تواصل المدونة
نشر التقرير الذي
أعده وزير التربية الشادلي العياري في بداية السبعينات و يخصص عدد هذا الأسبوع للمقتطف الرابع و
الأخير الذي يتناول التفاوت بين الجهات في التمدرس ، للعودة للمقتطف الأول أضغط هنا.
و للمقتطف الثاني أضغط هنا و للمقتطف الثالث أضغط هنا .
عرفت المنظومة
التربوية في نهاية الستينات وبداية السبعينات
فترة مخاض في مناخ سياسيّ متأزّم وعدم استقرار على رأس وزارة التربية
القومية[1] ، بعد تنحية الوزير أحمد بن
صالح من السّلطة ومحاكمته، وتبعا للانتقال من النّموذج التّنمويّ للاشتراكيّة
الدّستوريّة إلى آخر ليبراليّ بدأت ملامحُه تتشكّل.
فشهدت تلك الفترة تراجعا عن جلّ الإصلاحات التي أرساها
وزير التربية أحمد بن صالح ، و انطلق التفكير مركزيا وجهويا في ملامح المدرسة المرجوّة
فتكوّنت اللجان[2] و تعدّدت الدراسات
الداخلية و الخارجية[3]
وكانت غايتُها الأسمى وضع أسس صالحة لسنّ سياسة تعليميّة جديدة مغايرة
للسّياسة التربويّة التي سُنّت مطلعَ الاستقلال ، تبعا للتخلّي عن النمط التنمويّ
السّابق ، وتبعا لضعف أداء المنظومة التعليميّة وكلفتها الباهظة.
و قد اختارت المدوّنة البيداغوجية تقديم مقتطفات من الدراسة الذي أعدّها
الأستاذ الشاذلي العياري في شهر أفريل
1971 لما تضمّنه من أفكار تساعدنا على
قراءة واقع التربية اليوم و فهمه و استقرّ الرأي على تقديم المقتطفات المختارة
حسب الترتيب التالي :
المقتطف الأول: مقدمة الدراسة
المقتطف الثاني : ظاهرة عدم التوازن في مستوى المجموعات العمرية
المقتطف الثالث : ظاهرة التفاوت بين الجنسين
المقتطف الرابع : ظاهرة التفاوت الجهوي
ب - 1 -4 : عدم التوازن في مستوى
الولايات في مستوى التعليم الابتدائي
إنّ دراسة أوجه عدم التوازن في ازدياد
نشر التعليم من حيث الولايات تستوجب تقسيما دقيقا للقطر التونسي إلى مدن و قرى و
مجموعات سكنية ريفية... إذ أنّ تحليلا من حيث الولايات مهما كانت سهولتها لا
يُمكّننا من توضيح نوع من عدم التوازن في ازدياد نشر التعليم و أسبابه في
المستوى الجهوي. فمن قيام البناية المدرسية إلى موقف مختلف المجموعات الاجتماعية
و المهنية إزاء نشر التعليم يبقى موضوع ازدياد نشر التعليم خاضعا إلى عوامل محلية
مختلفة يجب الاطّلاع عليها.
و هذا ما يجعلنا نقول إنّ التحليل الذي
سنقوم به يبقى غير كاف إذ أنّ وحدة " الولاية" لا تعبّر بصفة كافية عن
الواقع الجغرافي و الجغرافي - الاقتصادي
و الجغرافي- البشري الذي قد يؤثّر في نشر التعليم. و هكذا فإن الجدول عدد
11 يُبيّن لنا أنّ التشتت في نسبة نشر
التعليم بين كافة ولايات الجمهورية
مرتفع - فإن صحّ أنّ جميع الولايات سجلت تقدّما في نشر التعليم أثناء السنوات
الأخيرة فإن الفارق بقي كبيرا بين ولاية تونس العاصمة ( 91.73%) و ولاية جندوبة
( 64.55 %) - هناك 6 ولايات
من بين الولايات الثلاث عشرة لها نسبة
مائوية أضعف من المعدل القومي ( 80,16 %) و هذه الولايات الست
منها خمس توجد بوسط الجمهورية و غربها و هي ولايات باجة و جندوبة و الكاف و
القصرين والقيروان - أمّا السادسة فهي ولاية قفصة.
و بعكس ما يظنّ الإنسان فإنّ الجنوب ما
عدا قفصة ليس في هذا الوضع .و لكن وسط الجمهورية و غربها هما اللذان يتميّزان
بأكثر تخلّفا في نشر التعليم في حين أنّ ولايات الشمال و الشمال الشرقي ( تونس-
بنزرت - نابل) و الساحل ( (سوسة و صفاقس) تتمتع نسبيا بحظ وافر جدّا من نشر
التعليم .
إنّنا لا نجد صعوبة في إقرار علاقة
متينة بين نشر التعليم من جهة ومستوى التطوّر الاقتصادي والحضاري من جهة أخرى.
و لكن هنا أيضا قد يمكّننا تحليل أكثر
دقة من الاطّلاع بصورة أوضح على هيكل نشر التعليم داخل المجموعات الاجتماعية و
المهنية لكل ولاية.
و من ناحية أخرى فإنّ توزيع نسب نشر
التعليم ذكورا و إناثا في مستوى الولايات قد يكشف لنا عن صورة أخرى من عدم
التوازن و فعلا فإنّ الجدول عدد 11 يجعلنا نلاحظ :
أولا : أن 7 من 13 ولاية لها نسبة في
نشر التعليم بين الذكور أقلّ من المعدل القومي
( 85.5% ) و من بين هذه الولايات السبع توجد ولايات
الوسط و الغرب الست التي ذكرناها آنفا.
ثانيا : يمكن ملاحظة نفس الظاهرة
بالنسبة إلى نشر التعليم بين الفتيات إذ أنّ 7 ولايات من 13 لها نسبة أقلّ من
المعدل القومي (58.82% ) من بينها الولايات الست المذكورة آنفا- و لكن
الشيء الذي نضيفه هو تشتيت أكبر بين الولايات في نسبة نشر التعليم بين
الفتيات : ( 78,09 في
المائة بولاية تونس و 38,17 في المائة
بولاية القصرين). إذن فالتخلّف أقوى في ميدان نشر التعليم بين الفتيات .
يمكن أن نسعى أوّلا إلى تلافي هذا
التخلف بالنسبة إلى الفتيان و لكن نظرا إلى أنّ التعليم الابتدائي حقّ قد يطالب
به كلّ مواطن فإنّ سياسة ترمي إلى تلافي التخلف و تشمل البنين و البنات ضرورية
رغم أنّ موقف بعض الأولياء فيما يتعلق بنشر التعليم بين الفتيات لا يساعد على
السعي في تلافي هذا التخلف على مدّة طويلة من السنوات.
نحن إذن إزاء مجهود أكيد علينا القيام
به لنشر التعليم لفائدة بعض الولايات المتخلفة في هذا الميدان.
ب- 2- 5 : عدم التوازن في مستوى
الولايات في مستوى التعليم الثانوي
تختلف درجة نشر التعليم الثانوي كثيرا
من ولاية إلى أخرى و خصوصا إذا نظرنا إليها من حيث التوزيع ذكورا و إناثا وحسب
الولايات.
و يبيّن الجدول عدد 17 بوضوح التشتيت
الكبير بين الولايات و لكن هذا التشتيت يتصف بخاصيات تختلف من بعض النواحي عمّا
لاحظناه بالنسبة إلى التعليم الابتدائي.
ففي خصوص نشر التعليم بين البنين نلاحظ
أوّلا أنّه من بين ولايات الجمهورية الثلاث عشرة توجد 5 ولايات لها نسبة مائوية للذكور أضعف من
المعدل القومي ( 73.08%) هي ولايات تونس و بنزرت و صفاقس و سوسة و نابل في حين أنّ أقوى
نسب مائوية للذكور توجد بولايات القصرين و مدنين و قابس و الكاف و جندوبة و
القيروان و هذا الوضع يخالف ما لاحظناه في التعليم الابتدائي. ترى ماذا يعني
ذلك؟
إنّ تفوّق النسبة المائوية لنشر التعليم
بين الذكور في ولايات في مثل هذا الوضع المادّي إنما يدلّ على أنّ نشر التعليم
الثانوي في تلك الجهات " انفجر " فعلا بفضل انتشار المعاهد الثانوية و
مدارس المرحلة الأولى و مدارس المرحلة الثانية في كافة المعتمديات انتشارا سريعا
جدا[4] في الوسط و الجنوب في حين
أنّ ولايات الشمال و الساحل و صفاقس أنجزت بعد و قبل سنة 1969-1970 أهم هياكلها
من حيث البناءات المدرسية الثانوية - و هكذا فإن ولايات الوسط و الغرب التي بدأت
في مستوى ضعيف جدا في نشر التعليم الثانوي بين الذكور بلغت بفضل فتح عدد كبير من
المعاهد و المدارس الثانوية ارتفاعا كبيرا في الأرقام خلال السنوات الثلاث
الأخيرة خاصة في السنوات الأولى من التعليم الثانوي.
فعلى سبيل المثال وقع بناء المدارس
الثانوية الست بالكاف بين سنة 1964 و
سنة 1969 في حين أن الولاية لا تعدّ إلا
3 معاهد ثانوية فقط سنة 1964 .
أمّا ولاية القصرين التي لم تكن بها
مدرسة ثانوية حتى سنة 1963 فقد أنجزت بها بناء 6 مدارس منذ ذلك التاريخ ، وهكذا
الأمر بولاية مدنين حيث ظهرت 6 مدارس منذ 1964 و في قابس حيث كانت توجد 3 معاهد
ثانوية فقط وتوجد بها اليوم 8 معاهد.
و في القيروان وقع بناء 5 من بين
المعاهد السبعة التي تعدّها الولاية منذ سنة 1966. و في قفصة من جملة 12 معهدا ثانويا تعدّها
الولاية وقع بناء ستة منها بين سنة 1966 و سنة
1969 .
و هذه السرعة في بناء المدارس تفوق
السرعة التي سارت عليها البناءات في تونس مثلا و صفاقس و سوسة مع الملاحظة أن الظواهر الأخرى متساوية.
و يتصف هذا الوضع أيضا بوجود القسم
الكبير من تلامذة الثانوي بتلك الولايات في المراحل الأولى من المعاهد والمدارس.
فلنأخذ لذلك ولاية القصرين ( اُنظر
الجدول 18) 83 % من التلامذة
الذكور يوجدون بالسنوات الأولى و الثانية و الثالثة، ونجد نفس الظاهرة بولاية
جندوبة حيث يوجد 3504 تلميذا بالسنوات الثلاث الأولى ( 85 %) من جملة 4117 تلميذا. في حين نجد في ولاية تونس 14689 تلميذا (
60%) بالسنوات الثلاث
الأولى من مجموع 22580 من التلاميذ الذكور.
و لكن من ناحية نشر التعليم فمن المسلّم
أنّ ولايات الشمال و الساحل وصفاقس تتمتّع بوضع أحسن بكثير.
أمّا فيما يتعلّق بنشر التعليم بين
الفتيات فإنّ الوضع يختلف ، و فعلا فإنّ 8 ولايات من 13 لها نسبة مائوية لنشر
التعليم بين الفتيات أقلّ من المعدّل القومي ( 26.92 %) . و الملاحظ هنا أنّ الفرق بينها قويّ جدا إذ
أنّ النسبة المائوية تختلف من 38.13% (تونس) إلى 10.04%( القصرين) . و من
جهة أخرى فمن بين الولايات الثماني المذكورة توجد الولايات الخمس الكائنة بالوسط
و الغرب أي ولايات باجة و جندوبة و الكاف و القصرين و القيروان التي ينبغي أن
نضيف إليها ولايات الجنوب الثلاث قفصة و مدنين و قابس.
يمكن القول إذن إنّ النقص في نشر
التعليم بين الفتيات واضح جدّا في الولايات التي تعتبر متخلّفة في نشر التعليم
بصفة عامة رغم الانفجار الحاصل بالنسبة إلى نشر التعليم فيها بين الذكور.
ب - 3 أصل الطلبة حسب الولايات
إن توزيع الطلبة حسب ولاياتهم الأصلية
يمكننا من الاطلاع على مدى نهضة كلّ ولاية في الميدان الثقافي و الاجتماعي وفي
مرحلة موالية من النظر في إمكانية تحقيق لامركزية جزئية للجامعة التونسية.
إن الجدول عدد 19 يبيّن لنا أنّ 60 % من الطلبة
الجامعيين يأتون من ولايات تونس و سوسة و صفاقس و من ناحية أخرى 70% من الطالبات
يأتين من هذه الولايات الثلاث. إن هاتين الإحصائيتين تدلان على درجة التجمع و
بالتالي على الخلل من ناحية الأصل الجغرافي لعدد طلبة الجامعة.
و لكن هنالك ملاحظة أخرى يجدر ذكرها:إنّ
ولايات الساحل و الجنوب الخمس أي ولايات سوسة و صفاقس و مدنين وقابس و قفصة لها
4500 طالب تقريبا أي ما يقارب 50 % من مجموع طلبة الجامعة و بالنسبة إلى ولايتي سوسة وصفاقس فقط
نجد 3365 طالبا أي 75 % من مجموع الساحل و الجنوب. و في هذا المضمار فإن ولايات الشمال
بما في ذلك تونس العاصمة و الوسط و الوسط الغربي تبدو أكثر تخلفا في الميدان
الجامعي من الجنوب و الساحل بالخصوص إذا ما ذكرنا على سبيل المثال مثل ولاية
تونس التي لا يوجد بها إلا 2258 طالبا فقط بالنسبة إلى مجموعة من السكان قدرها
944000 ساكن في حين أن ولاية سوسة لها 1840 طالبا بالنسبة إلى مجموعة من السكان
قدرها 576000 شخص و ولاية صفاقس لها
1529 طالبا بالنسبة إلى مجموعة من
السكان قدرها 471000 شخص .
فللساحل و للجنوب " ديناميكية
جامعية " هي في الواقع ليست بجديدة يمكن أن نغذّيها و نشجّعها على المستوى
الجهوي بإحداث نواة لحياة جامعية و علمية بتلك الولايات من شأنها أن تؤثر بصفة
ايجابية في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية بتلك الربوع و تخفف على تونس العاصمة
حدّة طابعها الجامعي[5]
انتهى المقتطف الرابع
|
تقديم و تدقيق : الهادي بوحوش و المنجي عكروت متفقدان عامان للتربية
متقاعدان و ابراهيم بن عتيق أستاذ أول مميز.
تونس - مارس 2017
[1] تعاقب
على الوزارة بين أوت 1968 و 1971 خمسة
وزراء هم على التوالي : أحمد بن صالح (
أوت 1968 - نوفمبر 1969 =سنة و 7 أشهر( ، أحمد
نورالدين(- نوفمبر- ديسمبر 1969 = شهر و 20 يوما) ، محمد المزالي ( ديسمبر 69 -
جوان 1970 = 7 أشهر ) ، الشاذلي العياري ( جوان 70 - أكتوبر 71 = سنة و 4 أشهر ) ، محمد المزالي ( أكتوبر 71 -
مارس 73 = سنة و 5 أشهر )
[2] لجنة
وزاريّة و لجانٌ قارّة مختصّة ( صائفة 1970) و لجان فنّيّة متعدّدة منها اللجان
الجهويّة التي شكّلها الحزب الحاكم آنذاك و لجان فرعيّة خاصة بكل مرحلة وهي لجنة التّعليم الابتدائيّ، ولجنة التّعليم
الثانويّ، ولجنة التّعليم العالي
[3] تقرير
عن وضع التعليم بتونس و تكالبفه وضعه محمود السكلاني و لم ينشر- دراسة المعهد العالمي
لتخطيط التعليم كشف عن التطور الكمي
للتعليم بالجمهورية التونسية من إعداد الشاذلي العياري - الخطوط الرئيسية لإصلاح هياكل التعليم الثانويّ
ونظامه ( جوان 1972) - الخطوط الرئيسيّة لإصلاح هياكل التعليم الابتدائيّ ونظامه،
جوان 1972، التقارير الثلاثة من إعداد اللجان القارة وتقرير:" الخطوط
الرئيسيّة لإصلاح هياكل التعليم الثانويّ ونظامه، جوان 1972، وتقرير عنوانه:"
الخطوط الرئيسيّة لإصلاح هياكل الجامعة ونظامها، أفريل 1972. مدخل إلى مشاريع
إصلاح النظام التربوي - إعداد وزارة التربية -جوان 1972.
[4] هذا ناتج عن السياسة الرامية إلى إحداث مدرسة
ثانوية بكل معتمدية ' التي طبقتها الادارة السابقة - و كانت تلك السياسة ترمي مما ترمي إليه إلى
التقليل من المبيتات بتوزيع أكبر للمدارس الثانوية - و لكن النتيجة لم تكن ذلك.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire