dimanche 12 février 2017

تاريخ موجز لمدارس ترشيح المعلّمين والمعلّمات في البلاد التونسية منذ الاستقلال : الجزء الثاني

  
مدارس ترشيح المعلّمين والمعلّمات هي مؤسّسات عريقة  بعثت منذ زمن الاستعمار [1] وقد شهدت منذ السنوات الأولى من الاستقلال دفعا هاما لمواجهة الحاجات الكبيرة التي أفرزتها السياسة التعليمية  الجديدة، فارتفع عددها و انتشرت  داخل الجمهورية، وزاد روّادها لكنها لم تكن قادرة على تغطية جميع حاجيات المدرسة التونسية من معلّمين. وانتشرت  داخل الجمهورية، وكوّنت جيلا من المعلّمين الذين ساهموا في نجاح عملية تعميم تمدرس الشبّان التونسيين.  ( للإطلاع على الجزء الاول اضغط هنا)


    II.            تطور شبكة مدارس ترشيح المعلّمين و المعلّمات
ورثت حكومة الاستقلال مدرستي ترشيح فقط واحدة للبنين و الثانية للبنات مقرهما تونس العاصمة وبلغ عددها في السنة الدراسية 1972 – 1973 ثماني عشرة ( 18) مدرسة موزعة على كافة الجهات  ، غير أنّ نسق تطوّر الشبكة لم يكن نسقا منتظما  و عرف تقلّبات عديدة ، و يمكن التمييز بين 4 فترات :


1      - الفترة الأولى: 1956 - 1967 :  ارتفاع بنسق متوسط ومجهود محدود.
تطابق هذه الفترة إشراف الأستاذ محمود المسعدي ، ثالث كاتب دولة للتربية القومية، وهي فترة التأسيس و تونسة المنظومة التربوية و الإقبال الكثيف على  التمدرس و قد شهد قطاع تكوين المعلّمين :
-         إحداث مدرستين جديدتين بالمرسى و المنستير  و فتح شعبة ترشيح المعلّمين بعدد كبير من المعاهد كالمعهد الثانوي بقرطاج و معهد خزندار و  معهد الذكور بصفاقس و معهد 15 نوفمبر بصفاقس ...
-         تضاعف عشر مرات عدد التلاميذ المسجّلين بهذا المسلك الذي مرّ من 465 إبّان الاستقلال    ( السنة الدراسية 1955 – 1965 ) إلى 4447 في السنة الدراسية 1966 – 1967.
لكن رغم هذا المجهود فقد أقرّ كاتب الدولة للتربية " أنّ عدد خرّيجي مدارس الترشيح الأربعة دون الحاجيات ... ففرض، منذ 1961، توجيه  ما بين 25 و 30% من التلاميذ الذين أنهوا المرحلة الأولى من التعليم الثانوي  أو بانتخاب أحسن العناصر من بين التلاميذ الذين أنهوا تعليمهم بالشعبة العامّة من التعليم الإعدادي  للالتحاق بمسلك ترشيح المعلّمين  "(المسعدي، 1963)[2]
ففي الفترة الفاصلة بين  السنة الدراسية 55 - 56 و السنة الدراسية 67 -  68   كان عدد المتخرّجين الجدد من الترشيحيين  3045   وهو عدد لم يُغطّ سوى 30,26% من حاجيات المدارس الابتدائية و قد استفحل الانخرام  بعد  تغيير عدد هامّ من المتخرّجين وجهتهم قُدّر بــ 1400 ترشيحي  أي  نسبة 38.6 % من بين المتخرجين في الفترة من 1960 و إلى حدود 1969 الذي كان 3632 ترشيحي (Bousnina, 1991) [3]

ممّا أجبر كتابة الدولة لانتداب عدد كبير من غير المؤهّلين للتدريس و نتج عن ذلك بروز أزمة في مستوى التعليم أفضى إلى مراجعة الاختيارات بناء على توصيات لجنة  الدراسات التي عهد لها مهمّة  تقييم النظام التربوي[4] و تغيير على رأس كتابة الدولة.
2 - الفترة الثانية : من نهاية الستينات و إلى منتصف السبعينات (1974/75) : ارتفاع طاقة التكوين.
أوصت اللجنة المشار إليها سابقا بإعادة النظر في السياسة التربوية بصفة عامة و في سياسة تكوين المتعلّمين و انتدابهم بصفة أخصّ ، باعتبارها مفتاح الرفع من مستوى  التحصيل لدى المتعلمين و الحدّ من الانقطاع و الفشل المدرسي .
و تنفيذا لهذه التوصيات تمّت الزيادة في طاقة تكوين المعلّمين  بمضاعفة  عدد مدارس الترشيح و توسيع الشبكة  وقد بلغ عددها 18 مدرسة ترشيح في السنة الدراسية  1975 - 1976  و ازداد عدد روّادها رغم التخلي عن التوجيه القصري و اعتماد المناظرة لانتداب التلاميذ المعلّمين ، فقد سجّلت  تلك السنة الدراسية الرقم القياسي (حوالي 12000 تلميذ أي أربعة أضعاف متوسط العشرية السابقة)


ساهمت كلّ هذه الإجراءات في تحسين نسبة تغطية حاجيات المدارس الابتدائية التي بلغت 82,05%، في الفترة ما بين السنة الدراسية 72 - 73 والسنة الدراسية 83 – 84، بفضل تخرّج 10474 معلّما جديدا.

2      - الفترة الثالثة : النصف الثاني من السبعينات : تراجع طاقة التكوين
يبدو أنّ المخطّطين لم يصيبوا كلّ الصواب لأنّ هذا التوسّع الضخم في شبكة التكوين جاء في فترة تراجع فيه نسق ارتفاع عدد تلاميذ التعليم الابتدائي مقارنة بالحقبة السابقة ( 0,39  في المدة بين السنة الدراسية 1970 -71 و السنة الدراسية 1983 – 84 ) و فترة  ( 1955 – 1966) حين بلغ نسق الارتفاع  2,71 ،فأصبح الهاجس هو البحث عن تحقيق المعادلة بين الحاجيات و التكوين و عرفت الفترة إجراءات متناقضة مثل :
-         إيقاف انتداب  تلاميذ للسنة الأولى  في سنة دراسية ما  ( 1973-72  و 75-1976 )  ثم التراجع عن القرار في السنة الموالية  ( 1973- 74 و 1976 -77)
-         بعث مدارس ترشيح ثم  غلقها بعد سنوات قليلة  مثل  ترشيح صفاقس ( 1969-70 /1973-74) ومدارس ترشيح القصرين و قفصة و منزل بورقيبة و المنزه وقرطاج ( 1971-1972/ 1972-1973) و غيرها كثير
-         غلق مدرسة ترشيح ثم إعادة فتحها من جديد بعد سنة أو أكثر مثل ترشيح سوسة التي بعثت سنة 1969 ثم توقفت سنة 1975 و أعيد فتحها 1982 أو ترشيح قربة التي فتحت سنة 1972 و توقفت سنة 1974 و أعيد فتحها سنة 1978.
يستشف من وراء كلّ هذا عدم وضوح الاختيارات و غياب التخطيط المحكم على المدى المتوسط وقد أثر ذلك في سياسة تكوين المعلمين  و سجّل عدد المسجّلين في مسلك تكوين المعلمين تراجعا منتظما إلى أن وصل إلى عُشُر ما كان عليه  في سنة الذروة. وفتح الباب لانتداب حاملي شهادة البكالوريا على مصراعيه فقد كان " 54%  من المعلمين المتربصين في السنة الدراسية 1978-79  من حاملي البكالوريا تمّ انتدابهم عن طريق المناظرة" [5] ممّا أدّى إلى تحويل مدرسة الترشيح بقربة في مفتتح السنة الدراسية 1973 - 1974 إلى  مركز وطني للتكوين المستمر لتكوين المنتدبين الجدد من حاملي البكالوريا، واستغلت منظمة اليونسكو هذا الوضع لتقديم توصية بالتخلي على مدارس الترشيح في صيغتها الحالية ( اُنظر أسفله)

4 - الفترة الرابعة : من أواخر السبعينات و بداية الثمانينات : ارتفاع طاقة التكوين و عدد المسجلين بانتظام.
عرفت هذه الفترة نوعا من الاستقرار، تزامنت مع استقرار في وزارة التربية ( بقاء الوزير محمد المزالي من سنة 1976 إلى سنة 1980  و خلفه الوزير فرج الشاذلي إلى سنة 1986 الذي واصل سياسة سلفه ) .
و تجسم ذلك في الزيادة المنتظمة في عدد مدارس الترشيح الذي مرّ من 6 إلى 8  في مرحلة  أولى ثم إلى 12  و في ارتفاع عدد المسجلين بها من 1059 تلميذا – معلما  في السنة الدراسية  1975 -1976 إلى 5369 في السنة الدراسية ( 1981 -1982 ) .

I.            جدل حول مدارس الترشيح
كان مسلك تكوين المعلمين المتمثل في مدارس ترشيح المعلمين محل جدل كبير في أوساط رجال التربية وكذلك في أوساط المموّلين و المسؤولين عن الشأن التربوي في البلاد.
§       لجنة تقييم المنظومة التربوية ( 1967)  تقترح إجراءات لاستقطاب التلاميذ للانخراط في مسلك تكوين المعلمين :
انطلاقا مما لوحظ من ضعف الإقبال على شعبة الترشيح، أوصت لجنة  التعليم الابتدائي التي أشرنا إليها سابقا  بضرورة  تشجيع الشبان على الإقبال على مهنة التدريس و اقترحت حزمة من الإجراءات لتحقيق ذلك، منها :
          إعادة ترتيب مهنة التدريس في سلّم الوظيفة العمومية باعتبار معيار القيمة الثقافية للمهنة.
          منح جميع المدارس الابتدائية الامكانيات و التجهيزات و الرفاه الضروري .
          مراجعة طريقة التوجيه نحو شعبة الترشيح لترك حرية الاختيار المبني على الإيمان الشخصي وعلى نبل مهنة المربي.
          تقديم امتيازات مادية ، بالإضافة إلى مجانية الدراسة و الإقامة ، لمن يختار التوجه لشعبة الترشيح
          فتح الآفاق للمتفوقين بمدارس الترشيح و شعب الترشيح – كما هو متوفر لبقية التلاميذ، و تمكينهم من المشاركة في مناظرات الدخول لمدرسة ترشيح الأساتذة المساعدين و دار المعلمين العليا .
§       في منتصف السبعينات انطلقت عملية تفكير حول التكوين بمدارس الترشيح و اعتبر ذلك التكوين غير كاف لتأهيل معلمين ذوي كفاءة عالية  ،  وتبلورت فكرة تغيير مدارس الترشيح إلى نوع من المعاهد الجامعية للبيداغوجيا "[6] ينتدب طلبتها  بعد الحصول على  البكالوريا، غير أنّ هذا التصوّر لم ير النور إلاّ في بداية التسعينات مع الإصلاح التربوي الثاني ( 1991)  حين بعثت المعاهد العليا لتكوين المعلمين .
§       اليونسكو تقترح مراجعة صيغة مدارس الترشيح
 في سنة 1979 قدّم تقرير[7]  أعدّته منظمة اليونسكو  رأيا نقديا جدا في شأن مدارس الترشيح و اعتمد  في ذلك ،على  آراء موظفي وزارة التربية وآراء المتفقدين و المساعدين البيداغوجيين[8] رغم تباينها، " فآراء  بعض موظفي وزارة التربية القومية كان متحفظا عندما صرّحوا  " لقد سقطنا من جديد في صيغة "التكوين" القديمة التي كانت دون قيمة مضافة خاصة و هي صيغة مُكْلفة  " و في المقابل نجد الآراء المؤيدة التي ترى انّ " مدارس الترشيح ضرورية  لإرساء الفكر  و الضمير المهنيين و للحصول على إطارات قارة و مرتبطة بمهنتهم" وأقرّ التقرير غياب الإجماع حول مستقبل مدارس الترشيح  بالقول إنّه  " يمكننا ...القول إنّ المكوّنين و المسؤولين الإداريين  يختلفون اختلافا جذريا  حول المسألة "
و بعد تساؤل التقرير حول مدى الجدوى من الاحتفاظ بالتعليم الترشيحي و توسيعه ،  نصح بالتفكير في صيغة أخرى لتكوين المعلمين خاصة  - حسب رأي أصحاب التقرير - أنّ برنامج التكوين في مدارس الترشيح  كان قريبا جدا من برنامج التعليم الثانوي العام و خاصة من برنامج شعبة الآداب و أنّ نسبة هامة من المعلمين المُنتدبين الجدد   كانت تتمّ عن طريق المناظرة  من بين حاملي شهادة البكالوريا و قد فاقت نسبتهم في بعض السنوات نسبة الترشيحيين ( انظر الجدول أسفله)  و بالتالي يرى التقرير أنه  يمكن تعميم هذه الطريقة  مع إدخال بعض التحسينات  من قبيل تخصيص السنة  الأولى للتكوين الصناعي للمنتدبين الجدد من حاملي شهادة البكالوريا . و لم يخف التقرير الدوافع المادية حين قام بمقارنة كلفة المسلكين فكلفة الوحدة للتكوين الترشيحي تساوي  2.6 كلفة التكوين في التعليم العام .
.
السنة  الدراسية
نسبة خريجي الترشيح  من مجموع المعلمين
1965 - 1966
19%
1969 - 1970
21%
2005 - 2006
36%

يتواصل الجدل إلى حدّ الساعة بين شقّ يحنّ لماضي مدارس الترشيح  ، بعد مرور أكثر من 20 سنة عن اختفائها  و بين شقّ يرى أن عهد مدارس الترشيح قد ولّى بدون رجعة .
خاتمة
قامت مدارس الترشيح بدور هامّ في تكوين أجيال من المدرّسين  ساهموا في وضع أسس المدرسة التونسية منذ الاستقلال ، ارتقى عدد منهم إلى مستوى الإطارات العليا في الوزارة ، توقف التعليم في مدارس الترشيح مع تخرّج آخر فوج من تلاميذ السنة السابعة في نهاية السنة الدراسية 1991 – 1992  و حلّ محلّها  ابتداء من السنة الدراسية 1989 – 1990 المعاهد العليا  لتكوين المعلمين .
الهادي بوحوش  و المنجي عكروت متفقدان عامان للتربية متقاعدان و ابراهيم بن عتيق أستاذ أول مميز
تونس 2014








 [1] الهادي بوحوش و المنحي عكروت  : المدرسة العلويّة أولى مؤسّسات تكوين المعلمين بتونس - المدونة البيداغوجية 14-1 -2014 

: المدرسة التأديبيّة: أولى مؤسّسات تكوين معلّمي اللغة العربيّة  - المدونة البيداغوجية 14-12 -2014 

[2]  المصدر  :  محمود المسعدي : انبعاثنا التربوي منذ الاستقلال – إصلاح التعليم و التخطيط التربوي – الديوان التربوي -1963

[3]   قدّر المسعدي أنّ مع سنة 1965 يُنتظر أن يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من المعلمين و يمكن الشروع في تعويض المعلمين الأجانب.
غير أن ذلك لم يتحقق و يقدم الدكتور منجي بوسنينة - الذي شغل منصب رئيس ديوان وزير التربية ادريس قيقة في بداية السبعينات و كاتب دولة مكلف بالتربية في بداية التسعينات -   في أطروحته تفسيرا لذلك

Bousnina .M. Développement scolaire et disparités scolaires en Tunisie , thèse de doctorat soutenue en 1981 . Publication de l’université de Tunis 1, 1991.2 tomes
[4] Annuaire de l'Afrique du nord، 1977)
[5] تقرير اليونسكو المصدر المذكور سابقا
[6] Bousnina .M-  Développement scolaire et disparités régionales en Tunisie- Thèse de doctorat –publication de l’université de Tunis 1- 1991 – p 183
[7]  Tunisie : éducation et formation : Problèmes et besoins ; octobre 1979
[8] Bilan critique des politiques actuelles et des structures d’encadrement  mise en œuvre  pour la formation et le recyclage des maîtres de l’enseignent primaire, RTSE  - Avril 1975- p 52.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire