الهادي بوحوش |
نواصل هذا الأسبوع دراسة المسالة اللغوية بالمدرسة التونسية منذ الاستقلال ونخصص ورقة هذا العدد لفترة ممتدة نسبيا مقارنة بالفترتين السابقتين لأنها امتدت من نهاية الستينات إلى النصف الأول من الثمانينات وهي الحقبة سجلت فيها حركة التعريب خطوات مهمة في التعليم الثانوي.
للعودة
إلى الفترة الأولى من القسم الثالث - اضغط هنا - للعودة إلى الفترة الثانية من
القسم الثالث - اضغط هنا
إن دراسة مسائل التعريب و الثنائية اللسانية ومكانة اللغة الفرنسية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، تعطي انطباعًا بأن البلاد لم يكن لديها في ذلك الوقت خط سياسي واضح وقاطع ، فكان كل وزير يأتي للوزارة بأفكاره وأولوياته، ولا يمكن القول بمشروعه وبرنامجه ، و بما أن هذه الفترة تميزت بعدم الاستقرار على مستوى وزارة التربية القومية التي شهدت تغيرا مستمرا للوزراء ، (ثمانية وزراء في عشر سنوات) فبينما بقي المسعدي في منصبه لمدة 10 سنوات ، فمن خلفوه لم يجدوا الوقت لتجسيد أفكارهم ، أو وضع مخططات واضحة ، فكان بعضهم من المتحمسين للتعريب ، وبعضهم أقل بكثير ، وثالث خير عدم المجازفة والانتظار.
الوزراء الذين عطلوا نسق التعريب
بن صالح
يعيد الفرنسية إلى السنتين الأولى
والثانية
عند وصوله
إلى وزارة التربية في شهر جويلية 1968 خلفا للمسعدي ، شرع أحمد بن صالح في إصلاح
التعليم لعلاج أوجه القصور التي لوحظت من قبل اللجنة التي كان رئيسها والتي أشارت
إلى ضعف أداء المدرسة الابتدائية ، فلم تتجاوز نسبة الذين التحقوا بالتعليم
الثانوي والإعدادي 40٪ من إجمالي عدد تلاميذ السنة السادسة ، على الرغم من
"التساهل في بعض الحالات"
؛ ""كما لاحظت
اللجنة أيضًا أن النسبة الكبري من تلاميذ
التعليم الابتدائي لا تتمكن من مواصلة التعليم الإعدادي ، الذي كان أساسًا باللغة الفرنسية ؛ علاوة على
ذلك ، كشفت الدراسات أن التلميذ يقضي معدل 8 سنوات في المدرسة الابتدائية بدلاً من
ست سنوات ، وأن معدل الاستمرار مرتفع للغاية (30.5 ٪ خلال العام الدراسي 1967 / 68) وكان معدل
الانقطاع يقترب من 7 ٪ في نفس العام.
و من
بين القرارات التي اتخذها بن صالح ، هناك قرار يهمنا هنا ، وهو إجراء يهدف إلى
تعزيز مكانة اللغة الفرنسية ؛ بانطلاق
تدريسها من السنة الأولى ابتدائي و تخصيص
10 ساعات لها في الأسبوع من أصل 25
ساعة ، (هذا القرار يمثل تراجعا عن القرار
الذي اتخذه المسعدي بناء على توصية من اللجنة).
الوزراء
الآخرون الذين أبطؤوا التعريب دون إلغائه
قام الشاذلي العياري الذي خلف المزالي في جوان 1970 ، بوقف مؤقت للإصلاح الذي شرع في انجازه سلفه ، ويبدو أنه لم يكن مقتنعا تمام الاقتناع به ، وقد قال بعضهم إنه كان" الدابة السوداء للتعريب "[1] (غراند غليوم) ، تميزت فترته القصيرة بنشره تقريرا مهما عن وضع التعليم التونسي[2] كما كوّن اللجان القارة لإعداد إصلاح النظام التربوي وقد سلمت تلك اللجان تقاريرها لخليفته (محمد مزالي الذي عاد إلى الوزارة) ) و سنقدم لاحقًا ما جاء فيها ويخص مسألة التعريب.
في هذه
المجموعة من الوزراء ، يمكن إدراج عمر
الشاذلى الذي أشرف على وزارة التربية
والتعليم لمدة قصيرة (1986/1987) و الذي
قرر إعادة تدريس اللغة الفرنسية إلى السنة
الأولى ، ولكن القرار لم يعمر طويلا إلا أنه يعكس ظاهرة عدم الاستقرار وعدم وجود
خط موجه للوزارة في تلك الحقبة.
مزالي
ومغامرة التعريب
لقد وجد
التيار المؤيد للتعريب دعماً من قطاع من الحزب الحاكم في ذلك الوقت ، ومن
النخبة التي كانت تنشط في فلك مجلة الفكر ومؤسسها محمد مزالي.
كان محمد مزالي الذي مسك مقاليد التربية في ثلاث مناسبات ممثل هذا التيار الأكثر تأثيرا وشهرةً ، ربما بسبب طول المدة التي قضاها بوزارة التربية (مدة سبع سنوات متقطعة) بين عامي 1969 و 1980 ، فكان المدافع الرئيسي عن التعريب ؛ والتفت حوله عناصر مختلفة ( عناصر من التيار الإصلاحي الزيتزني السابق ، وعن عناصر من الحزب الحاكم ، ونخبة من المثقفين ) ، وقد اكتسح هؤلاء خلال السبعينات الساحة السياسية، فاستغل محمد المزالي هذا الدعم لإنجاز مشروع تعريب التعليم.
ولكن هل كان مزالي هو الفاعل الرئيسي لهذا التيار؟
أكّد محمد
الصياح أن " أول من دعا إلى التعريب
هو محمد مزالي عندما كان وزيراً للتربية - لكنه لم يكن الوحيد". في هذا
المجال ، يبدو أن المزالي كان ينتهز كل فرصة لترويج أفكاره ففي عام 1971 ألقى
محاضرة على منبر الاتحاد العام للطلبة
بمناسبة أسبوع التعريب، تحدث فيها عن " الحاجة لوضع خطة للتعريب تكون دقيقة
ومعتدلة ومتأنية ومرحلية ، لأن التعريب هو الركن الرئيسي للتونسة، التي لا تستبعد
الحفاظ على لغة حيّة أخرى التي يجب على الشباب إتقانها لتكون وسيلة للتواصل مع عصرنا و تمكن من تملك
العلوم والاكتشافات والتكنولوجيا " [3]
نلاحظ أن المزالي في محاضرته يصطف
وراء الموقف الذي عبّر عنه بورقيبة منذ سنة 1958 والمسعدي و بقية قادة
البلاد منذ فجر الاستقلال ، فهو يدعو إلى
التعريب المرحلي و إلى تعلم لغة حيّة (لم يذكرها ، فهل كان ذلك عن قصد؟) نتساءل
هنا هل أن هذا الاصطفاف كان نتيجة قناعة أم نوعا من المناورة ولكن هذا لم يحميه من سهام أولئك الذين اتهموه
بأنه يريد إقصاء اللغة الفرنسية من المدرسة ، مما أجبره على تقديم التوضيح التالي في عام 1973 (حين كان وزيرا للتربية
للمرة الثانية) : " أقولها مرة أخرى، إن التعريب لا يعني إقصاء اللغات
الأجنبية، فهو ليس إجراء رجعي وكل من ينادي
بالتعريب ليسوا متعصبين ومن جهة أخرى نحن لا ندعو للتعميم الفوري للتعريب فلسنا لا مغامرون ولا أناس بسطاء " [4]. يحرص المزالي مرة أخرى
على إتباع نفس النهج السياسي الذي أقره الرئيس بورقيبة أي نعم للتعريب التدريجي مع الانفتاح على
اللغات الأجنبية.
قيقة ( مارس
73/ماي 76) كان الممثل الثاني لتيار التعريب
قام الوزير
قيقة الذي خلف محمد المزالي بدور هام في تعريب التعليم الثانوي وقد كان دوره أكبر
من دور سلفه لكنه كان دون ضجيج وقد أورد
السيد البشير بن سلامة الوزير السابق وصديق المزالي في مقابلة مع صحيفة الوطن نشرت
يوم غرة جانفي 2019، كلاما قال فيه " لم يكن مزالي هو من قام بتعريب التعليم،
بل كان إدريس قيقة هو الذي فعل ذلك، وذكر أن قيقة
قام بزيارة رسمية إلى سوريا دامت أسبوعين اطلع بمناسبتها على التجربة
السورية في التعريب وخاصة تعريب الرياضيات، وعند عودته التقى بالرئيس ونجح في
إقناعه بضرورة تعريب الفلسفة "[5]؛ في كلام ين سلامة الكثير
من الحقيقة . وقد أورد محمد الصياح
شهادة في نفس الاتجاه حيث قال
" بأن ادريس قيقة قام، خلال اجتماعات المكتب السياسي للحزب ، بتحسيس رئيس الحكومة الهادي نويرة بمسألة تعريب
الفلسفة ، لأسباب تتعلق بالأمن الداخلي بشكل خاص، مدعيا أن غالبية أساتذة الفلسفة
ينتمون إلى اليسار السياسي، و هم يحرضوا الشباب ضد السلطة، ودعم قوله بتحرير أحد المترشحين تحصل على عدد جيد جدً، تضمن نقدا للسلطة القائمة في البلاد، واصفًا
إياها بأنها نظام قمعي ". وقد اتخذ قرار تعريب الفلسفة في مجلس الوزراء في
سبتمبر 1975 بمبادرة وزير التعليم آنذاك ،
إدريس قيقة، و شرع في التطبيق في بداية العام الدراسي 1975-1976.
وكتب محمد الهادي خليل في كتابه تفاصيل حول نفس الموضوع. حسب الهادي خليل اتخذ قرار تعريب تدريس الفلسفة " على إثر الرغبة التي عبّر عنها الرئيس بورقيبة في الاطلاع على المقالات التي أسندت إليها أحسن الأعداد في مادة الفلسفة في دورة جوان 1975 فتبيّن من قراءة تلك المقالات أنها تتضمن أخطاء فادحة في اللغة فرنسية وهو ما نتج عنه اضطراب في تحليل المفاهيم الفلسفية. أثير هذا الموضوع في جلسة خاصة بالديوان السياسي للحزب الحاكم الذي قرر، بموافقة رئيس الجمهورية ، تكليف لجنة وطنية لدراسة الأسباب التي أدت إلى تدني المستوى في الفلسفة، وعهدت رئاسة هذه اللجنة إلى الأستاذ عبد الوهاب بوحديبة، و كان السيد الهادي خليل مقررها، وقد ضمت ثلة من أساتذة الفلسفة بالجامعة التونسية ومتفقدي التعليم الثانوي لهذه المادة، وتبين أن هذا الوضع كان نتيجة حتمية لتدني المستوى في اللغة الفرنسية، بإضافة إلى أن أغلب أساتذة الفلسفة هم من بين المتعاقدين الفرنسيين الذين تخرجوا من الجامعة الفرنسية وممن شاركوا في حركة اليسار المتطرف التي نظمت الانتفاضة الطلابية الشهيرة في ماي 1968 و حاولوا بث أفكارهم الثورية ضمن دروس الفلسفة ، فبرز هذا التوجه الداعي إلى زعزعة الدولة للقضاء على الهياكل الدستورية في مقالات الفلسفة للتلاميذ.
كما حدثنا
السيد خليل عن اجتماع المتشنج الذي عقد في
القاعة الكبرى للوزارة برئاسة الوزير قيقة
بمتفقدي وأساتذة الفلسفة للإعلان عن القرار ودراسة آليات تطبيقه، تميزت
الجلسة بالاحتجاجات ، حيث غادر المتفقد
محمد كراي وبعض المدرسين القاعة، وسعيا
للحد من درجة التوتر اقترح السيد الهادي
خليل المرور بفترة انتقالية يسمح خلالها
للمدرسين غير القادرين على التدريس باللغة
العربية أن يواصلوا التدريس بالفرنسية
وسيتم تقديم مواضيع البكالوريا
باللغتين، أما بالنسبة إلى المدرسين الذين
لا يريدون تغيير اللغة ، فقد عرض عليهم تدريس اللغة الفرنسية. هكذا تحولت الفلسفة
من الفرنسية إلى العربية وكان ذلك أول
فوز لأنصار التعريب.
تيار التعريب يحضى بمساندة تقارير لجان التفكير
لكسب مزيد من الشرعية والدعم شجع محمد المزالي لجان التفكير على دراسة
المسالة اللغوية وتقديم مقترحاتهم في خصوص التعريب وسنورد على سبيل المثال ما جاء في تقرير اللجان القارة
التي سبقت الإشارة إليها و تقرير اللجنة الخاصة لتعريب التعليم التابعة للحزب الاشتراكي الدستوري( 1976/1977)
اللجان
القارة تنتقد الثنائية اللسانية في التعليم الابتدائي
في صائفة 1970 تشكلت لجان قارة لإنجاز دراسة معمقة حول النظام التربوي وبعد سنتين (جوان 1972) سلمت اللجان تقاريرها[6] واستخرجنا منها الفقرات التي تناولت فيها المسألة اللغوية في التعليم الابتدائي حيث نجد نقدا لاذعا للثنائية اللسانية : "تطغى على التعليم الابتدائي ثنائية اللغة فلا يضمن للطفل تكوينا منسجما ... إن ازدواجية اللغة واستعمال الفرنسية كلغة تعليم تزيد ما للبرامج من مساوي . ودون أن نفتح نقاشا عن مبدأ الازدواجية نفسه فإنه لا بد من إحصاء الأضرار الناتجة عن ظروف تطبيق هذه الازدواجية في مدارسنا الابتدائية وهي:
تعلم الفرنسية في السنة الثانية إن كان مبدئيا في صالح اللغة الأجنبية ، فهو يهضم جانب اللغة العربية ولا يوجد الجو النفساني أو البيداغوجية الملائم لتفتحه على لغة أخرى وبالرغم من الزيادة في الوقت المخصص للغة العربية وجعل هذه اللغة لغة تعليم فإنها بقيت لغة كتاب ولغة أدب لا تستطيع أبدا أن تصير لغة عمل في الحياة ما لم تجبر على ذلك جبرا.
وبوجودها منحبسة بين اللغة العربية الدارجة، واللغة الفرنسية فهي لا تنمو وتبقى مهضومة الجانب إذ يتنكر لها التلاميذ بمجرد التحاقهم بالتعليم الثانوي وبالتعليم العالي خاصة.
ويدرس تلامذتنا الحساب بالعربية مدة ثلاث سنوات وهم مجبرون على متابعة دراسته باللغة الفرنسية في السنوات الثلاث الباقية ، وهذا لا يخلو بيداغوجيا من ضرر وينتج عن ذلك أن كثيرا من التلامذة يبقون ضعافا في مادة الحساب وضعافا بعد ذلك في مادة الرياضيات بسبب تغيير لغة التعليم ...
إن تعليم الفرنسية نفسه أصبح يعطى في ظروف غير عادية باطراد منذ إصلاح التعليم في سنة 1958. من ذلك التنقيص من حصص التعليم من البداية والتنقيص من عدد المعلمين الفرنسي الجنسية ، ثم الاستغناء عنهم تماما في سنة 1969 استغناء صار لازما لأسباب مختلفة وتعويضهم بمدربين ليس لهم تكوين عام كاف ولا مؤهلات بيداغوجية.
إدخال الفرنسية في السنتين الأولى والثانية في 1969 وقع بيداغوجيا في أسوأ الظروف (انتداب مئات من المدربين صنف الثاني،انعدام البرامج،فقدان كامل للأجهزة البيداغوجية المناسبة ، ارتجال لا مناص منه...) بل وقع حتى بالرغم حتى من متفقدي التعليم الابتدائي لا التونسيين فقط بل الفرنسيين حتى أن أحد هؤلاء الأخيرين قد ذهب به الأمر إلى أن بعث بتقرير إلى الإدارة يبن فيه بالدليل عدم لياقة الأمر.
ومن الغلط الاعتقاد في أنه من الممكن أن نضمن لكافة الأطفال في نظام تعليم يشمل جميع الطبقات الاجتماعية بكامل أنحاء البلاد وفي الظروف المبينة آنفا معرفة بالفرنسية بالمتانة التي كان يكتسبها عدد قليل من الأطفال في نظام كان التعليم فيه قليل الانتشار جدا وكان فيه معلمون في أغلبيتهم ذوي كفاءة كبرى يقومون طيلة ثلثي الوقت بتعليم هذه اللغة ويستعملونها لتعليم كل المواد الأخرى.
ولا مبالغة القول بأنه لا أمل في الظروف الحالية في أن نعطي في مدارسنا جملة التلامذة قاعدة صحيحة لا بالفرنسية ولا بالعربية والنسبة القليلة من الأطفال الذين هم بفضل وجودهم في ظروف حسنة مختلفة( خصوصا إذا ما أعان على ذلك الوسط العائلي ةالاجتماعي) يصلون إلى حذق هذه أو تلك من اللغتين أو الاثنتين معا ، لا يمكن أن تتخذ حجة على عكس ما نقول."... من المقترح أن تكون اللغة العربية هي لغة التعليم في المرحلة الابتدائية ويبرر هذا سببان وجيهان هما:
1- أن العربية هي اللغة الرسمية المعترف بها في الدستور وأنها آخذة في أن تصبح شيئا فشيئا لغة الإدارة في البلاد ولغة الثقافة القومية.
2 - أن استعمال لغة أجنبية كلغة تعليم في المرحلة الابتدائية يكون عرقلة كبرى للطفل ذلك لأن عليه أولا أن يحذقها حذقا كافيا للتمكن من الاستفادة من المواد التي تدرس بها وفي هذا صعوبتان ...
... لذا فإن اختيار اللغة العربية كلغة تعليم في المرحلة الابتدائية تفرضه أسباب بيداغوجية هذا بقطع النظر عن أن كل تعليم لا يمكن أن يكتسي الطابع القومي إلا إذا كان معطى بلغة البلاد وهذا ما يساعد على غرس الطفل في وسطه.
وبما أن تعلم لغة أجنبية مرغوب فيه لكي يمكن في مرحلة التعليم العالي خاصة من التعرف على بعض المواد العلمية أو التقنية فإن هذا التعليم يمكن أن يشرع فيه بصفة مفيدة في الأعوام النهائية للدراسة الابتدائية"
وبناء على ما تقدم لقد تقرر:
1) أن نجعل من اللغة العربية اللغة الأساسية للتعليم الابتدائي.
2) أن
يقع تعليم اللغة الفرنسية كلغة لا غير وذلك في السنتين الأخيرتين(الخامسة
والسادسة) بنسبة 10 ساعات في الأسبوع مع ضبط طريقة مثلى من شأنها أن نحقق منها
معلومات تكون أساسا عملية ومفيدة"
من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن اللجان القارة قد اشتغلت مدة طويلة حين كان محمد المزالي على رأس وزارة التربية وهو الذي تسلم التقارير فلا غرابة أن تكون استنتاج اللجان وتوصياتها في خصوص المسألة اللغوية متطابقة كليا مع توجهات الوزير الذي كتب في شهر جانفي 1971 في مجلة الفكر ما يلي :" إذا سلمنا لأن لكل أمة اتجاها فكريا معينا وعبقرية موصوفة وإذا اتفقنا على أن الأمة التونسية عربية إسلامية فلا مندوحة من التسليم بأن الثقافة القومية يجب أن تكون عربية إسلامية وبالتابع يجب أن تكون أداة الثقافة اللغة العربية بحيث أن تعريب التعليم في جميع مواده وفي جميع أطواره أمر تقتضيه طبيعة الأشياء ويفرضه المنطق السليم... لا أخطئ كثيرا إن قلت أن الذين لا يؤمنون بإمكانية تعريب التعليم في جميع فروعه ودرجاته هم ضحايا التعليم الممسوخ والثقافة المسمومة التي اتخذها المستعمر وسيلة من وسائل قتل الشعور بالقومية وبالذاتية التونسية..." [7].
اللجنة
الجهوية لتعريب التعليم بصفاقس تقترح خطة
كاملة لتعريب شامل للتعليم الثانوي
تكونت هذه اللجنة سنة 1978بمبادرة من لجنة التنسيق للحزب الاشتراكي الدستوري لدراسة مسألة تعريب التعليمين الابتدائي والثانوي وبعد سبعة أشهر من العمل نشرت اللجنة تقريرا في 81 صفحة تكون من مقدمة وستة تقارير للجان الفرعية وهي:تقرير اللجنة الفرعية للتعليم الابتدائي وتقارير اللجان الفرعية لتعريب الرياضيات والعلوم الفيزيائية والعلوم الطبيعية والمواد الاقتصادية والمواد التقنية.
تكمن طرافة هذا العمل في اعتماد أسلوب استشارة المدرسين والتلاميذ الفاعلين الاقتصاديين.
وقد أجمعت كل التقارير على الدعوة إلى تعريب التعليم الابتدائي والثانوي والعالي (لا غرابة في الأمر بما أن اللجنة كانت مصطفة مع أطروحات الوزير محمد المزالي، حتى أن التقرير قد أدرج بالصفحة الأولى خمس مقتطفات من أقوال وكتابات المزالي مستخرجة من مجلة الفكر الصادرة في 1971 و 1972 و 1975 و 1976.
وقد ورد في مقدمة التقرير ذكر لدوافع اهتمام اللجنة بالمسألة اللغوية
في المدرسة : " بمجرد أن تكونت
اللجنة الجهوية للتربية ... استقر رأيها
على أن تهتم بدراسة موضوع تعريب التعليم
استجابة إلى أن اللغة بالإضافة إلى كونها وسيلة التخاطب والتفاهم فهي ركيزة أساسية للتبليغ والتثقيف وإيمانا
بأنه لا يمكن الفصل بين اللغة المستعملة بالمدرسة من ناحية والمستعملة في البيت
والشارع والإدارة من ناحية أخرى ، واعتقادا بأنها عامل أساسي في تركيز الروح
الوطنية في الشباب والاعتزاز بأصالته وقدميته ...إن تعريب التعليم ضرورة حتمية إذ
أنه لا يمكن تغيير الوضع الراهن للغة المستعملة في المجتمع التونسي اليوم
والمتمثلة في تداخل العربية مع غيرها من اللغات الأجنبية ( فرنسية وأحيانا ايطالية
وإنقليزية)...إلا بمعالجة الوضع من الأساس أي انطلاقا من المدرسة أي تعريب التعليم
على أنه من الضروري الاستعداد لذلك وتهيئة الأسباب اللازمة لإنجاحه والعمل على
حماية التعريب حتى نتجنب الانتكاسات التي ربما تلحق به فتؤدي بالتعريب الذي نريده
إلى الفشل... على أن مفهوم التعريب ليس انغلاقا على العالم الخارجي بل لا بد أن
يكون التعليم أكثر تفتحا ومعنى هذا هو إعطاء اللغات الحية لا الفرنسية فحسب حظا
وافرا كلغة في نظامنا التربوي يسمح للطالب التونسي من مواصلة بحوثه ودراسته بأكثر
من لغة واحدة وفي أكثر من بلد واحد"[8] نلاحظ تطابقا ملفت بين ما ورد في مقدمة التقرير
وبين أطروحات محمد المزالي.
يتبع للرجوع
إلى الحقبة الأولى اضغط هنا و إلى الحقبة الثانية اضغط هنا
الهادي بوحوش والمنجي العكروت متفقدان عامان للتربية متقاعدان وإبراهيم بن عتيق أستاذ مميز متقاعد
تونس 2015.
للاطلاع على النسخة الفرنسية أضغط هنا.
للعودة للورقات السابقة التي تناولت موضوع لغة التدريس
اضغط على الروابط أسفله الجزء
الأول اضغط هنا - الجزء
الثاني اضغط هنا - الجزء الثالث اضغط هنا - الجزءالرابع اضغط هنا - الجزء الخامس اضغط هنا - الجزء السادس اضغط هنا . الجزء السابع اضغط هنا - الجزء الثامن اضغط هنا
[1] في شهر مارس 1970 أعلن محمد المزالي قرار تعريب
السنة الأولى للتعليم الابتدائي ( الذي سيدخل حيز التطبيق بداية من العودة
المدرسية 1971/72 ) إلا أن المزالي قج أبعد من وزارة التربية في شهر جوان 1970 و عوضه الشاذلي العياري الدابة السوداء لأنصار التعريب فقد رفع
الشعار التالي :" لا يكفي أن نتكلم باللغة العربية يجب التفكير
تونسيا " و كان الوزير الجديد قد
تعرض طيلة سنة كاملة لهجمات أنصار التعريب (من بينهم المزالي ) مما أجبره على
الاستقالة في شهر أكتوبر 1971 ''
:Grand Guillaume :
L’arabisation au Maghreb, Revue
d’Aménagement linguistique, Aménagement linguistique au Maghreb, Office Québécois
de la langue française, N°107, hiver 2004, p.15-40 .http://www.ggrandguillaume.fr/titre.php?recordID=51
[2] بوحوش و عكروت - المدونة البيداغوجية 19 مارس 2017 : كشف عن التطور الكمي للتعليم
بالجمهورية التونسية : نظرة عامة
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/03/blog-post.html#more
[3] بوحوش و العكروت . المدونة
البيداغوجية - 19/12/2016 - محمّد مزالي يقيّم البرامج الدراسيّة والتكوينيّة و
يدعو إلى تونستها
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/12/1.html#more
[4] محمد المزالي - مواقف
1973 ذكر في المرجع السابق
[5] حسب السيد محمد الهادي خليل لم يتحول إدريس قيقة
لسوريا في تلك الفترة.
[6] بعثت اللجان القارة من قبل الوزير الشاذلى
العياري وواصلت أشغالها في عهد
المزالي و أنتجت 3 تقارير ) تقرير لكل مرحلة) و قد حالفنا الحظ بالعثور على نسخة
منها لدى السيد أحمد الزغل المدير السابق لمعهد 15 نوفمبر و المدير
الجهوي السابق و الذي تفضل بإهدائها لنا و
فتح أمامنا أبواب مكتبته الخاصة .
[7] م.مزالي ، مجلة الفكر عدد 4 ، جانفي 1971
[8] تقارير
اللجنة الخاصة بتعريب التعليم - 1977/1978 - الحزب الاشتراكي الدستوري / لجنة
التنسيق الحزبي / اللجنة الجهوية للتربية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire