lundi 26 mai 2014

الغشّ في امتحان البكالوريا التونسيّة


مع اقتراب موعد امتحان البكالوريا، تطالعنا، كلَّ سنة، مقالاتٌ في الصّحافة يتساءل مُحرّرُوها عن استعدادات وزارة التربية لمواجهة محاولات الغشّ في هذا الامتحان الوطنيّ الهامّ. فما هو واقع ظاهرة الغشّ في البكالوريا التونسيّة مقارنة بما يحدُث في بعض الدّول الأخرى؟

I.      القسم الأوّل: واقع ظاهرة الغشّ

1.                ظاهرة الغشّ قديمة ومنتظمة التفاقم

تعرّض الشّيخ محمّد الطاهر ابن عاشور لمسألة الغشّ في كتابه " أليس الصّبح بقريب؟ "،[1] دون أن يستعمل كلمة الغشّ، بل عوّضّها بعبارة "الإخلال في الامتحانات " في صفوف طلبة جامع الزّيتونة، مشيرا إلى طرق الغشّ المعتمدة آنذاك، ومُستعرضا أسبابَها، من قبيل عدم كفاءة المراقبين، إذ يشير الشّيخُ إلى " سوء يقظة المراقبين، بسبب اتّخاذ المراقبين من عامّة أعوان دار الشّريعة، وعامّة مستخْدَمي خزائن الكتب، وبيت النّظارة بالجامع، فهم -لجَهْلهمْ -لا يتفطنون لطرق استعانة الممتَحَنين بعضهم ببعض. " ومن هذه الأسباب عدمُ توفير العدد اللازم من المراقبين، فقد أبرز الشّيخ ذلك بقوله:" ولقلّتهمْ... إذ تجد خمسة أو ستّة من المراقبين أقيموا لحراسة مائة تلميذ "، ومنها عدمُ ملائمة الفضاء لإجراء الامتحان في ظروف طيّبة، يقول سماحة الشّيخ: «يُجمع الممتحَنون ببيت قد مُلئ بغير نظام، وغلب بحجب وازْدحام. " (ص 241)
لقد بيّنت هذه الشّهادة النّادرة أنّ الغشّ ظاهرة قديمة، لكنّها استفحلتْ منذ ذلك الزّمن، وشهدت انتشارا واسعا في صفوف التلامذة والطلبة بمختلف مراحل التعليم، وأصبحت ممارسة الغشّ أمرا متداولا في الامتحانات العاديّة، أثناء السّنة الدراسيّة. ثمّ تعدّى هذا السّلوكُ إلى الامتحانات الوطنيّة، وبالخصوص امتحان شهادة البكالوريا.
ففي دورة 2012، بلغ عددُ حالات الغشّ التي تمّ الإعلانُ عنها، والتي أحيلت ملفّاتُ مُرتكبيها إلى اللجان المختصّة للنظر فيها[2] 539 حالة[3]، أي ما يُمثل نسبة %0,40 من مجموع المترشّحين. وبذلك تظلّ الظاهرة في بلادنا محدودة، إذا ما قُورنت بالوضعيّة الجزائريّة مثلا (3180 حالة في دورة 2013، أي بنسبة 0,84%)، ولكنّها تعتبر مرتفعة مقارنة بالوضع في فرنسا، إذ قدّرتْ نسبة حالات الغشّ المؤكّدة في امتحان البكالوريا بهذا البلد بما نسبتُه:0,05   %   في دورة 2010 .
سَجّلت حالاتُ الغشّ في امتحان البكالوريا التونسيّة ارتفاعا منتظما: - ملحق 1- فقد تضاعف عددُ حالات الغشّ أو محاولته، وحالات سوء السّلوك، أكثر من مرّتين ونصف، في أقلّ من 20 سنة، إذ ارتفعت من 141 حالة، أي ما كان يُمثل 1,61 عن 1000 مترشّح في منتصف التّسعينات من القرن الماضي، إلى 539 حالة[4] في دورة 2012، أي 4,52 على 1000 متقدّم للامتحان.
ومع ذلك، يبدو لنا أنّ هذا العدد لا يعكس الواقعَ الحقيقيّ للغشّ في امتحان البكالوريا، وإنّما هو يطابق فقط الحالات التي تمّ ضبطُها ومعاقبة مُرتكبيها. فنحن لا نعرف عددَ الحالات التي تمّ ضبطها، دون أن تترتّب عليها عقوبة، لعدم توفّر الدّلائل القاطعة. كما لا نعلم عددَ الحالات التي نجح أصحابُها في الغشّ، دون أن يتفطّن لهم المراقبون. وأخيرا لا يُمكننا حصرُ عدد حالات الغشّ التي يتمّ التستّرُ عليها، أو حتّى السّماح بها. ويؤكّد عددٌ من التلاميذ القدامى أنّ الظاهرة منتشرة انتشارا كبيرا في صفوف المترشّحين لامتحان البكالوريا. وما الحالات التي تمّ كشفُها في دورة 2013، وتعرّضت لها الصّحافة، سوى تأكيد لذلك. وفي السّنوات الأخيرة، ظهرت مصطلحاتٌ جديدة كمصطلح " إيفَسْكي "، أي يستعمل معلومات معدّة مسبقا ومحرّرة في شكل مسوّدات أو في شكل تحرير جاهز، أو مصطلح " إيكَيّت "، أي " "يستعمل جهاز اتّصال يُمكّنه من الاتّصال بشريك له، خارج قاعة الامتحان".
 2. الظاهرة ترتفع في صفوف مترشّحي المدارس الخاصّة وتشمل جُلّ الموادّ وجُلّ الجهات
إنّ المورَّطين في الغشّ لا ينتمون إلى فئة معيّنة، فنحن نلقاهم حتّى بين التلاميذ ذوي المعدّلات المرتفعة. لكنّ أغلبية المورّطين هم من بين أصحاب المُعدّلات الضّعيفة الذين يعمدون للغشّ، لتجاوز قصورهم أو ضعفهم في مادة مّا أو أكثر. كما تستأثر المدارسُ الخاصّة بأكثر من نصف المورّطين (236 من 539 حالة سنة 2012،) رغم أنّ نسبة المترشّحين المنتمين إلى هذا القطاع لا تتجاوز الثلث.
 3.الظاهرة منتشرة في جميع الأنظمة الدّراسيّة
إنّ الغشّ في الامتحان ظاهرة كونيّة، فهو يرافق الامتحان أيْنما وُجِد، ولا يخلو أيّ نظام تربويّ من هذه الظاهرة:
- ففي فرنسا أحصتْ وزارة التربية 272 حالة غشّ في دورة 2010 من مجموع 600.000 مترشّح، أي ما نسبة 0,05 % مقابل 219 حالة في الدّورة السّابقة، أي بنسبة % 0,04 .
وقد بيّنت نتائجُ بحث ميدانيّ[5]  نُشر سنة 2009 أنّ 70,5 % من الطلبة سبق لهم أن مارسوا الغشّ في مرحلة من مراحل دراستهم. ويؤكّد هذا الاستنتاجُ ما أقدم عليه وزير التربية الفرنسيّ السّابق[6] يوم 7 جوان 2013، في نطاق مواجهة انتشار ممارسة الغشّ، من إطلاق حملة ضدّ الغشّ في امتحان البكالوريا، قبل أيّام من موعد انطلاق الاختبارات.
  -   - أمّا في أنقلترا [1] فممارسة الغشّ لا تقلّ انتشارا -: ففي سنة 2009، "سُجّلت 4500 محاولة غشّ في امتحان الشّهادة العامّة للتعليم الثانويّ (ما يوافق تقريبا شهادة ختم التعليم الأساسيّ لدينا) وفي اختبارات المستوى -أ -الذي يوافق امتحان البكالوريا ".
- وفي المغرب، كتبتْ إحدى المجلات في شهر جويلية   2004    عن الغشّ في الامتحانات قائلة: "إنّ عددا كبيرا من التلاميذ بالمغرب يعتبرون الغشّ حقا، وإنّ الظاهرة باتت مزعجة، وقد تُمثل خطرا على المراقبين والأساتذة. و قد شمل الغشّ جميعَ الموادّ الدّراسيّة، و بالخصوص التاريخ و الجغرافيا والفلسفة ..."[8] وبعد فترة من التفاؤل - سنة 2008 - حيث شهد الغشّ تراجعا حسب وزير التربية، إذ انخفض عددُ المورّطين فيه من 1350 حالة إلى 504 في سنة واحدة، تفاقم الوضع من جديد واعتبر الغشُّ مُعضلة المدرسة. ففي دورة 2011 – 2012 سُجّلت 2480 حالة غشّ، منها قرابة النّصف في الدّورة الاستدراكيّة (أي دورة المراقبة). وفي الدّورة الأخيرة، تحدّث وزير التربية المغربيّ يوم 13 جوان 2013، عن "عصابة تُسرّب امتحانات البكالوريا".
- أمّا بالجزائر فقد تصدّر موضوعُ الغشّ افتتاحيات الصّحافة، خلال دورة 2013، وقد عَنْوَنت إحدى الصّحف " الغشّ يُسمّم البكالوريا "، بعد اكتشاف حالة غشّ جماعيّة تورّط فيها 10000 مترشّح في اختبار الفلسفة، تسبّبت في احتجاجات المترشّحين والأولياء. وقد بلغ عددُ حالات الغشّ الثابتة 3180 بحسَب مدير الدّيوان الوطنيّ للامتحانات والمسابقات.[10]  
4. أساليب قديمة واستخدام التقنيات الحديثة
تتنوّع طرقُ الغشّ وتتطوّر من جيل إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى. وقد قامت باحثة [11] بإحصاء أكثر من 20 طريقة أو أسلوبا، منها:
      التقنيات القديمة، مثل استعمال وثائق مُعدّة مسبقا للغشّ، يصطحبها المترشّحُ داخل قاعة الامتحان، والاستعانة بأحد المترشّحين من نفس القاعة بتعاون نشيط أو سلبيّ من المشرفين على مراقبة الامتحان، أو استغلال الخروج الاضطراريّ لبيت الراحة لجلب إجابات قام بوضعها أحد المشاركين، أو دخول مترشّح عوضا عن المترشّح الحقيقيّ، بعد اتفاق مسبق وتزييف بطاقة التعريف.
وقد ذكر البعضَ من هذه التقنيات الشّيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في كتابه الذي ذكرناه سابقا، مشيرا إلى "استعانة الممتحَنين بعضهم ببعض...وبتبادل الأوراق، أو استعارة التلامذة بعضهم من بعض للمقالات وقتَ تحريرها واستصحاب فريق منهم لمقالات سبق تحضيرها،"... أو خروج أحد التلامذة الحاضرين مجلس الامتحان إلى بطحاء القصبة – بعد التعرّف إلى الموضوع، ثمّ يتولّى إعلام الممتحَنين بصوت مرتفع «بالأسئلة وأجوبتها وشواهدها من المتون.» (ص 241-242).
التقنيات الحديثة: طوّع الجيلُ الجديد من الغشّاشين تكنولوجيات الاتّصال الحديثة، فظهرت طرق جديدة للغشّ، كالهواتف الذكيّة، والآلات الحاسبة، والسّمّاعات، والسّاعات الهاتف، حتّى إنّ بعضَ  المواقع على الشّبكة العنكبوتيّة تخصّصتْ في هذا المجال، وصارت تعرض على التلاميذ تقنيات وتجهيزات لتسهيل عملية الغشّ. ففي دورة 2012، كان عددُ المورّطين في حالات الغشّ باستعمال الهاتف الجوّال في البكالوريا التونسيّة قد بلغ 277 على مجموع 539، أي أكثر من النّصف. وفي فرنسا، تمّت 166 حالة غشّ من جملة 419 باستعمال التكنولوجيات الحديثة، (هواتف،    سمارت فون -ساعات هواتف – ام ب 3 -سمّاعات ).

II.   القسم الثاني: مقاومة ظاهرة الغشّ
تسْعى كلُّ النظم التربويّة لمقاومة ظاهرة الغشّ في الامتحانات، باعتبارها سلوكا منحرفا وخطَرا يهدّد المنظومة التعليميّة. لذلك ظهرت التّشريعاتُ والقوانين، وتعدّدت الأساليبُ الوقائيّة. غير أنّ كلّ ذلك لم يقض على الظّاهرة، ولا حَدَّ منها، بل إنّ العكس هو الذي حصل في جلّ البلدان، وأصبح الغشّ يقترن بالعنف تُجاه المشرفين والمراقبين الذين يسعوْن إلى إحباط محاولات الغشّ.
1.    التّشريعات والقوانين الزّجريّة
كي تتصدّى للغشّ في الامتحان، سنّتْ جميعُ البلدان قوانين، علما أنّ الأحكام والإجراءات تتشابه، وتتّجه نحو التشدّد إزاء تفاقم الظاهرة.
‌أ.        في تونس
خصّص قرارُ وزير التربية والتكوين، المؤرّخ في 24 أفريل 2008 والمنظم للامتحان البكالوريا الفصلَ 19 لموضوع الغشّ - ملحق 2 - ، فحدّد الإجراءات الواجب اتّباعُها في حالة حدوث الغشّ، وضبط العقوبات المستوجبة في تلك الحالة.
سوّى القرارُ الوزاريّ بين الغشّ ومحاولة الغشّ، كما سوّى بين الغشّ وسوء السّلوك، وسوّى بين مُرتكب الغشّ ومُشاركيه، وضبط العقوبات التي تنجرّ عن هذه المخالفات. وأسند القرارُ مهمّة البتّ في هذه المخالفات إلى لجنة خاصّة [12] يرأسُها متفقد المدارس الإعداديّة والمعاهد الثانويّة، تتمتّع بصلاحيّات واسعة، و بإمكانها إلغاءُ الامتحان لكلّ منْ ثبت ارتكابُه أو محاولة ارتكابه لمخالفة، أثناء سير الامتحان (غشّ و سوء سلوك)، كما أنّها تقترح تسليط عقوبة قد تصل إلى الحرمان من المشاركة في الامتحان، لمدّة تتراوح بين سنة و خمس سنوات.
إنّ قرارات لجنة الغشّ باتّة ونافذة، لا يمكن استئنافُها ولا الطعنُ فيها.  وهذا من النقاط السّلبيّة، فيما نرى. ويظلّ الملاذ الوحيدُ للمتورّط في الغشّ التماسَ التخفيف من العقوبة، وقد يستجيب وزير التربية للطلب، بعد قضاء المترشّح المعاقب مدّة معيّنة من العقوبة (وهو إجراء لا ينصّ عليه القرار)، ويبقى أمام المترشّح التظلّم لدى المحكمة الإداريّة.
وبالمقارنة بين قرار 1981 وقرار 2008 - ملحق 3 -، نلاحظ أنّ هذا الأخير أقلّ تشدّدا من القرار السّابق، على الرّغم من حذفه للعقوبة الدنيا، أي عقوبة التوبيخ، لكنّه حذف أيضا العقوبات الصّارمة التي تصل "إلى الرّفت النهائيّ من جميع المعاهد والمؤسّسات الجامعيّة التّونسيّة. وينجرّ عن هذه العقوبة الأخيرة تحجير الترسيم في الامتحانات"، أي إنّه، في مثل هذه الحالة، لم يَعُدْ لمرتكب الغشّ مستقبلٌ في التعليم، بتونس. 
أمّا في خصوص عقوبة إلغاء الامتحان لمنْ ثبت تورّطه في الغشّ، فهي من وجهة نظر العديد من المهتمّين بالشّأن التربويّ لا تعتبر عقوبة، لأنّ عددا ممّن يعمدون للغشّ هم من بين الذين لا حظّ لهم في الحصول على الشّهادة، دون اللجوء إلى الغشّ.
‌ب.    في المغرب
أمام تفاقم ظاهرة الغشّ، والاعتداء على الأساتذة المراقبين، صادقت الحكومة المغربيّة، في شهر جوان 2013، على قانون جديد، لمحاربة الغشّ في امتحانات البكالوريا، أكثر تشدّدا، بما أنّه ينصّ "على عقوبات جنائيّة ...، فضلاً عن تدابير أخرى، من قبيل منع التلاميذ من استخدام الأجهزة الإلكترونيّة المتطوّرة، وأيضا اعتماد نقطة موجبة للرّسوب بالنّسبة إلى المادّة، موضوع الغشّ، والإقصاء النهائيّ من اجتياز الامتحان، أو الإقصاء لمدّة سنتيْن دراسيتيْن متتاليتيْن"[13].
‌ج.    في فرنسا
كانت فرنسا من الدّول السبّاقة للتّشريع في مجال مواجهة الغشّ في امتحان البكالوريا. فأوّلُ القوانين ظهر، منذ بداية القرن الماضي (23 قانون 23 ديسمبر 1901)،[14] وأقرّ عقوبة تصل السّجن لمدّة ثلاث سنوات، وتسليط خطيّة ماليّة مرتفعة (10.000 فرنك) على مُرتكبي الغشّ. 
وقد صدر، عام  2012، الأمر عدد 640 لسنة 2012 المؤرّخ في 3 ماي 2012 الخاصّ بالإجراءات المتعلقة بالغشّ في امتحان البكالوريا، وضبط تركيبة اللجنة المكلفة بالبتّ في حالات الغشّ (رئيس و6 أعضاء منهم طالب وتلميذ) والعقوبات المستوجبة. وتتّسم هذه العقوبات بالتدرّج، إذ تبدأ بالتوبيخ مع تسجيله بالدفتر المدرسيّ، فحجْب كلّ ملاحظة في صورة النّجاح، فتحْجير المشاركة في أيّ امتحان يفضي إلى الحصول على شهادة البكالوريا، أو أيّة شهادة تمنحُها مؤسّسة عموميّة تؤمّن تكوينا ما بعد البكالوريا لمدّة أقصاها خمسُ سنوات، وتحجير الترسيم في أيّة مؤسّسة عموميّة تؤمّن تكوينا ما بعد البكالوريا لمدّة أقصاها خمسُ سنوات. أمّا في صورة حضور شخص مكان المترشّح الأصليّ (انتحال صفة) فذلك يعرّض الفاعلين إلى عقوبة جنائيّة تصل السّجن.  
وفي يوم 7 جوان 2013، نُشر أمرٌ بالرّائد الرّسميّ الفرنسيّ يمنح صلاحيات جديدة للجان التأديب، ومنها تمكينُها من سحب الشّهادة من كلّ مترشّح يُكتشف قيامُه بعملية الغشّ، بعد الإعلان عن النتائج.  
 والجدير بالملاحظة، أنّه مقارنة بالتشريع التونسيّ، فإنّ الفوارق كثيرة و هامة  ، نذكر منها:
-         الفرق في درجة التّشريع: ففي فرنسا ترقى النصوص المتعلقة بالغش   إلى رتبة القوانين والأوامر،
-          مشاركة طالب وتلميذ في مداولات لجنة الغشّ،
-         تمكين لجان الغش من الوقت الكافي للقيام بالبحث والبتّ ، إذ تنعقد جلسات اللجنة في شهر سبتمبر،
-         كلّ غشّ ثابت ينجرّ عنه صفر في المادة المعنيّة، لا يمنع - بالضرورة - المترشّح من الحصول على الشّهادة.
إنّ هذه القوانين والتّشريعات لم تسهم في ردع التلاميذ الذين ينوُون الغشّ، إذ ما فتئت الظاهرة في الانتشار والتفاقم، وهو ما يفسّر لجوء المسؤولين عن تنظيم الامتحانات إلى استعمال وسائل الوقاية لمنع حدوث الغشّ.          
2.                الإجراءات الوقائيّة
أمام تطوّر تقنيات الغشّ، عمدت العديدُ من الدول، كفرنسا[15] والصّين وتونس، إلى منع إدخال الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة إلى قاعات الامتحان، واعتبرتها من المحظورات التي تورّط أصحابَها في المساءلة. واستخدمت بمراكز الامتحانات أجهزة تشويش على الهواتف الجوّالة أو أجهزة الكشف عنها.  أمّا في أنقلترا فقد فكّرت السّلطات المشرفة على الامتحانات في تركيز أجهزة مراقبة بقاعات الامتحان. ونُنهي هذا الاستعراضُ بتقديم ثلاث تجارب طريفة في مقاومة الغشّ:
   - الأولى من دولة إفريقيّة، هي" الكوت دي فوار"، التي استنبطت طريقة فريدة تتمثّل في انتداب مراقبين في هيئة مترشّحين للامتحان، ليتمكّنوا من دخول القاعة مُتَخفّين تحت تلك الصّفة، وليرفعوا، في نهاية الامتحان، تقارير تشمل سلوك إدارة المركز والمراقبين والمترشّحين.
   - أمّا المثال الثاني فهو من دولة من أوربا الشّماليّة، الدنمارك، حيث قرّرت السّلطات سحب البساط من تحت الغشّاشين، وذلك بالسّماح باستعمال الإنترنت أثناء الامتحان، على سبيل التجريب، واستعمال «طريقة تقييم تقوم على التفكير والبحث واستعمال المعلومات في إطارها الصّحيح "، مع أخذ بعض الاحتياط كَمنع البريد الإلكترونيّ. وقد انطلقت التجربة في بعض المؤسّسات سنة 2010، وشملت 1300 مترشّح، وفي سنة 2011، تمّ تعميمُها على كلّ المؤسّسات لتشمل 6000 طالب. [16]
   - التجربة الثالثة من الصّين، حيث عمدت السّلطات التربويّة إلى توظيف أعوان الشّرطة لمراقبة المترشّحين، علاوة على استعمال أجهزة المراقبة والتشويش على الاتّصالات وأجهزة كشف المعادن.

القسم الثالث: للغشّ أسباب متنوّعة ودوافع مختلفة

للغشّ دوافع عديدة ومتنوّعة، منها ما يتعلق بظروف إجراء الامتحان، ومنها ما يتعلق بالمترشّح ذاته.
1.    خلل على مستوى التنظيم
يساعد سوءُ التنظيم على الغشّ، ويوفّرُ فرصا كثيرة للتلامذة الذين ينوُون اعتماد طرق غير شرعيّة للحصول على أفضل النتائج في الامتحان، ومنها:
§       عدمُ تطبيق المذكّرات والتوصيات الخاصّة بالمراقبة: فقد أثبتت محاضرُ الغشّ والبحث في عدّة حالات، وكذلك تقاريرُ زيارات التفقّد بمراكز الاختبارات الكتابيّة بأنّ الغشّ يكون نتيجة تقصير في تطبيق التوصيات الخاصّة بالجوانب التنظيميّة، مثل:
   -         السّماح للمترشّحين بحمل أمتعتهم داخل قاعات الامتحان، وعدم تجميعها في المكان المخصّص للغرض.
   -         التساهل في الخروج الاضطراريّ.
  -         عدم إيلاء عمليّة التثبّت في هويّة المترشّحين ما تستحقّه من حزم ودقّة، ممّا يفسّر تعدّد حالات دخول شخص آخر مكان المترشّح الأصليّ.
   -         جلوس المراقبين وتبادلهم أطراف الحديث، عوض التركيز على المراقبة والتّجوال بين صفوف المترشّحين.
§        سلوكُ بعض المشرفين الإداريين والمراقبين، إذ بيّنت بعضُ حالات الغشّ تورّطَ إدارة مركز الاختبارات الكتابيّة وعدد من المراقبين في عمليّات الغشّ، إمّا بطريقة:  
   -           مباشرة، وذلك بتوفير ظروف الغشّ (تمرير الإجابات إلى المترشّحين)، سعيا لتسجيل نسب نجاح مرتفعة بالمؤسّسات التي يشرفون عليها، لأسباب مهنيّة شخصيّة، أو لأسباب مادّيّة. [17] ففي سنة 2012، اندلعت فضيحة في مدينة أطلنتا بالولاياتالمتّحدة الأمريكيّة إثر اكتشاف عملية غشّ تورّط فيها مديرو نصف المدارس وأساتذتها، حيث قاموا بتمرير الإجابات الصّحيحة إلى المترشّحين، بغية المحافظة على الدّعم الماليّ السّنويّ الذي تقدّمه السّلطات العموميّة لكلّ مدرسة. وقد نتج عن ذلك إعفاء 178 مديرا ومدرّسا دفعة واحدة، وتسمية مدير جديد للتعليم و في سنة 2013 أوردت جريدة القواردن[18] البريطانية حادثة شبيهة تورطت فيها إدارة المدرسة .
   -         أو غير مباشرة نتيجة جهلهم بالتراتيب الخاصّة بحالات الغشّ، فلا يتّخذون الإجراءات الضّروريّة في مثل هذه الحالات، ما يشجّع المترشّحين على مواصلة الغشّ.
2.    أسباب خاصّة بالتلميذ
إن ّسلوك التلميذ في مختلف الأنظمة التربويّة، هو عموما، سلوك متشابه. لذلك تكشف مختلفُ الدّراسات التي اهتمت بالغشّ في الامتحانات عن الدّوافع نفسها، فتذكر:
    -    سوءَ الاستعداد للامتحان والخوف من الفشل، والقلقَ من ردود فعل العائلة،
  -                    الرّغبة في النّجاح والتفوّق والتنافس الشّديد،  
-         عدم القدرة على الحفظ والإحساس بالنقص والارتباك والشكّ في القدرة الذاتيّة،
-         الاتكالَ والتكاسل وانتشار ثقافة الغشّ[19] والتباهي ونبذ التلميذ المجتهد والملتزم بالتراتيب المدرسيّة،
-         مفعول الإدمان: فتعوّدُ التلميذ، منذ السّنوات الأولى، على الغشّ يجعل الإقلاعَ عنه من الأمور الصّعبة.

-       الهادي بوحوش و المنجي العكروت متفقدان عامان للتربية

-         ملحق 1 - : تطوّر حالات الغشّ في امتحان البكالوريا التونسيّة
الدّورة
عدد الحالات
عدد الحالات لكلّ 1000 مترشّح
1996
141
1,61
2008
238
2,87
2009
439
2,55
2010
447
3,35
2012
539
4,29

حالات الغشّ وسوء  السّلوك المسجّلة في دورة 2013
الشعبة
آداب
رياضيات
ع.تجريبية
اقتصاد
و تصرّف
ع.تقنية
ع.إعلاميّة
رياضة
العدد
329
43
58
186
72
54
4
المصدر: www.education.gov.tn


ملحق 2 – الفصل 19 من القرار المؤرخ في 24 أفريل 2008
كل ارتكاب  للغش  أو محاولات الغش و كل ارتكاب سوء السلوك من قبل المترشحبن في امتحان البكالوريا   يعرض أصحابه للعقوبات  الواردة بهذا الفصل وفق الاجراءات التالية :
1-    في حالات ارتكاب الغش أو محاولات الغش و حالات سوء السلوك  التي تعاين يمراكز الاختبارات الكتابية  و التطبيقية.
‌أ.        تعتمد اللجان المكلفة بالتحقيق و بالبت في حالات الغش او سوء السلوك  في مداولاتها بالنسية إلى كل حالة  ملفا يتضمن الوثائق التالية :
-         تقرير المراقبين  الاثنين
-         تقربر رئيس مركز الاختبارات الكتابية  و مساعده عند الاقتضاء
-         استجواب المترشحين المعنيين
-         الوثائق المحجوزة المتعلقة بالغش
-         و كل الاوراق التي من شانها  ان تساعد اللجان على اتّخاذ القرارات المناسبة
‌ب.    تقر اللجان المكلفة بالتحقيق و بالبت في حالات الغش او سوء السلوك  ثبوت حالات الغش الواضح أو حالات سوء السلوك  أو محاولات الغش
‌ج.    و تصرح اللجان في جميع الحالات  بإلغاء الامتحان في  دورتيه بالنسبة إلى مرتكب الغش أو محاوله وكذلك بالنسبة إلى مرتكب سوء السلوك و من شاركهم في هذه المخالفات.
‌د.         يمكن للجان المكلفة بالتحقيق و بالبت في حالات الغش او سوء السلوك  بالإضافة غلى الغاء الامتحان  أن  تقترح على الوزير التربية و التكوين  بالنظر غلى ظروف حالة الغش المرتكبة ومدى خطورتها اتخاذ عقوبة تحجير الترسيم   في الامتحان مع  الرفت من المعاهد التونسية العمومية لمدة  تتراوح بين سنة وخمس سنوات
كما يمكن أن  تقترح القيام بتحقيق اداري بهدف تحديد المسؤوليات في حالات الغش المعروضة عليهم .
2 حالات الغش أو سوء السلوك التي تقع معاينتها عند الاصلاح
عندما  يعان استاذ عند اصلاح تحارير المترشحين أن بعضها يتشايه مما يبعث لديه توقع حدوث غش فإنه يحرر تقريرا  يشرح فيه دواعي التوقع حدوث و يسلمه الى رئيس لجنة الاصلاح الذى يتولى بدوره تكليف استاذ ثان لإعادة اصلاح التحاريرالمشكوك فيها  و يتولى رئيس مركز الاصلاح اعداد ملف يتضمن :
-         تقرير الاستاذ المصحح الاول
-         تقرير الاستاذ المصحح الثاني
-         تقرير رئيس اللجنة
-         استجواب المترشحبن
-         استجواب المراقبين
-         و كل الاوراق التي من شانها ان تساعد اللجان على اتخاذ القرارات المناسبة
و تدعى اللجان المكلفة بالتحقيق و بالبت في حالات الغش او سوء السلوك  على ضوء هذا الملف  للمداولة في خصوص هذه الحالات و يقررون ثبوت الغش من عدم ثبوته و في حالة الثبوت يقع التصريح بإلغاء الامتحان بالنسبة إلى المترشحين الذين ثبتت ادانتهم و تقترح العقوبات طبقا لما سبق بيانه في الفصل 19 من هذا القرار . هذا و تسجل  حالات الغش في محاضر الجلسات .


ملاحظة : تم تنقيح هذا القرار بمقتضى قرار 31 مارس 1998 ( الوزير رضا فرشيو) بإضافة عبارة سوء السلوك .
كما وجب التصحيح أنّه منذ 1992 و إحداث مراكز التجميع و التوزيع أصبحت معالجة حالات الغش و سوء السلوك تتمّ من قبل لجنة أحدثت للغرض بهذه المراكز وهي لجنة التحقيق و البتّ في حالات الغش و سوء السلوك.

قرار وزير التربية و التكوين مؤرخ في 24 أفريل 2008 المتعلق بضبط نظام  امتحان البكالوريا – الرائد الرسمي عدد 34 المؤرخ  في 25 أفريل 2008 ص 1659.



ملحق 3 - : تطوّر العقوبات التي ضبطها القرار المنظّم للامتحانات
قرار16 أفريل 1981
قرار 24 أفريل  2008
يتحدّث القرار عن ارتكاب الغشّ ومحاولات الغشّ
للجنة صلاحية التصريح بإلغاء الامتحان للمرتكب الأصليّ والمشاركين فيها
يمكن للجنة الاكتفاء بإلغاء الامتحان كما يمكنها أن تقترح على الوزير، وفي ضوء ظروف ارتكاب الغش و خطورته، إحدى العقوبات التالية:
-         التوبيخ
-         تحجير الترسيم بالامتحان لمدّة عام أو أكثر
-         الرّفت من المعاهد التونسيّة العموميّة والخاصّة وتحجير الترسيم لمدّة خمس سنوات
-         الرّفت النّهائيّ من جميع المعاهد والجامعات التونسيّة، وينجر ّعن هذه العقوبة تحجير الترسيم بالامتحانات
يضيف القرار سوء السلوك ومحاولات سوء السلوك  و تعود هذه الاضافة إلى  تنقيح    31 مارس 1998.
للجنة صلاحية التصريح بإلغاء الامتحان للمرتكب الأصليّ والمشاركين فيها
يمكن للجنة الاكتفاء بإلغاء الامتحان كما يمكنها أن تقترح على الوزير، وفي ضوء ظروف ارتكاب الغش وخطورته، عقوبة تحجير الترسيم مع الرّفت من المؤسّسات التربوية العموميّة لمدّة تتراوح بين سنة وخمس سنوات
كما يمكنها اقتراح فتح تحقيق إداريّ لتحديد المسؤوليات وتتبّع المخالفين








  [1]   محمد الطاهر ابن عاشور: أليس الصبح بقريب؟ – التعليم العربي الإسلاميّ – دراسة تاريخيّة وآراء إصلاحيّة. الشّركة التونسيّة لفنون الرّسم، طبعة ثانية -1988.
ولد محمد الطاهر ابن عاشور في سبتمبر 1879 بالحاضرة تونس و توفي يوم 12 أوت 1973 بالمرسى ، اشتغل بالتدريس بجامع الزيتونة  ثم تولى عمادتها .
[2] نصّ الفصل 19 من قرار 24 أفريل 2008 المنظم لامتحان البكالوريا على أنّ اللجان المكلفة بالتحقيق والبتّ في حالات الغشّ وسوء السّلوك تقرّر في حالة ثبوت الغشّ إلغاء الامتحان. ويمكنها أن تقترح عقوبة الحرمان من المشاركة في الامتحان لمدّة تتراوح بين سنة و5 سنوات.  ووزير التربية هو الذي يقرّر العقوبة، بناء على مقترح اللجنة.
[3]  هذا الرّقم لا يشمل سوى الحالات التي أقرّت في حقّها لجان التحقيق ثبوت المخالفة (الغشّ أو محاولته أو سوء السلوك أو محاولته)، والواقع هو أكثر من ذلك بكثير.
[4]  http://www.kapitalis.com/societe/10716-tunisie-le-taux-de-reussite-au-baccalaureat-2012-atteint-4974.html
[5] De Tarlé Sophie,  L’Éducation nationale face à la triche : un réveil difficile ; http://www.letudiant.fr/bac/triche-au-bac-et-aux-examens-quels-risques-12268.html  consulté le 10/06/2013    
[6]V. Peillon ancien ministre de l’éducation dans le gouvernement de F .Hollande  2013 – 2014
[8] Les examens et la fraude au Maroc ; L’Economiste 20 Juillet 2004 ; http://www.afrik.com/article7474.html
[10] . B ;Malika ;Un bac empoisonné par la triche ; le journal  Liberté. http://www.liberte-algerie.com
[11]  د. فضيلة عرفات، ظاهرة الغشّ في الامتحانات المدرسيّة: أسبابها وأساليبها و طرق علاجها،   WWW.alnoor.se
[12]   كانت مهمّة النظر في حالات الغشّ من مهامّ لجنة المداولات التي تتكوّن من متفقد تعليم ثانوي-رئيسا-والأساتذة الذين شاركوا في إصلاح الاختبارات.  وتمّ التخلّي عن هذه الطريقة منذ اعتماد مبدإ إجراء المداولات، دون الكشف عن هوية المترشّحين.
[14] Lelièvre. Claude ;Le Bac : Histoire d’un bicentenaire ; Le café pédagogique ;avril 2012 ; http://www.cafepedagogique.net
[15] Bruno Duvauchelle ; Le baccalauréat, le numérique et Internet Par f . Jarraud, 07 juin 2013. http://www.cafepedagogique.net/lexpresso/Pages/2013/06/07062013Article635061884495323834.aspx
[16] Bertereau, virginie ; Lutte contre la triche : comment les autres pays s’en sortent ,2011
http://www.letudiant.fr/bac/triche-au-bac-et-aux-examens-quels-risques-12268/triche-aux-examens-quel-pays-est-le-plus-severe-10039.html
Cliquez ici pour la version FR

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire