خصص محمد مزالي الفصل الرابع من مذكراته لمسألة
التربية و التعليم عنونه - ذهاب وإياب إلى وزارة التربية القومية. معركة
التعريب الباطلة.
"
عيّنت في ثلاث مناسبات[1] وزيراً للتربية القومية وكان ذلك لفترات قصيرة : خمسة أشهر في المرة الأولى وسبعة عشر شهراً في الثانية وأقل من أربع سنوات في الفترة الأخيرة.
في الواقع ، كنت على دراية بمشاكل هذه الوزارة ،
لا فقط من خلال عملي كأستاذ ، ولكن أيضًا بعد تعييني إبان الاستقلال كرئيس ديوان
لمين الشابي ، وزير التربية القومية
آنذاك[2].
في عام 1957، شكّل الوزير لمين الشابّي لجنة لإصلاح التعليم الذي كان بحاجة إلى
التعميم والتونسة والتحديث. داخل هذه اللجنة،
تصادمت رؤيتان، رؤية دافع عنها الوزير لمين الشابي، وعابد المزالي، كاتب عام الوزارة، ومحمد بكير رئيس مصلحة التعليم الابتدائي، وأنا شخصياً.
كانت هذه المجوعة تريد مواصلة الإصلاح الذي شرع فيه لوسيان باي ، مدير التعليم
العمومي خلال فترة الحماية بضغط من الحزب
الدستوري الجديد والاتحاد العام التونسي للشغل، واقتضى هذا الإصلاح تعريب السنوات
الأربعة الأولى من التعليم الابتدائي، بما في ذلك مادة الحساب.
أمّا الرؤية الثانية فقد دافع عنها محمود
المسعدي، رئيس مصلحة التعليم الثانوي وبعض الوزراء، وهي رؤية تهدف إلى التخلي عن المكتسبات التي وُرثت عن سلطات
الاستعمارية الفرنسية واختيار ثنائية
اللسان غير متكافئة ، حيث يتم تدريس اللغة العربية كلغة فقط و كلغة تدريس التربية الدينية والنحو والصرف وكذلك شرح
النصوص… الشرق الأوسطية، أمّا بقيّة المواد كالحساب و دروس الأشياء والتاريخ و
الجغرافيا ... فإنها تدرس بالفرنسية.
كان تحكيم رئيس الجمهورية[3] لصالح الخيار الأخير ، وتبعا لذلك تم تعيين المسعدي وزيراً للتربية القومية، في 8
ماي 1958، ...
لقد اتخذت القرار المفروض، فعدت إلى
محفظتي والتحقت بالمدرسة العلوية في منتصف شهر ماي ، وكذلك بجامعة
الزيتونة.
لم أكن متفقا مع التوجه
الذي تم اختياره لأنني كنت اعتقد أنه لا يمكن أن ينجح أي تطوير في المجال
البيداغوجي دون وساطة المعلمين والأساتذة.
لقد عملت بجد لإقناع وزيري أن تلك هي أولوية مطلقة. فمن وجهة نظري ، النجاح في
إرساء نظام تعليمي متناغم وناجع يتطلب المضي
بخطوات ثابتة ولكنها موزونة ، وزيادة النسق تدريجياً ، ونشر التعليم
بطريقة محكمة و متحكم فيها ، تماشيا مع
تزايد الوسائل و الموارد لا سيما من حيث
عدد المعلمين المتكونين تكوينا جيداً
بمدارس الترشيح بالأساس .
وبدلاً من هذه السياسة المتزنة، شرع المسعدي في
سياسة جنونية في نشر التعليم بلا هوادة.
وحل مفعول الإعلان مكان العمل
المنهجي. فقد توقع المخطط العشري لنشر
التعليم، الذي وضعه في الواقع المختص الفرنسي السيد ديبيس[4] مع متفقدين فرنسيين آخرين
، تسجيل بين 50.000 و 60.000 تلميذا جديدا
في التعليم الابتدائي ، وهو ما كان يستوجب فتح
ألف فصل تقريبًا كل عام.
ونتيجة لذلك أقدم المسعدي على فرض قاعة تدريس
لقسمين اثنين[5]، و على تخفيض ساعات التدريس للسنتين الأولى والثانية (خمس
عشرة ساعة بدلاً من ثلاثين) والاكتفاء بــ 25 ساعة بدلاً عن ثلاثين ساعة بالنسبة
إلى السنوات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ، وهو ما يقابل خسارة أكثر من سنة دراسة في المرحلة الابتدائية
(خمس سنوات بدلاً من ست!).
لكن الأخطر من ذلك هو
أنّ الإدارة وجدت نفسها مجبرة على انتداب آلاف الشبان من مستوى السنة الثالثة أو
الرابعة من التعليم الثانوي، و "ترتيب" تربص يدوم ثلاثة أسابيع قبل الزج
بهم في الحلبة [6]
!
بعد خمس سنوات من دخول هذا الإصلاح الخطير حيز التطبيق،
طرقت أبواب التعليم الثانوي أفواج كبيرة من التلاميذ، معظمهم لم يتلقوا سوى القليل
من التعليم، خاصة في المناطق الريفية حيث كان الدعم التربوي الأسري شبه معدوم.
في عدد من الرائد الرسمي
للجمهورية التونسية لأوائل الستينيات، والذي نسيت تاريخه، ولكن يمكن للباحثين
العثور عليه بسهولة، تم نشر قرار بإمضاء محمود المسعدي يسمح للجان مناظرة
السادسة بقبول المرشحين بداية من 8 من 20!
... و نفس الشيء بالنسبة للبكالوريا حيث ،
بموجب قرار وزاري ، كان المعدل المطلوب محددًا بـ 8 من أصل عشرين دون أن ننسى
الإسعاف! ...
تعقيب : لم نجد أثرًا لهذه القرارت التي تحدث عنها الزوير محمد المزالي القرار
الوحيد الذي عثرنا عليه هو قرار كاتب الدولة للتربية القومية مؤرخ في 31 ماي
1963 المتعلق بتنظيم شهادة انتهاء الدروس الابتدائية - نص القرار على أن الامتحان مشترك بين
الشهادة ومناظرة الدخول إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي و الإعدادي و لكن
لم يرد فيه إشارة إلى شروط القبول في المناظرة
ربما الأمر يتعلق بمنشور أو بمذكرة ، على كل إنه من الثابت أن كانت
اللجان كانت تصرح بقبول مترشحين بمعدلات
ضعيفة في المناظرة. أما بالنسبة إلى البكالوريا فإن قرار 1 افريل 1963 يسمح بقبول المترشحين
الذين تكون معدلاتهم دون 10 من 20 و لا
تقل عن 8 من 20 بعد مداولات اللجنة ( الفصل 15) |
تم إنشاء مدرسة ترشيح
الأساتذة المساعدين على عجل التي تنتدب تلامذتها من بين تلاميذ السنة الخامسة
الثانوي .لم تكن شهادة
البكالوريا مطلوبة للالتحاق بهذه المؤسسة وبعد 3 سنوات من التكوين السريع ، ينتدب
هؤلاء كأساتذة مساعدين وسرعان ما أصبحوا
بعد فترة من الزمن أساتذة تحت ضغط النقابة!
تعقيب : مزالي يقدم هنا أيضا معلومات غير صحيحة عندما يقول
بأن تلاميذ هذه المؤسسة ينتدبون
من بين تلاميذ السنة الخامسة الثانوي ولم تكن شهادة البكالوريا مطلوبة للالتحاق بهذه المؤسسة ، بالرجوع إلى القرار المنظم لمدرسة ترشيح الأساتذة
المساعدين المؤرخ في 26 ماي 1962 يتبين لنا بأن حسب الفصل 20 يتم الالتحاق بهذه
المؤسسة بعد المشاركة في مناظرة يشترط للمشاركة فيها الحصول على شهادة البكالوريا أو ما يعادلها بالنسبة إلى الشعب العامة أو شهادة البكالوريا رياضيات تقنية أو
الشهادة النهائية للتعليم الصناعي بالنسبة للشعبة الصناعية أو
شهادة البكالوريا أو الجزء الثاني من الشهادة التجارية بالنسبة للشعبة
التجارية. أما الخطأ الثاني فيتعلق بمدة الدراسة العليا فمدتها سنتان لا ثلاث
سنوات |
وشهد مستوى الأساتذة
انخفاضًا حادا في، و كذلك الحال بالنسبة إلى المعلمين، بسبب الانتداب المكثف وغير
المدروس والتكوين السريع الذي كان في كثير من الأحيان تكوينا على عجل و دون تركيز.
لقد عرفت تفاصيل المشكلة بالتفصيل بحكم علاقتي بعدد كبير من زملاء بيداغوجيين ، من
بينهم بعض مديري مدارس ترشيح المعلمين التي
استمرت تشتغل بشكل عادي غير أن
محمود المسعدي عمد ، في بداية الستينات إلى بعث شعبة المدربين الذين يتلقون
تكوينا لا يتجاوز سنتين! فكم كنا بعيدين عن مستوى البكالوريا زائد سنة للتربص البيداغوجي .
تعقيب : المدربون كانوا يتلقون تكوينا يدوم سنتين ( تكوين أساسي ) زائد سنة للتربص البيداغوجي |
بعد ذلك بمدة زمنية ،
بدأ خريجو التعليم الثانوية يطرقون أبواب الجامعة
وقد راكموا عدة نقائص في التكوين و بطبيعة الحال كان معدل الفشل كبيرا
للغاية في التعليم العالي.
باختصار ، كانت
"دمقرطة" التعليم ، في نظري ، مشروعًا ديماغوجيًا إلى حد ما، حيث تم
السعي إلى الكم على حساب الكيف. بالإضافة إلى انهيار المستوي المدرسي والجامعي
الذي لاحظه الجميع ،أفرز هذا "الإصلاح" عددا كبيرا من حالات الفشل
المدرسي. وأدت تجربة "ثنائية اللسان الكلية " إلى فقدان إتقان اللغتين
العربية والفرنسية و حلت مكانهما "لغة هجينة! أساءت للغتين في نفس الوقت.
ويواصل البعض ، عن حسن أو سوء نية
، التأكيد بأن مستوى اللغة الفرنسية قد انخفض لأن مزالي قد قام "بالتعريب"! لقد تراجع مستوى العام
للتعليم ، وليس مستوى اللغة الفرنسية فقط. بقي المسعدي وزيرا للتربية مدة ست سنوات
و استطاع تنفيذ إصلاحه من البداية إلى النهاية. وفي الواقع، لقد تراجع المستوى بسبب تدني مستوى المدرسين
بشكل مأساوي. وإذا استطاع المربون
الجيدون، في كل من تونس وسوسة وصفاقس
والمدن الكبرى الأخرى ، ضمان مستوى معين على الرغم من الإلغاء الفعلي لسنة
دراسية كاملة في مستوى التعليم الابتدائي ( بمفعول التنقيص في ساعات
الدراسة) و في التعليم الثانوي ( الذي
أصبحت مدته ست سنوات بدلاً من سبع ) ، فلم يكن هذا هو الحال في معظم المناطق
الريفية (9
ص.189).
لتوضيح هزيمة الجودة في نظامنا التعليمي ولتحديد المسؤوليات ، أشير
إلى أن التلميذ الذي بلغ القسم النهائي في
عام 1972 قد التحق
بالمدرسة في عام 1960. وفي حالة واحدة على الأقل من كل ثلاث حالات، كان
"معلمه" مدربًا مستواه السنة الثالثة ثانوي وتلقى تكوينا دام ثلاثة أسابيع ...
ارتفع عدد المدربين من الصنفين بشكل ملفت بين 1961 وسنة 1975 حتى فاق عددهم عدد المعلمين في نهاية الستينات
.
* النسبة من مجموع المدرسين الجدول من إعداد
المدونة |
محمد مزالي
ترجمة المنجي عكروت متفقد عام للتربية و ابراهيم
بن عتيق استاذ أول مميز
تونس – فيفري 2024
للاطلاع على النسخة الفرنسية الأصلية – اضغط هنا
[1] من 29/12/1969 إلى 12 جوان 1971 – و من 1/11/71
إلى 18/3/1973 – ز من 1/6/1976 إلى أوائل مارس 1980
[3] تعرض عابد المزالي إلى أطوار هذا التحكيم في
مذكراته ( مخطوط إلى اليوم).
[4] Jean Debiesse : projet de réforme de
l'enseignement en Tunisie. 1958 (4 fascicules).
[5] قسم –أ- من الساعة 8 إلى
الساعة 10 و أخرى – ب – من الساعة 10 إلى منتصف النهار و في حصة بعد الظهر يعود
القسم – أ – من الساعة الواحدة إلى الساعة الثالثة و الثسم – ب – من الساعة
الثالثة إلى الخامسة !
[6] كانت بلاغات انتداب شبان من تلك المستويات تنشر
بانتظام على أعمدة الصحف في الستينات ( بإمكان الباحثين الرجوع إليها)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire