dimanche 1 mars 2015

مناقشات مؤتمر شمال إفريقيا لسنة 1908 عن التعليم الابتدائيّ للأهالي التونسيّين: القسم الثالث


شرعنا منذ ثلاثة أسابيع في تقديم الحوار الذي دار في مؤتمر شمال افريقيا حول مسألة تعليم الأهالي التونسيّين زمن الحماية الفرنسية و خصّصنا الحلقة الاولى لتقديم موقف المعمّرين من المسألة الداعي إلى عدم دمج الأهالي في المنظومة التعليمية العصريّة الفرنسية و إبقائهم في الكتاتيب، و قدمنا في الحلقة الثانية موقفين متباينين من تصوّر ممثل المعمرين دي كارنيار ،واحد مساند له و هو ممثل المعمّرين الفرنسيين بالجزائر  و الثاني معارض له وهو موظف فرنسيّ سابق بالسنغال.  و هذا الأسبوع نقدم الجزء الثالثو الأخير   من الحوار و المناقشات  حيث سعى ممثلو الطرف  التونسيّ وبعض الأعضاء الفرنسيين إلى إبعاد طرح ممثل المعمّرين و لكنهم لم يوفّقوا كليّا في سعيهم إذ صوّت المؤتمر لفائدة مقترحات الطرفين بعد تعديلهما.


تذكير
في العقد الأوّل من القرن العشرين، صارت مسألةُ تعليم التّونسيّين الخاضعة بلادُهم لسلطة الحماية الفرنسيّة من أهمّ المسائل التي ما فتئ يثيرُها أعضاء من النّخبة التّونسيّة التي تلقّت تعليمَها بالمدرسة الصّادقيّة، أو بالمدارس الفرنسيّة، أو المدارس الفرنسيّة-العربيّة، أو بالمدرسة العلويّة، تلك المؤسّسة المختصّة في إعداد المعلّمين، منذ 1884. وقد صدرتْ دعوةٌ إلى تعميم التعليم الابتدائيّ العصريّ وتشجيع الشّباب التونسيّ على متابعة التعليم الثانويّ والتعليم التقنيّ، عن مجموعة من المثقّفين ممّنْ عُرفوا بقبولهم بنظام الحماية ورغبتهم في الانصهار في المدنيّة الأوروبيّة وسعْيهم إلى الانخراط في الثقافة الفرنسيّة ولغتها. وكي يبلّغوا أصواتَهم، حرص هؤلاء على المشاركة في المنابر المتاحة، منها مؤتمرُ شمال إفريقيا الذي كان ينتظم بصفة دوريّة بإشراف جمعية تسمّى " الاتّحاد الاستعماريّ الفرنسيّ/ Union Coloniale Française أنشأها سنة 1893 مجموعةٌ من التجّار الفرنسيّين قصدَ حثّ فرنسا على متابعة سياستها الاستعماريّة. فكان أنْ شاركوا في المؤتمر المنعقد بمرسيليا من 6 إلى 9 سبتمبر 1906، وشدّ الانتباهَ منهم محمّد الأصرم[1]  بمطالبه المتعلّقة بالتعليم[2]  والتي صارت، فيما بعدُ، مطالبَ حركة الشّباب التونسيّ والحزب الإصلاحيّ. كما شاركوا في مؤتمر شمال إفريقيا[3]  المنعقد بباريس فيما بين 6 و10 أكتوبر 1908، وبرز منهم بصفة ملحوظة عبد الجليل الزّاوش[4] و  مصطفى خير الله[5] بتقريره عن الوضع التعليميّ للتونسيّين  ودعوته إلى جعل المدارس الفرنسيّة العربيّة مشتركة بين أطفال الأوروبيّين وأطفال الأهالي، لتنشئتهم على العيش معا.
 وقد اعترض ممثلُ المعمّرين بالبلاد التونسيّة على هذه الدّعوة اعتراضا شديدا، وقدّم تصوّرا آخر لتعليم الأهالي يخدم مصلحة الفلّاحين الفرنسيّين. وقد تجلّى الخلافُ بين النّظرتيْن خلال النقاش العامّ الذي احتضنتُه الجلسة الثانية للمؤتمر المنعقدة صباح التاسع من أكتوبر 1908، برئاسة السيّد روني مييي/ René Millet، المُقيم العامّ السّابق بالبلاد التونسيّة، والمخصّصة لمسألة التعليم الابتدائيّ للأهالي بالبلاد التّونسيّة[6].
  ولمّا كانت الآراءُ والمواقف المطروحة بمناسبة هذا النقاش العامّ مهمّة في فهم نشأة التعليم العصريّ ببلادنا، فقد رأينا تعريبَها وتمكينَ قرّاء المدوّنة البيداغوجيّة من الاطّلاع عليها لتزيد صورةُ التعليم التونسيّ لديهم، زمنَ الحماية، اكتمالا.
القسم الثالث : رد الطرف التونسي والمصادقة على المقترحين المعدلين
السيّد الرئيس: لقد استمعنا إلى مُمثل المُعمّرين بالبلاد التونسيّة ومُمثل عن الجزائر وقد انتهيا إلى الشّيء ذاته. أفلا يكون مناسبا، وأحتكم هنا إلى المجلس، أن نحيل الكلمة إلى مُمثل معترف به من الوسط الأهليّ، أعني السيّد الزّاوش، كي يجيب عن الحجج التي عُرضت علينا؟
السيّد خير الله: أريد أن أعرض عليكم أمنية ربّما يترتّب عليها إبطالُ الآتي من النقاش وتلبية رغبات الجميع.
السيّد الزّاوش: عن كلّ المسائل التعليميّة، عرض السيّد دي كرنيار أمنيات ضبابيّة للغاية، مثلما فعل في الندوة...
السيّد دي كرنيار: لقد فعلت ذلك مراعاة لكم.
السيّد الزّاوش: لكنْ، ما ليس ضبابيّا لدى السيّد دي كرنيار هو أنّ الأهالي ينبغي إقصاؤُهم من المدارس الفرنسيّة القائمة.) تصفيق (
إنّها الحقيقة: وأذكّر السيّد دي كرنيار أنّه قام بحملة بالبلاد التّونسيّة، بفضلها تمّ غلقُ كافة المدارس التي يؤمُّها أطفال أهليّون. وقيل عندها" إنّ هذه المدارس تكلّف الحكومة ثمنا باهظا وسنغلقها".
السيّد دي كرنيار: إنّ هذا خطأ، قطعا!
السيّد الزّاوش: توجد اليوم مدارس فرنسيّة ومدارس فرنسيّة-عربيّة يؤمُّها أطفال أهليّون منذ 1881، أي منذ 27 سنة...
السيّد دلماس/ Delmas: من كان مقيما عامّا آنذاك؟
السيّد الرئيس: إنّه أنا.
السيّد الزّاوش: لقد كان بالمدارس الفرنسيّة العربيّة تلاميذُ أهليّون، منذ 1881. لماذا تريدون اليوم طردَهم منها؟ هذا ليس عدْلا! ثمّ إنّ الميزانية لا تسمَح أبدا بأنْ نبعث مدرستيْن، واحدة للأهالي وأخرى للفرنسيّين. وبالرّغم ممّا يمكن فعلهُ، فلنْ نصل أبدا إلى تزويد البلاد التونسيّة بكلّ المدارس الضّروريّة. ولمّا كانت لنا اليوم مدارسُ في المراكز الحضريّة، ولمّا أخذ الفرنسيّون والأهالي يعيشون معا منذ الصّغر، ولمّا كانوا مَدعُوّين إلى العيش جنبا إلى جنب في الحياة اليوميّة، فلماذا إذنْ نقيم هذا الحاجز الأصمّ بين الفرنسيّين والأهالي، بما أنّهم سيسيرون، فيما بعد، جنبا إلى جنب، بصفتهم عمّالا وموظفين أو رجالا أحرارا؟
 ستُجيبونني أنّ أطفال العرب، عند دخولهم إلى المدرسة، لا يتمتّعون بالمستوى الذي عليه الأطفال الفرنسيّون، فأقول لكم إنّنا قبلنا أنْ يتعلّم أطفالُ الأهالي، لمدّة سنتين، اللغة الفرنسيّة، ثمّ يُلحقون بالمدارس التي يزاول بها الأطفال الفرنسيّون الدّراسة. فإنْ اعترضتم على هذا الإجراء، فإنّه يصحّ أن نقول إنّ المدارس الفرنسيّة مفتوحة لأطفال المالطيّة وأطفال الإيطاليّين، وحتّى لأطفال اليهود، أمّا نحن لوحدنا فنُعتبر من المنْبوذين. ) تصفيق حارّ (.
السيّد الرئيس: السيّد خير الله، لقد بعثتم الأملَ، منذ حين، بأنّ أمنيتكم يمكن أن تنال رضى المجلس.
السيّد خير الله: يوجد شيْئان في تقريري:
 - فأنا أطلب المدرسة الفرنسيّة-العربيّة، بكلّ ما عندي من قوّة وطاقة، في المراكز التي يتّصل بها الأهالي مع العنصر الأوروبيّ.
 - أمّا في المراكز التي لا يكون بها الأهالي على صلة بالأوروبيّين، فأنا أكتفي الآن بمدرسة قرآنيّة مهذّبة ومصلحة.
فإنْ لم يرُق مقترحي لحزب المعمّرين، فإنّي أخاطب وطنيّتكُم كي تصوّتوا على هذه الأمنية، مع التزامنا بشرط واضح يتمثل في أنْ لا يكون الطفل الأهليّ قد تجاوز سنّ السّبعَ سنوات. 
السيّد الرئيس: باختصار، لقد وضعتم، منذ حين، إدارتي موضعَ شكّ. وأنا أصرّ على أن أعلمكم بما فعلت بالبلاد التونسيّة. فقد أغلقتُ، بالاتّفاق مع الجالية، ولأسباب اقتصاديّة، المدارسَ التي يؤمّها أطفالُ الأهالي فقط، لتعويضها بمدارس أخرى في الأماكن التي يعيش بها عناصرُ متنوّعة من السكّان، والتي كانت بحاجة إلى مدارس. وعلى العكس ممّا قيل، فقد نشرتُ وطوّرت المدارسَ في الأماكن التي كان بها الأهالي على اتّصال بالسّكّان الأوروبيّين. وإنّي لأصرّ اليوم على تقديم هذه التوضيحات، لأنّ الصّحافة كانت عمدت آنذاك إلى تشويه موقفي. وإنّي ألحّ على ذلك حتّى يزول كلّ لبْس يكتنفُ هذا الموضوع.
أرى أنّكم الآن قد تشبّعتم من المسألة. وبإمكاني، إذنْ، أن أطرح على التصويت مختلف جداول الأعمال التي عُرضت عليكم. ولو استطعنا أن نعدّ جدولَ أعمال يلخّص مختلف وجهات النّظر التي عُرضت، لكان ذلك أفضل نتيجة.
السيّد برّوكاند/Barrucand [7]) كاتب صحفيّ(: لقد أودعنا مقترحا.
السيّد خير الله: إليكم الأمنية التي حرّرتها:
يرى المؤتمر بعين الرضى الأمنية المتعلقة باشتغال المدارس الفرنسيّة-العربيّة في المراكز الحضريّة التي يعيش بها أوروبيّون، شرط أنْ لا يتجاوز الطفلُ الأهليّ سنّ السّابعة، عند الالتحاق بها. أمّا في الأماكن الأخرى فالكُتّابُ المُهذّب المصلَح.
السيّد دي كرنيار: هذا شرح للأشياء: إنّه من مشمولات النّدوة الاستشاريّة.
السيّد بُورْداري/ Bourdarie:[8]  )   مؤسّس أكاديميّة العلوم الاستعماريّة(: أطلب إلى السيّد خير الله أن يتفضّل بشطب الجزء من أمنيته المتعلق بالكُتّاب لأنّه في رأيه أداة مُضرّة.) لقد برهن السيّد خير الله على صدق عجيب، وعلى الجميع أن يُحيّوا صدقه (. وعلينا أن نرجُوَ وجودَ العديدين من أمثاله بالبلاد التونسيّة!
السيّد خير الله: لستُم في حاجة إلى خير الله، بما أنّه لكم السيّد شرليتي!
السيّد بُورْداري/ Bourdarie: يظهَر من تقرير السيّد خير الله، بطريقة غاية في الوضوح، أنّ التعليم المهنيّ لا يصعب تدريسه بالكُتّاب.
السيّد دلماس/ Delmas: أظنّ أنّه يكون من المفيد، لمصلحة المُصالحة، أن نتبنّى جدولَ الأعمال الذي قدّمه السيّد خير الله. وإنّه لَمنْ الأكيد -  لو كان صغارُ الأهالي على اتّصال بصغار الفرنسيّين، في المراكز الحضريّة الكبرى، وفي سنّ متماثلة، وقد تعلم كلٌّ منهم لغتَه حتّى لا يُعطّل تقدّمَ الآخر في الدّراسة-أقول إنّه من الأكيد أنْ لا يوجد أيُّ مانع لتنبنّي هذا النظام التعليميّ، ولن يبقى، تبعا لذلك، سوى برهان وحيد يستحقّ النقْض في أطروحة السيّد دي كرنيار، أَلَا وهو مسألة السّلوك الأخلاقيّ. بيد أنّ هذه الحجّة لا يمكن أن تطرح إلاّ في حالة المبيت. فالرذيلة التي تحدّث عنها السيّد دي كرنيار هي، بالفعل، خاصّة بالمبيت، وتوجد كذلك بالأماكن التي لا يكون فيها الأهالي على اتّصال بالفرنسيّين. وإذْ توجد بالبلاد التونسيّة مَبيتاتٌ في المعاهد الثانويّة ومدرسة ترشيح المعلّمين حيث يجتمع الأهالي والأوروبيّون، لذلك فإنّي لا أرى ما يمنع من قبول اتّصال أقلّ خطرا، في المدارس الابتدائيّة، من المنظور الخاصّ للسيّد دي كرنيار. إذنْ أطلب بإلحاح، ولغاية تخدم التسامحَ، أنْ نُصوّت على جدول أعمال السيّد خير الله، فقد تشجّع السيّد خير الله وتقدّم خطوة في اتّجاه أفكارنا، وأحسَب أنّه علينا أنْ نصنَع ما صنع، وأنْ نُشرّف أنفسَنا بالتصويت على جدول الأعمال هذا.) علامات موافقة  من الحضور(
السيّد الرئيس: لا يتعلّق الأمر بالكُتّاب الحاليّ، بل بالكُتّاب المُصلح المُهذّب. وأشير، هنا، إلى أنّنا شرعنا في إنجاز عمل أنصح السيّد شرليتي بمتابعته، ألا وهو إرساءُ ضرب من مدرسة الترشيح للأهالي تكون مخصّصة لتخريج من يدرّسون بالكُتّاب المُصلح.
السيّد بُورْداري/ Bourdarie: إنّي أنحازُ إلى مقترح السيّد خير الله.
السيّد دي كرنيار: إنّي أتمسّكُ بأمنيتي، لكنّي سأصوّت على أمنية السيّد خير الله باعتبارها تنقيحا. بيد أنّ مختلف الأطراف يطلبون التصويت أوّلا على أمنية السيّد خير الله.
السيّد خير الله: إنّ المدرسة الفرنسيّة العربيّة كما أتصوّرُها، وكما يتصوّرُها كلُّ الأهالي الذين تلقوْا تكوينا مّا، هي تلك التي عالجتها في تقريري. وعندما يحين اليوم الذي نريد فيه أن نتبيّن كيف نتصوّر المدرسة الفرنسيّة-العربيّة، يكون لي شرفُ أن تعودوا إلى تقريري.
السيّد الرئيس: هناك مسألةُ أولويّة في أُمنية السيّد دي كرنيار. لكنَّ جدولَ الأعمال الأوْسع في صياغته هو جدولُ أعمال السيّد خير الله، لأنّه يهدف إلى تعليم عربيّ خصوصيّ، الكُتّاب المصلح، والمدرسة الفرنسيّة-العربيّة. وأظنّ، بحسب التقاليد، أنّ جدول الأعمال الذي ينسحب على الحالات العريضة هو الذي ينبغي أن يُعْرض على التّصويت، أوّلا.
السيّد دي كرنيار: سأُساند فكرةَ السيّد خير الله باعتبارها تنقيحا لمشروعي، وهو الأعمّ.
السيّد الكنت دي ورّان/ Le Comte De Warren:[9]  ) معمّر من تونس (: هذا يجري جريانا حسنا.
السيّد مارتيني/ Martinier: ليس في أمنية السيّد دي كرنيار شيء يذكرُ.
السيّد الرئيس: يمكن أن نمْزج المقترحيْن.
السيّد بُورْداري/ Bourdarie: لا مزج!
السيّد الرئيس: إنّه من اليسير أن نمزح المقترحيْن، فالفقرة الثانية تتعلّق بالكُتّاب المصلح في المعنى الذي أشار إليه السيّد دي كرنيار، أي نشر الكُتّاب المصلَح في كلّ مكان خارج المراكز الكبرى، أي إحداث مدارس يُسدى بها تعليمٌ مُفيد للأهالي التونسيّين، وتنجز الدروسُ بها باللغة العربيّة، كما تشتمل على تفسير ليبراليّ للقرآن ومبادئ الفرنسيّة والعلوم، وبصفة خاصّة الفلاحة.
السيّد مارتيني/ Martinier: نطلب المزج بين الأمرين.
السيّد بُورْداري/ Bourdarie: نطلب الفصل بين الأمرين.
السيّد الرئيس: سأطرح الفقرة الأولى المتعلّقة بالمدارس الفرنسيّة-العربيّة على التّصْويت.
السيّد الكنت دي ورّان/ Le Comte De Warren: فلْنصوّتْ على المزج أو لا نُصوّت.
السيّد دي كرنيار: لا نريد أن نرمي جانبا بجدول أعمالنا. وبالتالي، سنصوّت على جدول أعمال السيّد خير الله بعد التصويت على مقترحنا. يوجد بالمجلس أشخاصٌ من مصلحتهم إثارة الهيجان ويريدون دفع جدول أعمالنا.
السيّد الرئيس: تتعلق الفقرةُ الأولى من مقترح خير الله بالمدرسة الفرنسيّة-العربيّة ويحدّد كيفية اشتغالها. أمّا الفقرة الثانية فتضبط المدرسة العربية لوحدها، أيْ الكتّاب المصلح. ولا أرى في ذلك أدنى تناقض. فهل يعني أنّ الذين سيصوّتون على الفقرة الأولى لا يقبلون إلاّ بالمدارس الفرنسيّة العربيّة ويدفعون المدارس القرآنيّة؟ هل بهذه الطريقة تطرح المسألة؟ ) لا ( يبدو لي، في المقابل، أنّنا نريد مدارس فرنسيّة-عربيّة، في حدود معيّنة وببعض الشّروط، وأنّنا لا نريد أن يوجد، في الوقت نفسه، كتاتيب مُصلحة.  
السيّد الزاوش: يطلب البعضُ التعليم بالعربيّة ويطلب آخرون التعليم بالفرنسيّة.
السيّد الدكتور أراغون/ Dr Arragon: اطرَحوا الفصلَ على التصويت.
السيّد الرئيس: سأطرح على التصويت البرنامج المتعلّق بالمدارس الفرنسيّة-العربيّة.
من جميع النواحي: لا، لا، اطرحوا البرنامج بأكمله!
السيّد مارتيني/ Martinier: فلْنصوّتْ على أمنية السيّد دي كرنيار باعتبارها الأعمّ!
السّيد دلماس/ Delmas: أريد أن أعرف موقف السيّد خير الله الذي عرض المقترح. أظنّ أنّ السيّد خير الله يتّفق مبدئيّا مع السيّد دي كرنيار، وأنّ جدوليْ العمال يكمن المزجُ بينهما.
السيّد الزاوش: نُصَوّت عليهما.
السيّد خير الله: إنّي أدعو إلى المدرسة الفرنسيّة-العربيّة، لا كما حدّدتْها إدارة التعليم، وإنّما كما ضبطتها أنا، أي مدرسة يكون فيها الأهالي والفرنسيّون جنبا إلى جنب، بعد الصفّ المتوسّط، إلى شهادة ختم التعليم الابتدائيّ. أقرّ باعتراض السيّد دي كرنيار والمخاطر التي أشار إليها، لذلك أطلب أنْ لا يقبل الطفل الأهليّ إلاّ في سنّ الدّراسة، فقد يكون من المقلق فعلا أن نرى شابّا قويّا من الأهالي جنْبَ طفل فرنسيّ أو إسرائيليّ ذي سبع سنوات.
)  ضحكات وتصفيق(
إنّي أُقرّ بذلك، وبالتالي، فإنّي أستجيب لطلب السيّد دي كرنيار، وأنا تغمرني السّعادةُ عندما أُلاحظ أنّنا لسْنا بَعيدين بعضنا عن بعض. وأرجو أن أرى المعمّرين والأهالي يسيرون يدا في يد للتعاون على ما هو مشترك.
إنّي أريد المدرسةَ الفرنسيّة-العربيّة في المراكز التي يكون فيها الأهالي على اتّصال بالأوروبيّين. فنحن، في مجال التّجارة، نريد إلغاء الوُسَطاء. فلْنعملْ على إلغاء المترجم، أقول ذلك بقدر كبير من غير المحاباة، بما أنّني بنفسي مترجم. )  ضحكات وتصفيق (إذنْ، أطلب التصويتَ على هذه المدرسة كما حدّدتُها.
السيّد مارتيني/ Martinier: في المُحَصّلة، فأنت تدفع جدولَ أعمال السيّد دي كرنيار.
السيّد الرئيس: أريد بصفتي رئيسا أن أشير إلى الصّعوبة التي تعترضنا. هناك رجالٌ مثل السيّد خير الله يريدون تعليمَ الفرنسيّة، قدرَ الإمكان، في كلّ مكان ينبغي أن يكون فيه ذلك، ويحافظون، في الآن نفسه، على تعليم مُتطوّر للغة العربيّة، قدر الإمكان، وفي كلّ مكان ينبغي أن يكون فيه ذلك. وهناك رجالٌ آخرون يميلون إلى الدمْج التامّ وإلى المزْج الكامل بين العناصر الفرنسيّة والأهالي. عليهم أن يعلنوا ذلك وأن يتحمّلوا مسؤولية مقترحهم. ) أصوات متنوّعة: هو ذاك!(
السيّد بُورْداري/ Bourdarie: يوجد اتّجاه ثالث يتمثّل في الرغبة في تدريس العربيّة للمسلمين وإبعادهم عن مَدَنيَتنا.
السيّد دي كرنيار: أتمسّك بطلب الأولويّة لجدول الأعمال الذي اقترحتُه، للأسباب التالية: فهو أكثر عموميّة، وهو مُحدّد لما ينبغي أن نقوم به في كافة أنحاء البلاد التونسيّة. أقبلُ بالمدرسة الفرنسيّة-العربيّة في المدن الكبرى، وأرفضُها في المراكز الريفيّة، وأظنّ أنّ هؤلاء السّادة يتفقون معي على ذلك؟
السيّد الزاوش: ليس هذا أبدا!
السيّد دي كرنيار: ينبغي أن يمرّ مشروعي أوّلا. سنحُدث مدارسَ فرنسيّة-عربيّة بالبلاد التونسيّة، في المدن الكبرى، بشرط أنْ لا يقبل الأطفال بفصولها سوى في سنّ معيّن! وهي مقايضة أظنّ أنّه عليّ أن أقبل بها، لا باسمي الشّخصيّ فقط، بل نيابة عن كلّ الذين يسيرون معي. ومع ذلك كلّه، وبعد القبول بالمبدإ، فإنّنا نرفض المدارس الفرنسيّة -العربيّة بالمراكز الرّيفيّة، وسنصوّتُ ضدّ هذا المشروع.
السيّد الزاوش: لقد طالبنا بمدارسَ فرنسيّة عربيّة. ويقول السيّد خير الله إنّه، في انتظار إرساء مدارس فرنسيّة عربيّة، يَقبل بالكتّاب المُصْلَح، لكنْ ليس إلى ما لا نهاية له. إنّنا نأمل أنّه، شيئا فشيئا، وحين تسمح الميزانية، سيتمّ بعثُ مدارس فرنسيّة-عربيّة حتّى في المراكز التي لا يقيم بها فرنسيّون. وإذا كان جدولُ أعمال السيّد دي كرنيار مطابقا لجدول أعمال السيّد خير الله، فإنّنا سنصوّت عليه.
السيّد مارتيني/ Martinier: لقد جرت العادة أن يكون التصويت على قاعدة أنّ المقترح الأكثر اتّساعا هو الذي ينبغي أن يطرح للتصويت أوّلا. ولهذا السَّبب فإنّ مرورَه أوّلا لا يحول دونَ التنقيح.
السيّد الرئيس: أُصرُّ على أن أكون مُستقيما. هناك منْ يدعو إلى أن نُصوّت في البدء على مقترح السيّد دي كرنيار، وهو بمثابة التنقيح لمقترحات التقرير. ثمّ نطرح للتصويت مقترحات السيّد خير الله. وهذه هي الإجراءات البرلمانيّة. سأعيد، إذنْ، قراءة مقترح السيّد دي كرنيار، قبل أن أطرحه على التصويت:
" يُعبّر المؤتمر عن الأمنية التالية: أن يُسْدى للأهالي التونسيّين تعليمٌ واسعٌ مفيدٌ في مدارس ابتدائيّة متخصّصة، حيث تُلقى الدروسُ باللغة العربيّة وتشتمل على تفسير ليبيراليّ للقرآن ومبادئ أوّليّة في الفرنسيّة والعلوم، وبخاصّة في الفلاحة."
السيّد دي كرنيار: أطلب شطب عبارة أوّليّة.
السيّد مارتيني/ Martinier: يتعلّق الأمرُ بأطفال في سنّ السّابعة يتهيّؤون لاجتياز شهادة ختم التعليم الابتدائيّ!
السيّد الرئيس: أطرح على التصويت مقترحَ السيّد دي كرنيار بشطب عبارة أوّليّة، بحيث تصير الصّياغة "مبادئ في الفرنسيّة"، لا غير.
)  تمّ قبول مقترح السيّد دي كرْنيار ب32 صوتا مقابل 12. (
السيّد الرئيس: أطرح الآن على التصويت استنتاجات السيّد خير الله، وهي لا تتضارب البتّة مع ما كنّا صوّتنا عليه، لأنّه يمكن أن توجد مدارس من صنف معيّن ومدارس من صنف آخر.
السيّد دلماس: أظنّ أنّكم تطرحون على التصويت الاستنتاجات المعدّلة للسيّد خير الله؟
السيّد الرئيس: إليكم الاستنتاجات:
أوّلا: أن ننمّي المدرسةَ الفرنسيّة العربيّة في المراكز التي يوجد بها أوروبيّون، بشرط أنْ لا يتجاوز سنّ الطفل الأهليّ سبعَ سنوات.
ثانيا: أن ننشر في المراكز الأخرى الكتاتيب المصلحة.
)  تمّت الموافقة بالإجماع على مقترح السيّد خير الله (
السيّد الرئيس: إليكم الآن، قبل أن نختم، مقترح السيّد برّوكوند:
يعبّر مؤتمر شمال إفريقيا عن الأمنية التالية: أن يسدى تعليم بالعربية للفتيات المسلمات في مقاطعاتنا بإفريقيا الشّماليّة.
) طرح هذا للتصويت فقبلته الأغلبية عدا بعضَ الممتنعين عن التصويت (
ورفعت الجلسة على السّاعة منتصف النّهار و20 دقيقة.

http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5832683q/f565.texte

تعريب و تعليق الهادي بوحوش و المنجي عكروت متفقدان عامان للتربية
تونس  ديسمبر 2014





[1] محمّد الأصرم: 1866/ 1925، من عائلة عريقة قيروانيّة. درس بالمدرسة الصّادقيّة ثمّ انتقل إلى فرنسا، ولمّا عاد إلى تونس عمل أستاذا بالمدرسة الصّادقيّة ومترجما ومؤرّخا. شارك في المؤتمر الاستعماريّ بمرسيليا سنة 1906 ومؤتمر شمال إفريقيا بباريس سنة 1908. من مؤسّسي الجمعية الخلدونيّة 1894 وقدماء المدرسة الصادقيّة سنة 1906. كان اقترح سنة 1906 إنشاء " جامعة إسلاميّة عصريّة".
1.      [2]  يمكن الرجوع إلى أعمال المؤتمر الاستعماريّ بمرسيليا لسنة 1906 كما جاءت في الوثيقة الآتي بيانها:
Congres Colonial de Marseille ; Compte Rendu des Travaux du congrès colonial de Marseille ; Publié sous la direction de M.J.CHARLES-ROUX, par M .CH.DEPINCE, secrétaire général et rapporteur général des congrès, Tome III, 1907
[3]  Congrès Coloniaux Quinquennaux organisés sous le patronage de L’union Coloniale Française ; Compte Rendu du Congrès de l’Afrique du Nord tenu à Paris du 6 au 10 octobre 1908 publie par M.CH. DEPINCE ; Tome III, 1909.
[4]  عبد الجليل الزّاوش: 1873/ 1947، من عائلة تونسيّة ثريّة. درس بمعهد سان شارل/ كارنو لاحقا، ثمّ بجامعة باريس حيث أحرز الإجازة في الحقوق سنة 1900. باشر المحاماة لمدّة قصيرة، ثمّ أسّس مكتبَ محاسبة وأخذ يؤسّس الشّركات والمصانع. شارك في مؤتمر شمال إفريقيا بباريس سنة 1908، وتولّى رئاسة الخلدونيّة سنة 1911، وعيّن عاملا على سوسة سنة 1917، ثمّ شيخا لبلدية العاصمة سنة 1934، ثمّ وزيرا للقلم سنة 1935، فالعدليّة حتّى 1943. عُرف باعتداله وميله إلى المُحاجّة والحوار.
2.    مصطفى خير الله: 1867/ 1965، كان والدّه موظّفا ساميا مقرّبا من خير الدين التونسيّ. درس بالصادقيّة ثمّ تخرّج معلّما من المدرسة العلويّة. عُرف بقدرته البيداغوجيّة وابتكاره لأساليب متطوّرة لتعليم اللغة العربيّة. أحد أعضاء الحركة الإصلاحيّة بتونس، وصحافيّ في جريدة التونسيّ الناطقة بالفرنسيّة ومترجم معتمد لدى المحاكم. كان من مؤسّسي الجمعية الخلدونيّة وقدماء الصادقيّة وأحد أعضاء حركة الشباب التونسيّ إلى جانب عبد الجليل الزاوش وعليّ باش حانبة ومحمّد الأصرم. شارك في مؤتمر شمال إفريقيا بباريس سنة 1908 وقدّم تقريرا عن تعليم الأهالي بالبلاد التونسيّة طبع سنة 1910 بتونس. أسّس مدرسة قرآنيّة عصريّة معرّبة بنهج سيدي بن عروس، بالمدينة العتيقة، للتدليل على أنّه بالإمكان تعليم العربية والفرنسيّة في مثل هذه المدارس.
[6]  L’enseignement primaire des indigènes tunisiens ; discussion générale ; tome III.in compte rendu des travaux du congrès de l’Afrique du nord, Paris 1909.

[7] فكتور برّوكند: 1864/ 1934 كاتب وصحفيّ.
[8] بول بورداري: 1864/ 1950، مؤسّس أكاديميّة العلوم الاستعماريّة.

[9] الكونت إدوارد دي ورّان: 1871/ 1962. سياسيّ وعضو الحزب الاستعماريّ، حزب المعمّرين. استقرّ بالبلاد التونسيّة فيما بين 1901 و1914 حيث يمتلك ضيعة. أسّس الجمعية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire