هادي بوحوش |
طلبت المدونة البيداغوجية من السيد عبد السلام بوزيد المتفقد العام
للتربية والمدير السابق لمعهد تكوين المعلمين بصفاقس أن يقدم لقراء المدونة شهادته
حول ملامح خريجي هذه المعاهد ومقارنة كفاءتهم بكفاءة خريجي مدارس الترشيح القديمة ،
وقد قبل المهمة برحابة صدر، فله منّا كل
الشكر والتقدير على هذه الشهادة الثمينة التي ستسمح لقراء المدونة بالاطلاع على مرحلة من تاريخ تكوين المعلمين في البلاد
التونسية في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي و النصف الأول من الألفية
الثالثة.
مدير المعهد العالي لتكوين المعلّمين بصفاقس منذ إنشائه حتى
إغلاقه، وبكوني في الأصل مدرسًا ترشيحيّا ومتفقّدا للتعليم الابتدائي، وجدت أنه من
المفيد جدًا العمل على هذه المقارنة لرفع بعض سوء الفهم على جودة الفئتين من
المعلّمين. هذا النص مقتطف من بحث قدّمته للارتقاء إلي رتبة متفقّد جهوي. بما أنّ البحث
كان ضخما، فقد اخترت هذا المقتطف الذي من شأنه أن يطرح الإشكاليّة ويثير التأمّل
والجدل.
منذ عام 2005، بدأ النظام
المدرسي التونسي إصلاحًا جديدًا لتكوين المعلمين من خلال إنشاء معاهد مهن التربية
والتكوين (IMEF).
منذ ذلك الحين، سمّي المعلّمون المؤهلون "أساتذة المدارس الابتدائيّة".
لقد كنت محظوظا لتعييني عضوا في لجنة التفكير وصياغة النصوص التي وضعت النظام
الجديد ثمّ مديرا لمعهد مهن التربية والتكوين بصفاقس منذ افتتاحه. هذا نصّ كتبه شخص عاش من داخل ثلاثة أنواع من التدريب :
مدرسة الترشيح كتلميذ، والمعهد العالي لتكوين المعلّمين كمدير ومعهد مهن التربية والتكوين كمصمّم وكمدير.
عبد الــســلام بــوزيــد
متـفـقّـد عـــام للتــربـيـة
باعتبارها مؤسسة اجتماعيّة ونظرا لإشكاليّة التغيير، ليس لكلّ الفاعلين
الاجتماعيين نفس الإدراك للمدرسة.
السياسيّون، تطابقا مع براقماتيّتهم ورغبتهم في تغيير الوضع، يرون
أنّه بإمكانهم تغيير المجتمع انطلاقا من المدرسة. هذه المقاربة للمدرسة تزامنت مع
بعث المؤّسسة ذاتها. منذ نهاية القرن الثامن عشر، اعتبرت المجتمعات الغربيّة
المدرسة كرهان مجتمعي وكمكوّن للتنمية الاقتصادية وكتنظيم وطني وكفكرة معدّلة
وكمشروع حكومة. أكّدت عالمة الاجتماع Viviane
ISAMBERT-JAMATI أنّه "منذ سنة 1789، احتلّت مشاكل المدرسة مكانة مهيمنة على
الساحة السياسيّة. في أوروبا، فهمت المجتمعات الأهمّيّة القصوى للتربية وللدّور
الاجتماعي للمعلّم. البورجوازيّة، الطبقة الجديدة المهيمنة والتي انتصرت على
النظام القديم المرتكز على الامتيازات الموروثة منذ الولادة، عوّضت الأرستقراطيّة
بالاستحقاقات النابعة من الفرد التي كانت تعتبرها أكثر عدلا وملاءمة لتطلّعاتها
كطبقة اجتماعيّة واقتصاديّة جديدة" (المعلّمون من فئة إلى أخرى،
ص 11).
حاليا، جلّ الدول تخصّص
جزءا كبيرا من ميزانياتها للتعليم لأنها "تعتبر التدريس نقطة انطلاق للتنمية
و بديلا لرأس المال" (محمّد الشرقاوي: النظام
الدراسي الجديد: الفاعلون الاجتماعيون و التغيرات في المؤسسات التعليمية ، موسوعة يونيفيرساليس)
إذ تعتبر الكثير من الدول، وخاصة البلدان النامية، التعليم كبديل عن نقص رأس المال الذي تعاني منه.
استنادا إلى مبادئ المدارس الحكومية في الدول الغربية وخاصة في
فرنسا (جول فيري الذي دفع الجمعية العامة في 1880/1881 إلى إقرار المبادئ العامّة
لإصلاح التعليم العام وهي: العلمانيّة/اللائيكيّة والمجانية وإجبارية التعليم
الابتدائي وتوسيع نطاق التعليم الثانوي الحكومي ليشمل الفتيات) تنضوي المدرسة
العمومية التونسية ما بعد الاستعمارية في هذا الإطار من خلال المراهنة على التعليم
العام ، المجاني بل والإلزامي (الذي كان رائدا بل ثوريا بالنسبة لبلد مستقل حديثا)
لأن الزعماء السياسيين في ذلك الوقت اعتقدوا أنه، نظرا لعدم وجود رأس المال، كان
هذا هو السبيل الوحيد لدفع البلاد نحو الحداثة (القانون رقم 118 من 4/11/58)
وأعربوا بذلك عن ثقتهم في قدرة المدرسة على المشاركة في بناء تونس الحديثة. منذ
الاستقلال، لم يعبّر الخطاب السياسي إلا عن ثقة المسؤولين في المدرسة ودورها في
التحوّلات الاجتماعية. كان السياسيون كثيرا ما يصرّحون أنّ التربية هي قاطرة التغيير الثقافي، وأنه بالتالي توكل لها المهمّة
الصعبة التي تتمثّل في تربية الإنسان حسب قيم عصرنا وتوعية المواطن بمتطلبات
الديمقراطية المسؤولة وتشكيل قوى منتجة قادرة على القيام بالمهام التي تتطلّبها
التنمية الشاملة.
و لتجنّب
الوقوع في شرك اقتلاع وتهميش المواطنين سنّت الدولة التونسية قانون 29/7/91 الذي
يحمّل المدرسة الاضطلاع بمهمّة اجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية. في المدرسة
يتعلم المواطنون استخدام الفكر الذي يمكّنهم من تشكيل مستقبلهم والبقاء على قيد
الحياة في عالم تتزايد فيه المنافسة بشكل لا يرحم. الشعب الذي يخسر ملكة المنطق
وإرادة التصرف يصاب بالشلل وليس له مستقبل.
هذه الثقة في
المدرسة مشتركة بين بعض المربّين الذين فتحوا مدارس لتحقيق مثلهم السياسية. هذا
يسمح لنا أن نفهم إنشاء "مدرسة الشعب" على يديFREINET الذي يقول: " وراء الآليات و وراء
متطلبات المجتمع، يبقى المصير الكبير للإنسان. هذا المصير يكمن في التربية
وبالتالي يكون مستقبل الإنسانيّة رهن عمل المدرّس".عن Paul HAZAN في كتاب: ملخّص الكتّاب البيداغوجيّين، نشر دار Fernand NATHAN، 1956، ص 303). يقولNEILL
في كتابه الشهير Libres enfants de Summerhill :"
ما شوّش أبدا رجل سعيد هدوء اجتماع أو دعا إلى الحرب، أو سحل رجلا أسود.ما سعت
أبدا امرأة سعيدة إلى إزعاج زوجها أو أطفالها. لم يرتكب أبدا رجل سعيد جريمة قتل
أو سرقة. ما أرعب قطّ أي رئيس سعيد موظّفا يعمل تحت إمرته. كل الجرائم و كل الحقد و كل الحروب يمكن أن تعاد
إلى بؤس النفس. سأحاول في هذا العمل أن أبيّن كيف يتجذّر هذا البؤس وكيف يدمّر
حياة البشر وكيف يمكننا من خلال التربية الصحيحة والمتوازنة أن نمحوه."
كلّ هذا يبين بوضوح
الأثر الذي قد يكون للتربية المدرسية حسب بعض المنظرين والسياسيين على حياة الطفل
بشكل خاص والإنسان بصفة عامّة والمجتمع الذي يعيش فيه. أما بالنسبة لعلماء
الاجتماع، فإن تحليلاتهم للمدرسة ووظائفها لا تتقاطع دائما. منذ دروسه في بوردو من
1887 إلى 1902 وفي جامعة السوربون منذ 1902 وضع دوركهايم، في علاقة منطقيّة مع
نظريّته الاجتماعية العامة، أطروحة جديدة عن المدرسة كمؤسسة اجتماعيّة. ووفقا لهذا
التمشّي، يرى دوركهايم أنّه يجب أن تكون
التنشئة الاجتماعية للطفل هي وظيفة المدرسة وهدفها الرئيسي ويكفيها فخرا أن تنجح
في تحقيق هذا الهدف.
المجتمع هو المرجع
الذي بموجبه ينبغي على التربية أن توجّه عملها. على المجتمع إذن أن يذكّر المعلم
باستمرار ما هي الأفكار والمشاعر التي يجب نقلها للطفل من أجل جعله متناغماً مع البيئة
التي سيعيش فيها. إذا لم يكن المجتمع حاضرا دائماً ويقظا لإجبار العمل التربوي على
أن يمارس في اتّجاه اجتماعي، فإنّ التربيةّ ستكون بالضرورة في خدمة معتقدات معيّنة،
وستصبح الروح المشتركة للبلد مجزّأة إلى العديد من النفوس غير المتماسكة و في صراع
مع بعضها البعض." (دوركهايم :التربية وعلم الاجتماع، PUF، 1984، ص 59)
من الواضح أنه وفقا لأطروحة
دوركهايم، إذا كان كلّ معلم يعمل على خلق السلوكيّات التي اختارها إلى التلميذ، أو
أخلاقا معيّنة، تصبح الحياة الاجتماعية مستحيلة. لا وجود لمجتمع إلاّ عندما يكون هناك
اتّفاق وتوافق. إنّ غرس رأسمال ثقافي، وفقا للمعايير الاجتماعية، يشكّل شرطا لإمكانيّة
الوحدة والتماسك الاجتماعيّين. لا يمكن تقبّل الاختلاف بين المواطنين إلا في حدود المحافظة
على وجود المجتمع. لا يجوز للفرد أن يتعدّى على المجموعة وعلى التعايش الاجتماعي.
إنّ علماء الاجتماع
المعاصرين، في الوقت الذي يُدْركون فيه نفس الوظيفة للمدرسة، ينتقدون هذه المؤسّسة
عندما تهدف فقط لغرض التماسك الاجتماعي. إذا كانت وظيفتها إعادة الإنتاج فقط ، كما
يودّ "دوركهايم"، فذلك لأنّها لم تكن قادرة على تحرير نفسها من القيود الاجتماعية
التي تؤثّر عليها. علاوة على ذلك، يشكّ العديد من المنظّرين في أنّها قادرة على القيام
بوظيفة أخرى : سيكون من المفارقة أن نرى المجتمعات تبعث مؤسّسات مهمّتها هي تغييرها.
وهكذا، "في كلّ المجتمعات، تكون التربية تمريرا ونقلا للتراث الثقافي من جيل إلى
آخر، بحكم التعريف وليس من قبل المحافظة." (CHARLOT Bernard
:الابتكار لم يعد كما كان عليه 1993.P.21 ) إنّها وظيفتها الاجتماعية
التي تلزمها بذلك.
لذلك ينظر عُلماء الاجتماع المعاصرون إلى المدرسة باعتبارها مؤسّسة
جامدة ترفض أي تغيير في هيكلها. تحت عنوان "جمود المؤسسة المدرسيّة"
بيّنت فيفيان
إيزمبار- جاماتي
كيف أنّ المؤسسة تشكّل عقبة في طريق التغيير
من خلال خلق موقف للمقاومة عند الفاعلين الذين يعملون فيها لأنّ دورها هو نقل الثقافة
المحيطة أكثر بكثير من خلق قيم جديدة. "وبالإضافة إلى الكبح الناتج عن تصلّب جزء
من المعلمين، فإنّ إجراء تعليم يجعل المتعلّمين مؤهّلين للتغيّر وللتغيير يُثير مشكلة
أساسيّة للسّياسة المدرسيّة" (ايزامبر- جاماتي، أنواع وأهداف التعليم ، في مقال "التربيّة" موسوعة (Encyclopaedia Universalis
P. 936 في نفس السياق، يُدافع بيير بورديو ( العنف الرمزي: البحث في أصول علم
اجتماع التربية، الترجمة العربية، تشر الألكسو، 1994) عن أطروحة أن رهان كلّ مؤسّسة
اجتماعية هو خلق "عادات/مكتسبات" عند الفرد تتوافق مع المتطلبات الثقافية
والأخلاقية للمجتمع.
بالإضافة إلى هذا الميل نحو المقاومة والمحافظة، يرى لويس ألتوسر أن
المؤسسة المدرسيّة، مثل الأسرة التي تؤدّي وظيفة تربويّة مهمّة ، تلعب دورًا إيديولوجيًا
دقيقًا : فهي تعمل من أجل الحفاظ الاجتماعي في بعديه : استنساخ وسائل الإنتاج واستنساخ
المعايير الثقافيّة والأيديولوجيّة"): الأيديولوجية والأجهزة الأيديولوجيّة للدولة، الفكر، جوان 1970)
وبالتالي فإن علماء اجتماع التربية، في حين ينسبون إلى المدرسة نفس
الوظيفة التي حدّدها DURKHEIM لأي مؤسسة
اجتماعيّة أخرى، وهي الدفاع عن المجتمع وحمايته من جميع التغييرات الفجئيّة، ينتقدون
ذلك و يذهبون حتّى إلى "إدانتها على دور الفرامل الذي تلعبه. كما بيّنت سوزان
مولّو من خلال تحليل محتوى كتب القراءة المدرسيّة، فإن المدرسة، حسب علماء الاجتماع
هؤلاء، تنقل فقط القيّم السائدة والتقليديّة، حتى لو كانت تدّعي أنّها عامل تغيير وحداثة.
وبما أن كلّ مؤسّسة، بما في ذلك المدرسة، لها وظيفتها الرئيسيّة في
الحفاظ على النظام القائم، فإنّ العناصر الفاعلة التي تعمل ضمنه تستوعب هذه
الوظيفة بشكل عام من خلال استيعابها لدرجة أنهم يطوّرون موقفًا يتّسم بالرقابة
الذاتية وبمقاومة أي تغيير، حتى لو كان هذا التغيير مرغوبا فيه من قبل مسيّري
المؤسّسة المعنيّة. هكذا يمكننا أن نفهم كيف يمكن للفاعلين الاجتماعيّين إفشال
مشروع تجديد على الرّغم من دفع صانعي القرار نحوه. لا يمكن أن تنجح عمليّة التجديد
إلا إذا تمّ قبولها من قِبل الجهات الفاعلة التي تعمل داخلها. في مقال نشر في مجلة AUTREMENT يقرّ
برنار شارلو أن
"المقاومة هي أيضا واحدة من مهمّات المدارس : يجب على المدارس والمدرّسين
مساعدة الشباب على بناء معالم مستقرّة، وعلى ألاّ ينجرفوا بالتّيّارات والصور
والأحداث التي تتغيّر باستمرار." (الابتكار لم يعد كما كان، مجلة AUTREMENT، العدد 136، ص 24)، والكلّ يعلم أنّه بدون
هذه المعالم الثابتة لا يمكن لهؤلاء الشباب بناء شخصيتهم والشعور بالانتماء
الاجتماعي الثقافي.
هذه المقاومة للتغيير ، والتي قد تكون أحد أعراض عقدة الذنب ، عادة
ما تكون بسبب التفاوت الزمني والمفاهيمي بين تغيير المؤسّسة وتغيير الجسم
الاجتماعي. في كثير من الأحيان، بسبب خوفها من رفضها أو تهميشها، تنغلق المؤسسة
للحفاظ على نفسها و لحماية صورتها. هذا هو السبب في أن التغيير، رغم ضرورته، يصبح
مؤلماً و خاصّة إذا كان عنيفا وسريعا.
من خلال الجمع بين نهج السياسيين ونهج علماء الاجتماع ، ندرك مدى
تعقيد العمل التربوي ، الذي لديه في الواقع هدفان يبدوان متناقضين : الحفظ
والتغيير. وهكذا فإن هذا النهج، الذي يمكن اعتباره منظوميّا، يهدف إلى إلقاء الضوء
على العلاقة الجدليّة بين المجتمع والمدرسة. "في المجتمع الحديث، حيث حياة
الأطفال لا تكرّر حياة الوالدين، تصبح التربية أيضا إعدادا وحافزا للتغيير دون
التوقف على نقل التراث."(
CHARLOT المرجع السابق) كما يشير
GUY AVANZINI أنّ أيّ مشروع للتغيير
الاجتماعي يبقى دون فاعليّة إذا لم يجد مدرسة تحاول النهوض به، وأنّ أيّ مدرسة
مجدّدة تبقى هامشيّة إذا لم تجد واقعا اجتماعيّا يتقبّل هذا التجديد ويدمجه في
ثقافته.(الجمود والتجديد في التربية المدرسيّة، المدرسة من الأمس إلى الغد. من
أوهام سياسة إلى سياسة الأوهام)
هذا ما يفسر لماذا تقوم أي محاولة للإصلاح والابتكار التربوي على
مفارقة :
- من ناحية ، يُنظر إليها
على أنّها ضروريّة لتحسين أداء النشاط التربوي. وبهذا المعنى ينظر إلى التغيير
بشكل إيجابي من حيث تأثيره على المؤسسة وعلى مخرجاتها.
-
من
ناحية أخرى ، نرى ، كما اقترحنا أعلاه ، أن أيّ مؤسّسة تولّد مواقف مقاومة لهذا
التغيير لأنّه من الداخل، يفهم التغيير والتجديد على أنّهما انتقاد وكشف للحدود أو
حتى للعيوب. التجديد ضروري ولكنه مؤلم. هوعلاج ولكنّه أيضا من الأعراض ، ومن هنا
نفهم المفارقة الكامنة في كلّ محاولة إصلاح وفي المقاومة التي تمّ زرعها عمدا من
طرف الجهات الفاعلة العاملة داخل المؤسسة التي يجري التخطيط لتجديدها. يحقّ لنا
إذا أن نسأل ما إذا كانت هذه المقاومة مؤشّرا على صحّة جيّدة أو على تصلّب وتورّم.
التجديد وتكوين المدرّسين :
لا يمكن تبرير التجديد في التعليم إلاّ إذا ثبت أن المنتج الحالي
لم يعد يلبّي احتياجات المؤسّسة من جهة والمجتمع من ناحية أخرى. هل هذه حالة
المعلمين المتخرّجين من مدارس ترشيح المعلّمين؟ هلّا يلبّون حقا متطلبات المدرسة
الأساسية؟ هل هم غير قادرين على تحقيق الأهداف المنشودة ونقل المحتوى الضروري؟ على
أي حال ، فإنّ الخيار المؤسّسي والسياسي واضح : يجب على المعلم الحالي مواصلة التعليم العالي حتى يتمكّن من مواجهة البرامج الجديدة.
لهذا الغرض ، تم إنشاء المعاهد العليا لتدريب المعلمين
(ISFM) في أكتوبر 1989 والتي
عوّضت مدارس الترشيح الشهيرة التي أنشأها LOUIS MACHUEL في
عام 1884. إن إنشاء هذه المعاهد هو جزء من منظور فلسفيّ وسياسيّ واجتماعيّ أوسع
يسعى إلى خلق مواقف وقيم جديدة لدى معلمي المدارس الابتدائية للمساعدة في تعزيز
المجتمع المدني (ديمقراطي ، متسامح ، جماعي ، حميمي) كهدف نهائي لقانون جويلية
1991. على المستوى البيداغوجي البحت ومثل العديد من الدول الأخرى التي تمنح الآن
للمعلّم تكوينا جامعيّا (فرنسا: 5 سنوات ، بلجيكا: 2 سنة ، البحرين ، الأردن ،
العراق ، الكويت: 4 سنوات) ، تفتتح تونس المعاهد
العليا لتكوين المعلّمين لأنه
، من بين أسباب أخرى ، يحتاج تلميذ المدرسة الابتدائية اليوم إلى مربّ يمكنه لعب
دور أكبر ممّا كان عليه في الماضي ، الأمر الذي يتطلب نضجًا أكبر (أكبر سناً
وشخصيّة أكثر توازنا وآفاق أوسع واهتمامات
فكرية أكثر تنوعاً) وتدريبا أكاديميّا وبيداغوجيّا أكثر عمقا.
إنّ ملامح المعلّم الجديد الحامل لـ "شهادة ختم الدروس
بالمعاهد العليا لتكوين المعلّمين" والحاصل على رتبة "معلّم أوّل"
المحدثة خصّيصا لفائدته والمعادلة لرتبة "معلّم تطبيق" قد تمّ تحديدها
في صيغة أهداف عامّة كالآتي:
*تكوين مدرّسين يمتلكون تكوينا عامّا متينا يسمح لهم بتعدديّة
الاختصاص وبالكفايات المهنية التي تمكّنهم من استيعاب المعرفة وإدارة التدرّج
البيداغوجي وقيادة العمل الجماعي وإقامة علاقات العمل ...
* تكوين مدرّسين بما يكفي لتلبية احتياجات المرحلة الأولى من المدرسة
الأساسيّة.
* تثمين مهنة التدريس
عن طريق إنشاء إطار أكثر كفاءة وأعلى أجرا ".
لتحقيق هذه الأهداف ، تمتدّ الدراسات على مدى سنتين :
* السنة الأولى مكرسة
بشكل رئيسي للتكوين العلمي في كلّ المواد لضمان القدرة على تدريس كلّ المواد
المبرمجة في المدرسة.
بالإضافة إلى تعليم اللغات والرياضيات والعلوم الطبيعية والعلوم
الاجتماعية ، فإنها توفر مكانًا جيدًا لعناصر التكوين التي تأخذ بعين الاعتبار
خصوصية المدرسة الابتدائية : فن الخط ، التربية الفنّيّة ، الموسيقى ، التكنولوجيا
، إلخ. .
*تشمل السنة الثانية نوعين من التدريب، العلمي والمهني على حد سواء.
ويشمل البعد المهني على جانبين:
- جانب نظري، مع دروس في علم
نفس الطفل والتربية العامة وتعلّميّة المواد الدراسية والتشريعات المدرسية.
- جانب عملي / تطبيقي مع (1)
حصص لملاحظة سير الدروس بالأقسام، و(2) حصص لتحليل وضعيّات التعلّم و(3) تمكين
المتكوّنين من المشاركة في حصص التدريس.
يتم تنظيم المعاهد
العليا لتكوين المعلمين التي حلّت محل مدارس الترشيح "على نفس الروح التي
تفضّل الحياة الجماعية واكتساب الصفات المعنوية اللازمة لممارسة مهنة التدريس.
فضاء مندمج في نظام إقامة إلزامي
وأنشطة اجتماعية وثقافية مكثّفة توفّر العديد من الفرص للإعداد لوظيفة تميل إلى أن
تكون أكثر صرامة من حيث الصفات الإنسانية لأولئك الذين يمارسونها.
يجب أن يكون المعلّم الأوّل متعدّد الاستخدامات (مكوّن على حد سواء
في المواد التي سيدعى لتدريسها وفي الموضوعات التي يفترض أن تساعده في إنجاز
مهمته) وأن يمتلك الصفات الإنسانية التي تعتبر ضرورية للنجاح في ممارسة المهنة :
حبّ الحياة الجماعيّة، أخلاق حقيقيّة، قدرة على التنشيط الاجتماعي والثقافي).
باختصار، نريد تكوين مدرّس محترف مشبع بالصفات الإنسانيّة.
يندرج بعث هذه المعاهد العليا لتكوين ضمن استراتيجية سياسيّة
تربويّة اعتمدتها وزارة التربية والعلوم. وقد تمّ بالتوازي مع التغيير العام في
المناهج الدراسية، وإنشاء التعليم الأساسي، وإنشاء برنامج طموح للتكوين المستمر
لمدرّسي الابتدائي والثانوي.
يوضح هذا البرنامج التكويني الاهتمام الممنوح للعنصر البشري الذي
يعتبر لا فقط ناقلا للفعل التربوي ولكن أيضًا كأهم جهة فاعلة على طريق التنمية
والحداثة. في الواقع، لا يمكن للمباني أو المناهج الدراسيّة أو الكتب المدرسيّة أو أساليب وطرق التدريس أو المواد التعليميّة،
مهما كانت قيمتها النسبيّة، أن تحدث التغييرات المتوقّعة إذا لم يتمّ إجراء
تغييرات عميقة في المدرّس المسؤول عن تطبيقها (راجع أندرسون : كيف نزيد في فاعليّة
المدرّسين، منشورات اليونسكو 1991)
هذا البعد الإنساني هو الذي كنّا نروم تثمينه في المعاهد العليا
لتكوين المعلّمين. كنّا نريد أن يكون خرّيج هذه المعاهد كفئا ومهيّئا بصفة جيّدة
علميّا وثقافيّا وبيداغوجيّا. البرنامج المدرّس في المعاهد يهدف إلى منح المدرّس القدرة على
الإبداع وشخصية متوازنة وانفتاحًا فكريًا وقدرة على التكيّف مع التجديدات
البيداغوجيّة من أجل تحقيق التكامل بين العناصر المختلفة للوضعيّة التربويّة
والوصول إلى أعلى مستوى ممكن من النجاعة.
لكي نحلّل ملامح الخروج لهذه الفئة الجديدة من المعلمين أجريت
بحثًا حاولت فيه الإجابة عن السؤال التالي : ما هي الإضافة المهنيّة والعمليّة التي
أدّى إليها المزيد من التكوين المهني ؟
تبادر إلى ذهني هذا السؤال من خلال المقابلات التي أجريتها مع
متفقّدي الدوائر بعد عامهم الأوّل من الاتصال بالمعلمين الجدد، أي خلال السنتين
الدراسيتين 1991/1992 و 1992/1993. اكتشفت حينئذ انطباعاتهم بشكل عام والتي يُمكن
تلخيصها كالآتي : ربّما يكون المعلم الأوّل مكوّنا نظريا بشكل أفضل من المعلّم
الترشيحي ولكنّه ليس أكثر كفاءة منه على المستوى العملي.
هذا الرأي يحيلنا إلى أطروحة أندرسون التي ألمحنا إليها أعلاه،
والتي تبيّن أن التكوين النظري الأفضل لا يؤدي بالضرورة إلى إضافة على المستوى
العملي. لكن هذا لا يمنعنا من أن نسأل أنفسنا كيف يمكن لهذه الإضافة النظرية أن
تؤدي إلى خسارة من الناحية العملية؟ أليست التربية نظريّة-عمليّة (une praxis)؟
للتثبّت من مزاعم المتفقّدين، قمت بإجراء دراسة مقارنة باستخدام تقنيتي
استطلاع الرأي وتحليل مضمون تقارير التفقّد المحرّرة من طرف المتفقّدين إثر
زياراتهم للفصول التي تديرها الفئتان من المعلمين.
إذا اعتمدنا ما ورد أعلاه وفهمنا الميل إلى المقاومة التي نظّر لها
العديد من الكتاب، يجب أن نتوقع أن
المعلمين الأوائل، على الأقل الدفعات الأولى منهم لا تحضى بتقبّل حسن من قبل
متفقّدي التعليم الابتدائي. هناك حقيقة لا ينبغي إهمالها : لأن مؤسسة "ترشيح
المعلّمين" هي واحدة من أقدم المؤسسات التربويّة الحديثة في تونس (تأسّست عام
1884) ولأنها تتمتّع بميزة تكوين الجانب الأكثر كفاءة والمرموق اجتماعيّا من
مدرّسي التعليم الابتدائي، فإننا نتوقّع أن خريجيها لن يتقبّلوا بسهولة غلقها
واستبدالها بمؤسسة أخرى لتكوين المعلمين، وهي المعاهد العليا لتكوين المعلمين.
قياس مدى تجديد نظام تكوين المعلّمين طرح علينا العديد من المسائل
المتعلّقة بالأسباب وبالنتائج.
المسائل المتعلّقة بالأسباب :
1- - ما الذي فرض التخلّي عن نظام مدارس
الترشيح؟ هل تمّ تقييم موضوعي وعلمي لإظهار أوجه الحدود والعيوب؟
-2 - هل أخذ تجديد صيغة التكوين عن طريق تمديد
الدراسات ما بعد الباكالوريا في الحسبان التحليلات النقدية التي قامت بها المنظمات
الدولية مثل المكتب الدولي للتربية ؟
المسائل المتعلّقة بالنتائج :
3--
هل يؤدّي تجديد نظام تكوين المعلمين بشكل تلقائي إلى تغييرات في سلوك التدريس لدى
المدرسين وفي مواقفهم (القيم الأخلاقية، المهارة في الفعل، الكينونة) وفي قدرتهم
على التكيّف مع التغييرات والتجديدات؟ هذا السؤال له أهمية خاصة لأنّ هذا الإصلاح
تزامن مع بداية إصلاح النّظام التربوي (1989) الذي أدرج قيما جديدة : العقلانية
والتسامح والانفتاح على الآخر والديمقراطية ... (قانون 29 جويلية 1991)
4 -
- كيف سيُنظر إلى خرّيج
(المعلّم الأوّل) هذا الإصلاح لنظام تكوين المعلّمين من طرف بقيّة الفاعلين في
المؤسّسة المدرسيّة (الزملاء والمديرين والمساعدين البيداغوجيّين والمتفقّدين)
نظرًا لاتساع نطاق المشكلات وتنوّعها، كان بحثنا متمركزا حول
الإجابة على جزء من السؤال الرابع، وهو "كيف ينظر المتفقّدون إلى المعلمين الأول
وكيف يقيّمونهم." أجرينا بحثنا على مرحلتين.
- سبر آراء حيث سعينا إلى
الكشف عن التصوّرات التي يحملها المتفقّدون على المعلّمين الأول خرّيجي المعاهد
العليا لتكوين المعلّمين مقارنة
بالمعلّمين الترشيحيّين.
- تحليل محتوى تقارير التفقّد مكّننا من تحديد كيفيّة تقييم هؤلاء
المتفقّدين للسلوكيات البيداغوجيّة للمعلّمين الأول وللمعلمين الترشيحيّين في
الفصل خلال فترة التربّص. وقد حرصنا على أن نقتصر على المتربّصين من أجل تحييد
آثار الاتصال مع زملائهم الأكبر سنّا والتعلّم الذي تنتجه التجربة.
ويبقى مع ذلك أن
نوضّح أنّنا قمنا بهذا البحث ونحن واعون أنه سنواجه الكثير من المزالق والعديد من
العقبات التي ينبغي تجاوزها لأنّ "تقييم الابتكار يعود أكثر إلى النهج
التفسيري herméneutique
(حيث يتمّ تفسير الأحداث) منه إلى النهج "التقنيني" ) nomothétique حيث يتمّ اكتشاف وصياغة قوانين واضحة) وإطاره المرجعي ذاتيّ أكثر ممّا هو موضوعي،
وطريقته تاريخيّة أكثر ممّا هي تجريبيّة وهي تهتمّ بكلّ ما هو خاصّ في الوضعيّة،
وهكذا تسمح بوصف تتالي الأحداث وبتفسير نتائج التجربة التي لم تكن بالضرورة
مرتقبة" ( كرديناي في كتاب "ملاحظة الوضعيّات التربويّة" لـ يوستيك
ودي كتال، المنشورات الجامعيّة الفرنسيّة (PUF) 1988 ص 225)
مع الأخذ بعين الاعتبار للميل إلى المقاومة الذي نظّر له العديد من
علماء الاجتماع، قمنا بصياغة الفرضيّة القائلة بأن المعلمين الأول سيكونون أقل
تقديرًا من قبل متفقّدي التعليم الابتدائي من الترشيحيّين. لقد أكّدت المقابلات
التي أجريناها واستطلاع الرأي الذي أجريناه فرضيتنا. في البداية، كان المتفقّدون
المستجوبون (56 منهم أجابوا على الاستبيان) مجمعين على تفوّق الترشيحيّين في جميع
جوانب الحياة المهنيّة.
لكن انطلاقا من حدود استطلاعات الرأي التي ذكرها العديد من
المؤلفين (MUCCHIELLI et al.) وجدنا في إجابات المتفقّدين تصوّرات أكثر من
الأحكام التقييمية. وقد قادنا ذلك إلى التعمّق في بحثنا وقمنا بتحليل محتوى 713
تقرير تفقّد أجريت في جميع الولايات وشملت الفئتين من المعلمين من كلا الجنسين
المعنيين بالدراسة. تكمن ميزة أداة البحث هذه في السماح بمزيد من الموضوعية لأن
التقارير مكتوبة في وضع احترافي تتطلب أخلاقياته أن يكون المتفقّد موضوعيًا قدر
الإمكان. ونتيجة لذلك، من المفترض أن يعبّر المتفقّد عن حكم أكثر موضوعيّة وخال من
التصوّرات و / أو الأحكام المسبقة المشوبة بكثير من الذاتيّة.
لقد سمح لنا تحليل محتوى هذه التقارير بتلخيص النتائج في الجدول
التالي عن طريق تغيير التكوين في بعض الأحيان أو الجنس في أحيان أخرى
جدول تلخيصي لتحليل محتوى تقارير التّفقّد
عدم وجود فارق مميّز
لصالح المعلّم الأوّل
عدم وجود فارق مميّز
عدم وجود فارق مميّز
|
السلوك البيداغوجي
الإعداد للدروس
إنجاز الدروس
الملامح العامّة
للمعلّم
|
مقارنة معلّم أوّل/معلّم ترشيحي
دون اعتبار الجنس
|
لصالح المعلّمة
الأولى
لصالح المعلّمة
الأولى
لصالح المعلّمة
الأولى
لصالح المعلّمة
الأولى
|
السلوك البيداغوجي
الإعداد للدروس
إنجاز الدروس
الملامح العامّة
للمعلّم
|
مقارنة الإناث
معلّمة أولى/معلّمة
ترشيحيّة
|
لصالح المعلّم
الترشيحي
عدم وجود فارق مميّز
لصالح المعلّم
الترشيحي
لصالح المعلّم
الترشيحي
|
السلوك البيداغوجي
الإعداد للدروس
إنجاز الدروس
الملامح العامّة
للمعلّم
|
مقارنة الذكور
معلّم أوّل/معلّم
ترشيحي
|
لصالح الإناث
لصالح الإناث
لصالح الإناث
لصالح الإناث
|
السلوك البيداغوجي
الإعداد للدروس
إنجاز الدروس
الملامح العامّة
للمعلّم
|
مقارنة المعلّمين
الأوائل فيما بينهم
ذكور/إناث
|
عدم وجود فارق مميّز
عدم وجود فارق مميّز
لصالح الإناث
عدم وجود فارق مميّز
|
السلوك البيداغوجي
الإعداد للدروس
إنجاز الدروس
الملامح العامّة
للمعلّم
|
مقارنة المعلّمين
الترشيحيّين فيما بينهم
ذكور/إناث
|
إن المقارنة العامّة بين المعلمين الأول والمعلمين الترشيحيّين،
بغض النظر عن الجنس، تكشف فقط عن اختلاف كبير في إعداد الدروس. لا يكشف تواتر
الوحدات الدلاليّة للفئات الفرعيّة المحدّدة عن أي اختلافات جوهرية. لكن متغيّر
التكوين يسمح لنا بتسليط الضوء على جانب يكتسي شيئا من الغرابة : في حين أنّ
التكوين في المعاهد
العليا لتكوين المعلّمين يلعب
دورًا مفيدًا جدًا للفتيات، بينما هنّ
متفوّقات حسب المتفقّدين على زميلاتهنّ الترشيحيّات جميع الجوانب، يبدو أن
له تأثيرات معاكسة على الذكور. هل هذا ناتج عن :
1: تأنيث المهنة
2: طموح أكبر لدى الذكور الذين يتطلّعون إلى الحصول على توجيه
جامعيّ "أفضل" وبالتالي على مهنة أفضل ووضع اجتماعي أفضل
3: السببين في وقت واحد.
إنّنا نمبل إلى الفرضيّة الثالثة لأنّه، على الأقلّ في السنوات
التي تلت إنشاء المعاهد
العليا لتكوين المعلّمين، الفتيات يمثّلن نسبة أكبر من الذكور في الاختيار
التلقائي لشعبة هذه المعاهد، وكلاهما يعيش في مجتمع ذكوري مرتكز على نظرة جندريّة
مترسّخة في العقليّات وفي الثقافة المحيطة.
وهذا ما تؤكده الاختلافات في متغيّر الجنس والتي تبيّن أنه في فئة
المعلّمين الأول، الإناث يتميّزن على الذكور في جميع جوانب المقارنة. بينما في فئة
الترشيحيّين، اكتشفنا وجود اتّجاها للتجانس بين الجنسين إذا استثنينا إنجاز الدروس
التي تكون فيها الفتيات مميّزات على الأولاد.
تقودنا هذه الملاحظات إلى تقديم التوصيات التالية:
1- من الحكمة الاهتمام أكثر بالذكور لإعدادهم نفسياً لوظائفهم
المستقبليّة. وسيكون من المفيد إعداد أداة تسمح لنا برسم ملامح المترشّح الموجّه
للمعاهد عند اجتياز الاختبار النفسي التقني لنتمكّن من رفض كلّ مترشّح ليس لديه
رغبة حقيقيّة لـ" يصبح مدرّسا يمتلك الوسائل التي تمكّنه من امتلاك وتطوير
المطبّق المفكّر لديه" (هولبورن، باتريسيا وآخرون: أن يصبح مدرّسا، المجلد 1:
تملّك الهويّة المهنيّة، كيبيك، 1972، ص 15.). أثناء التكوين، على معلّم المستقبل،
ولا سيّما الذكر، أن "يتعلم أن لا نولد مدرّسا بل نصبح مدرّسا، إذا أردنا أن
نبذل الجهود اللازمة وأن نرى أنفسنا كفاعلين الرئيسيّين في عملية التغيير والتحوّل
"(الكتاب المذكور أعلاه)
-2- لذلك من الضروري العمل على مساعدة الأولاد على الوعي بعظمة
المهنة من أجل دفعهم إلى الاندفاع أكثر في تكوينهم وفي مهنتهم المقبلة.
-3- يبدو أنه من الأفضل، كما يعتقد المتفقّدون الذين أجابوا على
استمارة الاستبيانّ، تكليف المعلّم الأوّل أثناء دراسته بالمعاهد، على غرار ما كان
معمولا به في مدارس الترشيح، مسؤولية قسم لأن يجب ألا يتعلم المعلم تدريس مواد
معينة فحسب ، بل وقبل كل شيء أيضًا كيفية إدارة الفصل الدراسي. ومع ذلك ، فإن هذا
الجانب ، بمعناه الهام للغاية ، يتطلب المتابعة حتى نتمكن من تثبيت المعايير التي
تحدد العلاقة بين المعلم والتلميذ. ألا نتحدث عن "عقد تربوي"؟ الذي لا
يمكن أن تترسّخ مكوّناته المختلفة إلاّ
بشكل تدريجي.
. هل تكفي خمسة أسابيع (مدة فترة التربّص) التلاميذ والمعلمين
للاتفاق على عقد معيّن، خاصّة وأن بنود العقد ليست دائما واضحة وواعية ؟ نعتقد،
دون أن نكون قادرين على تحديد الوقت اللّازم لصياغة عقد تعليمي ، أن المعلّم
الأوّل المستقبلي محروم من هذا الجانب الهامّ في تكوينه. هل تسمح لنا هذه الفكرة
بشرح سبب الحكم على الفتيات بأنّهنّ أفضل من الأولاد؟ هل يمكن أن نفسر ذلك
بأنّهنّ أقدر من الذكور على مساعدة
التلاميذ على التعلّم بفضل نوعيّة العلاقات التي يوفّرنها في الأقسام ؟ من المفيد
جداً ملاحظة، في جزء آخر من الدراسة، أنه يتم الحكم على الفتيات بشكل أفضل من
الأولاد في 17 فئة (مؤشرات المعايير) بينما يتفوق الأولاد على الفتيات في ثلاث
فئات فقط.
هذه البيانات كافية لإدراك أنه طالما أن هناك حاجة إلى المعلمين
الذكور، يجب أن تعطى أهمية خاصّة خلال سنتي التدريب وحتى خلال عملهم بعد انتدابهم.
علاوة على ذلك، فإن المعلّم الأوّل ليس فقط أسوأ تقييمًا من زميلته
بل أيضًا مقارنة بنظيره الترشيحي. من المؤكد أن هذا الأخير كان لديه الوقت الكافي
للاستعداد لوظيفته المستقبلية (4 سنوات في المدرسة الترشيح) ، في حين كان المعلم
الأوّل يود متابعة دراساته في شعبة آخر. دون أن تكون لدينا إحصائيّات نذكر العدد
الكبير من الذين لم تعد لديهم فرصة اجتياز الامتحانات الجامعيّة الذين اتصلوا بنا
للتسجيل في المعاهد.
حامل البكالوريا الجديد يرى نفسه محاميا أو أستاذا أكثر من "مجرّد معلّم
".
-4- وأخيراً
،ألا يدفعنا ضعف تملّك لغة التدريس (وهي
اللغة العربية بالنسبة للعيّنة التي تمّت دراستها) للانضمام إلى موقف العديد من
الشركاء في المجال التعليمي ، بما في ذلك المتفقّدون الذين ينصحون:
* تخصيص السنتين
اللتين تقضى في المعاهد
العليا للتكوين الأكاديمي الأساسي ،
* إنشاء سنة ثالثة
للتدريب العملي حيث يتعلم المتربّص التدريس وإدارة الفصل والتواصل مع التلاميذ
بلغة مناسبة وصحيحة.
عبد السلام بوزيد متفقد عام للتربية ومدير
سابق للمعهد العالي لتكوين المعلمين
تونس - 2018
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire