تنشر المدونة البيداغوجية هذا الاسبوع مقالا للأستاذ راضي المهيري يطرح فيه إشكالية
العلاقة بين مختلف مسالك تكوين الموارد البشرية في بلادنا و يعني التربية و
التكوين المهني و الصناعي و التعليم العالي و مكانة التكنولوجيا في المنظومة
التربية و التكوين و التعليم العالي
و قد نشر المقال بالمجلة الالكترونية ليدرز في
شهر أوت من سنة 2016 ونظرا لأهمية ما ورد بالمقال طلبنا من السيد راضي المهيري السماح
لنا بنشره بالمدونة البيداغوجية و استجاب لطلبنا فشكرا جزيلا له.
من هو السيد راضي المهيري : هو أستاذ بكلية العلوم بتونس
العاصمة، ومستشار خبير في المشاريع المجدّدة في قطاع البيداغوجيا التكنولوجيّة
لدى المعهد التكنولوجيّ العالي بمدينة منريال ،
ولدى مؤسّسات كنديّة أخرى.
ذو تجربة عريضة في مجاليْ التكوين
والتدريس بالبلاد الّتونسيّة، وألمانيا، والكويت، وكندا. اضطلع بمسؤولية إرساء
عدد من المشاريع التجديديّة بدار المعلّمين العليا للتعليم التقنيّ بتونس،
والمعهد الأعلى للدّراسات التكنولوجيّة برادس، والجامعة التونسيّة الافتراضيّة،
والمعهد الوطنيّ لتكوين المكوّنين برادس، ومؤسّسة إسبري/ ESPRIT، وESTI ولجنة اليقظة للتعليم التكنولوجيّ بالمركز الوطنيّ
للتجديد البيداغوجيّ والبحوث التربويّة الرّاجع بالنظر إلى وزارة التربية.
من أعماله إدارةُ عديد مشاريع بحث
تطبيقيّ على الصّعيدين الجامعيّ والصّناعيّ وإنجازها.
|
إنّها لَدعْوة صائبة، تلك التي صدَع أصحابهُا بإعادة
النّظر في الصّلة التي نقيمها، إلى حدّ اليوم، ما بين مسالك التعليم المدرسيّ
والتكوين المهنيّ والتعليم العالي، وذلك بإيلائهم التعليم التكنولوجيّ المكانةَ
التي هو بها جدير، في محيط مهنيّ شديد الحركة، ومحيط بشريّ تزامنت فيه نشأة ُالشّباب
ونشأةُ التكنولوجيات الجديدة. هذه الدّعوة الصّادرة عن شخص عريّف بالموضوع، وأحد
الفاعلين في إصلاحات تكنولوجيّة عدّة تُحْيي لحظات حاسمة من تاريخ المؤسّسات
التعليميّة، وتلمع إلى دور بعض الأعْلام الذين كانوا أكثر من مُبادرين في هذا
المجال.
وكنّا نودّ لو ْرأينا السيّد راضي المهيري يقترح صيغا
وإجراءات عمليّة من شأنها أن تساعد أصحاب القرار في بلادنا على أن يشقّوا طريقهم
في شعاب مثل هذا الملفّ المعقّد. ومع هذا، فلك الشّكر سي راضي جزيله.
عمران البخاري متفقد عام للتربية و مدير عام البرامج و التكوين المستمر
سابقا بوزارة التربية التونسية
|
" بعد مضيّ سنوات خمس على أحداث 14 جانفي 2011، وبعد أن تتالت على البلاد
كافّة أنماط الحكومات بمختلف مقارباتها الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة،
وكافة وُعودها المخيّبة للآمال، بعْد كلّ هذا يحُقّ لنا أن نعبّر عن قلقنا، وأن نتساءل أين نحن من الثورة
الحقيقيّة. ويشتدّ قلقنا عمقا، عندما نعاين التمزّق والانقسامَ اللذيْن يعيشهما
العالم العربيّ.
فالبلادُ التونسيّة لم تنْجُ من قاعدة الانقسام هذه التي يعيشها العالمُ العربيّ. وبالرّغم من أنّ
هذا الانقسامَ لم يُفْض إلى نتائج مهمّة، سواء أعَزَفَ أصْحابهُ على النّعرة الجهويّة،
أو تلاعبوا بالنّزعة الدّينيّة، أو استخدموا التفاوتَ والتباين بين الأقاليم،
فإنّه فرض نفسَه على المسرح السّياسيّ، دُون مُنازع. لقد أضحى هذا الانقسامُ
المقدَّس يخترق، اليومّ، كلَّ المكوّنات السّياسيّة التونسيّة. وما عليكم إلاّ أن
تستكْشفوا شجرةَ أنساب كافّة الأحزاب السّياسيّة لتقفوا على حقيقة الأمر.
وتعترضُنا الخاصّية ذاتُها، حتّى في بنية السّلطة السّياسيّة، عبر توزيع الوزارات،
وضبط مشمولاتها، وكيفية اشتغال كلّ واحدة منها.
وفي هذا المجال، لعلّ مثالَ الوزارة
المكلّفة بالتربية وتكوين النّاشئة من الأمثلة التي تشدّ الانتباهَ أكثر من غيرها.
فبينما كان ينبغي للاهتمام أن ينصبّ اليومَ على تهيئة الناشئة لعيْش حياتهم، عندما
يصيرون كهولا، يتواصل اشتغالُ هذا القطاع بواسطة هياكل منفصل بعضها عن بعض، موزّعة
على التربية والتعليم العالي والتكوين المهنيّ. كنّا نترقّب دمْجَ هذه الوزارات،
في مختلف الحكومات المتتالية، وكلّما دار حديث عن تشكيل حكومة مُضيّقة، دون جدوى،
إذْ لمْ يتجاسر أحدٌ على فعل ذلك، علما أنّ محاولة الدمْج الوحيدة كانت تمّتْ على
عهد حكومة " مهْدي جُمْعَة"، بين التعليم العالي والتكنولوجيات الجديدة،
وهو أمر لم أستطع فهْم وجاهَته، حتّى اليوم.
عندما نفكّر اليوم في إجراء إصلاحات،
فإنّه من غير المعقول أن نستمرّ في بلْورَة استراتيجيّة إصلاحيّة في غياب رؤية
شاملة تضمّ هذه المكوّنات الثلاثة التي ستنهض بدور رئيسيّ في إعداد مستقبل البلاد التونسيّة. ولئن عَزا المحلّلون
مسؤولية الأزمة التونسيّة إلى عوامل مختلفة اقتصاديّة واجتماعيّة... فإنّي لا
أزالُ أعْتقد أنّ أصلَ أزمتنا كامن في نظامنا التكوينيّ المفكّكَة عناصرُه،
والمركَّز بالأساس على تلبية رغائب المسؤولين، أكثر من اهتمامه بالاستجابة لحاجيات
الناشئة وتكوينهم. ولم يتسنَّ أبدا تداركُ هذا التفكّك الذي تعود أصوله إلى فترة
التّسعينات، لا أدلّ على ذلك من أنّ محاولة الجمْع بين قطاعيْ التربية والتكوين
المهنيّ باءت بالفشل، مطلعَ السّنوات الألفيْن.
علينا اليومَ أن نُحَيّي التوجّهَ الراميَ
إلى صيانة المدارس وفضاءاتها، والديناميكيةَ التي يشْهدها إصلاح البرامج الدّراسيّة...لكنْ،
على الإصلاح التربويّ أن ينظر إلى الأمور نظرة شاملة، وأن يُعيد موْقَعَةَ مختلف
المتدخّلين في تكوين الناشئة. علينا أن نبدأ، أوّلا، بطرْح بعض التساؤلات الأساسيّة،
قبل الشّروع في تطوير للمنظومة يتّسمُ بالجدّيّة والنّجاعة.
لقد شهد نظامُنا التكوينيّ، خلال السّنوات الماضية، عدّةَ إصلاحات، كما شهد إعادةَ
هيكلة شملت الابتدائيّ والثانويّ والإعداديّ... وفي كلّ هذه التحويرات، ظلّ العددُ
الجمليّ لسنوات الدّراسة 13 سنة. قد يرى البعضُ في هذا العدد رقما حاملا لحظّ
سعيد، وقد يرى فيه البعضُ الآخر مصدرَ تعْس وشؤم... ومع ذلك، فمن الأكيد أنّه، في
سياقنا التونسيّ، رقمٌ يرمز إلى التبذير. فعندما نتفحًّص اللوحة المقارنة أسفله،
نلاحظ أنّ جُلّ البلدان تُنهي الدّراسة في 12 سنة على الأقصى. والأنظمة التي تشتمل
على سنة ثالثة عشرة، توافق فيها هذه السّنةُ الإضافيّة سنةَ تكوين مؤهّل أو قبْل
جامعيّ.
إذنْ، يختصُّ نظامُنا التربويّ والتكوينيّ
بسَنة إضافيّة، مقارنة بمختلف البلدان المضمَّنة بالجدول، ما يجعلنا نطرح التّساؤلات
التالية: هل سيكون تلامذتُنا في مُنتهى مسارهم الدّراسيّ أكثرَ كفاءة، أم إنّهم في
أصل تكوينهم أقلُّ ذكاءً، ويتطلّبون زمنا أطولَ ليتهيّؤوا لمتابعة ما تبقّى من
مسارهم؟
لستُ أجرُأ حتّى على طرح التساؤل المتعلّق
بمدى حاجة مُدرّسينا لهذا الزّمن الإضافيّ. يمكن أن نجد الإجابة عنه بتحليل
البراديغم الذي تشتغل عليه مدرستنا: إنّه يتمثّل دائما في سلسلة من الأبواب، وفي
حجم زمنيّ ينبغي إخضاعُ التلامذة له، وهو المسألة التي يختلف حولها المشاركون في
مختلف لجان الإصلاح التربويّ. ومنْ يكُنْ صوتُه أشدَّ ارتفاعا وسلطويّة يستحوذْ
على حجم زمنيّ أكبر لفائدة الاختصاص الذي يدرّسه.
أمّا في بلدان أخرى، فينزّل التلميذُ في
صميم كلّ الاهتمامات، وتعالَجُ المسألةُ من زاوية نظر الإدماج وبناء الكفايات، قصدَ
تنمية فكر نقديّ، وتخيُّل جريء، وإدراك انْعطافيّ للتجارب البشريّة، في كلّ تجلّياتها
وأبعادها المتنوّعة. ويكون الحرصُ مُنصَبّا على تزويد الشّابّ بالأدوات العلميّة
والتكنولوجيّة الرئيسيّة التي تكفل له مواصلة مساره الدّراسيّ الذي اختاره، إلى
أبعد مدًى.
هل يمكن أن نبدأ الثورة؟
إذا كان النقاشُ اليوم يجري حول النّموذج
الاقتصاديّ الذي ينبغي للبلد أن يتوخّاه، وحول الشّروط الأمنيّة الواجب تأمينها،
وأكادَة دفع التنمية...فإنّه علينا أن نعترف بأنّه، في المستقبل، لا شيء يتغيّر،
دون إحداث تغيير حقيقيّ في مستوى تكوين النّاشئة. لقد أفرز الفاشلون في هذا النظام
التكوينّي اليأسَ والبطالةَ، وأنتجُوا الانحرافَ والعنفَ، وشجّعُوا الإرهابَ.
وإنّ التساؤل لَيكمُن في معرفة كيف نبدأ
ثورة حقيقيّة تجعل من التربية والتعليم سلاحا للبناء الشّامل، تُحْيي الأملَ،
وتهيّئ الشّبابَ تهيئة تجعلُه يجد موقعَه الحقيقيّ في المجتمع وفي مسار الاقتصاد.
وإنّ الرّهان اليومَ لَيتمثّل في كيفية استثمار الزّمن والوسائل المتاحة أفضلَ
استثمار، لنحقّق تركيبةً تُوازن بين تعليم الإنسانيّات وتعليم العلوم
والتكنولوجيات على الأخصّ، وتُحصّنُ شبابَنا من مختلف مُنزلَقات الانحراف والتطرّف،
وتشجّع تنميةَ الفكر التحليليّ والنقديّ، وتفتح أبوابَ مختلف مسارات التكوين في وُجوه
النّاشئة، على حسَب مؤهّلاتها واختياراتها الفرديّة.
التكنولوجيا والبيداغوجيا
في هذا التمشّي المنشود، ستُحْظَى مكانةُ
التكنولوجيا بأهمّية قصوى، وسيقتضي ذلك توضيحا كبيرا وتدقيقا وضبْطا. فلئن كانت التكنولوجيا،
في نظر الكثيرين، تنتسب إلى الميكانيكا والإلكترونيكا واختصاصات أخرى من
الهندسة...فإنّ المصطلح اليوم ينزع إلى التخصّص في دائرة المعلوماتيّة والأنترْنت
وتكنولوجيات الإعلام والاتّصال.
إنّنا في حاجة ملحّة إلى إزالة هذا
اللبْس، كي نرى أنّ التكنولوجيا هي استعمالٌ للمعارف المنطقيّة، سواء أكانت علميّة
أو تقنيّة، بغاية تلبية الحاجات والرّغائب، وحتّى الاسْتيهامات، وذلك بإنتاج
المنافع الخدماتيّة ونشرها والتصرّف الصّناعيّ فيها، كما يقترح برنار ديكمبس/ DECOMPS. ومن ثمّة، ندرك بُعْدَ
التكنولوجيا الإدماجيّ وضرورةَ إدراجها، باعتبارها مكوّنا رئيسيّا، في تكوين
الناشئة في القرن الحادي والعشرين. كما ندرك أيضا أنّ التعليم التكنولوجيّ مكوّنٌ
لا مهربَ منه لفتح آفاق المهن في وجوه الشّباب، وإحياء الأمل والطموح، من جديد.
يوجد التعليمُ
التكنولوجيّ في تقاطع مَسارات، بين المعهد ومركز التكوين المهنيّ، ومختلف أصناف
التكوين الجامعيّ. وغالبا ما ينظر إليه على أنّه وريثُ التكوين الذي كانت تُسْديه
للنّاشئة المعاهدُ التقنيّة، والذي أُجْهض عليه خلال التّسعينات.
إنّ الاستثمار الكبير الذي تمّ، في تلك
الفترة، على صعيد التكوين المهنيّ، قد جعل البعض يظنّون أنّ المسلك سيكون جذّابا
للشّبّان، وأنّ مراكز التكوين تستطيع أن تلبّي الحاجات الكبيرة، في مجال تهيئة
الشّباب للشّغل. أمّا المسْعى الرامي إلى إعادة إدراج التكوين التكنولوجيّ
بالمعاهد الثانويّة، مطلع الألفيْن، فقد باء بالفشل، لأنّ التكنولوجيا سرعان ما
صارت، آنذاك، حكْرا على قطاع التكوين المهنيّ، والمعاهد العليا التكنولوجيّة.
والحصيلة لا لبْس عليها. فالشبّان الذين
كان من الواجب إيناسُهم بالتكنولوجيا، وتقريبُهم من مختلف المهن، وفتحُ الآفاق في
وجوههم، من أجل حياة مهنيّة طَموح، هؤلاء تسرّبوا من مدرسة لم تستطع شدَّ انتباههم،
وغذّوا انتفاضة 14 جانفي، ثمّ ملأ البعضُ منهم مراكبَ الموت القاصدة إلى أوروبا،
في حين أضحى بعضُهم الآخرُ فريسة ميْسورة للتطرّف، ثمّ للإرهاب.
صحيح، إنّ التمشّي الإصلاحيّ المؤمَّل
سيستند إلى تعديل الهياكل والبراديغمات مُجدّدا، لكنّه سيمرّ وُجوبا بردّ الاعتبار
لمنزلة التعليم ووظيفته. وإنّه لمن الأكيد، اليومَ، تجديدُ الاعتبار لمهنة التدريس
التي ستشهد تغيّرا عميقا. فمكانة المدرّس، في المستقبل القريب، لن تقتصر على تملّكه
المعرفة، بل إنّها تستمدّ من اعتباره مهنيّا في التعلُّم، ممتلكا المعارفَ في
الاختصاص، والكفايات في البيداغوجيا التكنولوجيّة، لكَيْ يتسنّى له مرافقةُ الطلبة
وتأمينُ تكوينهم ونجاحهم. ومدرّسُ المستقبل مدعوّ إلى أن ينهض بدور المرجّع والمُدافع
عن القيم والمُلتزم بأخلاقيات المهنة.
إنّ المدرسة العموميّة
ستُدعى إلى أن تصير مُوَلّدةً للأمل، بأنْ تضع نفسها موْضع النّمط الإسعافيّ
واليقظة المستمرّة، حتّى تُعيد هيكلة مساراتها، وتسنَّ من جديد سياستَها إزاء
المقاربات البيداغوجيّة وإدماج التكنولوجيات الجديدة، وفْق اختيارات مُستنيرة،
ودون السّقوط في إغراء الإشهار والدّعاية لأدوات وحلول عجيبة.
وكانت... دارُ المعلمين العليا للتعليم
التقنيّ
ورث نظامُنا التعليميّ خطأ تاريخيّا، لا
تفسير له، يتمثّل في ترجمة شهادة تملّك الاختصاص بعبارة أستاذية باللغة العربيّة،
وإنْ كنت لم أفهم إلى اليوم في أيّ معجم، وبأيّ منطق تمّ تبنّي هذه الترجمة. وقد
نجم عن ذلك أن صار كلُّ حاصل على اختصاص يعتبر نفسه مترشّحا شرعيّا لمركز تدريس،
ومن ثمّة هُمّشت وظيفة التعليم وتراجعت جودةُ التدريس. وقد تفاقم الوضعُ بالإقدام
على غلْق دور المعلّمين العليا وحجْب دورها في تكوين مدرّسين للمعاهد الثانويّة.
وهذا يأخذني إلى وضعية دار المعلّمين
العليا للتعليم التقنيّ التي أُجهض عليها، بعد حذف المعاهد التقنيّة. إنّها مؤسّسة
تاريخيّة، تميّزت بتأسيسها، وبدورها الرئيسيّ في تزويد المعاهد التقنيّة
بالمدرّسين المختصّين، وإمداد المؤسّسات الجامعيّة بكفاءات ذات تكوين بيداغوجيّ
وتقنيّ، قصد تهيئة جيل كامل للشّغل المباشر أو للدّراسات الهندسيّة...
وتميّزت هذه المؤسّسة أيضا بتجديداتها
البيداغوجيّة، وبتدريبها على البحث التكنولوجيّ. وفي الثمانينات من القرن العشرين،
ثمّة كلامٌ على التدريس بواسطة الحاسوب، وثمّة مغامرة في مجال البحث التطبيقيّ.
وستظلّ سقوف فضاءاتها شاهدا على تجارب وإنجازات في مجال مراقبة الطاقة الشّمسيّة
وضبط اشتغال الآلات المجدّدة في ورشاتها. ويشْهد منوالُ اشتغال هذه المؤسّسة على
الأعمال التي يمكن أن يقوم بها مسؤولون وطنيّون، خدموا التعليم والبحث، بتفان
والتزام.
وهذه مناسبة تتاحُ لي، كي أكرّم الأستاذين
محمّد العنّابي ومكّي القسوري اللذيْن قادا مغامرة هذه المؤسّسة بوسائل محدودة،
ولكنْ بشجاعة ومساندة من قبل عديد المدرّسين، نذكر منهم الأستاذ أحمد البرجي،
المعروف بإبداعه البيداغوجيّ وشغفه بالعلوم. ولا يمكن لتاريخ دار المعلّمين العليا
للتعليم التقنيّ نسيانُ رمز من رموزها، أشرف على الجانب الإداريّ للمؤسّسة، بيد
حديديّة، في قفاّزات حرير، أعني الأستاذ المرحوم، نور الدين بن عمّار، الذي ترك
بالغ الأثر في نفوس الطلبة والمدرّسين بحزمه وخطابه البليغ القارع للأسْماع. وبمفرده،
يمكن أن يمثّل اليومَ مدرسة حقيقيّة في إدارة الموارد البشريّة.
إنّه من واجبنا الاحتفاء برجالات من هذه
الطينة يمثّلون نماذج مرجعيّة للأجيال الصّاعدة، لكنّهم فضَّلوا الاختفاءَ عن
الأنوار، خلال مَوَاكب التكريم والتوسيم، جرّاء تواضُعهم.
ليست فكرتي اليومَ أن نُحيي مؤسّسات، أو
أن نبعث من جديد معاهد تقنيّة، وإنّما الفكرة تكمن في أن نعيد النّظر في نموّ
التعليم التكنولوجيّ في محيط مدرسيّ، وأن نعيد النّظر في البعد البيداغوجيّ
والتكنولو بيداغوجيّ في إعداد المدرّسين وعند ممارستهم لمهنتهم، حتّى يكونوا
فاعلين في الإصلاح، على مختلف الأصعدة، من الحَضانة إلى الجامعة، وحتّى ينشّئوا
جيلا مطلّعا أفضل الاطّلاع، جيلا لم يولد مع الأنترنت، بل نشأ في أحضان الأنترنت،
جيلا يعلّم آباءَه، لكنّه لا يستقي معلوماته من آبائه، وإنّما من أنداده."
تعريب الهادي بوحوش ومنجي عكروت، متفقدان عامّان للتربية متقاعدان
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire