤدّي
في السّنوات القريبة إلى اندلاع في المرحلة الثانية، وتلحّ الرغبات الجهويّة في
إكمال الهرم التعليميّ بكلّ سنواتها بكلّ هذه المعاهد.
وإن كانت الغاية الأولى من نشر هذه المعاهد ذات المرحلة الأولى هي تقريب
التلميذ من سكْنى عائلته، حتّى تخفّف من وطأة بناء المبيتات، إلّا أّن الواقع كشف
عن غير ذلك، إذ اضطررنا إلى بناء مبيت بكلّ معهد.
ج. في التعليم
العالي: إنّ الشمال
وتونس خاصّة متخلّفة نسبيّا، إذ أنّ النسبة الكبيرة من الطلبة تعود إلى مَنْ همْ
أصيلُو السّاحل وصفاقس وولايات الجنوب، ممّا جعلنا نفكر في إحداث نواة جامعيّة
بصفاقس.
ثالثا: مظهر التكاليف للتعليم
نعتمد خاصّة دراسة السيّديْن بسيسس ونوريىسون، وقد ظهر الفصل الأوّل منها،
وتوجد بمعهد البحوث دراسات أخرى. كما نذكر دراسة أعدّتها اليونسكو عن تمويل
التربية بتونس عام 1980، وسيقع مدُّكم بمختلف هذه الدراسات، وإنْ لم تنته بعدُ من
الدراسات الفنّيّة.
أ.
ضغط التربية على موارد البلاد
إنّ نسبة ما يخصّص من المنتوج الخامّ للتربية هي
8.2% وإنّ نسبة ما يخصّص من المدخول
القوميّ للتربية هي 10%، وهما رقمان قياسيان عالميّا
نسبيّا، ممّا يجعلنا إنْ لم نكن الدولة الأولى، فإنّنا من بين الدول الثلاث الأولى
في هذا المجال.
ب.
تكاليف التصرّف للتربية
سنة 1956/1957، كانت تمثل 18 % من الميزانية، وأصبحت سنة
1970.71 تمثل نسبة %،30 ممّا جعل نسبة الزيادة
سنويّا تقارب 33 %، مع الملاحظ أنّ نسبة الزيادة
في الميزانية تبلغ سنويّا 17 %، وسبب هذا:
أ.
التضخّم في الاندلاع الكمّيّ
ب. التضخّم في
التعاون الثقافيّ الذي بلغ 8 ملايين من الدنانير.
و نذكر في هذا المجال:
1)
بالنّسبة للتعليم الابتدائيّ
أ.
أنّ 50 % من تكاليف التصرّف تصرف
بالتعليم الابتدائيّ، وكانت تفوق هذه النسبة لو لم تتمَّ تونسة إطار التعليم
الابتدائيّ.
ب. أنّنا لم نحدّد
إلى الآن التكاليف التي تسبّبها لنا التحويرات البيداغوجيّة.
ج.
أنّ الإعانة الاجتماعيّة كبيرة جدّا، فهي تشمل 500.000
تلميذ، وتبلغ مليونا من الدنانير.
د.
أنّنا نقدّر كلفة التصرّف، بالنّسبة لكلّ تلميذ ما بين
16 و17 دينارا، وهي ضعيفة نسبيّا مقارنين ذلك ببلدان أخرى، ولم ندخل في هذا
الزيادةَ الأخيرة في أجور المعلّمين. وألاحظ أنّ هذه الكلفة هي كلفة ميزانية،
وتزيد بنسبة 40 % إذا اعتبرنا الرسوب والطرد اللذيْن
لولاهما لأمكن لنا أن نقبل بالمدارس ضعف التلاميذ الموجودين بها، أو أن نجعل
الكلفة الحالية تنخفض إلى النّصف، مع المحافظة على العدد الحالي من تلامذة
الابتدائيّ. ويمثل الضياعُ المدرسيّ، بمظهريه الرّسوب والطرد، مشكلا هامّا يجب على
المجلس الأعلى للتربية أن يوليه كلَّ العناية.
ه.
أنّنا نقدّر كلفة التجهيز بالنّسبة لكلّ تلميذ بــ ـ25
دينارا.
2)
بالنّسبة للتعليم الثانويّ
إنّ نسبة 37 % من ميزانية 1970 /1971 تصرف بالثانويّ، وكانت سنة 1961/1962 تساوي
31 %، وسبب هذا:
أ.
الزيادة في عدد التلامذة
ب. التضخّم في
التعاون الثقافيّ الذي يمثل، بالنّسبة لحجاتنا بالتعليم الثانويّ، 40%.
ج.
المنح المعطاة من الوزارة، وهي تقارب 7.000 منحة،
وقيمتها 525.000 دينار، وتبلغ المنحُ المعطاة من التضامن 30.000 وتبلغ 2.200.000
دينار.
د.
أنّ 55% من ميزانية تجهيز التربية
مخصّصة للثانويّ، ويعود هذا التضخم إلى نشر المعاهد وتكاليف بنائها الباهظة، نظرا
لمظاهر الترف الموجودة ببعض المعاهد، ممّا يوجب وضع سياسة موحّدة في البناء.
وبهذا، نقدّر كلفة التصرّف،
بالنّسبة للتلميذ بالتعليم الثانويّ، 120 دينارا، وتمثل نسبة الزيادة سنويّا في
هذه الكلفة بــ 33 %ممّا يجعل كلفة التلميذ بالثانويّ تساوي .... مرات كلفته
بالابتدائيّ، وتزداد بنسبة 60 %عند اعتبار عامل الضياع بمظهريه، الرّسوب والطَّرْد.
وتبلغ كلفة التجهيز للتلميذ
الواحد 400 دينار، وهي تمثل 16 مرّة نسبة كلفة التلميذ بالابتدائيّ.
3)
بالنّسبة للتعليم العالي
أ.
إنّ 10 % من ميزان التصرّف الخاصّ
بالتربية تصرف بالتعليم العالي، وهي نسبة نمت 5 مرّات، طيلة السّنوات العشر
الأخيرة، دون اعتبار المنح، عندما كانت ضمن ميزان كتابة الدولة للرئاسة، إذ كان 60
% من الطلبة يتمتّعون بالمنح.
ب. لا يمكن إعطاء
نسبة الكلفة الخاصّة بالتجهيز لعدم وجود دراسة محدّدة تأخذ بعين الاعتبار النموّ
الزمنيّ للجامعة.
ومع هذا، نستطيع أن نقول إنّ تكاليف التصرّف، بالنّسبة للطالب، تبلغ 350
دينارا، بدون منحة، و600 دينار باعتبار المنحة، وتبلغ نسبة تكاليف التجهيز 1000
دينار.
وإنّ التذكير بأرقام كلفة
التصرّف يبيّن لنا تصاعدها، من مرحلة إلى أخرى، فمن 16 دينارا بالتعليم
الابتدائيّ، إلى 120 دينارا بالتعليم الثانويّ، إلى 350 دينارا بالتعليم العالي.
وإذا اكتفيت بذكر هذه
الإحصائيات، لا قصد الحكم لها أو عليها، بل للزوم معرفتها، ولكنّها تدلُّ على أمر
لا يمكن الشكّ فيه هو أنّنا خلقنا عن طريق التعليم ثورةً اجتماعيّة عميقة. كما
تُعيننا هذه الإحصائيات على معرفة ما تتطلّبه مواصلة هذه الثورة من التكاليف، مع
الملاحظة أنّنا لم ننته بعدُ من كلّ الدراسات التي تمكّننا من وضع كشف كامل عن
الماضي، ولكنَّنا قطعنا خطوة كبيرة في التعرّف على الوضع الكمّيّ للتعليم.
ولكنّي أرى أنّه يتعيّن
علينا إتمام الكشف الكامل عن مختلف وجوه التربية، قبل أن نشرع في إدخال التغييرات
الجوهريّة على نظامنا التربويّ. وسيعيننا على هذا مكتب التخطيط والدراسات الذي
يضمّ خبراء تونسيّين وأجانب للقيام بكلّ ما يطلبه هذا الكشف في مظهريه الكمّيّ
والكيفيّ، ونحن نعلم أنّ العوامل التي تُؤثر في الكيف التربويّ مُتعدّدة ومتشعبّة،
فلا شكّ أن هناك صلة بين الطرد وتغذية التلميذ، وأن التغيّبات في بعض المناطق
تزايد عند الموسم الفلاحيّ، إذ يصحب بعض التلامذة آبائهم في ترحالهم للحصاد وكثيرا
ما يغيّر النزوح من مقدّرات المخطّط، وبهذا لا يمكن للمجلس الأعلى للتربية أنْ لا
يدرس هذه القضايا.
وأذكر كذلك أنّنا أحدثنا 12
لجنة فنّيّة قارّة، وأعبّر عن إكباري لجهود هذه اللجان التي وضعت بعدُ تقارير
مفيدة جدّا تشمل كشفا عن مختلف قضايا التربية، بما فيها البيداغوجيا. وبعد دراسة
هذه التقارير، سنتولّى تحديد المرحلة المقبلة لأعمال اللجان التي هي لجان المجلس.
وفي مجال المظهر الكيفيّ
للتربية كذلك، سيسهر مكتب التخطيط والدراسات-وقد طلبنا
من البنك الدوليّ مدّنا بخبراء يعملون بهذا المكتب-بصفة
خاصّة، على إعداد المخطّط التربويّ المقبل الذي سيحتوي على أمرين هامّيْن:
أ. فلسفة التربية واختياراتنا الأساسيّة المتّصلة بها:
ويعود تحديدها إلى المجلس الأعلى للتربية.
ب. المسائل الفنّيّة لتطبيق هذه الفلسفة والاختيارات، ويعود
تحديدها إلى الفنّيين.
وما يمكنني قوله في خلاصة
هذا العرض هو أنّ القضية التربويّة الأساسيّة، مع اعتبار كلّ المسائل مهمّا، بدت
جزئية تتمثل في جعل التربية تربية إنمائيّة، ممّا يوجب علينا خلق عقلية هي ذاتها
إنمائيّة. ولتحقيق هذا الخلق يتعيّن علينا:
أ.
أنْ لا نجزّئ التربية أجزاء يحصر الواحد منا همّه في جزء
بل التربية كلّ، والكلّ جدير بعنايتنا.
ب. أن نتعرّف على
آفاق التربية في صلتها بالتخطيط والاقتصاد الوطنيّ، و لعلّ وزيري الاقتصاد الوطنيّ
و التخطيط يُمدّان المجلس بكشف عن الآفاق التي تفتح عليها التربية.
ج.
أنّ نظرتنا للإصلاح يجب أنْ لا تكون نظرة الترقيع بين
الموادّ، بل يجب أن تأخذ بالدرس جوهر التربية. وإذا كانت هناك مسائل تتطلّب الحلَّ
السريع، فسنتّخذ ما تلزمه من حلول دون أن تلهينا عن الجوهر في مظهرين خاصّة:
التكوين وآفاق التشغيل.
وما أؤكّده في الختام هو أنّ وزارة التربية بمختلف مصالحها مفتوحة لكلّ من
يودّ مدّه بأيّ إرشاد أو إحصاء يعينه على مزيد إدراك قضايا التربية، والأمل أن
يكون النقاش داخل مجلسنا واسع المجال، عميقا، مفيدا.
انتهى الجزء الثالث - يتبع
للعودة للجزء الأول اضغط هنا و للعودة للجزء الثاني اضغط هنا
تقديم المنجي
عكروت متفقد عام للتربية متقاعد - التدقيق اللغوي : ابراهيم بن عتيق أستاذ متميز
متقاعد .
تونس - مارس
2020
Pour Consulter la version Fr, Cliquer ICI
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire