تصدير
: ماذا نقصد بالماهيّات؟
الماهيّات
هي مرجع يضبط ما يسمّيه البعضُ "مواصفات الاختبار"، أي
يضبط الأهدافَ الإجرائيّة المنشودة من الاختبار، والقدرات المُزمَع تقويمُها لدى
المترشّحين، وطبيعة المحتوى أو المضامين والمسائل التي ينبغي أن تتعلّق بها
الوضعية الاختباريّة، وعدد الأسئلة الأدنى والأقصى، وسائر مكوّنات الجهاز
البيداغوجيّ للاختبار، إضافة إلى الضّارب الذي يحدّد وزنَ هذا الاختبار بالقياس
إلى غيره من الاختبارات، والمدّة الزمنيّة التي يستغرقها إنجاز الامتحان،
ومقاييسَ التقويم.
وتتمثّل
وظيفة الماهيّات في توحيد الإطار المرجعيّ التقييميّ[1] بالنّسبة إلى كافة الأطراف المعنيّة،
من مترشّحين للامتحان، ومدرّسين يسهرون على تكوين التلامذة، ومدرّسين يتولوْن
إصلاحَ التحارير، ولجان متخصّصة مكلّفة بإعداد الاختبارات وتجريبها.
وفي
الأدبيّات التعليميّة، تختلف تسمية هذا المرجع من بلد إلى آخر، ومن فترة إلى
أخرى في النظام التعليميّ الواحد: فإلى جانب ماهيّة[2] الاختبارات تستعمل عبارة المرجع
ومواصفات الاختبار، ومحتوى الاختبارات، وشروط الاختبار، وأساليبها.
من
يعدّ الماهيّات؟ تعود مسؤولية إعداد ماهيّات اختبارات امتحان البكالوريا أصْلا
إلى الإدارة المكلّفة بالبرامج والكتب المدرسيّة، باعتبار الماهيّات جزءا لا
يتجزّأ من المنهاج الدّراسيّ بمعناه الواسع الذي يشمل الأهدافَ، والمسائلَ
المَضْمونيّة، أو محاورَ الدّراسة، والقدرات المزمع تقييمُها لدى المترشّحين،
والتوقيت الأسبوعيّ والسّنويّ، والأنشطة المختلفة، وطرائقَ التبليغ، وتقنيّات
التواصل، ومستندات التقييم ومعاييره ومقاييسه.
ومن
مزايا هذا الاختيار، قياسا إلى اختيارات أخرى في بناء البرامج أو المناهج، ضمانُه
التناسقَ والتناغمَ بين مختلف مكوّنات المنهاج الدّراسيّ، وإخْبارُ المدرّسين
والتلامذة وأوليائهم بأساليب التقييم التي ستعتمد لتقدير كفايات المتعلّمين
وقدراتهم ومهاراتهم، سواء خلال العام الدّراسيّ الواحد أو طيلة المرحلة
التعليميّة، وبخاصّة أثناء الامتحان الوطنيّ المتوّج لمرحلة دراسيّة كاملة، مثل
امتحان البكالوريا. وتتجلّى، ممّا سبق، أهمّية " ماهيّات الاختبارات"
باعتبارها الضّامنَ لوحدة التعلّم والتقييم، على أساس أنّ التقييم يكون في خدمة
التعلّم وسنَدا له، لا مكوّنا مستقلاّ بذاته، وباعتبارها الموحّدَ لممارسات
المدرّسين التقييميّة، وباعتبارها أيضا المرجع الذي نلوذ إليه عند التبايُن
والاختلاف، ونحْتكم إليه في حلّ المشكلات في مجال تقييم التعلّم والمكتسبات.
أمّا
مواصفاتُ اختبارات امتحان البكالوريا فيعدّها متفقدون بحسب الاختصاص، لكنْ
بإشراف مشترك بين الإدارة المكلّفة بالبرامج وتلك المكلّفة بالامتحانات، حرصا
منهما على التشاور والتنسيق، على أساس أنّ الأولى مؤتمَنة على المناهج والكتب
المجسّمة لها، في حين تسهر الثانية على تنفيذ تلك المواصفات في اختبارات
تقويميّة ذات بعد وطنيّ.
يخضع
وضعُ المواصفات لعوامل منها:
- مكانة المادّة وميزانها في الشّعبة
الدّراسيّة (مميّزة أم رئيسيّة أمْ اختياريّة) ومدّة اختبارها الزّمنيّة،
وضاربُها. لذلك تعترضنا في المادّة الواحدة أكثر من ماهيّة: مثال الفلسفة في
شعبة الآداب/ والفلسفة في الشّعب العلميّة والتقنيّة/ ومثال الرّياضيات في شعبة
الرّياضيّات/ والرّياضيّات في شعبة الاقتصاد والتصرّف/ والرّياضيّات في شعبة
العلوم التجريبيّة...
- التوجّهات التربويّة العامّة
وللاختيارات المتعلّقة بمضامين البرامج ومسائلها وبمنهجيّة التدريس وطرائقه، (من
الوجهة النظريّة على الأقلّ)، سواءٌ أكانت معلنة مصرّحا بها أمْ ضمنيّة، بحيث تعكس
مواصفات الاختبارات اختيارات المنهاج الدّراسيّ.
وقد
جرت العادة أن تُنشر مواصفاتُ الاختبارات الخاصّة بالامتحان الوطنيّ بالرّائد
الرّسميّ ضمن القرار المنظّم لامتحان شهادة البكالوريا: صلبَه أو ضمنّ ملحقاته
المحدّدة لموادّ الامتحان وتوقيتها وضواربها. وبداية من 1992، تمّ التنصيصُ
بالفصل 7 من قرار التنظيم على أنّ مواصفات الاختبارات تصدر بقرار وزاريّ مستقلّ
عن قرار التنظيم.[3] وقد صدر آخر قرار في 30 أفريل 1994،
علما أنّ هذا لا يلغي إمكانية اعتماد وثائق داخليّة تضبط ماهيّات بعض الاختبارات،
لكنّها لم تنشر بصفة رسميّة[4] [5].
انطلاقا
من هذا الأسبوع سنتناول بالدّرس نماذج من ماهيّات الاختبارات في امتحان
البكالوريا اخترناها من مجال اللغات ومجال الموادّ الاجتماعيّة ومجال الموادّ
العلميّة، على أن نتوّج الكلّ بدراسة تأليفية نبرز فيها الإشكاليات الكبرى
للمسألة وآفاق تطويرها.
|
تقديم
إذا ما
استثنينا شعبة الآداب، لم تُحظَ مادّة العربيّة بالمكانة التي يرى العديد أنّها
جديرة بها في اختبارات الشّهادة الوطنية الأولى. وانتظرنا نصف قرن كاملا بعد إحداث
أوّل باكالوريا تونسيّة بعد الاستقلال، (1957)، لتصبح العربيّة مادّة يُجريها كلّ
المترشحين مهما كانت الشّعبة التي ينتمون إليها، وكان ذلك سنة 2008.
سنحاول تعقُّب
تطوّر منزلة اللغة العربيّة وماهيّة اختبارها في امتحان البكالوريا، منذ سنة 1957،
تاريخ إحداث أولى باكالوريا تونسيّة، إلى سنة 2008، تاريخ آخر إصلاح عرفته
الباكالوريا التونسيّة، وذلك بالتّمييز بين ثلاث حقبات كبرى.
I.
اختبار العربيّة من 1957 إلى 1975
كانت مدّة الدراسة بالتعليم الثانويّ، في هذه الفترة،
تدوم ستّ سنوات تُختم بامتحانيْن وطنيّيْن لنيل شهادة الباكالوريا، يسمّى الامتحان الوطنيّ الأوّل امتحانَ الجزء الأوّل
من الباكالوريا ثمّ أصبح يسمّى امتحان التأهّل للبكالوريا، ويجرى في نهاية
السّنة الخامسة من التعليم الثانويّ في دورتين: واحدة في جوان، والأخرى في أكتوبر
مفتتح السّنة الدّراسيّة.
ويسمّى الامتحان الوطنيّ الثاني امتحانَ الجزء الثاني
من الباكالوريا، ويجرى في نهاية السّنة السّادسة من التعليم الثانويّ، في دورتين
كذلك. وخلافا لامتحان الجزء الأوّل من الباكالوريا الذي كان يقتصر على اختبارات
كتابيّة فقط، فإنّ امتحان الجزء الثاني من الباكالوريا يتكوّن من اختبارات
كتابيّة وأخرى شفاهية.
|
1.
مكانة العربيّة
في أولى
باكالوريا تونسيّة (1957)[6] كانت تنجز على مرحلتيْن أو في جزأيْن، لم
تكن مادّة العربيّة مُدرجة إلّا في اختبارات الجزء الأوّل، يجتازها جميع المترشّحين،
كتابيّا وشفويّا، مع تفاوت في الضّارب كما يبيّنه الجدول التالي.
جدول عدد 1 في توقيت اختبار العربية في
الجزء الأوّل وضواربه:
1957
الشعبة أو السلسلة
|
الكتابيّ
|
الشفاهيّ
|
|
المدّة
|
الضارب
|
الضارب
|
|
الآداب
|
3 ساعات
|
3
|
2
|
العلوم
|
2 ونصف
|
1
|
|
الفنية
|
2
|
1
|
ويجب أن
ننتظر سنة [7]1963 لنرى إدراج اختبار خاصّ
باللغة العربيّة في الجزء الثاني من شهادة البكالوريا، حيث أصبحتْ مادّة أساسيّة
في شعبيتيْ الآداب الكلاسيكيّة أو الأصليّة، وشعبة الآداب العصريّة، يختبر فيها
المترشّحون كتابيّا (بضارب 2) و شفويّا (بضارب 1)، و يُجريها تلامذة الشّعبة
الاقتصاديّة شفويّا فقط، (بضارب 2)، واحتُفظ باختبارها في امتحان التأهّل لشهادة
البكالوريا في جميع الشّعب: (عَوّضت هذه التسمية ما كان يعرف بالجزء الأوّل كما
يبيّنه الجدول عدد2
الموالي.
ومع حذف امتحان
التأهّل (سنة 1970)،[8] غُيّبت
العربيّة من اختبارات البكالوريا للشّعب العلمية والتقنيّة، وبقي الأمرُ كذلك حتّى
سنة 2008. لم يبقَ اختبارُ العربية مُدْرجا كاختبار كتابيّ سوى في شعبة الآداب، مع
المحافظة على نفس الضّارب والمدّة، وكاختبار شفويّ بالنّسبة إلى مترشّحي شعبتيْ
الآداب والعلوم الاقتصاديّة، إلى حدود 1975، أي إلى حين إلغاء العمل بالجزء الشّفويّ
من شهادة الباكالوريا. (انظر الجدول الموالي)
جدول عدد2 توقيت العربية وضواربها من 1963 إلى 1975
الشعبة أو السلسلة
|
امتحان التأهّل(*)
|
الباكالوريا
|
|||
كتابيّ
|
كتابيّ
|
شفويّ
|
|||
المدة
|
الضارب
|
المدة
|
الضارب
|
الضارب
|
|
الآداب
الحديثة
|
3 ساعات
|
5
|
3
|
2
|
1
|
الآداب
الكلاسيكية
|
6 (**)
|
3
|
2
|
1
|
|
العلوم
|
3
|
||||
الرّياضيات
|
|||||
العلوم
الاقتصادية
|
2
|
||||
التقنية
الرياضيّة
|
* توقّف العمل
بامتحان التأهّل بداية من دورة جوان 1970 (قرار
وزير التربية والشباب والرياضة المؤرّخ في 14 أفريل 1970 يتعلق بتنقيح قرار من
كاتب الدولة للتربية القومية المؤرّخ في أوّل أفريل 1963 يتعلق بامتحانات شهادة باكالوريا
التعليم الثانويّ.
**نزل الضارب إلى 5 بمقتضى تعديل 1964 وأضيفت
عبارة الفلسفة لتسمية سلسلتي الآداب.
2.
ماهيّة الاختبار
عندما نستعرض
ما ورد بالنّصوص التنظيميّة، وبالخصوص القرارات المنظّمة لامتحان البكالوريا فيما
يتعلّق بمحتوى اختبار العربيّة، نلاحظ، بالرّغم من تعاقب الإصلاحات التربويّة وتغيُّر
المناهج، أنّ ماهيّة أو محتوى الاختبار لم يشهد تطوّرا يذكر، لا على مستوى المضمون،
ولا على مستوى الشّكل.
§ ففي سنة 1957 حَدّدتْ ماهيّةُ الاختبار الكتابيّ نمطَ النّصّ
المنشود إنشاؤُه ومكوّناته، وهو كما جاء في القرار[9]
المنظّم للامتحان: "الإنشاء باللغة العربيّة عبارةٌ عن مقال أدبيّ عن مؤلّف
أو سؤال من ضمن البرنامج ".
إنّ للمقالة -بالإضافة إلى معناها الاصْطلاحيّ-معنًى مخصوصٌ
في مجال التربية والتّعليم:
- فقد عرّفها
المعجمُ العربيّ الأساسيّ بأنّها " قطعة من كلام تَشرَح رأيا أو
حُكْما".
- وعرّفها بعضُ
التربويّين بأنّها " خطابٌ بين باثّ، أي المتعلّم، ومتقبّل، أي المدرّس،
مَدارُه موضوع أدبيّ: أديب، أثر أدبيّ، جنس أدبيّ، ونمطُه التحليل[10]
والحجاجُ".
أمّا الاختبار الشفاهيّ فيتمثل في تفسير نصّ أي
" إيضاح نصّ منتقى من مؤلف يشمله البرنامج وتعقبه أسئلة متعلقة باللغة والآداب
العربية."[11]
§
منذ دورة 1963، أدرجت العربيّة ضمن
الاختبارات الكتابيّة في امتحان الباكالوريا بالمعنى الأخصّ، أي الجزء الثاني،
بالنّسبة إلى المترشّحين من شعبتيْ الآداب، وحافظت على منزلتها في امتحان التأهّل،
ولكنّ ماهيتها شهدت بعض التعديلات، من أبرزها:
إقرار مبدإ الاختيار إذ " يقع
تقديم ثلاثة مواضيع يطرق المترشّح واحدا منها" حسب ما ورد في قرار 1963[12] و " يتكوّن
الاختبار الكتابي في امتحان التأهّل بالنّسبة لجميع السلاسل من مقالة أدبيّة ذات
صبغة عامّة من برنامج السنتين الرابعة والخامسة أو تتعلق بأحد المؤلّفين المرسّمين
بالسنة الخامسة." أمّا إلى امتحان الباكالوريا في حدّ ذاتها بالنّسبة إلى
شعبتي الفلسفة و الآداب الكلاسيكيّة و العصريّة فإنّ" الاختبار الكتابي هو
عبارة عن مقالة أدبيّة عن موضوع مستمدّ من برنامج السنة السادسة."
إفراد المترشّحين المنحدرين من الشّعبة "ج
" [13]بموضوع من نوع خاصّ حيث
يتمثل الاختبار في " دراسة نصّ ... يعقب بأسئلة في النحو و حول المعاني، ويكون
أحد الأسئلة من شأنه أن يحمل المترشّح على تركيب فقرة قصيرة ذات عشرة أسطر تسمح
بالحكم على مقدرته على الإفصاح عن أفكاره باللسان العربيّ". ويُعرض على هؤلاء المترشّحين موضوع واحد. وفي
تنقيح سنة [14]1964
أضيف تمرين قصير في الترجمة.
وفيما يخصّ الشفاهيّ
فقد حافظ على ماهية سنة 1957 نفسها وتواصل العمل بها في الكتابيّ، وكذلك في
الشفاهيّ إلى غاية دورة 1975 دون تغيير يذكر: فقد أقرّها قرار [15]1970 رغم اختصار الصياغة في
خصوص ماهية اختبار شعبة "ج'، بحجب التفصيل المتعلق بالأسئلة، مكتفيا بالإشارة
إلى أنّ الاختبار يتمثل في " شرح نصّ موجّه بأسئلة."
II. الفترة
الممتدّة من 1976 إلى 2008
1.
مكانة العربيّة
منذ إصلاح نظام الباكالوريا الذي دخل حيّز التطبيق
بداية من دورة 1976 [16] انحصرت مادّة العربيّة في اختبارات شعبة الآداب دون
غيرها، وكانت إلى جانب الفلسفة مادّة مميّزة للشّعبة، يخصّص لها ضارب 4 في الفترة
الممتدّة بين 1976 و1991. ومع إصلاح 1991 تقلّص الضّارب إلى ثلاثة (3) وبقيت مدّة
الاختبار ثابتة دون تغيير: 3 ساعات.
2.
ماهيّة اختبار العربيّة
شهدت ماهيّة اختبار العربيّة في امتحان الباكالوريا في هذه
الفترة بعض التجديدات من أبرزها:
§
غيابُ جنس المقالة الأدبيّة التي احتفت
بها ماهيّاتُ الاختبار في الفترة السّابقة، والسّكوتُ على نمط النّصّ المنشود
إنتاجُه من قبل المترشّحين، إذ ورد في المنشور المذكور أعلاه ما يلي " يُخيَّر المترشّحون بين ثلاثة مواضيع
مستمدّة من برنامج السّنة السّابعة ... يمكن أن يكون الموضوع الثاني والثالث
موضوعا إنشائيّا أدبيّا أو إنشائيّة ذا صبغة حضاريّة أدبيّة". و الجدير بالملاحظة أنّ الماهيّات التي
صدرت بعد ذلك سنة [17]1981 و سنة 1988[18] قد سكتتا على طبيعة الموضوعين
الثاني والثالث" ، حيث جاءت الصّياغة مبهمة " يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع
الثلاثة المعروضة عليه والتي يكون أحدها تحليلا لنصّ أدبيّ". يبدو
أنّ الإنشاء هو النّمط الذي عوّض المقالة الأدبيّة، يعني ذلك أنّه لم يعدْ
مشروطا أن يتّخذ النّصُّ الذي ينشئه المترشّحُ طابعا أدبيّا يتجلّى في طَلاوة
العبارة وفي توظيف الظواهر البلاغيّة والأساليب الإنشائيّة... وإنّما ينبغي أن
يحافظ النّصّ على بناء منهجيّ متدرّج وتناسق داخليّ، وأن يتوخّى لغة وظيفيّة، ذلك
أنّ المقصد لم يَعُدْ التأثيرَ وجدانيّا في المتقبّل، وإنّما تبليغُ فكر واضح
والتواصلُ مع الغير بواسطة لغة سهلة خالية من التصنّع والتكلّف.
ولهذا التّصوّر علاقة بالتيّار التربويّ
المَنْفعيّ وبالبيداغوجيا الوظيفيّة التي اعتمدت في بناء البرامج التعليميّة لسنة
1978، والتي قطعت الصّلة بمقاربة تدريس الأدب بحسب الأعلام والتقسيم الزّمنيّ
للعصور، وأقامت البرامجَ على المقاربة المحوريّة، بحيث صارت البرامج دراسةً لمحاور
أدبيّة أو فكريّة أو اجتماعيّة، ولقضايا حضاريّة متّصلة بالعصر وبالتكنولوجيا.
وبالرّغم من عودة برامج 1991 إلى الأدب
وأجناسه، والتخلّي عن القضايا الحضاريّة كما كانت تعالج من قبلُ، وتغيير منهجية
الشّرح تغييرا جوهريّا بمزيد الاهتمام بالمباني وبالمقاصد، فإنّ هذا التوجّه لم
يظهر له أثرٌ في ماهيّة الاختبار، إذ ظلّت هذه الماهيّة على حالها، فقد كرّست ماهيّة
[19]1994 (و هي الوحيدة التي
ظهرت بعد إصلاح 1991) ما كان معمولا به سابقا، أي «يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع
الثلاثة المعروضة عليه ... ويكون الثاني والثالث موضوعين إنشائيين".
§
ظهورَ نمط جديد من الاختبارات يتمثّل في تحليل
نصّ أدبيّ، فقد جاء في منشور 1975 أنّ المترشح " يُخيَّر بين ثلاثة مواضيع ...، يكون
أحدُها تحليلا أدبيّا موجّها بأسئلة" ، و إن بدت الصّيغة غير دقيقة بالقدر
الكافي فقد تمّ تدارك ذلك في مواصفات 1981 حين عوّضت عبارة" تحليل أدبيّ"
بعبارة "تحليل لنصّ أدبيّ" و لكن تمّ التغافل عن الاشارة إلى ضرورة إرفاقه بأسئلة. ويجب انتظارُ ماهيات
1994 لاستكمال الصيغة التي جاءت كاملة " يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع
الثلاثة المعروضة عليه والتي يكون أحدها تحليلا لنصّ مشفوع بأسئلة".
إنّ هذا الضّرب من الاختبارات يستوجب
استخدامَ المَراقي العرْفانيّة العليا، من قَبيل التحليل والتأليف والتقييم.
ويستوجب اتّباعَ منهجية تختلف عن منهجية المقال الأدبيّ.
III - الفترة الممتدّة
بين 2008 و2015
انطلق العمل في دورة 2008 بالنظام الجديد
لامتحان الباكالوريا، وأثّر ذلك في مكانة العربية
1.
مكانة العربيّة
حمل إصلاح نظام الباكالوريا الجديد بالنّسبة
إلى مادّة العربية، وتمثل ذلك في:
- الترفيع في ضارب المادّة في الشّعبة
الأدبية من 3 إلى 4
- وإدراج مادّة العربيّة ضمن الاختبارات
الإجباريّة لبقية الشّعب بضارب 1 وبحصّة مدّتها ساعتان.
2.
ماهيّة اختبار العربيّة
أ.
شعبة الآداب: لم تشهد ماهيّة اختبار العربية تغييرا
جوهريّا في المضمون، إذ حافظت على ما كان عليه الأمر قبل 2008.ولكنْ تمّ حصرُ
المقال في "النصّ الحجاجيّ المتكامل البناء المتناسق الأفكار السّليم
العبارة"، على الرّغم من أنّ نمط النّصّ المنتَج هذا لا ينطبق على كافة محاور
البرنامج المقرّر للسّنة الرّابعة.
أمّا من حيث الشكل فقد جاءت الماهيّة أكثر
دقة ووضوحا، فحدّدت القدرات المستهدفة وشروط صياغة المقال ومواصفات النصّ من حيث
النوعية والحجم...
ب.
الشّعب العلميّة والتقنيّة
بعد غياب تجاوز أكثر من نصف قرن، استرجعت
اللغة العربيّة مكانتها ضمن اختبارات الباكالوريا للشّعب العلمية والتقنيّة
والاقتصاديّة.
وقد أٌقرّت مواصفات 2008[20] نمطا جديدا من الاختبارات
يتمثّل في دراسة نصّ مشفوع بعدد من الأسئلة يتراوح بين 6 و8، ويكلّل بكتابة
نصّ قصير حجاجيّ أو تفسيريّ. هذه الصّيغة، وإنْ جدّدت الاختبار فإنّها ظلّت
مركّزة على مضامين النّصّ وتركت جانبا جزءا من التعلّم يتعلق باللغة نحوا وصرفا
وبلاغة. وتذكّرنا هذه الصّيغة بماهيّة اختبار العربيّة الذي كان يطرح في الجزء
الأوّل لامتحان الباكالوريا" على التلاميذ المنحدرين من أقسام السّنة الخامسة
"ج".
خاتمة
اللافتُ للنّظر في ماهيّة اختبار العربيّة
غيابُ أهداف الاختبار، إذ سكتت كلُّ القرارات، إلى حدود 2008، على هذا الجانب
الأساسيّ الذي ينبغي أن يضبط الأهداف المزْمَع تقييمُها، أي تلك المعارف والمهارات
والقدرات التي ينبغي أن يتيح الاختبارُ وأسئلتُه تقييم مدى امتلاك المترشّح لها.
ولئن استطعنا أن نجد مبرّرا لغياب الأهداف في الفترة السّابقة لسنة 1992 على أساس
أنّ البرامج كانت تُوضع بناء على تصوّر تقليديّ يجعل منها قائمة في المسائل أو
المحاور، فإنّنا لا نفهم غيابها في مرحلة الإصلاح التربويّ الثاني لسنة 1992 الذي
احتفى بالأهداف وصدّر بها برامج كلّ الموادّ التعليميّة واعتمدها مقاربة في
التدريس، ولا في مرحلة الإصلاح الثالث لسنة 2002 الذي بُنيت برامجُها على مقاربة
الكفايات وما ترتّب عليها من نظام تقييميّ. وينبغي أن ننتظر ماهيّة 2008 لنقرأ
عبارة من قبيل" القدرات المستهدفة" التي تغطّي جملة من القدرات الفكريّة
والمنهجيّة يغلب عليها التعميم، مثل التوسّع في تحليل الأفكار والاستدلال...
الهادي بوحوش والمنجي عكروت متفقدان
عامّان للتربية متقاعدان
تونس - جوان 2015.
ملحق: مكانة العربيّة وماهيّات اختباراتها
من 1957 إلى 2008
السّنة
|
ماهية الاختبار
|
أهداف الاختبار
|
1957
|
توجد العربيّة في اختبارات الجزء الأوّل من امتحان الباكالوريا فقط،
يجتازها جميع المترشّحين كتابيا و شفويا مع تفاوت في الضارب ( 2 في شعبة الآداب
و 1 في بقية الشعب).
الاختبار الكتابي هو عبارةٌ عن
مقال أدبيّ عن مؤلف أو سؤال من ضمن البرنامج
والاختبار الشفاهي يتمثل في تفسير نص أي " إيضاح نص منتقى من مؤلف
يشمله البرنامج و تعقبه أسئلة متعلقة باللغة و الآداب العربية
|
|
1963
|
واحتُفظ باختبار العربية في امتحان التأهّل لشهادة البكالوريا في جميع
الشعب ضمن الاختبارات الكتابية ( توقف العمل بامتحان الجزء الثاني أو امتحان
التأهل سنة 1970.
و أدرجت اللغة العربيّة في الاختبارات الكتابية و الشفاهية للجزء الثاني
من شهادة البكالوريا في شعبيتيْ الآداب
الكلاسيكيّة أو الأصليّة وشعبة الآداب العصريّة، (بضارب 3)، كما أدرجت في الشفاهي فقط بالنسبة للشعبة
الاقتصادية و غيبت من بقية الشعب
|
|
1976
|
اختبار الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 4
وحصّة زمنيّة مدّتها 3 ساعات.
يُخيَّر المترشّحون بين ثلاثة مواضيع مستمدّة من برنامج السّنة السّابعة،
يكون أحدُها تحليلا أدبيّا موجّها بأسئلة، ويمكن أن يكون الثاني والثالث موضوعا
إنشائيّا أدبيّا أو إنشائيّة ذا صبغة حضاريّة أدبيّة.
|
لم يحدّد منشور 1975 أهداف الاختبار
|
1981
|
اختبار الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 4
وحصّة زمنيّة مدّتها 3 ساعات.
يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع الثلاثة المعروضة عليه والتي
يكون أحدها تحليلا لنصّ أدبيّ.
|
لم يحدّد القرار أهداف الاختبار
|
1988
|
اختبار الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 4
وحصّة زمنيّة مدّتها 3 ساعات.
يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع الثلاثة المعروضة عليه والتي
يكون أحدها تحليلا لنصّ أدبيّ.
|
لم
يحدّد القرار أهداف الاختبار
|
1991
|
اختبار الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 4
وحصّة زمنيّة مدّتها 3 ساعات.
لا تغيير بالنظر إلى السّابق.
|
لم
يحدّد القرار أهداف الاختبار
|
1992
|
اختبار الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 3
وحصّة زمنيّة مدّتها 3 ساعات.
لم يحدّد القرار ماهية الاختبار
|
لم
يحدّد القرار أهداف الاختبار
|
1994
|
اختبار
الآداب والحضارة العربيّة مادّة إجباريّة في شعبة الآداب بضارب 3 وحصّة زمنيّة
مدّتها 3 ساعات.
يطرق المترشّح بحسب اختياره أحد المواضيع الثلاثة المعروضة عليه والتي
يكون أحدها تحليلا لنصّ مشفوع بأسئلة ويكون الثاني والثالث موضوعين إنشائيين.
|
لم
يحدّد القرار أهداف الاختبار
|
2008
|
في
شعبة الآداب: يختبر المترشّح في أحد الشكليْن التاليين: المقال، أو تحليل النصّ الأدبيّ.
تطرح على المترشّح ثلاثة مواضيع: مقالان وتحليل نصّ.
المقال: تنوّع مواضيع المقال منهجا وصياغة، ويمكن أن يتكوّن من معطى ومطلوب
منفصليْن، أو من معطى ومطلوب مندمجين كلّيا أو جزئيّا. المنتج المنتظر:
مقال حجاجيّ متكامل البناء متناسق الأفكار سليم العبارة.
تحليل النصّ الأدبيّ: يتكوّن اختبار تحليل النصّ من سند يكون نصّا...وجهاز
بيداغوجيّ. المنتج المنتظر: تحليل متكامل البناء متناسق الأفكار سليم
العبارة.
اختبار العربية في الشّعب العلميّة والتقنية والتكنولوجيّة في
صيغة دراسة نصّ. يتكوّن الاختبار من سند يكون نصّا وأسئلة متّصلة به عددها من 6
إلى8، وتحرير نصّ قصير مستوحى من النصّ يكون نصّا حجاجيّا أو تفسيريّا في حدود
15 سطرا.
تسند من 12 إلى14 نقطة للأسئلة ومن 6 إلى 8 نقاط للتحرير.
|
" تقييم مكتسبات المترشّح من المعارف الأدبيّة ومهاراته
المنهجيّة وقدرته على الكتابة بلغة سليمة."
" تقييم مكتسبات المترشّح في مجال فهم النصوص والقدرة على تحليل
مكوّناته والتأليف بين الأفكار وإبداء الرأي فيها وتوظيف المعارف اللغويّة
والبلاغيّة والأدبيّة والحضاريّة للتعبير عن ذلك الفهم".
" تقييم القدرات التالية: الفهم وبناء المعنى/ التفكيك والتحليل/
التأليف/ التقييم/ التعبير"
|
[1] الشروط
المرجعيّة وثيقةٌ مكتوبةٌ تعرِض الغرضَ من التقييم ونطاقَه، والأساليبَ
المتَّبَعةَ فيه، والمعيارَ المعتَمَدَ في تقديرِ الأداء أو إجراءِ التحليلات،
والوقتَ والمواردَ المخصَّصة له، ومتطلبات إعداد التقارير. وهناك تعبيران آخران
يُستخدَمان أحياناً بنفس المعنى هما "عناصر المهمّة" و"التفويض
بالتقييم. معجم المصطلحات الأساسية في
التقييم والإدارة القائمة على النتائج.
[2] . تدلّ
لفظة ماهيّة) تجمع على ماهيّات (في الاستعمال اللغويّ العاديّ على كنْه الشّيء وحقيقته،
ويذكر المعجمُ الوسيط أنّها أخذت من النّسبة إلى " ما هو؟" أو " ما
هي؟". كما تدلّ هذه اللفظة على طبيعة الشّيء والمادّة التي
صُنع أو قدّ منها. وفي اللسان الفرنسيّ، تُستخدم عبارة " CONSISTANCE" للتعبير عن المعنى الخاصّ
الذي تكتسبُه لفظة ماهيّة في السّياق التعليميّ والمدرسيّ، وهي متّصلة بفعل "CONSISTER" الذي من معانيه:" يرتكز
على شيء مّا"، أو يكمن في شيء مّا، أو يتكوّن من ..." كأن تقول "
يتكوّنُ الأثاث من ثلاثة كراسي وطاولة".
[4] . انظر
القرار المؤرّخ في 30 أفريل 1994 المتعلّق بمحتويات الاختبارات في امتحان
البكالوريا، وقد نقّح سنة 1996، انظر القرار المؤرّخ في 28 مارس 1996.
[5] صدرت
مواصفات اختبارات الباكالوريا في كتيب ( و ليس في قرار) بـ 58 صفحة عن الادارة العامة للبرامج و
التكوين المستمر و الادارة العامة للامتحانات
تحت عنوان : اختبارات امتحان الباكالوريا
- السنة الرابعة من التعليم الثانوي ( نظام جديد) - السنة الدراسية 2007 - 2008 .
[6] "أحدثت شهادة تعرف بباكالوريا التعليم الثانويّ، وتشتمل
على جزء أوّل وجزء ثان: " الأمر المؤرّخ في 17 أفريل 1957 وكان الجزء الأوّل
يجرى في نهاية السنة الخامسة من التعليم الثانويّ، في حسن يجرى الجزء الثاني في
نهاية السنة السادسة وهي السنة النّهائيّة، إذ كان التعليم الثانوي يدوم 6 سنوات
آنذاك.
[7] قرار 1 أفريل 1963 المتعلّق بامتحان باكالوريا
التعليم الثانويّ - الرائد الرسمي عدد 16 المؤرخ في 2 أفريل 1963
[9] قرار وزير المعارف المؤرّخ في 17 أفريل 1957
يتعلق بشأن نظام باكالوريا التعليم الثانويّ (الفصل 12).
[10]. يمثّل مرقى التحليل الدرجة الرابعة من
أصنافيّة بلوم B S
BLOOM ويضمّ ثلاث عمليّات فكريّة هي
البحث عن العناصر المكوّنة للكُلّ، والبحث عن علاقات تحْكم هذه العناصر، ثمّ البحث
عن مبادئ تنظيم هذا الكلّ والمنطق المتحكّم فيه. أمّا التأليف فيكوّن الدرجة
الخامسة من مراقي الأصنافيّة ويتمثّل في العمليات التالية: إنتاج عمل شخصيّ، وبناء
مخطّط، واستخلاص جملة من العلاقات المجرّدة.
[12] قرار من كاتب الدولة
للتربية القومية المؤرخ في أوّل أفريل 1963 يتعلق بامتحانات شهادة باكالوريا
التعليم الثانوي -الرائد الرّسميّ الصّادر في 2 أفريل 1963
[13] شعبة " ج " هي
شعبة انتقالية يؤمّها التلاميذ الذين تابعوا دراستهم حسب النظام الفرنسيّ، و لا
يحذقون اللغة العربية كما يحذقها تلاميذ شعبة" أ " و شعبة "ب "
[14] قرار
من كاتب الدولة للتربية القومية المؤرخ في 15 أفريل 1964 يتعلق بتنقيح قرار من
كاتب الدولة للتربية القومية المؤرّخ في أوّل أفريل 1963 يتعلق بامتحانات شهادة
باكالوريا التعليم الثانويّ.
[15] قرار وزير التربية والشباب
والرياضة المؤرّخ في 14 أفريل 1970 يتعلق بتنقيح قرار من كاتب الدولة للتربية
القومية المؤرخ في أوّل أفريل 1963 يتعلق بامتحانات شهادة باكالوريا التعليم
الثانويّ.
[16] صدر النظام لجديد في منشور (المنشور عدد 239 الصادر
عن إدارة التعليم الثانوي بتاريخ 3 ديسمبر 1975) وتتمثل أبرز التجديدات في إلغاء
الاختبار الشفويّ و دورة أكتوبر و تعويضها بدورة المراقبة و إحداث المواد
الاختيارية و تقليص عدد الشعب من 6 إلى 4
و هي الرياضيات و العلوم - الرياضيات و التقنية - الآداب - العلوم الاقتصادية.
[18] قرار 27 أوت 1988 يتعلق
بتنقيح قرار 16 أفريل 1981 المتعلق بتنظيم امتحان البكالوريا - الرائد الرسمي 60- 13-9-1988
[20] صدرت مواصفات اختبارات الباكالوريا
في كتيب ( و ليس في قرار) بـ 58 صفحة عن
الادارة العامة للبرامج و التكوين المستمر و الادارة
العامة للامتحانات تحت عنوان : اختبارات امتحان الباكالوريا - السنة الر ابعة من التعليم الثانوي ( نظام
جديد) - السنة الدراسية 2007 - 2008 .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire