dimanche 18 février 2024

المدرسة التّونسيّة خلال المرحلة التّأسيسيّة لدولة الاستقلال: (1958-1988)[1] - الجزء الأول

 


مختار العياشي

تقدم المدونة البيداغوجية هذا الأسبوع صديقاتها و لأصدقائها نص محاضرة  ألقاها المؤرخ الدكتور مختار العياشي في شهر نوفمبر 1988 بمناسبة ذكرى الخمسين لصدور قانون التعليم لسنة 1958 وذلك بالمركز المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربويّة.


وقد سعى المحاضر أن يستعرض  تطور التعليم في البلاد التونسية من أواخر الفترة الاستعمارية  إلى حدود أواخر ثمانينات القرن الماضي مرورا بعشرية المسعدي كما سماها التي اعتبرها الأستاذ العياشي بمثابة " الفترة التأسيسيّة للمنظومة التربوية التونسيّة  التي وضعت حجر الأساس للاختيارات الثقافيّة والتربويّة الوطنيّة وطبعت بذلك توجّهاتنا إلى اليوم في شأن ديمقراطيّة التعليم بنشره أفقيّا وعموديا في كامل أنحاء البلاد" .

فشكرا للأستاذ مختار العياشي على السماح لنا بإعادة نشر هذه المحاضرة القيمة .

 

 

    مقدمّــة :

كانت الرّهانات والتحديات المطروحة على المنظومة التربويّة الناشئة سنة 1958، بشهادة معاصريها، لا تقلّ ثقلا وأهميّة عن رهانات وتحديات اليوم، إذ شملت في نفس الوقت الكمّ والكيف في عالم متحول ينتظر خلاصه الوطني على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي من دور المدرسة ووظائفها.

فالمراحل التّي مرّت بها المنظومة التربويّة التّونسيّة، بدءا بالعقد الأول (المعروف بعشريّة المسعدي)، فمرحلة التّرميمات (في غياب المشروع) التّي امتدّت فترة عقدين (السّبعينات وحتّى نهاية الثّمانينات) وصولا إلى الإصلاحات الكبرى التي بدأت مطلع التّسعينات (1991) ثمّ مطلع الألفيّة الثّانيّة (2002 )، قد مثّلت محطّات كبرى في نشأة، فاستقرار، فتطوّر المدرسة التّونسيّة.

وإذا ما اعتبرنا فترة محمود المسعدي، الفترة التأسيسيّة للمنظومة التربوية التونسيّة فإنّها قد وضعت حجر الأساس للاختيارات الثقافيّة والتربويّة الوطنيّة وطبعت بذلك توجّهاتنا إلى اليوم في شأن ديمقراطيّة التعليم بنشره أفقيّا وعموديا في كامل أنحاء البلاد. إنّ فهم سياستنا التربويّة الحالية يتطلّب بالضرورة قراءة في هويّة أو مرجعيّة مدرستنا الوطنيّة خلال الفترة المعاصرة القريبة على الأقل.

ولنتبيّن نوعيّة المعطيات التي صبغت تطوّرها لابدّ أن نتوقّف عند المحطّات الأربع التاّلية:

-         وضع التعليم عند استقلال البلاد،

-         الخطوط العريضة للنظام التّربوي لتونس المستقلّة وهيكل التعليم التونسي الجديد،

-         إرساء سياسة التخطيط التّربوي العشري (1959- 1969) في إطار سياسة التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة،

-         وضع المنظومة التربويّة في نهاية المرحلة التأسيسيّة للدّولة الوطنيّة (أي بعد ثلاث عقود، حتّى سنة 1988).

1- وضع التعليم عند الاستقلال أو ثقل الإرث الاستعماري :

   تتمثّل حالة التعليم، إبّان استقلال البلاد[2]، في الوضع التالي:  تشعّبه وتشتّته بين ثلاث أنماط : فرنسي وفرنسي /عربي وأهلي عصري وأهلي تقليدي لا يخضع إلى منظومة واحدة و لا لبرنامج موحّد في المستوى الابتدائي وكذلك في مستوى التعليم الثانوي، إذ نجد معاهد فرنسيّة بحته وتونسيّة خالصة مثل المدرسة الصادقيّة وفصول التعليم الصادقي ذات البرامج العربيّة / الفرنسيّة ومعاهد مختلطة الجاليّات مثل العلويّة وكذلك الفروع الزيتونيّة...

-  عدم الإنصاف في التوزيع وعدم التكافؤ بين العنصر التونسي والعنصر الأجنبي وبين الجهات.

 -  المكانة الدنيا للغة البلاد في برامج التعليم،

 - غياب أي إشارة إلى المضمون الوطني في محتوى التعليم،

 - عدم وجود قانون عضوي ينظّم التعليم العمومي.

وقد كانت حالة التّعليم قبيل الاستقلال (سنة 1949) على المستوى الكمّي مثلا،  كالتّالي:

- 95.000 تلميذ تونسي بالتعليم العمومي، من جملة 775.000 في سنّ الدّراسة، أي بنسبة 12[3]% .

- 26.000 تلميذ فرنسي من جملة 27.500 في سنّ الدّراسة أي بنسبة 94%   و35.000 تلميذ أوروبي (ويهودي) من جملة 45.500 في سن الدّراسة،  أي بنسبة 77% .

بالنسبة إلى التعليم الثانوي مثلا، كان عدد التلاميذ التونسيّين، سنة، 1954 لا يزيد عن 6.682 وحدة بالمقارنة مع مجموع 2.900.000 ساكن تونسي (بمعدّل تلميذ واحد لكل 434 مواطن). بينما بلغ عدد التلاميذ الفرنسيين المزاولين للتعليم الثانوي 5.661 تلميذا من مجموع 145.000 مواطن فرنسي مقيم بتونس (بمعدّل تلميذ واحد لكل 25 ساكن أي بفارق يتجاوز 17 ضعف). وفي السنة الموالية (1955) كان ثلث (33.33% ) الأطفال الفرنسيين والأوروبيين من بين سن 12 و17 يؤمّ معاهد التعليم الثانوي، مقابل تلميذ واحد ، على سبيل المقارنة، لكلّ 125 طفل تونسي في نفس السنّ.

وبين سنوات 1950 و1955 (مباشرة بعد إصلاح 1949)، كان النّمو السّنوي لأعداد الدّارسين في حدود 13.200 تلميذ، وذلك ما يُوافق نسبة 19%  من الأطفال في سنّ التمدرس والذّين كانوا يؤموّن المدرسة. أمّا البقيّة (81% ) فتكوّن جحافل الأمّيين والمتسكّعين والمتسوّلين. 

و في بداية الاستقلال (بين سنتي 1955 و1956)، فقد تطوّر عدد التلاميذ بـ 80.445 وحدة (بما فيهم ما يزيد عن 35.000 من تلامذة المدارس القرآنيّة العصريّة (ECM) التي تمّ دمجها بالتعليم العمومي وارتقت بذلك نسبة التّمدرس  (6 إلى 15 سنة) من19% إلى 32.7% ،  لتصل سنة 1958 إلى 37%. فمن بين 938.820 طفل في تونس حسب الإحصائيات آنذاك  هنالك :

- 490.220 أطفال من الذّكور، منهم 218.135 يؤمّون  المدارس     

- 448.135 أطفال من الإناث، منهن 102.227 يؤممن المدارس

فيكون بذلك العدد الجملي للمتمدرسين 320.362  تلميذا مقابل 618.458 طفلا محرومين من الدّراسة.

 وخلال هذه السنة الأولى من الإصلاح (1958- 1959)،وجد 60.000 طفل، من بين 100.000 في سنّ 6 سنوات، مكانا بالمؤسّسات التّربويّة. أمّا نسبة الأميّة بالمجتمع، فهي أكثر ارتفاعا، نظرا لتراكمات ظروف الاحتلال. وفي سنة 1956، مثلا، هنالك 847 تونسي أمّي، مقابل 1000 مواطن أي بنسبة 745°% لدى الرجال وأكثر من 960 لدى النّساء. وتكون نسبة الأميّة، بحسب الشّرائح العمريّة، كالتالي :

-                     734   لدى فئة 10-14 سنة

-                     990  لدى الأكثر سنّا.

 

     وقد تبيّن هكذا للمسؤولين الوطنيين  أنّ من أوكد المهام التي ينبغي أن تضطلع بها الحكومة التونسيّة غداة الاستقلال هي مكافحة الأميّة والاعتناء بالتّربية والتّعليم وإقامة صرح نظام تعليمي على أسس حديثة، وهذا ما تمّ فعلا بمقتضى نصّ قانون 4 نوفمبر 1958.

2- الخطوط العريضة للنظام التّربوي لتونس المستقلّة وهيكل التعليم التونسي الجديد :

استعدادا لإرساء أسس النظام التربوي الجديد لدولة الاستقلال، تكوّنت في بداية سنة 1958 لجنة وزاريّة بإشراف الزّعيم الحبيب بورقيبة. فتمّ النّظر في كل الجوانب السّياسيّة والفنيّة ووقع إقرار المبادئ العامة لإصلاح شامل للمنظومة التّعليميّة. وقد ركّزت أعمال هذه اللجنة على هدفين أساسيّين وهما:

أ - ملء الفراغ القانوني بإرساء نظام تربويّ موحّد متناسق ذي طابع تونسي خاص يضع حدّا لتعدد أنماط التعليم بالبلاد.

ب - تمكين وزارة التّربية من الاضطلاع بدورها في بناء نظام ثقافي وطني يربط التّعليم بهدف تطوير الحاجيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والفنيّة للبلاد ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات النموّ الدّيمغرافي من أجل التّوصّل في أسرع وقت ممكن إلى تحقيق التّمدرس الكليّ. لكن على المستوى التّطبيقي، يتطلّب تحقيق مثل هذه الأهداف إمكانيات كبرى بالنسبة للإطارات والتّمويل.

وتكوّنت في هذا الصدد، خلال منتصف شهر ماي 1958، لجان فنيّة تحت إشراف رجل الفكر والزّعيم النّقابي سابقا، محمود المسعدي، كاتب الدّولة الجديد للتربية لإقرار الإجراءات التّطبيقيّة للإصلاح في إطار السّياسة العامّة التي وضعتها الحكومة. وقد تقرّر أن يدخل النّظام التّربوي الجديد حيّز التّطبيق خلال العودة المدرسيّة لشهر أكتوبر 1958.

هكذا تمّ الإعلان رسميا عن هذا الإصلاح، وعن خطوطه الكبرى[4] التي تضمّنه نص  قانون 4 نوفمبر 1958، في خطاب الزّعيم الحبيب بورقيبة يوم 25 جوان من نفس السّنة، بمناسبة الاحتفال باختتام السّنة الدّراسيّة  بالمعهد الصّادقي. كما تطرّق محمود المسعدي من ناحيته في ندوة صحفيّة انعقدت يوم 16 سبتمبر 1958 إلى مجمل الإشكاليات المطروحة على وزارته، مركّزا على الحلول التّي تمّ اعتمادها وهي:

-         توحيد التعليم توحيدا كاملا في مختلف أنحاء البلاد،

-         تونسته وإكسابه صبغة وطنيّة،

-          ملاءمته مع الحاجيات الوطنيّة مسايرة للتّطوّر،

-         نشره أفقيا وعموديّا بهدف ديمقراطيّة توزيعه.

 

لكن في الحقيقة بدأت تونسة التعليم منذ شهر سبتمبر 1955، لمّا تولّى جلّولي فارس الإشراف على وزارة المعارف، في إطار اتّفاقيّات الاستقلال الدّاخلي ثم واصل خلفه الأمين الشّابي (الشّقيق الأصغر لأبي القاسم الشّابي ورفيق محمود المسعدي في النّضال الوطني والنّقابي) توحيد التّعليم على المستوى القانوني، منذ شهر أكتوبر 1956، بالنّسبة للمدارس الابتدائيّة،  وذلك بإدماج المدارس القرآنيّة العصريّة (وهي مؤسسات أهليّة شبيهة بالمدارس الفرنكو- عربيّة) في التّعليم الرسمي. هذا وقد مكثت المدارس الرسميّة أو العموميّة تطبّق البرامج التعليميّة المعتادة حتّى غرّة أكتوبر 1958، حين تمّ توحيد البرامج.

فابتداء من غرّة أكتوبر 1958،  أصبحت برامج التّعليم موحّدة توحيدا كاملا في جميع المدارس الحكوميّة بالبلاد وبالنسبة لجميع درجات التّعليم. كما أصبحت هذه البرامج تشتمل على تاريخ تونس وجغرافيتها، كبلد الحضارة العربيّة – الإسلاميّة وكجزء من المغرب العربي والعالم العربي – الإسلامي وعلى دراسة الأدب العربي والفكر الإسلامي والتربية الوطنيّة والدّينيّة التّي من شانها إعداد الشبّاب للقيام بمهمتّه الاجتماعيّة والوطنيّة في المستقبل على أحسن وجه.

مّا  بالنّسبة للغة التدريس، تواصل اعتماد اللغة الفرنسيّة وقتيّا كلغة عدّة مواد في كلّ مستويات التعليم بسبب النّقص الحاصل في التّكوين العصري باللغة الأم للمدرسّين وخوفا من تدنّي مستوى التّحصيل عند التّلاميذ. كما تمّ العدول عن اتّخاذ قرارات للتّعريب من شأنها أن تكون ذات صبغة سياسيّة أو أيديولوجيّة متسرّعة لا تخدم محتوى التّعليم ولا توجّهاته التّحديثيّة.

وقد حرص الإصلاح الجديد على إرساء نظام تربويّ ملائم للواقع التّونسي ولحاجيات البلاد. ومن أهمّ أهدافه تكوين ما تحتاجه البلاد من إطارات على اختلاف أنواعها ودرجاتها واختصاصاتها لمواجهة مقتضيات العصر وتلبية حاجيّات التّطوّر الاقتصادي والاجتماعي الذّي هوّ أشدّ الارتباط بالتّربية والتّعليم، نظرا لكونه استثمار في الموارد البشريّة صانعة الثّروات.    

وعلى هذا الأساس، أمكن للإصلاح أن يردّ للتعليم التونسي وظيفته الاجتماعيّة الطبيعيّة في نطاق سياسة وطنيّة، وذلك بتسخير التّعليم لخدمة المجتمع والنهوض بالإنسان بتكوين الطّفل تكوينا يجعل منه مواطنا صالحا وبتوجيه شعبه نحو تكوين إطارات فنيّة وغيرها في خدمة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد.

كما يهدف النظام التّربوي الجديد إلى إرساء مكوّنات ثقافة عصريّة مسايرة لتطوّر العالم الحديث. وقد صار التّعليم الجديد مسايرا لتطوّر العلوم والفنون بفضل برامجه في مختلف المراحل التّي أعطت للعلوم الرّياضيّة والطبيعيّة والفيزيائيّة وللعلوم التقنيّة المكانة التّي يجب أن تحتلّها في الثقافة العصريّة. من ناحية أخرى، أصبح التّعليم الجديد مفتوحا على الحضارات والثّقافات الأجنبيّة للمشاركة الفعليّة في الفكر الإنساني في جميع ميادينه.

وأخيرا، في مستوى تحقيق التوزيع الديمقراطي للتّعليم، أفقيّا وعموديّا، يهدف قانون 4 نوفمبر 1958 إلى تحقيق نسب تمدرس عالية. وقد واجهت حكومة الاستقلال، من أجل ذلك، نوعين من الصّعوبات تمثّلت أولاها في مجابهة مخلّفات الإرث الاستعماري في مستوى تراكمات الأميّة في أوساط مختلف الفئات العمريّة للشّعب التّونسي وثانيها في نسق النّمو الدّيمغرافي السّريع (أكثر من 2%  سنويّا) مع تحسّن الوضع الاقتصادي والصحّي للمواطن.

ومن ناحية أخرى، سعيا وراء تحقيق المبادئ العامة التي سبق ذكرها وعملا بالإمكانيات المتاحة من أجل تحقيق نشر التّعليم أفقياّ وعموديّا وفق الحاجيات الوطنيّة الملحّة والتّي تضررت من الواقع الاستعماري، تمّ إقرار النّظام التّالي :

أ -  في مستوى التّعليم الابتدائي: تكون مدّة الدّراسة 6 سنوات، عوضا     عن 7. أمّا بالنسبة لساعات التدريس، فقد تقلّص عددها كما يلي:

- سنة أولى وثانية : من 30 ساعة أسبوعيا إلى 15 ساعة

- الأربعة سنوات الأخرى: من 30 ساعة أسبوعيّا إلى 25 ساعة.

لكن، هل كانت هذه الإجراءات تهدف إلى الاقتصاد في عدد المدرّسين  من أجل تمدرس أكبر، في وقت تخلّت فيه الوزارة (في شهر أكتوبر 1958) على 837 معلّم زيتوني، بحجّة عدم كفاءتهم. هذا، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الوزارة قد نظّمت لصالح هؤلاء دورات تكوينيّة للرفع من أدائهم ولتمكين إدماجهم لاحقا بسلك التّدريس.

من ناحية أخرى، حقّق إصلاح سنة 1958 تعريب كلّي للغة التّدريس بالنسبة للسنتين الأولى والثانية ابتدائي وأعطى للّغة العربيّة المكانة الأولى في السّنوات الأربعة الباقية.

       ب -  في مستوى التعليم الإعدادي (أو الوسيط)،  تدوم الدّراسة ثلاث سنوات ويتمّ تكوين الفنيّين في بعض الاختصاصات (صناعة وتجارة) أمّا التّعليم الثّانوي فهو يرمي إلى إعداد الإطارات المتوسّطة الفنيّة وغيرها وإلى تأهيل المتفوّقين من التّلاميذ إلى التعليم العالي. ويدوم هذا التّعليم ستّ سنوات (بتقليص سنة) وهذا من شأنه أن يخفّض في أعداد الأقسام ويوفّر إمكانيّة تشغيليّة إضافيّة للأساتذة.

      ج - بالنّسبة للتّعليم العالي، فيما بعد، سوف تكون للمراحل السابقة (الابتدائية والثّانوية) انعكاسات ايجابيّة على المستوى العمودي لتكوين الإطارات العليا ومن المتوقّع أن تتأسّس جامعة تونسيّة في غضون سنتين (31 مارس 1960) لتنظيم مؤسسات التّعليم العالي التّي بدأت تونسة البعض منها وإحداث البعض الآخر منذ سنة 1957. وقد يصل عدد الطّلبة، (حسب المخطّط العشري)، حدود 12.000 وحدة سنة  1960/1961.

3 - إرساء سياسة التّخطيط التّربوي العشري (1959/1969) في إطار سياسة التّنمية الاقتصاديّة:

إلى جانب إصلاح الأوضاع التّعليميّة خلال سنة 1958، قامت مصالح وزارة التربية، في السّنة الموالية، بضبط برنامج عشري لتعميم التّعليم وشرعت في تطبيقه، ابتداء من السّنة الدّراسيّة 1959/1960. وقد اشتمل هذا التخطيط على أبواب أربعة أساسية وهي:

- تخطيط مراحل النّشر الكمّي للتّعليم،

- الإعداد لنظام تكوين المعلّمين والأساتذة وانتدابهم،

- تخطيط البناءات المدرسيّة الضّروريّة لتحقيق هذا البرنامج،

- تقدير الميزانيات السّنويّة للسّير والتجهيز الكامل مدّة التّخطيط.

كما يهدف هذا المخطّط إلى:

* تحقيق تعميم التعليم الابتدائي وإجباريته (بنسق سريع)، خلال 10سنوات (نظرا لتوقّع التّرفيع سنويا في عدد التّلاميذ إلى .50.000 أو 55.000 ألف)،

* توزيع التعليم ديمقراطيّا بين الذّكور والإناث وبين كلّ جهات البلاد،

* نشر التّعليم الثّانوي، بهدف تكوين الإطارات في مختلف المستويات،

* إحداث تعليم جامعي وطني لمواجهة الحاجة الماسّة إلى تكوين أكثر عدد ممكن من الكفاءات والإطارات العليا الضروريّة لكل تقدّم وازدهار مادي ومعنوي.

 

         أمّا تقديرات التّخطيط العشري (1958-1959 /1968-1969)،  لنشر التّعليم فقد كانت كالتّالي :

- في مرحلة التّعليم الابتدائي : من 320.362 تلميذ إلى 837.000 تلميذ،  سنة 68/69.

- في مرحلة التّعليم الإعدادي التّرفيع في أعداده من 7712 تلميذ إلى 36239 تلميذ، سنة 1968/1969.

- في مستوى التّعليم الثانوي : التّرفيع في أعداده من 15570. تلميذ  (دون احتساب الفروع الزيتونيّة) إلى 93790 تلميذ. ويمرّ بذلك المجموع العام، حسب هذه التقديرات من 343.643 تلميذ إلى 966.996 تلميذ[5].

في مستوى إدماج التّخطيط التّربوي في إطار التّخطيط العام للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أدركت حكومة الاستقلال أنّ التقدّم الاجتماعي يرتبط أشدّ الارتباط بالتّربية والتّعليم، نظرا وأنّ الاستثمار في الموارد البشريّة هو أفضل استثمار لصنع الثّروات. وهذا ما حدا بدولة الاستقلال إلى إدخال تخطيط التّعليم ضمن التخطيط العام لسنة 1962، حتّى يتمّ التلاؤم والانسجام الضّروريان بين تنمية الرّأس مال البشري وبين مشاريع التّنمية الاقتصادية والاجتماعيّة.

وتواصلا للتخطيط العشري الأوّل المذكور ضبط المخطّط العام للتّنمية مدى تطوّر التّعليم في مختلف درجاته. وهكذا فإنه من المنتظر أن يصل عدد تلاميذ التعليم الابتدائي، مثلا،  إلى 926.700 سنة 1970/1971.

كما يرمي هذا التّخطيط العام للتنمية إلى :

-                     تحقيق تعميم التعليم الابتدائي وإجبارية سنة 1971،

-                     الوصول (خلال نفس السنة المذكورة) إلى نسبة 70 % من التمّدرس في الابتدائي،  (90% من مجموع الأطفال الذّكور و48 % من مجموع الإناث)،

-                     قبول نسبة  40%  من تلاميذ الابتدائي  بالتعليم الثانوي.

 

في مستوى البنية التّحتيّة، كان عدد مدارس التعليم الابتدائي، خلال السنة الأولى من الاستقلال، 575 مدرسة وتطوّر بعد عشر سنوات ليصل إلى 1354 مدرسة. بينما كان عدد معاهد التعليم الإعدادي والثانوي (سنة 1956/1957) 39 معهدا (بما في ذلك المدارس الثانوية الزّيتونية) ثمّ 109 معهدا بعد ذلك بعشر سنوات .

أمّا في التّعليم العالي، فقد تمّ إحداث الجامعة التوّنسيّة بمقتضى الأمر الجمهوري المؤرّخ في 31 مارس سنة 1960 وتعدّ المؤسّسة الأكاديميّة سنة 1965/1966: 6.230 طالبا موزّعين على إحدى عشرة معهد عالي وكليّة[6].

من ناحيتها، بلغت نسبة ميزانيّة التّعليم من الميزانيّة العامة للدولة نسبة 17.96 % ، سنة 1958/1959(أي بقيمة 8.424.300د على 46.845.000د) وتواصل ارتفاع هذه النّسبة إلى حدود  18.74% من الميزانيّة (9.111.630د على مجموع 48.600.000د سنة 1959/1960 حتى وصلت سنة 1966 إلى مستوى 24 %. [7]

لكن، هل تواصل هذا التّوجّه بعد عشريّة محمود المسعدي أم بدأت بوادر الفتور في غياب المشروع التّربوي كجزء من مشروع النّمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد ؟

نهاية القسم الأول – يتبع

مختار العياشي، استاذ تعليم عالي

Etudes d'histoire culturelle: Histoire de l'éducation et

mouvements de jeunes en Tunisie, pp. 277-282.

 

        Pour accéder à la version française, cliquer ici



[1]  محاضرة ألقيت بمناسبة الاحتفاء بخمسينيّة المنظومة التربويّة – المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربويّة – تونس ، نوفمبر 2008.

[2] Cf. AYACHI Mokhtar, enseignement colonial (1949 – 1958) et Choix culturels de la Tunisie indépendante, thèse de Doctorat, Université Paris7, 1979, 600p                                                                                                                                                                             

[3] بما في ذلك تلاميذ المدارس القرآنيّة العصريّة التّي تعدّ سنة 1949 : 23.600 تلميذ ولو اقتصرنا على التعليم العمومي فقط لكانت نسبة التّمدرس للتونسيين 9.2%.

[4] أنظر المقتطفات التّالية من خطاب الرّئيس الحبيب بورقيبة بالمناسبة ( 25 جوان 1958):

* الغاية من إصلاح التعليم :

"وعندما نفكّر في الغاية الّتي نرمي إليها من وراء التّعلّم وهل هي تخريج كبار العلماء والفقهاء أو الاختصاصيين ندرك أنّ التعليم يرمي أولا وبالذّات إلى ملء العقول بمعلومات تهيئ المواطن الصّالح".

* التعليم أداة النهوض الاجتماعي :

"عندما كنّا نعيش في صفّ المعارضة على الهامش وكانت تونس لغيرنا كنّا نعدّ البرامج ونعقد العزم على أننا عندما تستقل بلادنا وتصبح دواليب الحكم فيها بأيدينا يجب أن نبدأ بمعالجة مشاكل التعلّيم لأن كل ميدان ليتوقّف على التعليم الذّي هوّ المحرّك الحقيقي للإنسان والقوّة التّي بها يرتفع عن الحيوان ولأن ما يوضع في العقل هو الذّي يوجّه الأمّة التّوجيه الحقيقي تقدّما أو تأخّرا".

انظر: كتابة الدولة للتربية القوميّة، انبعاثنا التربوي منذ الاستقلال، تونس : منشورات الديوان التربوي، 1963، (186صفحة)، ص.1929.

[5] كتابة الدولة التربية القومية ، انبعاثنا التربوي ... المصدر المذكور، ص. 76

[6]  انظر إحصائيات التعليم العالي لنهاية السّتّينات، أرشيف متحف التربية.

[7] نفس المصدر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire